أقلام حرة
الإستشراق وما أعاق!!
ربما لايوجد مفكر من أبناء الأمة على مدى القرن العشرين، إلا فيما قل وندر، لم يعتمد في قراءته ورؤيته على الأجانب، ومعظم مفكرينا أبعد ما يكونون عن تراث الأمة والمستشرقون أعلم به منهم، وهم الذين أدلونا عليه، وما إنطلت عليهم فرية ان هولاكو ألقى بتراثنا في نهر دجلة فذاب بالماء.
فهم الذين إكتشفوا حضاراتنا، وفكّوا رموز لغاتها، وبعيدا عن نواياهم وأهدافهم وما نضمر لهم، وما نتهمهم به، فقد قدموا لديارنا وقالوا لنا أن بلدانكم فيها أصل الحضارات، فأظهروا حضارات وادي الرافدين والنيل وغيرها من حضارات المنطقة، ولا يوجد من أبناء الأمة مَن سبقهم.
وفي الواقع العربي لكل مفكر إمامه الأجنبي، فالمجددون والحداثيون بأنواعهم ومشاربهم لديهم أئمة أجانب يقلدونهم، ولعبت جامعة السربون دورها الأكبر في خلع الأمة من ذاتها وهويتها، فخريجوها سيطروا على الوعي الجمعي العربي في القرن العشرين، وما أنتجوه ربما أسهم بإيصالها لقيعان العصر.
لا يحق لنا لوْم المستشرقين والتشكيك بما قاموا به، فهم يدرسون وفقا لمناهجهم وما يرونه سيوصلهم إلى هدف معرفي ما، وإن كان لا يعجبنا، والسبب أننا تركنا ميادين الدراسات التراثية والآثارية لهم، فلا نمتلك الخبرات والمعارف اللازمة للخوض بدراسات تدلنا على أنفسنا، وتكشف ماضينا، وتجد مرابعنا أهدافا لبعثات وحملات جامعية إستكشافية متواصلة.
وما أظهروه لنا جعلنا ننظر إليهم بعين العجب والخجل، وتجسدت فينا المشاعر الدونية والميل للتبعية والإستسلام لإرادة الأجنبي، الذي يعرفنا أكثر مما نعرف أنفسنا، ويدرسنا بعلمية ومنهجية لا نتدبرها.
وربما يكون السبق الإستجلائي والطرح المدهش الذي عرضوه لنا عن أنفسنا من الأسباب التي جعلتهم المقياس، الذي بموجبه نقرر مدى قبولية وصلاحية ما نقوم به في ميادين الإبداع كافة، فتوهمنا بأننا لكي نكون علينا أن نقلدهم، ونترسم خطاهم، فأنكرنا ما عندنا وتشبثنا بما عندهم.
وعندما نتصفح أية دراسة أو بحث نجد معظم المصادر أجنبية، ونبخس الدراسات ذات المصادر العربية.
فمن الذي أصاب ومَن المدثر بأسمال الخياب؟!!
***
د. صادق السامرائي