كتب واصدارات

الجسد اليقظان.. تأملات في الجسد داخل فن الأيكيدو

عرض لكتاب الأستاذ نورالدين حنيف أبوشامة \ المغرب

خارج عمليات الحفر في مجال الانتربولوجيا، يحاول هذا الكتاب رصد طبيعة الجسد الحركية الخاصة برياضة الأيكيدو، وإن شئنا التعبير الأدقّ نقول: فن الأيكيدو. 

يحظى مفهوم الجسد في البحث الفلسفي والاجتماعي والنفسي بدرجة عالية من الرصد والاهتمام درساً وتحليلا وتأريخا ونقدا. لكننا في هذا البحث المتواضع سنحاول ملامسة قضايا الجسد داخل مبحث الأيكيدو، أي داخل رياضة تطرح إشكالياتها الخاصة انطلاقا من كونها:

رياضة وافدة من الشرق الآسيوي الموسوم بثقافته الخاصة تبعا لأصول مرجعياته الفلسية المتجذرة في التاريخ وفي العتاقة .

و ثانيا، هي رياضة تمّ تطويعها في المجتمع العربي عامّة وفي المجتمع المغربي خاصة، ومن ثمّة فهي تطرح مجموعة من الخصوصيات في النظر إلى هذا الجسد الموزّع بين نزوعيْن :  واحدٌ كوني نشترك فيه مع مفهوم الجسد الكلّي والهيولاني العائم بحكم انتمائه إلى النوع الإنساني في مقابل النوع الحيواني. وثانٍ محلّيٌّ ضاربٌ في المحليّة ومشبعٌ بنزعاته الدينية والثقافيةِ العالمة والشعبية المغربيتين في الآن ذاته .

وفي احترازٍ علمي  سوف لا نهتم بمفهوم الجسد كمفهوم مجرّد. فهذا مبحث حظي بالكثير الجمّ من الدرس والتحليل والمقاربة. إننا في هذا المبحث سنعكف على مفهوم الجسد في إطار محدد هو إطار رياضة الأيكيدو وفن ممارسته تتبعاً لحركية هذا الجسد وبيان آليات اشتغاله داخل منظومة آسيوية الأصل فرعية التعاطي .

كيف يتعامل الجسد مع الدوائر المعرفية الكامنة في عمق التحركات التقنية الخاصة بفن الأيكيدو؟ كيف يتمثل هذا الجسد ذاته وكيف يدركها وهو يتحرك داخل الركح في علاقته مع الإنسان (الشريك) ومع النظرية (مجموع الآليات المُوجِّهة)؟ وكيف يتحرك  نازلاً من  منظومة متماسكة نظرياً  بمرجعيتها الفلسفية  الآسيوية الدقيقة؟ وكيف يتحرك في منظومةٍ أخرى جديدة كل الجدّة وتمتلك كلّ القابلية لتطويع أدبيات فن الأيكيدو تطويعاً محلّياً لا يخدش في الأصول خدشاً ولا يفارقها ولو مفارقة بسيطة؟ هذه أسئلة واردة  وأسئلة أخرى تنثال تباعاً  نجيب عنها في هذا الكتيّب  المحدود برؤيتنا الخاصة والذي لا يدّعي في المجال سبقا، وإنما يدّعي إسهاماً متواضعا بهدفٍ واضحٍ لا يروم التعليم والتوجيه ولا يبحث عن كيانه المعرفي داخل الرسومات والصور الشارحة والموضّحة، وإنما هو طرحٌ معرفي من منظور خاص تغذّيه تجربة طويلة لكاتب هذا الكتاب في فن الأيكيدو. وهي تجربة  على تواضعها  كانت كافية كي تسعفني في التأمل واستخلاص نتائج  هذا التأمل واستقراء ما هو قابل للاستقراء من ممارسات طويلة في المجال، واستنباط ما هو قابل للاستنباط أيضا، والخروج بمخرجات فكرية وفنية عن هذه الكينونة الجسدانية والرياضية والفنية والتقنية والعامرة بالأبعاد  الفلسفية والروحية.

و حسبنا من هذا أن نكون مساهمين فقط لا رائدين نقتاتُ من رؤى من سبقونا إلى الضوء ونحشر ضوءنا في مشكاتهم، هادفينَ بذلك إلى تأثيث هذا الفضاء الرياضي الذي يعج بالدراسات التعليمية والتوجيهية والذي هو بحاجة قوية إلى الدراسات الفكرية الراصدة لإشكاليات الجسد داخل فن الأيكيدو .

ينطلق كتابنا، وببساطة معرفية ومنهجية واضحة من دراسة حالات الجسد في اشتغاله لا في نظره. في حركيته لا في مفهومه.  في ممارسته على أرضياتِ واقعٍ كبير هو المجتمع الرياضي اللصيق بالمجتمع الإنساني، لا في بعده الفلسفي العائم. في تحولاته على صفيح الركح لا في تهويماته التجريدية. بمعنى بسيط أيضا  فإن كتابنا هذا سيستنبط المفهوم من الممارسة والنظر من الفعل والخلاصات من التجارب. ومن ثمة فإن ما يبني منهجنا في التعامل هو فلسفة التأمل للممارسة وللتجربة وللخبرة، وهذا ما يفسر غياب الهوامش والمراجع والمصادر في مبحثنا المتواضع  لأنه مبحث قائم على التأملات الخاصة والمنصبة على تاريخي الشخصي في ممارسة فن الأيكيدو .

وسوف لا نبحث أيضا في فينومينولوجية الجسد من حيث هو جسد متصالح مع ذاتهِ أو مغترب عن ذاته، فهذا أيضا  مبحث له أخصائيوه  وله أهله الثابتون والراسخون في علمه. ولكننا قد نتقاطع مع بعض نتائج هذه المباحث بما يخدم تصورنا المحدّد في آليات اشتغال الجسد داخل منظومة الأيكيدو. ومن ثمّة، فإنّ كل انزلاق خارج هذا الإطار هو مجرّد لغو لا طائل من ورائه، ونتمنى من القرّاء الأعزّاء أن يحسبوه ضدّنا في قراءاتهم الواعية والناقدة والمضيئة والمضيفة لعتبات دراستنا التي بين أيديهم. فالكتاب الذي بدأ هنا منذ عريننا لن يكتمل إلا هناك في عرينكم، ولن يجد صداهُ الطيب إلا في معترككم الناصح والمقوّم والمُعدّل والمُصوّب ...

***

في المثقف اليوم