بأقلامهم (حول منجزه)
عدي عدنان البلداوي: ما معنى ان يكون المفكر أديباً..؟

الى الاستاذ ماجد الغرباوي بمناسبة صدور كتابه الجديد (يتهادى حلماً)
أمْلت عليَّ طبيعة دراستي العلمية وحياتي العملية اعطاء اعتبارٍ مهم لتطور العلم والمعرفة، وافساح مجال كبير له في طريقة تفكيري. ولما كنت قبل التحاقي بالجامعة، قد نشأت بين مقالات والدي ومؤلفاته الأدبية ودواوين الشعر، وكتب النقد الأدبي، ومعاجم اللغة. فقد صرت اتقبل التطور التقني الذي مر بالكتاب الورقي، الذي لا زلت اعيش شعوراً حياً وانا اتصفحه، فقراءتي له وهو بين يدي، ليست كقراءتي له وهو امام عيني على شاشة حاسوب المكتب. كنت اذا مرّ بي كتاب مهم حفظته في ذاكرة الحاسوب ورحت اعلل النفس بانتظار فرصة حصولي على نسخة ورقية منه كي اقرأه. كانت كتب ومؤلفات الباحث في الفكر الاسلامي الاستاذ ماجد الغرباوي من بين الكتب التي امني نفسي بالحصول على نسخ ورقية منها بعد ان ارسل لي الاستاذ المفكر ماجد الغرباوي مشكوراً، روابط تحميل بعضها. لكن خبر صدور كتابه الجديد (يتهادى حلماً) بمنحاه الأدبي كان ساراً لإختلاف مضمونه عن الإنطباع الذي تكون عندي حين ارسلت عيوني لاستطلاع عنوانات كتبه. موضع سروري هو ملاحظة كانت قد تأتت لي عن العلاقة بين الابداع الأدبي والعمل الفكري في اعمال بعض الكتاب، ولكي لا تقتصر مباركتي للإستاذ ماجد الغرباوي على بضع كلمات، رأيت ان تكون مصحوبة بالحديث عن هذه العلاقة التي لاحظتها من خلال قراءتي لإنتاجات كتاب وادباء تناولوا قضايا مثل الدين في اعمالهم، منهم في العصر الحديث على سبيل المثال الكاتب عباس محمود العقاد في كتابه " ابو الشهداء " والمنفلوطي في كتبه " النظرات" و " العبرات "، ومن العصر العباسي الجاحظ في كتابه " البيان والتبيين" وابن المقفع في كتبه "الادب الصغير" و "الادب الكبير" وغيرهم كثير..
بعض المعنيين بالشأن الثقافي عدّوا هذه العلاقة من قبيل الترف الثقافي، وبعضهم عدّها سياحة او استراحة ضرورية للمفكر، ورأي ثالث عدّ تنوع مباحث الكاتب المثقف ومجالات كتاباته امراً طبيعياً. ولكي لا يفوتني الوقت الملائم للتهنئة وليس بين يدي من كتب الغرباوي الورقية ما اجالسه بحثاً عما يدعم مذهبي، فقد لذت بكتاب كان قد اهدانيه متفضلاً صديقي الرائع الدكتور صالح الطائي عنوانه (الإلهي والبشري والدين التراثي) وهو رؤية نقدية للدكتور صالح الطائي في المشروع الفكري للاستاذ ماجد الغرباوي. ينقل الدكتور الطائي عن الاستاذ الغرباوي قوله (يعتقد الباحث الديني انه حيادي ويمارس كامل حريته في نقد وتفكيك النصوص المقدسة، لكن الحقيقة ان صفته الدينية تفرض عليه التحيز بشكل تقتصر قراءته على التأويل والشرح والبيان دون النقد، فيخضع لا شعورياً لسلطة النص وقدسيته باعتباره مطلقاً).
يقول الدكتور صالح الطائي في تعقيبه على قول الاستاذ الغرباوي (قد تكون هذه اولى نقاط ومحطات خلافي الفكري معه، إذ لو صح ما قاله حرفياً، وانطبق وصفياً على الجميع، فإنه لن يبرئه من اتهام نفسه وحتماً هو أيضاً يعتقد بأنه حيادي ويمارس كامل حريته في نقد وتفكيك المناهج الإسلامية..) ويرى الدكتور الطائي ان (التحيز جزء من التكوين الذاتي للنفس البشرية..). انا اتفق معهما فيما ذهبا اليه وان كانا يختلفان بينهما كما رأى الدكتور الطائي. موضع اتفاقي معهما مصدره انني ارى ان ثمة علاقة بين الابداع الأدبي والمشروع الفكري. علاقة هي اكبر من مجرد اعتبار الابداع الادبي نشاطا ثقافيا يضاف الى اعمال الكاتب الفكرية، من شأنه تعزيز ثقة القارئ بالمحتوى الفكري للكاتب واطمئنانه اليه، أو من شأنه ان يسهم في إذاعة صيت الكاتب. وجدت في تلك العلاقة نقطة ارتكاز لها من الاهمية ما نستطيع من خلالها اكتشاف مقدار درجة اتزان شخصية الكاتب في جوانبها العقلية والنفسية والاخلاقية والسلوكية والعاطفية عبر كتاباته. فمن شأن ملكة الأدب ان تحفظ المفكر من الوقوع في فخ التعصب او الانحياز او التطرف بناءً على مساحة الابداع الأدبي التي يشتغل عليها. إذ يستطيع الابداع الأدبي ان يحفظ حيادية وانتاجية العمل الفكري، لأن الأدب يشتمل على معاني الفن والأخلاق والجمال، ومن ادرك عمق معاني هذه المفاهيم امتنع او حاول جاهداً الامتناع من الوقوع في التعصب والتطرف والغلو مع قدرته على الوقوع فيها.
وفي كتب الدكتور صالح الطائي التي قرأتها في الفكر الإسلامي شاهد على ذلك، فهو شاعر ومفكر. وفي القراءة النقدية التي قدمها الدكتور الطائي عن المشروع الفكري للاستاذ الغرباوي في كتابه الذي اشرت اليه، شاهد على ذلك ايضاً.
***
د. عدي عدنان البلداوي