مقاربات فنية وحضارية
كاظم شمهود: الفن اخلاق وروحانيات جمالية

ان العنصر الدائم والثابت في البشرية هو حساسية الانسان الجمالية وفيها يتساوى الفنان البدائي مع الفنان الحديث المعاصر. واليوم نشاهد الفن الحديث وما ينطوي عليه من تجريد وعفوية وتلقائية ودلالات رمزية والمفهومية. كلها قائمة على حقائق الاشياء والجواهر الكامنة فيها. وفيها نجد نزعة صوفية. اذ كان الفن منذ نشاته البدائية يقوم على النزعة الصوفية التي يغلب عليها الطابع الوثني. فكل من الحس والعقل البدائي يقومان على التصورات الروحية. واليوم نشاهد الفن الحديث قد عاد الى الروح الصوفية. مثل ما نجده في اعمال الفنان الاسباني انتونيو تابيس 1923 وكاندنسكي 1866.. وعادة الفن من ناجية حضارية يمر في مراحل صعود ونزول وو لكن في طريقة لولبية كمتسلق الجبال الذي هدفه الوصول الى القمة حيث يلاقي في تسلقه منخفضات ومرتفعات. وهو في حالة وعي بادراك الواقع الموضوعي والهدف من ذلك النشاط الذهني والجسدي. ونجده يتحرر من كل تعسفات الحياة ويعلو على كل مظاهرها المبتذلة في صفاء روحي فياض.
يذكر ان المجتمع الغربي مر في في القرن السادس عشر والسابغ عشر في مرحلة هبوط اخلاقي وفراغ فكري حيث اخذت الحضارة تزداد في نموها باتجاه المادية. وانتهى الفنان والفن خادما لهذا اللون من المجتمع. وهو يشبه بذلك الفنان البدائي الذي فرضت عليه قسوة الطبيعة لون من الفن الكهفي البسيط والمختزل برموزه ومدلولاته الفكرية والروحية ومعتقداته البدائية.
و اليوم يعيش العالم بمؤثرات الراسمالية الهابطة والوحشية. حيث فقد المجتمع بريقه الانساني وحلت القوة مكان القيم والاخلاق الانسانية. وانعكس ذلك على المجتمع وبنيته التحتية والفكرية. وقد اشار الفيلسوف برناردشو الى هذه المأساة وحدد شروطا للفنان لمواجهتها. فقال ان الفنان لكي يصل الى العظمة عليه ان يخاطب مشاعر الجماعة بشكل او اخر.. هذا الاتجاه الذي ينطوي عليه المفهومية في بنية الفكر الانساني هي عكس مفهوم المادية. كما يعبر عته تولستوي بان هذه القيم الاجتماعية تعبر عن اتحاد الشعوب ومشاعرها الانسانية. وبذلك يستطيع الفنان ان يضمن في المدى البعيد وجود لون من الاستمرارية التاريخية لذلك الفن الصادق الكوني
ويذكر الدكتور محمد حسن مجمد في كتابه الاسس التاريخية في الفنون. ان القرن التاسع عشر كان يتسم ايضا بالانحدارية في الفن والانهيار في الاخلاق. فظهرت نظرية الفن للفن والذي شق طريقه الاباحي منذ عهد بودلير. فظهر عدد غير قليل من الشعراء والقصاصين والفنانين.. حيث قضت على معظم القيم من ميتافيزيقية واخلاقية ما عدا القيم الجمالية. وبالتالي هذا الانحراف ادى الى تغيير جذري في مسيرة الفن والانقلاب على جميع القيم القديمة بحجة اتها تقف حجر عثرة في طريق التقدم وانطلاقه. فظهرت الفنون الحديثة ومعها ارفع مستوى لحرية التعبير في الافكار والطرق الادائية. ورغم سقوط عرش الكلاسيكية بقى الفن الحديث محتفظا بالقيم الجمالية الميتافيزيقية (ما وراء المادة). وذلك لاعطاء العمل الفني بعدا ومفهوما روحيا وفكريا.
وقد وصف برناردشو تلك الانحرافات بقوله (ان اولئك المنحدرون الذين يعملون تحت لواء الفن للفن قد يبدو على اغلب الاحتمالات انهم يعنون نفس ما يتضمنه شعار الفن في سبيل الحياة. بيد انهم مع ذلك يرون الحياة من جوانبها الصارمة العنيفة ومن اتجاهاتها الفردية. بينما يعني الفن في سبيل الحياة شمول الغاية التي تكتنف الانسانية في اتساعها الرحيب كي تحقق الروح الجماعية. (بين شعوبها وافرادها). وبينما نجد ان فكرة الفن المنحدر انما قائمة في سبيل الفردية فجسب، حيث لا تنظر للانسانية في مجموعها الا باعتبارها خلفية باهتة للصورة الفردية....) وفي هذا الاتجاه تكون الانسانية في مقدمة الاهتمام الاول فتتخذ صفة الاشتراكية. ولا تسمح بالابتزاز والاستغلال. ويوكد برناردشو في طروحاته التنويرية، ان الفن له اهمية في نشر الوعي الاخلاقي في العالم. كما اكد المفكر الانكليزي جون راسكين 1819 على اهمية الفن على اعتبار انه يخلق المتعة والبهجة وقوة روحية في مدلولاتها الانسانية والجمالية. وفي عام 1904 زار كاندنسكي تونس وتاثر بالفن الاسلامي ووجد هناك بديلا عن الواقع الحياتي الذي عاشه في اوربا حيث وجد مفاهيم روحية وجمالية. وعندما عاد الى اوربا اخرج كتابا سماه الروحانيات عام 1910. ثم تزعم المدرسة التجريدية في الفن.
***
د. كاظم شمهود