أقلام حرة

صادق السامرائي: الفرقان واللغة!!

"وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه....".. أي لا بد أن يكون الرسول من نفس الأمة ويتحدث لغتهم. والقرآن منزل بلغة أهل مكة الذين خاطبهم النبي بلغتهم، فهم يفهمون ما ورد فيه من آيات، ومكثوا يحاججونه لثلاثة عشر سنة متواصلة، ولو كانوا قوما همجا رعاعا لقتلوه كما قتل أقوام قبلهم أنبياءهم.
وهذا دليل على أن العرب أمة واعية متبصرة عارفة مثقفة، بلغت ذروة الإدراك العقلي والسمو الخُلقي في عصرها، فالعرب أمة فاعلة ومتفاعلة.
والمشكلة المغفولة أنهم أهملوا لغتهم فابتعدوا عن قرآنهم، وتجد معظمهم يقرأون ولا يفهمون، ولا يتفكرون ولا يعقلون ولا يتدبرون، لأن المسافة بينهم ولغتهم صارت شاسعة، فاعتمدوا على البشر الذي يؤوّل ويفسر على هواه، وكأن ما يأتي به هو الدين المبين.
العربي ما عاد يفهم ما يقرأ في القرآن، وبسبب الذبول اللغوي تولدت ثغرات قاتلة في المجتمعات، إندس فيها المغرضون والمتاجرون بالدين، فصار دينهم وربهم هواهم.
إن الإهتمام باللغة العربية من أقوى أعمدة الدين، فعلى مراكز العبادة أن تهتم باللغة وتعيد مجدها وطاقتها التعبيرية بين أبناء المجتمع، وعندها سيكون الدين إرادة فردية وجماعية واعية، لا مستلبة ومرهونة بالقابضين على مصير الدين والناس القانطين في ميادين التبعية والخنوع.
إن قوة العرب الروحية والعقلية والنفسية والخلقية ، أمدّت الدنيا بطاقات التعبير عن الرسالة السماوية بآليات متميزة، فإنتشرت في وقت قصير لم يتجاوز بضعة عقود، فلولا هذا المعين المكين المتوارث المقدام، لما تمكن الدين أن يؤكد رسالته للعالمين، أي أن العرب كانوا مؤهلين لحمل رسالة خاتم المرسلين دون غيرهم ، وهذا برهان على أنهم من المتفوقين البارعين، وربك أعرف بخلقه أحمعين.
والدليل على قدراتهم الفائقة، تمكنهم من جمع القرآن والحفاظ عليه بالصورة التي نتداولها، فهذا الجهد يحتاج لأفذاذ ألمعيين، إستطاعوا أن يخلدوه في تعاقب الأجيال، بلغته الأصلية وآياته الباقيات.
و"إن الذي ملأ اللغات محاسنا...جعل الجمال وسره في الضاد"!!
***
د. صادق السامرائي

في المثقف اليوم