مقاربات فنية وحضارية
سحنات الوجوه ام تماثل سير؟.. معرض البورتريه للفنان علي رضا سعيد
عَبوساً لمن قد جاء في غيرِ ضاحكٍ
وهلْ وجهُ رضوانَ كسحنة ِ مالكِ
محي الدين بن عربي
ثمة تحد خاضه الفنان العراقي علي رضا سعيد من خلال معرضه الاخير (بورتريهات) على قاعة الاور فلي في عمان الأردن معتمدا على التخطيطات بقلم الرصاص الاسود والابيض على الورق دون سواها من الأعمال. وتعد مجازفة حقيقية ولكنها واعية ومدركة لما تقوم به وخاصة أن المعرض احتوى على مئة تخطيط لمختلف الشخصيات العراقية والعربية المهمة التي تركت أثرها الإبداعي في المشهد الثقافي. نادرا ما نجد معرضا فنيا تشكيليا لم يحتو الا على تخطيطات بقلم الرصاص وعلى الورق كفن بورتريه فغالباً ما نجد المعارض عموما أما تكون لوحات ملونة أو أعمال نحت لوجوه الشخصيات: اما علي رضا أراد أن يخالف السائد والمعتاد لهذه المعارض التي اعتدنا عليها بهذا الفن الجميل كأنه يوثق شهاداته عن هذه الشخصيات التي تركت بصمتها وسيرها في ذاكرة الابداع العراقي وكأنه أراد القول إننا اليوم نحتفي بكم ايها المبدعون الذين صنعتم الحضارة ونحن سنكمل مسيرتها هذا من ناحية القراءة الظاهراتية للمعرض والشخصيات.
في حقيقية الأمر أن الفنان علي رضا أطلق صرخة مدوية من خلال معرضه الاخير وربما تحمل رسالة عتب على التاريخ والناس الذين فرطوا بمبدعيهم الذين تركوهم في الشتات وهم أنكروا عطائهم ومنجزهم بل اقصوهم عنوة لغايات ايدلوجية أو جهل أو ثأرا .
ما يميز علي سعيد في رسم البورتريه هو إختيار الشخصية بعناية وقد لا يختلف عليها اثنان برؤية المثقف الذي يعي من هي الشخصية المجسدة على سطح بياض ورقته.
وما يلفت الإنتباه للشخوص والأعمال المصورة من خلال محاورتها والاحتفاء بها ؛ فأعطاها بريقها من خلال تقنية الضوء والظل واقتناص اللحظة الزمنية لحركة الوجه والعينين وتعابيرهما إضافة إلى حركة الرأس والشعر والجبهة والصدر والملبس والاكسسوارات فكل علامة من علامات الجسد أعطاها ديناميكية التعبير والغرض من المنشأ .
شخصيات ووجوه علي سعيد بدت في سحناتها وحضورها ذات الصفات الإنسانية من الوقار والهيبة وتحمل حكاية وسيرة تجبل المشاهد للبحث عن ماهية وكينونة هذه الشخصية وهنا تكمن رسالة الفنان الثقافية والإنسانية واعترافا منه بالجميل لما تركوه من منجز أضاف إلى تأريخ وحضارة العراق إشراقا ونصاعة ومجدا.
أن تكثيف الضوء وشدته وتسليطه على أماكن معينة ويناقضها اللون الأسود وتدرجات الظل فهو بمثابة رؤية الفنان لقيمة الشخصية وأهميتها وبعدها الزمكاني وقوة الوشاىج التي تربطه بها من علاقات امتدت لسنين طويلة.
مما لا شك فيه أن الحدة في السواد وشفافية اللون الأبيض وتدرجات الظل والهرمونية التي اتسقت بين كل هذه العناصر تعطي حوارا قد عقده علي رضا سعيد مع هذه الشخصيات وكانه كان يحاورها ويستعيد ذكرياته معها ويذكرها بالماضي الجميل أو يشكي لها لما ألم بالوطن ولكن ثمة شعاع وبريق تلحظه من خلال النص البصري المجسد يعطي للمشاهد بارقة أمل.
الفنان هنا من خلال توظيفه للشخصيات ومن خلال حواره معها أراد التأكيد على أن مهما عصفت بنا المدلهمات واشتدت الصعاب فلا خوف على العراق لانكم اي مبدعي العراق انتم من سينقذ الوطن وأنتم هوية العراق.
أن معرض السعيد هو رسالة حب وعرفان منه لمئة شخصية ثقافية عراقية وعربية وليس هذه نهاية المطاف لكنها محاولة من شخصه ليستذكرهم بمبادرة شخصية فتلاحظ على النصوص البصرية سيمياء المحبة ودلالتها مع كل خط من خطوط قلمه وخاصة وضعها وعرضها على شكل ألبومات جماعية.
***
رياض ابراهيم الدليمي