أقلام حرة
صادق السامرائي: الصومعة المعرفية!!

الصومعة المعرفية: من صومعة وهي معبد الرهبان في الأماكن النائية ينقطعون فيها للعبادة، والذي يعيش فيها ينعزل عن الناس وتطورات العصر.
ما أكثر حملة الشهادات في معظم الاختصاصات العلمية والواقع لا يتوافق معها، فالحال يتدهور والمعرفة في عزلة عن المجتمع المطحون بالأضاليل والأوهام الغيبية والمخاوف المصيرية، وعدم القدرة على التفاعل مع التحديات بإرادة تفاعلية معتصمة براية مشتركة.
ما أكثر الجامعات في مجتمعاتنا والواقع لا يتوافق مع قيمتها العلمية والثقافية، فالجامعات ربما تعيش في عزلة عن المجتع الذي هي فيه، وكل نشاط ثقافي ينعزل عن الوسط المجتمعي الذي عليه أن يتحرك فيه يفقد قيمته ودوره.
هذه الصومعية ليست جديدة، وهي من أهم أسباب عدم تواصل الأجيال علميا ومعرفيا في مسيرة الأمة، فالقول بأن سقوط بغداد قد أجهز على طاقات الأمة المعرفية ليس مصيبا تماما، فالعلة الحقيقية أن علماء الأمة ومبدعيها كانوا يتمتعون بأنانية واضحة، وما فكر واحدهم بتوريث ما يعرفه للأجيال، بل كل منهم فكر بمصلحته، وما يستطيع كسبه من العطايا والجاه، فقوته ومكانته فيما يعرفه ويبتكره، ولا يسمح لغيره بمعرفة ما يعرف.
ليس قدحا بعلماء وجهابذة الأمة المعروفين، لكنها قراءة لواقع لا يمكن فهمه بغير ذلك، فلو أن لكل منهم تلامذته وتابعيه، ومَن دربهم وأحسن تعليمهم، لتواصلت المسيرة العلمية، وما إستطاعت أية قوة النيل منها وتبديدها.
ففي حاضرنا المنهوك بنا لا تتفاعل عقولنا ولا تورث ما تعرفه للأجيال، فمجتمعاتنا تتميز عن غيرها بنكرانها للتواصل الإيجابي بين الأجيال، وتميل إلى مقاطعة بعضها والتخندق في ذاتها وموضوعها، ولهذا ترانا نتكلم بلغة الأجيال المتنافرة أو المتناكرة، وكل يدّعي له اليد العليا في المعرفة والإبداع والإبتكار، وتلك علة أعيت مَن يداويها!!
بها أممٌ بأجيالٍ تنامتْ
وسابقةٍ بلاحقةٍ تواصتْ
يذوب مسيرها في مرتقاها
وما يوماً بمفردةٍ تباهتْ
إذا اجْتمعتْ عقولُ الناس جادتْ
وفعّلتِ الكوامنَ واسْتنارتْ
***
د. صادق السامرائي