مقاربات فنية وحضارية
محمد البندوري: الفنانة التونسية غادة بن عامر تتحدث عن معرضها حديث الجسد
في حديث الجسد.. مسرحة تشكيلية تشكلها عوالم جسدية
الحديث واحد، لكنه يغيّر أرديته في كل مرة. ومهما تغيرت الأحاديث، يبقى الجسد هو الجسد.
حديث.. يتناقل على أعتاب أجساد
صوت وحركات وكثير من المرح
هو جسدي هو مركبتي الورقية التي تحملني وتحمل أحلامي عاليا حيث الشمس
الجسد هو السناء والجمال.. هو الفضاء الفسيح الذي تتلألا فيه الزهور والأماني الجميلة
تزهر الحياة كأنشودة حب ويبقى.. حديث الجسد.. نقوش على جدران الروح.
حديث الجسد هو معرض شخصي يعالج موضوع الجسد بشكل مباشر يتضمن سبع وعشرون لوحة عشرين لوحة بتقنية الاكريليك و سبع لوحات تتمثل في صور فوتوغرافية مأخوذة من إحدى عروضي الأدائية، لوحات فنية بمقاسات وأحجام كبيرة وبتقنيات متعددة.
كل الصور والشخصيات الحاضرة في اللوحات لها مرجعية تراكمت في ذاتي فبدت في لوحاتي زائرة من الذاكرة او من مستقبل لم يحل بعد.
الجسد بالنسبة لي هو الاداة والموضوع وهو مادة ثرية جدا احاول من خلاله رسم الجسد الانثوي بعيدا عن ثقافة العري ولكن اريد رسم جسد بمفهوم تشكيلي مسرحي. هدفي أن أرسم هذا الكائن المتبدل، المتغيّر، المتجانس والمفكّك والمتشظي في بعض الاحيان. أعمالي تتمحور حول الجسد حيث قمت في السابق بالعديد من التجارب الممارسات التي اتخذت من الجسد مبحثا أساسيا في محاولة مني لمحاورة المواد و الخامات واختلفت هذه المواد من تجربة الى اخرى فتعاملت خصوصا مع تقنية التغليف بخامة البلاستيك والخيوط في عروضي الادائية ولكن هنا قمت بعملية تنقية حيث لا مكان ولا مجال في العمل الا للجسد الجسد في صوره المختلفة قد تكون واقعية او متخيلة حلمية او طيفية لذلك الجسد يتخذ في عملي أشكالا متعددة قد تكون واضحة المعالم أو غامضة .. متشظيا كاملا أو لا مكتمل .. عملي على الجسد ينبع من تمردي على نظرة المجتمع و موقفه و ربما ذاكرتي الجسدية ...انها لذة انشائية تتصاعد خطيا وتشكيليا على اللوحة. مشاهد يمكن بأن أوصفها بأنها مشاهد سينوغرافية لتصنع من الأجساد شخصيات ممسرحة حيث أني هنا شبهت نفسي بامراة مسرح في تعاطيا مع الجسد حيث لدي هنا شخوصي الخاصة التي أسيرها وأتصرف بشكلها وموقعها داخل فضاء اللوحة في محاولة مني لتحويل هذه الكائنات المصورة الى حقيقة نابضة بالحياة. وكأني في هذا المعرض وبهذه الاعمال بصدد الكشف عن لقطات من شريط مسرحي وعلى المتلقي أن يحدد ويتخيل مصير هذه الشخوص وهذه الحالات المصورة.
هنا لا مكان سوى للجسد وحالاته المختلفة، هذه الحالات المختلفة من التواصل بين شخوص لوحاتي تشير بدورها إلى حالات حسيّة للبعض منها مرجعية ذاتية وصور ذهنية في ذاكرتي وحالات عايشتها وتأثرت بها وأثرت فيا ـ ولاستعراض هذه الحالات وتبايناتها يتم استعراض الجسد نفسه، من خلال تفاصيل الأجساد، التي قد تظهر كاملة أو البعض منها، تفاصيل تبدو وكأنها توثق لحظة تجلي الجسد، هذه اللحظات هي التي تغيّب بدورها أي وجود للمكان، وبالتالي الزمن.
تتضمن لوحاتي العديد من الألغاز تنتظر من المتلقي فكها والبحث فيها والاقتراب منها خصوصا اني اشتغلت كثيرا على جدلية الحضور والغياب والمرئي ولا مرئي والظهور والتخفي كلها مصطلحات تتطلب من المتفرج التفاعل معها ومحاولة استنطاقها.
كل لوحة لها حديثها وكل لوحة لها أجواءها الخاصة منتقاة من جملة من الافكار التي تطرحها مخيلتي. لوحات تحمل الناظر الى فسحة من الجمال والابداع .
لا نرى في اعمالي مشاهد لامرأة وحيدة أو حزينة، بل مجموعات من النساء تتباين أجسادهن، ويشكلن في النهاية كتلة متداخلة، وكأنهن كائنات خرافية آتية من عالم الأساطير. وحتى عند لوحة تتمثل امرأة بمفردها، تبدو السيطرة من خلال الجسد الذي يشغل مساحة اللوحة بالكامل، وهنا تختفي تفاصيل المكان لصالح الجسد وعالمه، فلا مقاعد أو مناضد، وصولاً إلى المرأة المنشغلة بذاتها عن العالم ــ فلا يوجد عالم خارجها ــ فلا تواجه الآخر، بل فقط تعطي الجميع ظهرها، وهو وضع دلالي في التكوين الفني تشكيلياً أو سينمائياً، فصاحبه لا يهتم، ولا يريد التواصل، لا عن عزلة، بل عن عالم لا يرغبه، ولا يريد التورط فيه، فقط عالمه الذي يحياه "تنقية الجسد"
الحضور المُمسرح للجسد عبر تموضعات مختلفة وهيئات بشرية متنوعة تتداخل الطرق وتتمازج من خلالها الصور ليجد المتلقي نفسه أمام لوحة تشكيلية و كأنها مسرح من الشخوص حاولت من خلالها آن أقدم رؤية واقعية للأشياء ضمن تصورات عفوية حالمة فالتعبير الفني يبقى عملية امتزاج كامل بين الذات والموضوع.
مثلت لوحاتي بعُرس لاجتماع الهيئات الجسدية، إنها مساحة للتأمل والاندماج والانصهار،أشخاص في حركة وهيئات أخرى مستلقية وأخرى تتراقص وتتهافت في مشهد مُمسرح يحول مساحة اللوحة لمسرح نابض، بأبعاد تشكيلية عن طريق البحث في تجليات هذه الأجساد وأبعادها التعبيرية.
مشاهد يمكن بأن أوصفها بأنها مشاهد سينوغرافية لتصنع من الأجساد شخصيات مُمسرحة حيث أني هنا شبهت نفسي بامرأة مسرح في تعاطيا مع الجسد حيث لدي هنا شخوصي الخاصة التي أسيرها وأتصرف بشكلها وموقعها داخل فضاء اللوحة في محاولة مني لتحويل هذه الكائنات المصورة إلى حقيقة نابضة بالحياة. وكأني في هذا المعرض وبهذه الأعمال بصدد الكشف عن لقطات من شريط مسرحي وعلى المتلقي أن يحدد ويتخيل مصير هذه الشخوص وهذه الحالات المصورة.
إن “ميسزانسان” الجسـد في لوحاتي يعمل كمنارة حدودية فيرصد حدود حضور الشخص تجاه الآخرين حاولت ترجمة الفكرة من خلال الرسم وتحويل رؤيتي إلى حركة، رقصة أو خطوط تنسدل في انسيابية ومرونة وهي خطوط مرسومة بعفوية وشجاعة على قماش اللوحة، خطوط تحضر تناجي هالة الجسد وهالة الألوان الحارة.
مثل حضور الجسد في لوحاتي مسألة أساسية حيث أنه العنصر الحاضر بقوة ليس كمجرد تفصيلة داخل عمل لا بل هو الركيزة في اللوحة والبطل مع كل حكاية كتبتها بفرشاتي، معرضي الشخصي " حديث الجسد" هو حديث وثرثرات باح بها الجسد ورهان تشكيلي إلى أي مدى أصبحت حركة الجسد لغة تعبيرية بدلا من اللغة الشفاهية؟ إلى أي مدى استطاعت هذه الأجساد البوح عبر تعبيريتها ومن خلال هيئاتها التي صورتها. إنها دعوة للتفكير في الهوية الأنطولوجية التي تقود إلى هويات المسرح الصامت المعاصر وإلى التساؤل عن أنماط الحضور الصامت داخل اللوحة المسندية. إنها الرغبة في العودة إلى المصادر الأصلية للجسد المثير الفعال في صياغة المشهد. في الواقع يتعلق الأمر بالإخراج الفعلي للفضاء وأصل الكلام الجسدي، لإظهار الجسد المتحول/ المتراقص/ المهيكل/ المتشعب على سطح اللوحة.
إننا أمام حديثا و بوحا لونيا، في شتى الحركات و الحالات والهيئات لإبراز مضامين متعددة وتعابير ورؤى مختلفة. هو حديث متنوع متعدد ومتكرر باختلاف، متشابه، متقارب متباعدا يتيح للزائر حرية القراءة والتأويل".
د. محمد البندوري