أقلام حرة
صلاح حزام: رسالة الى د. خزعل الماجدي

مقارنة الأديان بالإمبراطوريات أمر غير صحيح
في مقابلة تلفزيونية ظهر فيها الدكتور خزعل الماجدي مع السيد خالد الرشد مقدم البرامج في تلفزيون روسيا اليوم، انتقد فيها الاثنان ما اطلقوا عليه عقدة الشعوب الصغيرة والتي يقصدون بها ان الديانات ذات الاتباع المحدودين تشعر بالنقص عندما تنظر الى عظمة الامبراطوريات الكبيرة كالفرعونية والرومانية والبابلية والاشورية الخ..
لذلك تنتقص منها وتتهمها بالفساد والفجور والرذيلة..
وفي نظري ان هذه مغالطة كبرى لأن الامبراطوريات شيء والاديان شيء آخر..
الاديان رسائل اخلاقية (بعيداً عما تتعرض له من تشويه وسوء استخدام من قبل الحكام انفسهم وتوظيفها سياسياً واقتصادياً).
اذا حاول بعض الحكام تحويل الدين الى نظام حكم ودولة فأنهم كانوا يوظفون الدين في غير وظيفته الاصلية..
لو أخذنا موسى مثلاً، فأنه قد طُلِب منه كما ورد في القران، ان يذهب الى فرعون مع أخيه ليقولا له قولاً ليناً لعله يتذكر او يخشى لأنه طغى.. لم يكن الهدف الاطاحة بحكم فرعون بل تقديم النصيحة..
والنبي عيسى ايضاً لم يكن يريد اقامة دولة بدل الدولة الرومانية وانما كان يدعو الى العدالة والانسانية واتبعه بعض الناس باعتباره حزب معارض بالمعنى المعاصر.
كان هؤلاء الانبياء يدعون الى دين فيه عدالة لا توافق على
سلوك الحاكم لذلك حاربهم الحاكم لان لديه دين يسمح له ان يقوم بكل شيء لانه بمثابة أله !!
الامبراطوريات ظالمة ولا يمكن ان تقوم بدون الظلم.
لنأخذ الامبراطورية الرومانية وما ارتكبه الاباطرة من ظلم بحق البشر وكيف ان انجازاتهم الهندسية والعلمية قد قامت على جبال من جماجم البشر وكذلك الفارسية وقبلها البابلية والاشورية، (يكفي ان نراجع ما يرتكبه الآشوريون بحق البابليين وبالعكس عندما يتحاربان).
لا يحق لأحد الافتراء على التاريخ كما ان منتقدي الاديان والذين لايفوتون فرصة للاستهزاء والسخرية منها واتهام الانبياء بالكذب، هؤلاء السادة يرفضون اعتبار الانبياء كمعارضة للسلطات لهم وجهة نظر في اسلوب ادارة الدول والمجتمعات مع انهم يعلنون الآن وفي زمننا الحاضر انهم ليبراليون ويدعون الى حرية التعبير !!
قال له مقدم البرنامج السيد خالد الرشد: يبدو انها عقدة الشعوب الصغيرة؟
فأجابه د. خزعل بحماس: نعم بالضبط انها عقدة الشعوب الصغيرة !! واضاف ان موسى ومن معه كانوا اقلية وخاصة ان دينهم غير تبشيري لذلك يشعرون بالنقص إزاء عظمة الامبراطورية الفرعونية !!
ثم اضاف: لماذا لم يحددوا اي فرعون هو المقصود؟ لقد تناوب على حكم مصر حوالي ٤٠٠ فرعون من مختلف السلالات !
لقد نسي ان الرسالة كانت تستهدف نمط واسلوب حكم وادارة تعسفي ولم تكن تستهدف فرعوناً بعينه..
الدكتور خزعل الماجدي بدأ حياته شاعراً ثم تحول الى مؤرخ ثم اصبح عالم آثار ثم اصبح من اكبر محاربي الاديان..
انه ينفعل ويغضب ولا يكمل الكلمات من شدة الانفعال عندما يتحدث عن الشؤون الدينية!!
انه استاذ ويستطيع الحديث بهدوء وبطريقة حيادية وبدون تحامل مسبق يظهر على حركاته الجسدية..
انا احترمه واحترم انصرافه للكتابة والبحث الدؤوب لكني اتمنى عليه الهدوء والتأني وعدم الاندفاع في استنتاجات ينقصها البحث الدقيق.
الناس يتبعون أديان مختلفة واعدادهم بالمليارات فكيف يجوز تسفيه قناعاتهم واتهامهم بالجهل والغفلة والطعن في صحة معتقداتهم؟؟
يبدو ان البعض يعلن انه ديمقراطي ويؤمن باحترام آراء الآخرين، فقط من باب الدعاية والتظاهر.
ختاماً، اود الاعلان بانني هنا لا ادافع عن دين معين ولكني اعترض على الاسلوب في التعامل مع الفكر الديني.
المصلحون الذين تبنوا النهج العلمي في إدارة الدول لم يهاجموا الاديان ولم يقوموا بالغاء الطقوس وانما فصلوا الدين عن الدولة واعادو الدين الى دور العبادة وجعلوا الذهاب الى دور العبادة واتّباع طقوسها شأناً شخصياً. اي انهم اعادوا الدين الى طبيعته الاصلية كرسائل وعظية اختيارية دون تدخل في شؤون ادارة الدولة.. وذلك بعد اساءة استخدام الدين من قبل الحكام في مختلف العصور..
علماء في وكالة ناسا واساتذة جامعيين يذهبون الى الكنيسة بانتظام وعلماء هنود كبار يأتون لالقاء المحاضرات بعد ذهابهم
في الصباح الى معابدهم وممارسة بعض الطقوس بحيث ترى اثار تلك الطقوس على وجوههم...
ليسوا اغبياء وليسوا مستغفلين وانما لديهم قناعات شخصية لا يحق لأحد الاعتراض عليها او انتقادها.
***
صلاح حزام