مقاربات فنية وحضارية
توفيق التونجي: الرسام أندرش كنوتسون والأشجار المسحورة
الأشجار ولوحة اللون الواحد أسلوب خاص للرسام السويدي الأصل، الأمريكي اندرش كنوتسون وهو من مواليد مدينة مالمو الساحلية والميناء الجميل الذي تربطه بالعاصمة الدنماركية كوبنهاكن بجسر يقطع بحر الشمال. هنا في هذه المدينة درس الفن والهندسة. وفي عام 1967 هاجر إلى الولايات المتحدة للعمل في صناعة الطائرات وحصل على الجنسية الأمريكية عام 1976. درس الفن وطور أسلوبه باستمرار. اتخذ قراره في عام 1970 ليتجه نهائيا الى الرسم كمحترف عاش في مدن: إلينوي وأوهايو وكاليفورنيا وفيرمونت وتورنتو (كندا) ومنذ 1976 في مدينة نيويورك.
يقول الرسام:
- أتمكن من سماع ما في داخل نفسي. إن أفكاري وعقلي يحاولان المحافظة على الزمن والعمر، وأنهيار سر الحياة. تقف الأشجار القديمة على مسافات بمراعات واحترام من بعضها البعض.
زرت احد معارضه الشخصية في السويد قبل ١٤ عاما خلت ووقفت امام اللوحات الكبيرة للاشجار وكاني ادور بين دروب غابة كبيرة. من هنا ينطلق افكار الرسام ليرى تاريخا يعود الى ايام الفراعنة وحضارة بابل ليرسم الجذور ويشكل منها لوحات رائعة. لا اعرف لماذا تذكرت شجرة ادم التي كانت تقف شامخة في القرنة قبل نصف قرن في بصرة الابلة ربما لانها ذكرتني بتلك الجذور التي رغم كونها منغرسة في تراب الان اغصانها في عنان السماء وكانها تدعوا وتناجي الرحمن رغم خلوها احيانا من اوراقها فانها مثل تلك الادعية التي تربط على مراقد الاولياء والصالحين لنذور البشر والتي تحمل احلامهم في بلاد الرافدين.
الشجرة كاحد ادوات اللوحة الفنية استخدم في اللوحات الفنية كاشارة الى وجود الحياة واستمراريتها في حين رسم الرسامون الحياة الجامدة في لوحاتهم للتعبير عن رتابة الحياة، ربما. لكن اندرش ياخذنا في عالم خيالي يربط بين الأغصان اليابسة وجذع الشجر متخيلا اشكالا بديعة. كاننا نتامل حكايات وروايات ونحن نزور الايك.
اما الأشجار اليابسة فتذكرنا ما يجري اليوم من تغيرات مناخية وهذا رمز لما يقوم به الإنسان من تدخل مباشر في البيئة مما يؤدي الى اختفاء الغابات والمناطق الخضراء وتغير المناخ والغطاء النباتي في المعمورة.
السويد كدولة يغطي ربما اكثر من نصفها بالغابات والنصف الاخر بحيرات. يقول الرسام:
أعتقد أن هناك شيء سويدي في فني وذلك واضح في النمط والتصميم والأسلوب. والأكثر ملموسا هي اهتمامي بالضوء.
الضوء حس روحي ورمزي
الغابات وما يدور بين احراشها موضوع فني نراه حتى عند الرسام (يون باور) الذي يتضمن اعماله جميع الحكايات الخرافية التي تدور في غابات "أقليم سمولاند" والتي استلهم العديد من الأدباء حوادث رواياتهم بين أحراش تلك الغابات أمثال كاتبة قصص الأطفال المعروفة (استريد لينكرن) وآخرون.
يقول الرسام بان الشجرة كموضوع، حيث إن الإلهام والمعنى قوي جدا بالنسبة لي".
ويبدوا متاثرا جدا بالمشاريع الزراعية البيئية لتشجير الأراضي القاحلة خاصة ما قام بها الناشطة الكينية الدكتورة (وانجاري ماثاي)، والتي كانت من دعاة حماية البيئة. والحاصلة على جائزة نوبل للسلام. ساعدت أفكارها حول البيئة في زراعة ملايين الأشجار عبر كينيا لمنع تآكل التربة، وتحسين ضروف الحياة لابناء البلد.
قام الرسام وخلال عقود وخاصة في الفترة التي قضاها وفي ضروف صعبة في الولايات المتحدة ، نيويورك وفي بروكلين 1990 بالذات والحديقة النباتات القريبة من مرسمه ، بروسبكت بارك (ب Prospect Park) وهي حديقة عامة تبلغ مساحتها 2.37 كلم مربع، صممها فريدريك لو أولمستد وكالفرت فاوكس. وبين أشجارها التي كان يقضي أوقاته فيه اثر في أسلوبه ومن ثم في لوحاتة أحادية اللون من أوائل السبعينيات عندما قرر الرسم باحتراف ، خاصة بعد انتقاله إلى مدينة نيويورك عام 1976.
وأسلوبه تلك قدم لوحات "أحادية اللون" أي ذو اللون الواحد واستخدام ظلال مختلفة بقيم ودرجات مختلفة في اللوحة. كما استعمل الرسام الألوان الفسفورية في لوحاته لرؤية اللوحة حتى في الظلام. تاركا ارثا من اللوحات التي تحاكي تلك الأشجار الباسقة التي نمت مرتفعة من الثرى وهي تعانق عنان السماء.
عرض أعماله في المتاحف والمراكز الفنية والمعارض والجامعات والشركات والكنائس والأماكن الرسمية وغير الرسمية وفي العديد من البلدان. واستخدمت لوحاته وأزياءه وأشياءه المضيئة في عروض الرقص والإنتاج المسرحي والمناسبات المختلفة.
***
د. توفيق رفيق التونجي - السويد