أقلام حرة
علي الجنابي: تجَّارُ الجَمالِ الزَّائِف
الى/ طبيبُ تَجميلِ النِّساء بلا تَّحية..
كيفَ يرتضي جرّاحٌ ذو طبِّ مُعتَبرٍ لذاته أن تكونَ بلا ذوقٍ وبلا أدب، وأن تسقطَ ذاتُهُ في جُبٍّ مَجٍّ بلا وازعٍ ولا مبررٍ ولا سبب.
أما علمَ أنَّ العلمَ نورٌ، وأنَّ درجةَ الطبِّ أتت ضمن أعلى رُتب، وأنَّ تخصصَ الطبَّ ذو سقفٍ عالٍ لا ينالُهُ كلُّ مَن دَّبَ فَهَبَّ وطلب.
ورُغمَ أنَّ طالبَ الطبِّ جاهدَ لينالَ شهادةً مُعتبرةَ اللقب، بيدَ أنّ منهم مَن إنتكسَ على رأسهِ فإرتكسَ ليجَعلَ رأسَ شهادتهِ هو الذَّنب،
ومامِن تفسيرٍ لذا إنتكاسٍ وإرتكاسٍ وذا جَعلٍ إلّا تأويلَ أنَّ الذَّنبَ لا ينجذبُ فيلتويَ إلّا مع قرينٍ من ذنب.
فهلّا دَرَى طبيبَ الدُبُرِ والأرداف أن التَّجميلَ -ماخلا إزالة تشويهٍ وعيبِ بالضرورة- محَرَّمٌ شرعاً وهو مستهجنٌ عُرفاً، وهو بينَ النّاسِ غيرُ مُستّحب،
وهلّا إنتهى الى أنَّ دَراهمَ الحريمِ لن تجعلَ منه رجلاً ذا وزنٍ وقيمةٍ في مجالسِ الحسب والنسب. وإنَّ إحترامَ الذَّاتِ فرضٌ وواجبٌ قد وجب.
إنَّ تجارةَ أو مايُسَمَّى زوراً ب (عَملياتِ) تَجميلِ النِّساء قد ذاعَت بلا رادعٍ ولا شجب، فشاعَت في النِّساءِ من حضرٍ ومدرٍ أرجاء إمَّةِ العَرَبِ، فضاعَت وجوهُهُنَّ فبات الرَّجلُ لا يَميزُ رأسَ إحداهُنَّ من الذنب! وترى الحريم يَنَمنَ جنبَ بعولتِهنَّ تحتَ أضغاثِ أحلامٍ بطنينٍ وهلوسةٍ بأنينٍ وندب؛
" وي! إنَّ خشمي وسيم لوما أنه ههُنا عطب، وكذا فيما ههُنا عطب، وخدّي سليم لو أنَّ بهِ غمازةً بثقب، وحنكي حميم لوما أنّهُ مُربَّعٌ كدولابِ " خالتي عمشة" من خيزران الخشب، وخصري قويم لولا طياتُ شحمٍ متراكمٍ بإربٍ وبلا سبب ..".
ثمَّ تراهن يُصبحنَ في صبحِهُنَّ فيَجنحنَ من فورِهُنَّ إلى جُحر طبيب الأرداف وكأنَّه ثعلبٌ مُتَربِّصٌ بهنَّ مُحتَجَب، ليُحَوِّرَ أنفَ الحُرمةِ إيّاها الى عجوةٍ يَبَسٍ نَقَرَ جنبَيها غرابٌ ذو شَغَب أو لحُصرمةٍ مُتخرِّمةٍ سَقطَت في حالكِ قيعةٍ لبقيةِ شتلاتٍ من عنب!
وأمّا الشِّفاهُ فيُصيَّرهنَّ نسخةً لدُبُرٍ مُحمَّرٍ لرضيعٍ بَدينٍ يَصرُخُ من غُسلِ غائطهِ بصَخَب!
وأمّا رُموشُ العيونِ فما عادت رموشاً إذ ضاعَ عنها جذرُها وطُمِسَ الهَدَب، فأمسَت الرموشُ أسلاكَ عسكرٍ شائكةٍ تحاذي مبزلَ ماءٍ آسنٍ غشَّاهُ القصب.
وثَمَّ الحاجبانِ! أو هكذا كانت تسمِيَتَهما قبل إنقراضِهما والدّيناصور بنيزكٍ صامتٍ بلا صخب، فقد أُصيبَا بلفحةِ (ليزرٍ) بِتَبب، والليزرُ هو نارٌ بلا فتيلٍ ولا دخانٍ وبلا لَهَب!
لقد أضحَتِ الحُرمةُ في بلدان العرب تقفُ في مطبَخِها ولكأنّها رُزمةُ عيدانٍ من حطب، ونبراتُ صوتِها كمثل نبراتِ تيكَ التي كانوا يُنادونها "حمَّالةُ الحطبِ".
بيد أنَّ الشيئَ الذي يبعثُ في النَّفسِ العَجَب، أنَّ تهي المرأَةَ المُحَوَّرةَ المُطَوَّرَةَ قد ظُنّت أنَّها نالت رقمُ العجيبةِ الثَّامنُ في سلسلةِ الدنيا العَجب !
قد شاهَت وجوهُ الحريم وبرزنَ متمايلاتٍ بوجوهٍ مُصَنَّعةٍ مُقَنَّعةٍ وكأنَّهنَّ وجوهٌ من صفيحٍ أو كقاعِ مُستنقعٍ قد نَضَب! فمَن شاءَ منكم أن يرتبط بأحداهنَّ فلا يختارُ من زفةٍ عرسٍ بصخب ، فتعسَ الاختيارُ ذاك وبئسَ الحظ المنتخَب، بل ينتخبها من عزاءٍ بلطمٍ وبعويلٍ منتَحَب.
مهلاً طبيب، لرُبّما نساءُ قومِ (سيدِنا لوط عليهِ السلامُ) كُنَّ للتَّجميلِ مُدمِناتٍ بإسرافٍ غيرِ مُقتَضَب، فترى قُلُوبَ بُعولتِهُنَّ قدِ اشْمَأَزَّتْ وتّقطَّعَ فيهم من القلبِ العَصَب، فإستبدَلوهنَّ مكرهين بذكرانِ لقضاء حاجةِ مُضطَرٍّ مُضطَرِب، فيا لخوفي على رجالات العرب أن يُصيبَهمُ مثل ما أصابَ ذكران قومِ لوطٍ من فاحشةٍ ومن سوءٍ في المُنقَلَب.
رَحِمَ الرحمنُ الأمَّ والجَدّة والعَمَّةَ والخَالة، فقد كنَّ جميلاتٍ ذوات كياسةٍ ونسبٍ وحَسَب! وما عرَفْنَ تحايلاً ولا إحتَرَفنَ تمايلاً والصُّبغُ ما تجرأ على أظافرِهُنَّ إن يقتَرَب. وإذ كُنَّ هُنَّ سيداتٌ الجمالِ الطَّريٍّ الفطريِّ الذي وَلَّى وذَهَب. وإذ كانَ الوجهُ فيهنَّ كمثل لؤلؤٍ مكنونٍ أو كعقيقةٍ على خاتمِ من ذهب. ذلك الجمالُ جمالٌ نديٌّ نقيُّ بهيٌّ غيرُ منفوخٍ ولا مَمزوجٍ بعصارةِ دهانٍ من كَذِب. جمالٌ آسرٌ ساحرٌ غيرُ مُكتَسَبٍ ولا مُحتَلَب. ذاك أنه جمالٌ مُتَفَجِّرٌ من بين أصابع بديعِ السَّمواتِ وربِّ النَّحلِ والنَّخلِ وربِّ كلِّ حقبٍ وعقب. وإنَّما الجمالُ هبةُ الوهّابِ لا تُصَنَّعُ على طاولةٍ خلفَ جدارٍ ولا تُكتَسَب. فمتى يعلمُ سماسرةُ الطبٍّ أنَّ العلمَ نورٌ، وأنَّ الطبَّ في سُلَّمِهِ في أعلى رُتب. فبالأمس كانَ الطبيبُ هو المؤتَمَنُ على العرضِ في ديار العرب، واليوم أضحى الطَّبيبُ مؤمِناً بالأردافِ ربَّاً والشّحومِ ديناً والشِّفاهِ رسولاً مُؤيَّداً بما في أروقة الطِّبِّ من زُبرٍ ومن كُتب. وذلكم هو عينُ السقوطِ في هاوية السَّفاهةِ والشغب واللعبِ بصخب.
ثمَّ تحيةٌ لكلِّ طبيبٍ من بقيةٍ من نخب، لم يزلْ ملتزماً بشرفِ هذا اللقب، وتراهُ لا يحتسي عصائرَ من زغب وشطائرَ من شحومٍ مكبكبةٍ فوقَ الرُّكب، وما برحَ يستحي من قيلِ الأنام إن هجاهُ قولاً أو إن كَتَب، وتراه يحسِبُ حسابَ كلَّ عيبٍ وملامةٍ و حتى العتب.
***
علي الجنابي