مقاربات فنية وحضارية
نصر الدين العسالي أو اللوحة في مواجهة رداءة الواقع
يتواصل معرض الفنان التشكيلي التونسي نصر الدين العسالي حتى الثالث من شهر افريل/ ابربل القادم في رواق علي القرماسي الكائن بنهج شارل ديغول بقلب العاصمة التونسية.
اللافت في لوحات الرجل البحث الدقيق في العملية التقنية المتعلقة بتركيبة اللوحة وخلق تناغم مدهش بين الألوان والأضواء والظلال والزوايا الأمر الذي يجعل المرء منشغلا بشكل واضح ولا ليس فيه.. كيف لهذا الرسام ان يشتغل تشكيليا وبمهارة عالية واتقان لا عبارة عليه والحال أنه لم يدرس الفنون التشكيلية في معاهد عليا.لحظة دخولك إلى رواق القرماسي تاخذك اللوحات إلى عالمها الفاتن وكانها خارجة من اقاليم الروح وهنا بيت القصيد...
أغلب لوحات العسالي تتجلى فيها عوالم الروح بكل تعبيراتها وطوافها وتحليقها الخلاق في فضاءات الدهشة والحلم وهروب الكائن البشري من ادران الحياة وما تحملها من إنكسارات وخيبات وطموحات وآمال واحلام. إن فرادة التجربة التشكيلية للرسام نصر الدين العسالي تكمن تحديداً حسب قراءتنا المتانية للوحاته ان ثمة علاقة عضوية بين اللوحة والواقع مثلما وصفناه سلفا. بقدر ما تكون الوحة غاية في الجمال والإتقان الفني والتناسق والتناغم بين كل مكوناتها فهي أي اللوحة منغرسة في الواقع بل هي في مواجهة واضحة وجلية مع رداءة الواقع بكل تفاصيله على إختلاف المكان والزمان والثقافة والحضارة والدين واللغة والعرق. بمعنى آخر لو ان هذا المعرض اقيم في أي مكان من اقاليم الكون فان المتلقي سيدخل مباشرة في علاقة عشق خرافي ولون مبالغة مع أي لوحات من لوحات.
الفنان التشكيلي التونسي العربي نصر الدين العسالي الذي حسب تقديرنا نحت لنفسه بصمة خاصة في عالم الرسم فهو لا يشبه أي كان من المشهد التشكيلي التونسي والعربي دون نسبان ان الرجل عاشق لفن الشعر الذي لاحظناه في إقتراب اللوحة من القصيدة عالما وخيالا وطقوسا. بالامكان هنا التاكيد ان الرسام العسالي ينهل كثيراً من عالم الشعر على مستوى الترميز وعدم إعطاء المتلقي التفسير لمقاصد اللوحة وابعادها الرمزية مثلما يفعل الشعراء المتمرسين والعارفين بخبايا اللغة ومنعطفاتها التخييلية. نثلا لوحة فلسطين البديعة ليست سهلة الفهم والتفكيك تشكيليا أو لوحة المهاجرون عن سوريا وما حدث فيها في السنوات الأخيرة رغم ان عنوان اللوحة واضح تمام الوصوح إلا ان الرمزية هي المسيطرة....
إن الفنان التشكيلي التونسي نصر الدين العسالي بمعرضه هذا واللوحات الغارقة في البهاء والحلم، لسنا نبالغ حين نكتب ان فرادته واضحة في المشهد التشكيلي التونسي والعربي وبامكانه ان يحلق عاليا وبعيدا ويشرفنا في المحافل الدولية..هنا وهناك.. في مشارق الأرض ومغاربها....
في ختام مقالتنا لابد من تحية شكر وإمتنان لكل الأستاذة المشرفين على الفضاءات التي تحتضن المعارض الفنية التشكيلية في تونس الراهنة كرواق علي القرماسي ورواق الفنون ببن عروس ورواق قصر خير الدين بمدينة تونس ورواق البالماريوم ورقاق الهادي التركي بسيدي بوسعيد ورواق يحي.....
البشير عبيد / تونس