أقلام حرة

رافد القاضي: عالمنا الجميل.. كيف نعيش في مسرحية كوميدية بدون جمهور؟

هل توقفت يومًا لتتأمل هذا العالم الجميل الذي نعيش فيه؟ نعم، أعني هذا العالم الذي يزخر بالمواعظ العظيمة على لافتات الطرق والنصائح المبهجة في الأخبار، وأغاني الحنين التي تُرسل مباشرة إلى أذنك بينما أنت تعلق في زحمة لا تنتهي وعالمنا يشبه طبق السلطة: كل شيء فيه مختلط، أحيانًا يلسعك البصل أحيانًا يضحكك الطماطم وفي النهاية تبقى تتساءل لماذا أنت جائع أصلاً.

في عالمنا، أصبح من الطبيعي أن يكون كل شخص "خبيرًا" في كل شيء لا يهم إذا كنت طبيبًا، مهندسًا، أو حتى بائع خضار المهم أن تعرف كل شيء عن السياسة والاقتصاد والفلسفة وعلم الفضاء وأغلب هؤلاء "الخبراء" لم يقرأوا أكثر من عنوان صحيفة أو منشور على وسائل التواصل الاجتماعي، لكن ثقتهم.. آه، ثقتهم في آرائهم لا يهزمها حتى عقل أفلاطون.

أما عن التكنولوجيا، فهي أعظم مسرحية كوميدية على الإطلاق فكل يوم نتحمس لابتكار جديد يعدنا بأن حياتنا ستصبح أسهل، ونكتشف بعد أسبوع أن الابتكار نفسه قد جعل حياتنا أكثر فوضى فالهواتف الذكية، على سبيل المثال، صارت تراقبنا أكثر مما يراقبنا جيراننا في أيام زمان نلتقط صورة لشاي الصباح، وفجأة يظهر إعلان لشراء فناجين الشاي على كل موقع نفتح ولم تعد الخصوصية كلمة، بل مزحة سخيفة نضحك عليها ونحن ندفع ثمن البيانات الخاصة بنا.

ولننتقل إلى السياسة، حيث الكوميديا تصل إلى ذروتها فالسياسيون أصبحوا كالشخصيات في مسرحية مستمرة  كلماتهم مطاطية، ووعودهم كالفقاعات، ومهارتهم الأكبر في تقديم خطاب طويل بلا معنى بينما الجماهير تصفق لأن الصراخ أصبح موضة وكل الوعود تتحول إلى نكتة، وكل قانون جديد هو نسخة محسنة من القوانين السابقة، لكن أكثر تعقيدًا وأكثر قدرة على إرباك المواطنين.

المجتمع؟ آه، المجتمع ! مجتمعنا يشبه حديقة مفتوحة وكل شخص يحاول أن يبرر تصرفه الغريب بعبارات رنانة مثل "التطور الطبيعي" أو "الحرية الشخصية"، بينما يصرخ الآخرون من حوله: "انتبه، هذه ليست حرية، هذه فوضى !" ورغم ذلك، لا أحد يوقف العرض، لأن الجميع مشغول بالتصفيق.. أو بالتقاط صور منها لاحقًا على وسائل التواصل الاجتماعي.

ولا ننسى ثقافة الشهرة، حيث أصبح كل شخص نجمًا في عالم افتراضي وهمي فما أهمية الإنجاز الحقيقي عندما يمكنك الحصول على ألف إعجاب على صورة لقهوة الصباح أو فيديو قصير لنوم القطط؟ الشهرة الآن ليست نتيجة جهد أو موهبة، بل نتيجة قدرة الفرد على جذب الانتباه بأية طريقة ممكنة، حتى لو كانت سخيفة أو مهينة.

وإذا ما حاولت التفكير بجدية، ستكتشف أن السخرية هي البقاء، والفكاهة هي الوسيلة الوحيدة لفهم هذا الجنون لأننا في النهاية لسنا في مسرح حقيقي، نحن في مسرحية متواصلة بدون نهاية، حيث كل واحد منا يلعب دوره بشكل مبالغ فيه، وكل المشاهدين.. هم أنفسهم أبطال هذا الجنون يصنعونه ويعايشونه في الوقت ذاته.

باختصار، عالمنا جميل، لكنه أجمل عندما نضحك ضحكته الساخرة، ضحكته المريرة ضحكته التي تجعلك تتساءل هل نحن أبطال أم كومبارس؟ هل نعيش الحياة، أم أن الحياة تعيشنا ونحن نكتب لها نصوصًا لم نكتبها؟ الحقيقة أنها مسرحية عبثية، وكل يوم نكتشف أن النهاية ليست نهاية، وأن كل شيء مجرد فقاعة.. لكنها فقاعة مضحكة جدًا.

***

د. رافد القاضي

في المثقف اليوم