بأقلامهم (حول منجزه)

قادة جليد: ماجد الغرباوي وموقعه في الفكر العربي المعاصر

يعتبر المفكر العربي العراقي الكبير ماجد الغرباوي (ت م 1954) من بين المفكرين العرب التجديديين والتنويريين الذين انخرطوا في سؤال النهضة العربية المستأنف منذ القرن التاسع عشر ذلك أن الفكر العربي المعاصر على اختلاف مرجعياته ومشاربه ومناهجه ومفاهيمه، هو ذلك الفكر الذي ظل مؤطرا بسؤال النهضة (كيف ننهض؟) أي أنه ذلك الفكر الذي ظل يحلم بالنهضة التي لم تتحقق بعد وهذا عندما نقرأ واقعنا وواقع غيرنا، فنحن معاصرون للغرب في القرن الواحد والعشرين ولكننا على مستوى الفكر لازلنا نفكر داخل المقولات والمنظومات الفكرية للقرن الوسطى كما يرى ماجد الغرباوي مؤكدا أطروحة محمد أركون في هذا السياق الثقافي المغلق المتسم باحتكار الحقيقة والرأسمال الرمزي وممارسة العنف وشرعتنه للدفاع عن هذه الحقائق المقدسة. ومن هنا كان التساؤل المشروع: هل عوائق النهضة العربية تعود إلى عوامل ذاتية وداخلية، إلى طبيعة الثقافة العربية ومكونتها وبنيتها الظاهرة الخفية كما هو واضح وجلي في مشروع المفكر المغربي محمد عابد الجابري "نقد العقل العربي" أم أنها تعود لأسباب وتحديات خارجية كالإستعمار وثقافة الآخر المهيمنة فكريا وسياسيا وإقتصاديا وعسكريا وحضاريا بصفة عامة، أم أنها تعود لكليهما، أي أسباب داخلية وخارجية كما يرى المفكر ماجد الغرباوي لأنه يزاوج في مشروعه الفكري بين معرفة الأنا ومعرفة الأخر من خلال تبني قيم إنسانية وكونية بعيدا عن الهيمنة والإستعلاء والاستكبار، ومما تجدر الإشارة إليه أن ماجد الغرباوي يتميز عن المفكرين العرب أنه يمارس وظيفتين ثقافيتين في نفس الوقت، فهو مثقف نقدي يبحث عن المعنى وهو من أجل ذلك يستخدم ويستعمل أحدث المناهج في العلوم الإنسانية والإجتماعية من تفكيكية وبنيوية وألسنية وأركيولوجية وصينيالوجية وإبستمولوجية...إلخ.

هذا من جهة، أما من جهة أخرى، فهو مثقف عضوي ملتزم بقضايا المجتمع الذي يعيش فيه سواء في وطنه الصغير العراق أو وطنه الكبير العالم العربي والإسلامي، فهو مثقف مهموم بالواقع المعاش الذي لا يبشر بخير، فهو منذ الوهلة الأولى راهن على أهمية الفكر والفكر النقدي تحديدا في عملية التغيير الإجتماعي والتاريخي، فهو بالإضافة إلى مشروعه الفكري الذي يتابعه القارئ العربي وغير العربي على إمتداد العالم العربي والإسلامي وحتى في العالم الغربي، فهو يعمل أيضا وهذا شيء مهم على إشاعة الفكر النقدي والحر من أجل تشكيل كتلة ثقافية تاريخية عربية متنورة مدركة لذاتها ومنفتحة على الأخر، كتلة تؤمن بالحوار ومشروعية التساؤل ونسبية الحقيقية وتارخيتها وفي سبيل ذلك أنشأ "مؤسسة المثقف العربي" التي تنشر أبحاثا وكتبا قيمة من حيث البعد الفكري والإنساني والرصانة العلمية، هذه المؤسسة أيضا التي تصدر عنها "صحيفة المثقف " التي تشارك فيها أقلام فكرية مهمة وواعدة من العالم العربي والإسلامي كافة ومن المثقفين العرب المتواجدين في المهجر وفي كل أنحاء العالم، هذه الأقلام تعبر عن كل الإتجاهات الفكرية والثقافية في العالم العربي لأن التعدد الثقافي بالنسبة للغرباوي وهو قيمة فلسفية يعد بعدا جوهريا من أبعاد الإنسان.

إن هذا كله إن دل على شيء فإنما يدل على الهم الحضاري الذي يشعر به ويحمله بين جنباته ويكابده في نفس الوقت المفكر ماجد الغرباوي كالتزام فكري وأخلاقي صادق وخيار منهجي استراتيجي وانخراط واع في بعث وإصلاح الثقافة العربية من داخلها على مبادئ علمية صحيحة وأسس فكرية تخضع لشرطية العقل والواقع والتاريخ وهذا كله من أجل فتح أفاق رحبة تسمح بالحرية والإبداع وتحقق إنسانية الإنسان بعيدا عن القمع والإقصاء والتهميش والتكفير والتزمت والعنف والتقوقع والانغلاق.

إن ماجد الغرباوي لا يرفض التراث في المطلق كما سوف نأتي على ذكره لاحقا في هذه الورقة البحثية ولكنه يدعو إلى إعادة الانتظام فيه من خلال لا أقول قراءة ولكن قراءات متجددة بإستمرار تسمح لنا بأن نتحول من كائنات تراثية إلى كائنات لها تراث بلغة محمد عابد الجابري، بربط جسور عقلانية ونقدية بين الماضي والحاضر، بين الأنا والأخر، والإنفتاح على ثقافة الآخر ليس من أجل الذوبان فيها والإندماج معها ولكن كمكتسبات فكرية وعلمية يمكننا الإستفادة منها حتى نستطيع أن نجيب على السؤال الذي طرحه المفكر المصري حسن حنفي، وهو سؤال راهني بإمتياز " في أي مرحلة من التاريخ نحن نعيش؟".

إن ماجد الغرباوي ليس فقط مفكرا منتجا للمعرفة ولكنه مؤسسة فكرية متكاملة يؤمن بالعمل الجماعي والروح الجماعية وإشاعة الفكر النقدي وممارسة قيم جديدة منفتحة لزحزحة الفكر المغلق، لأنه لا يكفي أن ندعو إلى القيم الجديدة في الميدان، بل يجب ممارستها أيضا والأكيد أن الأثمان باهظة وهذا ما يفعله الغرباوي على خلاف المفكرين والأخرين.

إن ماجد الغرباوي من خلال إبداعه الذاتي كمفكر حر أو من خلال "مؤسسة المثقف العربي" أو "صحيفة المثقف" يذكرنا بآباء النهضة العربية الحديثة من أولي العزم كجمال الدين الأفغاني ومحمد عبده اللذان أسسا "مجلة العروة الوثقى" والشيخ محمد رشيد رضا الذي أسس "مجلة المنار "والمفكر التنويري سلامة موسى الذي أسس "المجلة الجديدة" إن الإعلام الثقافي له دور كبير في نشر الثقافة والتعرف على الذات وعلى الأخر كما يساهم في تشكيل وعي ثقافي جديد ونخب ثقافية تضطلع مستقبلا بعملية الإصلاح والتغيير الإجتماعي، لأن الإنسان لا يمكنه أن يتكيف مع حاضره وعصره ويتطلع إلى مستقبله بدون ثقافة، أي بدون أن تكون له رؤية إلى نفسه وإلى الأخر وإلى العالم والتاريخ.وقبل أن نتطرق إلى المشروع الفكري لماجد الغرباوي ونحلل أسسه المنهجية والفكرية في إطار إشكالية النهضة التي ينتظم فيها الفكر العربي المعاصر منذ عصر اليقظة الفكرية العربية وإلى اليوم، علينا أن نتساءل وهذا موضوعنا الأساسي الذي نرافع من أجله: ما هو الموقع الذي يحتله الغرباوي في الفكر العربي المعاصر، وما هو الجيل الذي ينتمي إليه؟

يبدو لي، أن الفكر العربي المعاصر يتشكل من جيلين ونحن اليوم في مرحلة الجيل الثالث، أو بالأحرى العمل على التأسيس المعرفي لهذه المرحلة الجديدة، أي تقييم هذه المشاريع الفكرية والتيارات الفكرية في الفكر العربي المعاصر محاولين الإجابة على الأسئلة التالية:

1- لماذا لم تتحول النهضة الفكرية العربية إلى نهضة عملية في الواقع؟

2- لماذا لم تحدث هذه المشاريع الفكرية العربية والتيارات الثقافية المختلفة النهضة المأمولة؟

3- هل المشكلة في هذه المشاريع الفكرية أم في عوامل أخرى؟

4- هل مرور قرنين من الزمن على النهضة العربية كاف لتحققها أم أنها تحتاج إلى وقت وإلى متى؟

5- هل إستطاع المجتمع العربي أن يفرز الطبقة الإجتماعية الجديدة التي تحمل الفكر الجديد لإحداث التغيير الاجتماعي والتحول الحضاري؟

6- وأخيرا وليس آخرا: لماذا لم يتحول الحلم العربي إلى واقع عربي؟

إن المفكر العربي ماجد الغرباوي ينتمي إلى الجيل الثاني من الناحية الكرنولوجية والاستشكالات المنهجية والفلسفية. أما الجيل الأول في نظرنا فيبدأ مع الرواد، أي مع بداية اليقظة العربية وهذا الجيل نسميه جيل الصدمة الحضارية، الجيل الذي اكتشف الهوة والفارق الحضاري الكبير بينه وبين الغرب، ولعل أبرز من عبَّر عن هذا الهم الحضاري الأول والتطلع إلى قيم الحداثة والتحديث هو رفاعة الطهطاوي (1801-1873) الذي كتب كتابه الشهير" تخليص الإبريز في تخليص باريز" وهذا في عهد محمد علي باشا، صاحب مشروع النهضة العلمية في عصره وصاحب البعثات العلمية إلى الدول الأوروبية ولعل عنوان الكتاب يدل على أبعاده ومكنونه ومضمونه وهواجسه ودوافعه وأماله وطموحاته، ويمكننا توثيق أسماء هذا الجيل، أي الجيل الأول حسب الأهمية والأثر والتأثير وكذلك حسب الترتيب الكرونولوجي الذي يعتمد على تاريخ ميلاد الكاتب والمفكر وهم كالتالي: رفاعة الطهطاوي (1801-1873) جمال الدين الأفغاني (1838-1897)، محمد عبده (1849-1905)، شيلي شميل (1850-1917) محمد رشيد رضا (1865-1935)، شكيب أرسلان (1869-1935)، فرح أنطون (1874-1922)، أحمد أمين (1886-1954)، سلامة موسى (1887-1958)، عبد الحميد بن باديس (1889-1940) البشير الإبراهيمي (1965-1898)، زكي الأرسوزي (1899-1968)، أنطون سعادة (1904-1949).

إن هذا الجيل الأول وهو الجيل المؤسس لليقظة العربية هو جيل متأثر بالصدمة الحضارية كما أسلفت سابقا، ومهما كانت طبيعة الجواب على سؤال الصدمة وما يمثله الآخر، أي الغرب الأوروبي سواء كقوة ثقافية وعلمية وحضارية يحتذى بها أو كقوة استعمارية مهيمنة ومسيطرة وجبت مقاومتها والتحرر منها فإن الحلم الإيديولوجي في التغيير كان هو الهاجس الذي يؤطر هذا الجيل على إختلاف مرجعياتهم ومشاربهم الفكرية والإيديولوجية.

نلاحظ إذا على هذا الجيل الأول، الجيل المؤسس للفكر العربي الحديث والمعاصر هو حضور السؤال الإيديولوجي وغياب السؤال العلمي، أي السؤال الذي يهدف إلى تحليل الواقع وتفكيكه تفكيكا علميا من أجل الوصول إلى مقولاته ومفاهيمه والقوانين العامة التي تحكمه، ثم بعد ذلك العمل على تغيير هذا الواقع وفق قوانين الفكر والمجتمع والتاريخ، إن هذا لا يعني أننا بهذه الملاحظة نحاكم هؤلاء الرواد أو نقلل من شأنهم، فهم الذين بدأوا المسيرة ونحن اليوم نعيش في دربها لأن المرحلة التي عاشوا فيها لم تمسح لهم أن يروا أكثر من ذلك، وهذا حسب عصرهم والشروط والإمكانيات العلمية المتاحة في زمانهم، لذلك يجب تقييم هذا الجيل بمعطيات عصره ومنطق ذلك العصر لا بمعطيات عصرنا، لأن في ذلك ظلم لهم. وللتعبير عن هذه المرحلة التاريخية الأولى من الفكر العربي الحديث، أي عن مرحلة الجيل الأول المؤسس، جيل الحلم الإديولوجي، يقول ماجد الغرباوي:" منذ الصدمة الحضارية ومازالت أسئلة اليقظة تفرض نفسها بقوة (لماذا تقدم الغرب وتأخر المسلمون؟" لماذا توقف المد الحضاري بعد أربعة قرون من العطاء؟ أسئلة مشروعة فرضتها حالة التخلف والانحطاط، فراحت أقلام الباحثين والمفكرين ترفد الوعي بكل جديد، من أجل نهضة حضارية تعيد للمسلمين مجدهم وتنهي حالة النكوص والتراجع"[2] هذا عن الجيل الأول فماذا عن الجيل الثاني؟

يبدو لي من الناحية المنهجية والفكرية والتاريخية وفي سياق تاريخ الفكر أن الجيل الثاني في الفكر العربي المعاصر يبدأ منهجيا مع طه حسين (1889-1973) ولكن لماذا طه حسين؟

لأني أرى أن الثقافة العربية بصفة عامة والعقل العربي بصفة خاصة انفتح على الثقافة المنهجية في الفكر الغربي والثقافة الفرنسية بصفة خاصة كما تجلت في قواعد المنهج الجديدة عند الفيلسوف الفرنسي رونيه ديكارت (Rene Descartes) (1596-1650) وكذلك وهذا هو الأهم في فلسفة ديكارت الجديدة اعتبار أن الذات هي مصدرا للمعرفة ومنطلقا لها وليس لقوة خارجة عنها من خلال الكوجيتو الديكارتي "أنا أفكر إذن أنا موجود" (je pense donc je suis) كما يمكن الإشارة أيضا في هذا السياق إلى الفيلسوف وعالم الإجتماع أوجست كونت (auguste comte) (1798-1857) صاحب كتاب " دروس في الفلسفة الوضعية" (cours de philosophie positive) والذي اعتبر فيه أن العقل البشري قد وصل إلى مرحلة الحالة العلمية من خلال عملية التطور التاريخي بعدما تجاوز المرحلة اللاهوتيه والمرحلة الدينية من خلال قانون الأحوال الثلاث (les lois des trois etats) وهذا دون أن ننسى مؤسس علم الإجتماع في الغرب إميل دوركايم (Emile Durheim) (1858-1917) الذي أسس رسميا الانضباط الأكاديمي لعلم الإجتماع ووضع له نظرية صارمة تقوم على النظرية والتجريب بعيدا عن الأفكار الذاتية والمتوارثة التي لا تصمد أمام العقل والتجربة وقوانين الإجتماع.

يبدو لي أن هذه المصادر الفلسفية والمنهجية المهمة بالإضافة إلى مصادر أخرى فلسفية وأدبية وتاريخية واجتماعية وعلمية هي التي وجهت التفكير الجديد عند طه حسين وتحت تأثير هذه المصادر نلاحظ أنه عندما رجع إلى التراث العربي الإسلامي عاد إلى ابن خلدون في القرن الخامس عشر (1332-1406) الذي يعتبر المؤسس الحقيقي لعلم الاجتماع (علم العمران) في الثقافة العربية الإسلامية وصاحب التجديد المنهجي والمؤسس للكثير من العلوم على أساس عقلي وتجريبي كعلم التاريخ وفلسفة التاريخ.... إلخ.

لذلك يمكننا أن نفهم وهذا شيء مهم، أن طه حسين قد اختار ابن خلدون ليكون موضوعا لأطروحته في الدكتوراه التي ناقشها بكلية الآداب جامعة باريس سنة 1917 بعنوان "الفلسفة الاجتماعية عن ابن خلدون" (philosophie sociale D’IBNKHALDOUN).

إن هذا التأثير المنهجي والصرامة العلمية الجديدة سواء من الفلسفة الغربية الفرنسية أو من التراث العربي الإسلامي والتراث العقلاني تحديدا مع ابن خلدون، نلاحظ أن كل هذا التراث المتشابك والمعقد سوف ينعكس على كتابات وفكر طه حسين الجديد ولعل أول كتاب أحدث ضجة وصدمة تحت تأثير هذه الثقافة المنهجية الجديدة هو كتاب "في الشعر الجاهلي" الذي أصدره سنة 1926 والذي يشكك فيه في الكثير من الروايات والأخبار التي كانت تعتبر في عصره حقائق مطلقة، مقدسة وخالدة، ونفس الشيء يقال كذلك عن كتابه المهم "مستقبل الثقافة في مصر" الذي أصدره سنة 1938 والذي يدعو فيه إلى الانفتاح على الآخر والخروج من الانغلاق وربط جسور جديدة بين الثقافة المصرية وثقافة دول البحر الأبيض المتوسط وما تمثله من حضارة قائمة، وهذا هو الانتماء الطبيعي لمصر في نظره، إن هذا الكتاب أيضا جلب له الكثير لا أقول من النقد ولكن من النقض والخصومات مثل الكتاب الأول "في الشعر الجاهلي".

إذن، نستخلص ونستنتج من هذا كله، ومن كل هذه المعطيات التي ذكرتها، وهذا من وجهة نظري الخاصة بالاستناد إلى تاريخ الأفكار والتحليل الإبستمولوجي أن الجيل الثاني يبدأ مع طه حسين وفي نفس إشكالية الجيل الأول وهي إشكالية النهضة والتقدم، ولكن الجيل الثاني في إجابته على هذه الإشكالية تسلح بمناهج حداثية جديدة لمقاربة هذه الإشكالية أو كان تحت تأثيرها، وهذا بصفة خاصة بعد الثورة المنهجية التي عرفتها العلوم الإنسانية والاجتماعية في الخمسينات والستينات وظهور فلسفات وتيارات فلسفية جديدة تعنى بالمناهج وهذا مالم يكن متاحا للجيل الأول.

ويمكننا توثيق أسماء هذا الجيل حسب التأثير والأثر وتاريخ الميلاد كالتالي مع عدم ذكر الأحياء لأسباب منهجية لأن تجربتهم الفكرية لازالت متواصلة إلى اليوم.

طه حسين (1889-1973)، مالك بن نبي (1905- 1973)، زكي نجيب محمود (1905-1993)، حسين مروة (1910-1987)، قسطيطين زريق (1909-2000)، علي الوردي (1913-1995)، عبد الرحمن بدوي (1917-2002)، مرتضى مطهري (1919-1979)، محمد عزيز الباري (1922-1993)، محمود أمين العالم (1922-2009)، أنور عبد الملك (1924-2012)، هشام شرابي (1927-2010)، محمد أركون (1929-2010)، مطاع صفد (1929-2016)، سمير أمين (1931-2018)، محمد عمارة (1931-2020)، السيد ياسين (1933-2017)، عبد الله العروي (1933-2021)، صادق جلال العظم (1934-2016)، طيب تيزيني (1934-2019)، علي شريعتي (1935-1977)، محمد باقر الصدر (1935-1980)، إدوارد سعيد (1935-2003)، محمد عابد الجابري (1935-2010)، حسن حنفي (1935-2021)، مهدي عامل (1936-1987)، عبد الوهاب المسيري (1938-2008)، عبد الكريم الخطيبي (1938-2009)، جورج طرابيشي (1939-2016)، محمد سبيلا (1942-2921)، نص حامد أبوزيد (1943-2010)، فرج فودة (1945-1992)، بختي عودة (1961-1995).

إذن هذا الجيل عموما، أي الجيل الثاني، هو الجيل الذي اتصل بالثقافة الغربية أو كان تحت تأثيرها كما أسلفت سابقا كذلك هو جيل متأثر بالثورة المنهجية والتجديد المنهجي في العلوم الإنسانية والاجتماعية، كما ظهرت في أوربا والغرب عموما، وأغلب هؤلاء المفكرين من هذا الجيل درسوا في جامعات غربية وجاءت كتاباتهم ومشاريعهم الفكرية على اختلاف مرجعياتها ومناهجها وجهازها المفاهيمي متأثرة بهذه الثقافة الجديدة، كما أن هذا الفكر الجديد في الفكر العربي المعاصر الذي خرج عن قواعد المألوف والمتوارث لم يلق الترحيب في المجتمعات العربية والإسلامية خاصة حراس المعبد وكهنة الحقيقة من كل الاتجاهات وبدون استثناء والذين كعادتهم وهذه سنة تاريخية يعادون كل فكر جديد لأنه يهدد مصالحهم ومواقعهم الطبقية والاجتماعية والسياسية والإيديولوجية.

إن الوعي الجديد الذي اكتسبه هذا الجيل جعله يفتح منافذ جديدة في كل الاتجاهات ويطرح أسئلة جديدة ومستأنفة، بحيث يتحول فيها كل جواب إلى سؤال جديد، إنها أسئلة الناقوس أو الخطر، أسئلة الوجود والمصير، الأسئلة التي يجب علينا فعلا أن نطرحها مهما كان الثمن ومهما كانت التضحيات حتى ندخل مجددا إلى حلبة التاريخ ونؤكد هويتنا البشرية والإنسانية وحتى نتحرر مما هو متخشب أو ميت في كياننا العقلي وإرثنا الثقافي، وهذا الجيل من الباحثين، جيل الوعي عبر عنه ماجد الغرباوي بقوله:"الإنسان الواعي لا يتهيب الممنوع وإنما يتوغل في الشك حتى يفهم الواقع، لا تضلله الشعارات ولا يستغل، هو إنسان مرهف الحس، قلق، مستوعب، يصغي ليدرك، ويناقش ليفهم، ولا يتحرك إلا عن قناعة ورؤية واضحة، لذا هو عقبة كأداة بوجه المشاريع الطامعة التي لا تحقق أي نجاح إلا باستغلال الأخرين. وتزوير الحقائق، والتلاعب بالألفاظ، والتستر بعباءة الدين والوطنية وغيرهما من المفاهيم التي تخطف أضوائها أبصار ذوي النوايا الطيبة والمشاعر الصادقة "[3]. إن هذا الوعي الجديد المتسائل والشكاك وهو الذي رافق هذا الجيل من المفكرين جعل هذا الجيل يصطدم مباشرة مع القوى الرجعية والظلامية والقوى المهيمنة اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا التي تحارب الفكر والتنوير، وهذا ما جعل هؤلاء المفكرين عموما في حالة مضايقة ومطاردة ومنهم من قدم حياته ثمنا لأفكاره الجديدة وارتقى شهيدا في سبيل الفكرة والموقف، مثل علي شريعتي ومرتضى مطهري ومحمد باقر الصدر وحسين مروة ومهدي عامل وفرج فودة وبختي بن عودة والقائمة مفتوحة إلى اليوم ولا أظن أنها ستغلق قريبا.

ماجد الغرباوي ومشروعه الفكري - ملاحظات أولية

1- جدلية الإتصال والإنفصال (متصل من أجل منفصل):

يعتبر الغرباوي من مفكري الجيل الثاني والذي تأسس معرفيا وتاريخيا في نظرنا مع المفكر والأديب طه حسين والغرباوي من مواليد 1954 بالعراق ولايزال إلى اليوم يقوم بوظيفته التنويرية والثقافية وهذا من خلال مايكتبه أو ما يكتب عنه ومن خلال مؤسسته الثقافية "مؤسسة المثقف العربي" لسان حال الثقافة العربية المعاصرة.وهناك مفكرون من هذا الجيل، أي الجيل الثاني من هم على قيد الحياة أطال الله في أعمارهم جميعا ونذكر منهم حسب قاعدة التأثير والأثر، أودنيس (ت م 1930)، فهمي جدعان (ت م 1939) علي حرب (ت م 1941)، طه عبد الرحمن (ت م 1944)، فتحي التريكي (ت م 1947) أبو يعرب المرزوقي (ت م 1947)، عبد الجبار الرفاعي (ت م 1954)، عبد الإله بلقزيز (لم نعثر له على تاريخ ميلاد).وهنا، لابد أن أشير إلى شيئ مهم ولافت للنظر وهو تناقص عدد المفكرين والفلاسفة العرب وأصحاب المشاريع الفكرية في الساحة الثقافية العربية، إن هذا في حد ذاته مدعاة للقلق والتفكير والتأمل بالنظر إلى تقدمهم في السن جميعا وعدم بروز جيل حقيقي من الشباب لإكمال المسيرة.

إن هذا يدعونا اليوم إلى النظر وإعادة النظر في كل ما تحقق من مشاريع فكرية ومن إسهامات نظرية وفلسفية للإجابة على السؤال المركزي للفكر العربي الحديث والمعاصر وهو سؤال النهضة والتقدم وتحقيق مالم يتحقق بعد، لذلك أنا أدعو شخصيا في هذه المرحلة التاريخية الفارقة والمرحلة المشوشة والضبابية التي يمر بها العالم العربي اليوم إلى التأسيس المعرفي لمرحلة الجيل الثالث التي لم تأت بعد، وهي مرحلة تقييم المشاريع الفكرية العربية وتحيينها وفق أسثلة الواقع ومقتضياته والأسئلة المستحدثة والمستنبتة من عمق هذا الواقع وإفرازاته وتشابكاته مع الأخر، وهذا كله وفق رؤية إستراتيجية شاملة تراعي المتطبات الجديدة، النظرية والعلمية والعملية المرتبطة بأفاق النهضة العربية المنشودة في ظل التحولات الدولية والعالمية والتطور الفكري والعلمي المتسارع في كل مجالات الحياة المختلفة.

ولقد أشار محمد عابد الجابري إلى هذه الإشكالية، أي مراجعة المشاريع الفكرية العربية على ضوء تحديات الواقع الجديد بقوله:" يمر العرب اليوم إذن بمرحلة انتقالية دقيقة تجعل مراجعة مشروعهم النهضوي، مراجعة نقدية أمرا مبررا بل ضروريا، لقد عاش العرب طوال هذا القرن على ثلاث قضايا رئيسية:مقاومة هيمنة الغرب، تحقيق نوع من الوحدة بين أقطارهم، تحرير فلسطين وهاهم اليوم يقفون أمام هيمنة الغرب بلا أمل في التحرر منها في المستقبل المنظور وهاهي دولهم القطرية تفرض نفسها كواقع يعاند أي تفكير في الوحدة معاندة تامة، وأخيرا وليس أخرا هاهي إسرائيل قد انتزعت اعترافاتهم بينما يواجه الفلسطينيون مصيرا مجهولا"[4].

إن هذا الوضع القاتم والملتبس في العالم العربي والإسلامي اليوم، لايعني الاستسلام أو التشاؤم ولكن يعني استئناف النظر واستئناف النظر، لا يكون إلا بأسئلة جديدة في فضاء متسامح. يقول الجابري:"إنها تحولات لا ينبغي لنا أن نرى فيها نهاية التاريخ ولا أن نجعل منها مقبرة الأمل.إن المراجعة النقدية ضرورة ملحة على استعادة الأمل واستئناف المسيرة مع التاريخ للمشاركة في صنعه والتأثير في مجراه"[5]. إن المراجعة النقدية للمشاريع الفكرية العربية بكل اتجاهاتها هي ضرورة معرفية وتاريخية ولابد من إشاعة النقاش العام وتعميمه حولها حتى تخرج من نطاق التفكير الشخصي والفردي إلى التفكير الجماعي.

وبودي وأنا أتقدم بهذه الملاحظة أن أتقدم بملاحظة أخرى، وهي أنني في هذه الورقة البحثية لست بصدد عرض وتحليل ومناقشة المشروع الفكري بكامله للغرباوي، بكل إشكالياته وعناصره وأجزائه، فهذا الموضوع له مجال أخر في كتب متخصصة ستصدر لاحقا لأن مشروع الغرباوي مشروع رحب وواسع وكل إشكالية فيه تحتاج إلى كتاب أو عدة كتب.ولكنني في هذه الورقة البحثية أردت أن أقترب من فكر الغرباوي لكي أقدم رؤية منهجية ومعرفية حول مشروعه لكي نربطه بمن سبقوه من الجيل الثاني سواء الأحياء منهم أو الأموات وكذلك لمعرفة الأسئلة الافتتاحية الغرباوية إن صح التعبير بما يخدم إشكالية بحثنا وهي: ماجد الغرباوي وموقعه في الفكر العربي المعاصر.

ومن هنا نطرح السؤال التالي: ماهي الأبعاد المنهجية والفلسفية والتجديدية لهذا المشروع وماهو طموحه المعرفي وأفاقه الإنسانية؟ كيف تعامل وتفاعل ماجد الغرباوي مع سابقيه من المفكرين وكيف انفصل عنهم منهجيا ومعرفيا؟

يتميز ماجد الغرباوي عن غيره من المفكرين العرب بميزة خاصة تميزه عنهم وهو أنه لا ينكر جهود من سبقه ويثني على أعمالهم ومنجزاتهم، لا من أجل استنساخها وتكرارها ولكن من أجل الإستفادة من مناهجهم وأسئلتهم التي فتحت منافذ جديدة في جسم الثقافة العربية المترهل والمغلق والمتقوقع والمتراكم والمسجون داخل رؤية ماضوية تلبست بطابع القداسة واحتكار الحقيقة.وهذه فضيلة أخلاقية وعلمية تحسب لماجد الغرباوي.يقول مفكرنا متحدثا عن زملائه:" لا مراء حول قيمة الجهود المكرسة لنقد مرجعيات الفكر الديني وإشكالية العقل التراثي سواء اتفقنا أو اختلفنا معها. فهي جهود مهمة اتسمت بثرائها الفكري والفلسفي واستأثرت باهتمام الباحثين والدارسين وتكمن أهميتها بحيوية مناهجها وقدرتها على طرح الأسئلة واختراق الممنوع واللامفكر، فيه فجميعها تراكم معرفي لمقاربة الحقيقة وترشيد الوعي ضمن مشاريع حضارية هادفة فاعلة "[6]. لأن من طبيعة المفكرين العرب المعاصرين أنهم لا يشيرون إلى بعضهم البعض، لا في المتن ولا في الهامش.

إن هذا لايعني أن ماجد الغرباوي يندمج ويذوب كليا داخل هذه المشاريع الفكرية، وإنما يعتمد عليها كمرتكز معرفي وابستمولوجي، أي البحث في الأسس التي تقوم عليها المعرفة وطريقة اشتغال الفكر. فهو يتفاعل مع مناهجها لامع قناعاتها الايديولوجية سواء الظاهرة أو المضمرة، الصريحة أو غير الصريحة، إنه يتعامل مع أسئلتها المتجددة لامع أجوبتها الراكدة، فهو اتصال وانفصال في نفس الوقت، اتصال على مستوى الإشكالية (إشكالية النهضة) وانفصال على مستوى المنهج، فهو متصل من أجل منفصل، يتصل بالرؤى السابقة من أجل نقدها وتجاوزها بعد الاستفادة منها طبعا، وفق رؤية أشمل وأغنى وأعمق، إن هذه المشاريع الفكرية بالنسبة للغرباوي مهما تبدو لنا متناسقة بنيويا وقوية فكريا، قد تكون متهافتة من حيث الأساس المعرفي الذي تقوم عليه، لذلك فهو يدعو إلى التحليل الإبستمولوجي للمعرفة لا إلى الطرح الإيديولوجي، من خلال التفكير في الأسس وللمقولات المضمرة والخفية التي تقوم عليها. يقول الغرباوي:" وهذا لا يعني عدم وجود ملاحظات وتحفظات أساسية حو مرتكزاتها التي انقلبت بدورها إلى بديهيات فرضت نفسها على الباحث كانحياز محمد عابد الجابري للعقل المغربي ضد العقل المشرقي في مشروعه "نقد العقل العربي" حتى اضطر جورج طرابيشي لتأليف كتاب مهم بعنوان "نقد نقد العقل العربي" أو رهان مشاريع أنسنة المقدس على إقصاء، مطلق الدين كشرط أساسي للنهضة في مجتمع يستأثر التراث بمعظم مرجعياته العقيدية والفكرية والثقافية، بل وحتى السياسة فهي رهانات خاسرة"[7].

وهنا لابد أن أشير إلى مسألة أساسية انطلاقا من هذا النص ونصوص أخرى للغرباوي التي تؤطر مشروعه الفكري وهو أنه لا يدعو إلى رفض التراث في المطلق والدين جزء ومكون أساسي لهذا التراث ولكنه يدعو إلى إعادة قراءته من جديد وترتيب العلاقة معه من داخله وليس من خارجه واستئناف النظر في معطياته في أفق العقلانية والتاريخية والنزعة الإنسانية، وهذا حتى نعيد للتراث حيويته الإبداعية وروحه الخلاقة وأبعاده الإنسانية والكونية وهو في هذه الرؤية المعرفية، يختلف مع بعض المفكرين العرب المنبهرين بالغرب والذين يدعون إلى القطيعة الكلية مع التراث باعتباره تراث تجاوزه العقل العلمي الجديد ولأنه من نتاج الماضي وجزء من ثقافة القرون الوسطى مثل عبد الله العروي داعية الماركسية التاريخانية في الفكر العربي المعاصر ولكنه يتفق ضمن هذه الرؤية مع صاحب مشروع "نقد العقل العربي" محمد عابد الجابري في موقفهما المبدئ من التراث.يقول الجابري:" من الناحية المبدئية لا يمكن تبني التراث ككل لأنه ينتمي إلى الماضي ولأن العناصر المقومة للماضي لا توجد كلها في الحاضر، وليس من الضروري أن يكون حضورها في المستقبل هو نفس حضورها في الحاضر وبالمثل لا يمكن رفض التراث ككل للسبب نفسه، فهو شئنا أم كرهنا، مقوم أساسي من مقومات الحاضر وتغيير الحاضر لا يعني البداية من الصفر.وهل هناك بداية من الصفر في أي مجال من المجالات "[8].

وإذا كان الغرباوي يتفق مع الجابري في بعض المرتكزات النظرية والمعرفية فهذا لا يعني أنه يتفق معه في التحليل أو بعض الاستنتاجات والمنطلقات الفكرية مثل إقراره بوجود عقل مغربي برهاني في مقابل عقل مشرقي عرفاني وظلامي وكذلك انطلاقه في تأسيس المعرفة من عصر التدوين في العصر العباسي بين القرن الثاني والثالث الهجري والذي بلغ أوج ازدهاه مع الخليفة العباسي المأمون (170- 218 ه).وهذا العصر، أي عصر التدوين يتخذ منه الجابري محطة ومرحلة تاريخية لتشكل وتكوين العقل العربي وليس إلى مرحلة نزول الوحي كما يرى مفكرون أخرون باعتبار أن الحادثة القرآنية والخطاب القرآني هو الخطاب الذي شكل الوعي العربي الإسلامي منذ بداية تأسيس المجتمع الإسلامي الجديد ومنذ العصر الإسلامي الأول. وهو النص المؤسس للثقافة العربية الإسلامية كما وصلت إلينا اليوم. وهذا هو الموقف المعرفي والرؤية الفكرية التي يتبناها الغرباوي في مشروعه مع زميله محمد أركون بصفة خاصة في إطار "نقد نقد العقل الإسلامي" وليس نقد العقل العربي"كما فعل الجابري الذي لم يتعرض لنقد الفكر الديني رغم مركزيته.

وهنا يجب التفريق انطلاقا من فكر الغرباوي وأركون، بين الظاهرة القرآنية (الوحي) والظاهرة الإسلامية وهي التاريخ الإسلامي السياسي والثقافي والديني والأنثروبولوجي وأنواع العلوم المختلفة من أصول وفقه وتفسير وحديث وأدب وسير وتاريخ...إلخ

بالإضافة إلى الممارسات الإجتماعية والدينية والطقوس والعادات والتقاليد...إلخ

وإذا اعتبرنا منهجيا أن النص الأول هو القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة والفكر الديني هو النص الثاني والذي يمثل الفهم البشري الإنساني النسبي، فإن الغرباوي مشكلته المعرفية والإبستمولوجية مع النص الثاني وليس مع النص الأول وفي مجال نقده للنص الثاني أي الفكر الديني يستثمر الغرباوي منجزات الدرس الإبستمولوجي المعاصر في تحليله ونقده للثقافة بصفة عامة والفكر بصفة خاصة وخاصة الدرس الباشلاري فقد انكب الفيلسوف الفرنسي غاستون باشلار (1926- 1884-gaston Bachelard)، وخاصة في كتابيه:تكوين العقل العالمي (la formation de l’esprit scientifique)

وفلسفة الرفض (la philosophie dU Non) على بلورة رؤية علمية تقوم على التحليل النفسي للمعرفة الموضوعية من أجل تجاوز العوائق الإبستمولوجية أو العقبات الإبستمولوجية (les obstacles epistemologiques) من أجل تجاوزها واحلال فهم جديد يسمح بتحرر المعرفة من هذه العوائق من خلال القطيعة الإبستمولوجية (la rupture epistemologique). إن العوائق والعقبات الإبستمولوجية تمثل في فلسفة باشلار العلمية المعرفة السابقة والعامية والمتوارثة والتحيز الإيديولوجي والمواقف العقائدية والقناعات الشخصية المضمرة والخفية والرأي والمعرفة اليقينية المطلقة إلى غير ذلك من هذه العقبات التي تعيق تطور المعرفة. فالدرس الإبستمولوجي يجعل العقل في حالة يقظة مستمرة عندما يرتد على نفسه ويراجع مقولاته ومفاهيمه وأدواته، يقول ماجد الغرباوي مستشكلا ومستفهما عن المشاريع الفكرية المطروحة في الساحة الثقافية العربية وكأنك تقرأ نصا لغاستون باشلار:" فمشكلة المشاريع عدم تجاوزها ليقينيات مضمرة، يتأثر بها الباحث لا شعوريا وهي على نوعين:الأول يقع ضمن فرضيات البحث والثانية تتولد من خلاله، فتنشأ تراكمات يقينية لاشعورية جديدة وهو أمر خارج عن إرادته أحيانا بفعل النظام المعرفي القائم على ثقافة الفرد، فكل قراءة تخضع لإكراهات المنهج وتستمد وجودها من ذات القبليات وهذا لايبرر التراخي والتحيز المطلق ويتطلب يقظة دائمة لتفادي الإنزلاقات الإيديولوجية "[9].

نلاحظ من خلال هذا النص، أن ماجد الغرباوي يمارس التحليل الإبستمولوجي العميق على الخطابات الفكرية والثقافية من أجل تجاوز العقبات والعوائق الإبستمولوجية وهو في ذلك يتفق مع الفيلسوف الفرنسي غاستون باشلار الذي يرى أن العلم والمعرفة عموما لا يقوم على التراكم المتدرج والمطرد، ولكن عبر سلسلة من الإنفصالات تحدث في بنية العلم والمعرفة ذاتها من خلال تجاوز العقبات الإبستمولوجية، "فالعقبة الإبستمولوجية حسب جورج كانغيلام 1904-1995 georges conguilhem)) تتجلى في هذا السلوك الغريزي الذي يفضل راحة العقل على نشاطه ويختار الإجابة بدلا من طرح الأسئلة"[10].

إن طرح الأسئلة واستئناف النظر في المعطيات الثقافية السابقة ويقظة الفكر وارتداده على نفسه باستمرار لمراجعة ونقد مقولاته ومفاهيمه وأدواته وأبنيته المعرفية هي الفاعلية المعرفية الأساسية لتجاوز مايعيق المعرفة من عقبات ويحررها لكي تنطلق في جو رحب أكثر حرية واتساعا وهذا ما يدعو إله الغرباوي ويمارسه باقتدار من خلال انشغاله على نصوص تناولت مواضيع متعددة وتصدت قراءته لإشكاليات راهنية ومصيرية.

2- مفكر بمنهجية متعددة الاختصاصات:

لقد أصبحت العلوم الإنسانية والاجتماعية اليوم من خلال ماعرفته من ثورات منهجية وتجديدية مترابطة ومتداخلة مع بعضها البعض، فلا يمكن اليوم انطلاقا من هذا الواقع الجديد مقاربة موضوع بحثي وفكري دون الإستعانة بمناهج متعددة من أجل الكشف والتحليل لأن الظاهرة الإنسانية والاجتماعية ظاهرة معقدة، وهذا الأمر لايزال غائبا في ثقافتنا العربية المعاصرة فلازلنا نطبق مناهج قديمة أو نؤمن بالمنهج الواحد الذي يفسر كل شيئ وإذا كان المنهج حداثيا تحول أثناء تطبيقه إلى عقيدة فلسفية لذلك لا زالت قراءتنا لثقافتنا إلى اليوم قراءات مختلفة ومتعددة للمنهج المطبق وليس قراءات من أجل تطبيق المنهج والفرق المنهجي واضح بينهما.إن هذا الواقع الجديد الذي فرضته العلوم الإنسانية والإجتماعية وهو ضرورة تسلح الباحث بمنهجية متعددة الاختصاصات هو قناعة معرفية منهجية عند ماجد الغرباوي، فكل منهج عنده ضروري وممكن مادام قادرا على الكشف ويساعدنا في الحفر في طبقات الوعي وعلى تجاوز العقبات الإبستمولوجية. وعليه فكل مناهج ضرورية عند الغرباوي لأنها تكشف عن زوايا دفينة وخفية قد تكون في دائرة اللا مفكر فيه أو الممنوع التفكير فيه. والمنهج يختبر عند الإستعمال والممارسة وليس قبل ذلك، بمعنى أن المنهج لابد أن يطبق بروح إبداعية خلاقة وليس لمجرد ترديد واستنساخ مصطلحات ومفاهيم لأن الكثير من الباحثين المعاصرين يبشرون بمناهج حداثية ولكنهم عند التطبيق إما يستعملونها بطريقة خاطئة أو بطريقة إيديولوجية تعسفية، بمعنى أنهم يريدون إثبات صحة المنهج وليس من أجل الكشف الحقيقي عن موضوع البحث.

يقول ماجد الغرباوي معبرا عن هذه الثورة المنهجية الجديدة في العلوم الإنسانية والاجتماعية وتجربته في ميدان البحث من خلال الاعتماد على المنهجية المتعددة الاختصاصات:" تلقيت مختلف الأسئلة عبر حوارات طويلة، بحكم دائرة مشاغلي الفكرية وتخصصي في علوم الشريعة والعلوم الإسلامية وصاحب رأي اجتهادي في المسائل الخلافية تطرقت فيها لمختلف القضايا الفكرية والفلسفية والثقافية واعتمدت حزمة مناهج وفقا لمقتضيات البحث والموضوع كالمنهج التحليلي المقارن، الوصفي، التأمل الفلسفي التاريخي واستعنت بالتفكيك والتأويل والهرمينوطيقا والتحليل والحفر المعرفي والأركيولوجي وتقديم العقل على النقل والأية على الرواية ولي منهج في تأويل الأحاديث والروايات الدينية والتاريخية وأسعى لعقلنة الظواهر الإجتماعية والدينية والتركيز على الحاضر دون الماضي وعلى الإنسان بمركزيته والأخذ بالواقع وضروراته فكان نتاج هذه الحوارات مجموعة كتب مطبوعة وأخرى تنتظر الصدور"[11].

إن هذا النص صريح وقوي وواضح بما فيه الكفاية لكي يعبر عن منهجية ورؤية الغرباوي للفكر والتاريخ، فهو يسعى لاستثمار كل المناهج الممكنة والمتاحة لمباحثة موضوعاته والتحاور معها، كل هذا من أجل كشف الحقيقة أو الفهم البشري الإنساني الملتبس بالأسطرة والقداسة وكل أشكال اللامعقول. وما دام أن هذه الحقيقة تاريخية ومن صنع الإنسان فهي إذن نسبية وليست مطلقة، ومن هنا، فهي خاضعة للنقد المستمر واستئناف النظر فيها، ويبدو في نظرنا تركيز الغرباوي على العقل والنزعة العقلية يمكن فهمه في إطار استدعاء واستعادة الموقف العقلاني التساؤلي عند المعتزلة الذين يقولون بأن القرآن مخلوق وليس قديما ويؤمنون بمركزية العقل في فهم الدين والتشريع باعتباره أساس التكليف الشرعي وكذلك في تركيزه على مركزية الإنسان فيه إحالة إلى النزعة الإنسية التي عرفتها الثقافة العربية الإسلامية والتي بلغت قمة تطورها مع أبي حيان التوحيدي (923م- 1023م).أما الانطلاق من الحاضر والإقرار بمقتضيات الواقع فهو الذي يجعلنا ندرك ماضينا بشكل إيجابي ونتطلع إلى مستقبلنا بروح عقلانية وإنسانية منفتحة ومتسامحة تجمع بين العناصر الإيجابية للماضي والعناصر الإيجابية في الحاضر.

إن العقلانية النقدية الجديدة في فكرنا العربي المعاصر وفق النظرية الغرباوية لا يمكن أن تتحقق إلا في إطار الانفتاح والتفاعل مع الثقافة الإنسانية التي نرى لها جذورا في الثقافة العربية الإسلامية كالعقلانية عند المعتزلة والنزعة الإنسانية عند التوحيدي والنزعة النقدية والكونية عند ابن رشد والنزعة التاريخية عند ابن خلدون...إلخ.

إن تحديث التفكير وبناء عقل علمي عربي جديد معاصر لنفسه وللأخر، متصالح ومتسامح مع ماضيه وحاضره ومستقبله لا يكون إلا بالإنفتاح على المناهج الجديدة وممارستها بطريقة علمية وإحترافية وبروح علمية، وهذا مايدعو إليه الغرباوي ويعمل عليه في مشروعه الفكري الحداثي الجديد، ولاشك أن هذه المناهج تتطور باستمرار لأنها تخضع للمساءلة والنقد الدائم، محدثة ثورة منهجية هائلة على مستوى المواضيع والمصطلحات والمفاهيم والمنهجيات المطبقة وبالتالي لا يمكن لباحث واحد أن يلاحق كل ما هو جديد فيها من فتوحات علمية ومعرفية.لذلك نجد أن محمد أركون زميل الغرباوي في مشروع "نقد العقل الإسلامي"يدعو إلى ضرورة العمل الجماعي وتقسيم العمل بين الباحثين، يقول محمد أركون: " إلا أن تجربتي في هذا الميدان أقنعتني بأن أحسن الطرق وأكثرها فائدة هي تقسيم العمل بين الباحثين المشتغلين بهضم وتمثل الأجهزة والأدوات الفكرية الطارئة المتجددة في العلوم الإنسانية والإجتماعية ثم إيجاد المناهج السليمة لتطبيقها فكرا على الدراسات الإسلامية دون تكسير الأطر المفهومية الأصلية الخاصة بالتفكير الإسلامي، بل لتحريك هذا التفكير وإحداث ما يحتاج إليه اليوم من تجديد وتحول وإطلاع على أفاق بديعة من المعرفة لم يخطر وجودها أو إمكان اكتشافها ببال المفكريين المسلمين القدماء"[12].

إن هذه الأطروحة المركزية في فكر محمد أركون والتي يشتغل عليها فكرا وممارسة هي نفسها الأطروحة المركزية عند ماجد الغرباوي، أي ضرورة التجديد الفكري من خلال الإنفتاح على ثقافة العصر وهضم المناهج المعاصرة وهذا الهم المعرفي تناوله الغرباوي بصفة خاصة في كتابه الذي يدل عليه "إشكاليات التجديد" وهو يسري في كل مشروعه الفكري كنقاط مضيئة وكاشفة لماضينا وحاضرنا ومستقبلنا.

3- القطيعة المعرفية مع الفهم التراثي للتراث:

يعتبر ماجد الغرباوي من أبرز المفكرين العرب المعاصرين الذين تطرقوا إلى مسألة التراث بحثا واستكشافا ومساءلة وتجديد الموقف المعرفي منه، ويمكننا أن نشير إلى مفكرين أخرين مثل: محمد أركون وحسن حنفي ومحمد عابد الجابري، ولعل بعض العناوين لكتبه تبرز هذا الهم التراثي مثل: "تراجيديا العقل التراثي"، " الفقيه والعقل التراثي "، "مضمرات العقل الفقهي"، " تحرير الوعي الديني"، وغيرها من الكتب الأخرى، ولكن السؤال الذي يطرح هو: لماذا التراث؟.

لأن الإنسان العربي اليوم مثقل بتراثه والتراث يستأثر بكل همومه واهتماماته وأصبحنا نعود إليه بطريقة لاعقلانية ولا تاريخية، بمعنى أننا نعود للتراث لا كمستفهمين ومتسائلين ومستكشفين ولكن من أجل البحث عن أجوبة جاهزة وكاملة عن أسئلة الحاضر والمستقبل، والأخطر من ذلك عند الغرباوي هو أن التراث لا يزال إلى اليوم يشكل بنيتنا النفسية والعقلية والذهنية، هذه البنية المتوارثة التي لم تتعرض للنقد والمراجعة والتغيير منذ القرون الوسطى.وهذا ما يعطي للتراث طابعه الإشكالي ويصبح هذا الطابع الإشكالي مضاعفا عندما نقترب من التراث من أجل إعادة قراءته وفهمه بأدوات منهجية معرفية جديدة فالمشكلة عند الغرباوي ليست في العودة إلى التراث، ولكن في الطريقة وأسلوب التعامل معه وأدوات النظر فيه، فالتراث هو نتاج تجربة إنسانية تاريخية يتميز بالنسبية، فهو ليس كاملا ولا مقدسا متعاليا على التاريخ، لذلك يمكننا استئناف النظر فيه واستئناف النظر فيه معناه طرح أسئلة جديدة ومساءلة التراث نفسه وكشف نسبيته وتاريخنيته والتمييز فيه بين ماهو مقدس وماهو مدنس، بين ماهو إلهي وماهو بشري.

يقول ماجد الغرباوي: " المقصود بالتجديد: تحديث أدوات التفكير عبر مناهج ونظريات حديثة، لإعادة النظر بجميع اليقينيات والمقولات الأساسية، من أجل فهم جديد للدين ومقاصده وغاياته ومبادئه ومعارفه في ضوء تطور وعي الإنسان وقدراته العلمية والمادية، استجابة لتطورات العصر ومقتضياته، ومعرفة حدود الدين، والمائز بينه وبين الفكر الديني والتفريق بين الإلهي والبشري، أو بين المقدس والمدنس"[13].

إن ماجد الغرباوي لا يدعو إلى رفض التراث في المطلق أو الدين في المطلق لأن التراث أو الدين يحيل إلى الهوية الحضارية للأمة هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فإن كل أمة تفكر بتراثها وليس بتراث غيرها ولكنه يدعو إلى القطيعة الإبستمولوجية مع الفهم التراثي للتراث، أي الفهم البشري للدين والمتوارث منذ القرون الوسطى والذي أخذ طابع القذاسة والتنزيه والتعالي رغم أنه فهم بشري وفكر إنساني محكوم بشرطيته التاريخية، فالدين كنصوص مقدسة قضية نهائية لا تناقش ومجالها الإيمان والتسليم، أما التراث أو الفكر الديني، أي تفسير النصوص المقدسة وما يرتبط بها ويحيط بها من معارف وعلوم وممارسات وطقوس وشعائر مسألة تاريخية مشروطة بمنطق عصرها وتخضع في تقييمها للإمكانيات العلمية المتاحة للعلماء في ذلك العصر والذي تبعدنا عنه اليوم مسافة علمية رهيبة جدا، لذلك يرى الغرباوي وهذا موقف عقلاني أنه من حقنا ونحن في القرن الواحد والعشرون أن نستعمل إمكانياتنا العلمية المتاحة من مناهج متطورة ومعارف جديدة في إعادة قراءتنا لتراثنا بصفة عامة والفكر الديني بصفة خاصة لجعله معاصرا لنفسه على مستوى الفهم والمعقولية ومعاصرا لنا من أجل إعادة بنائه في وعينا من جديد واستثماره في عملية النهضة والبناء الحضاري.

فهناك فرق كبير إذن بالنسبة للغرباوي بين أن يتملكنا التراث أو نقوم نحن بتملكه وهذا عندما نعي زمانيته وتاريخيته فنخضعه لعملية القراءة المستمرة بواسطة الأسئلة. يقول الغرباوي:" من هذا المنطلق نحن بحاجة ماسة لمراجعة ثوابتنا ومقولاتنا وتراثنا وفكرنا وثقافتنا، بحثا عن مصادر قوتها وتشخيص نقاط ضعفها ومطالبون بتجديد رؤيتنا للحياة والموت والأخرة، وعلاقة الإنسان بما حوله، والعودة إلى مصادر وعينا وتفكيرنا، في ضوء الواقع، وتحكيم العقل في قراءة التراث ومصادره"[14].

إن إشكالية التراث والفكر الديني عند الغرباوي هي قضية منهجية ومعرفية بحتة مرتبطة بسؤال النهضة العربية المأمولة وليست قضية إيديولوجية، فالغرباوي ليس منخرطا مع جهة ضد جهة أخرى من أجل تصفية حسابات سياسية شخصية أو طائفية أو مذهبية، إن أسئلته هي أسئلة معرفية محضة حتى ولو كانت قاسية في نظر البعض، إنه مفكر عربي مستنير يسعى ليقظة هذه الأمة، يسعى لخيرها وخير هذا العالم. وفي إطار هذه الرؤية الغرباوية يمكننا أن نقول إن مقولة: " الإسلام صالح لكل زمان ومكان" تعني في نظرنا أن كل جيل يأتي بطرح أسئلته المستجدة والمستحدثة على النص، فلكل جيل أسئلته ولكل جيل أجوبته، هذه الأجوبة تبقى بدورها مفتوحة وليس مغلقة. لأن هناك تدافع بين الأجيال ولكل جيل همومه الخاصة.

إن هذا الفهم الجديد للتراث وللفكر الديني بصفة عامة وللإسلام (عقيدة وشريعة) هو الذي يسعى من خلاله ماجد الغرباوي إلى تكوين عقل عربي إسلامي جديد معاصر في مقابل العقل الكلاسكي الموروث منذ العصور الوسطى والذي نقوم باجترار واستنساخ مفاهيمه ومقولاته وأحكامه في الحاضر. ولكن بعض المؤسسات الرسمية، أفرادا وجماعات وحتى أنظمة سياسة قائمة والمستفيدة من الفهم التراثي للتراث ترى أن الفهم الجديد خطر على مصالحها وعلى وجودها ونفوذها داخل المجتمع فهم يعيشون بوعيهم في الماضي ويربطون أتباعهم به وهم بتعبير الفيلسوف الإيطالي أنطونيو غرامشي (1891- 1937) (عقول أُعدت للماضي)، لأن هناك فرق بين الحداثة والمعاصرة كما يرى محمد أركون فالمعاصرة تشير إلى الزمن الحاضر الذي نعيش فيه أما الحداثة فهي موقف فكري أو توتر للفكر أمام مشكلات المعرفة، فهذه الكائنات التراثية رغم معاصرتها لنا في الحاضر إلا أنها تعيش بعقلية القرون الوسطى وهذا هو قمة الإغتراب في نظري الذي تعيشه عموما الثقافة العربية الإسلامية وشعوبها في الحاضر.

4- من المقدس إلى المدنس: كيف نخرج من السياج الدوغماتي المغلق؟

إن استراتيجية ماجد الغرباوي الفلسفية قائمة على تتبع وكشف دروب متاهات الحقيقة من خلال الحفر في طبقات الوعي الديني والأنظمة المعرفية السائدة بعيدا عن التهويمات الذاتية وهو في ذلك يستثمر المنهج الأركيولوجي للفيلسوف الفرنسي ميشال فوكو (Michel Foucault) (1926-1980). والذي تقوم فلسفته على نقد وفضح الذات العارفة والعالمة في كل عملية تأسيس للمعرفة واعتماد رؤية فلسفية جديدة جعلت من الذات مجرد عامل متغير ضمن ظاهرة عامة هي عملية التعرف وهذه العملية مرتبطة بمفاهيم جديدة مترابطة مثل البنية والنظام والنسق، لأن الذات العارفة تعمل على إعادة إنتاج ما هو سائد وما هو سائد ليس بالضرورة أنه يعبر عن الحقيقة، فعبر كل تاريخ مكتوب هناك تاريخ غير مكتوب وحقائق مغيبة، فمهمة المنهج الأركيولوجي هو إخراج المعرفة من دائرة الإيدولوجيا (الذات) إلى دائرة العلم (النسق والنظام المعرفي)، هذه المعرفة الجديدة يقول عنها فوكو " أنها تلك المعرفة التي تجعل منك شخصا آخر لم تكن عليه من قبل"، وفي اطار هذه الرؤية يطرح الغرباوي أسئلة الناقوس (الخطر) والتي تهدم كل الأجوبة المتوقعة، ما هي الحقيقة وكيف تشكلت تاريخيا في ثقافتنا العربية الإسلامية، وكيف التبس الفكر الديني بالدين، وهل يمكن تملكها بإسم جهة أو جماعة، وهل هي مطلقة أم نسبية، وهل يمكن احتكار مفهوم الحقيقة باسم الدين أو باسم أي سلطة أخرى، وأخيرا وليس آخرا، وبلغة ميشال فوكو: ما هي الحقائق المغيبة والعناصر والأطراف التي تم إقصاؤها وإهمالها في عملية إنتاج مفهوم الحقيقة والفكر الديني في ثقافتنا المتوارثة؟.

إنها أسئلة مركزية وضرورية ومصيرية في نفس الوقت يطرحها الغرباوي بجرأته الفلسفية المعهودة ويحاول أن يجيب عليها بالعودة إلى التاريخ، أي إلى مرحلة تشكل العقائد الدينية التي ساهمت في تشكيلها عوامل تاريخية ونفسية وإيديولوجية، ولكن رغم طابعها الانساني والبشري تحولت إلى مدونات رسمية مقدسة ومغلقة مُشكلة لسياج دوغوماتي من الصعب أو الخطر اختراقه أو مجرد مساءلته.

إن المدونات الرسمية المغلقة les corpus officiels clos) (و هو مفهوم فلسفي يوظفه زميله محمد أركون في دراسة الفكر الإسلامي والذي يعني أن هذه المدونات تحمل في ذاتها حقيقة نهائية كاملة ومجالها التسليم فهي ذات طابع ايماني غير قابلة للنقاش أو النقد رغم طابعها الإنساني والتاريخي، والمشكلة الخطيرة أن هذه المدونات الرسمية المغلقة أصبحت مقدمة على النص الأول (القرآن) فالكثير من المؤمنين مثلا يقدمون مدونة البخاري على القرآن الكريم في استنباط الأحكام والقضايا المصيرية للمسلمين.

لقد تم تاريخيا دمج الدين مع الفكر الديني، البشري مع الإلهي والنسبي مع المطلق وهذه في حد ذاتها مشكلة معرفية، وتاريخية خطيرة لازلنا نعاني منها إلى اليوم وهذا ما يمثل حجر الزاوية من وجهة نظرنا في مشروع الغرباوي النقدي والتجديدي.

يقول ماجد الغرباوي معبرا ومبرزا لهذه الإشكالية المعرفية والتاريخية المتشابكة والملتبسة والخطيرة في نفس الوقت: " يشهد تاريخ الفرق والمذاهب الكلامية أن العقائد تنشأ بسيطة ثم تنمو وتتطور بعضها يقاوم وبعضها يضمحل، والإعتقاد بأي عقيدة لا يدل على حقيقتها ومطابقتها للواقع دائما ولا ينفي دور الوهم والعوامل النفسية والخارجية في تشكيلها وهذا مبرر موضوعي يسمح بنقدها ومراجعتها للكشف عن تاريخيتها وزيفها وحجم الوهم والمؤثرات الايديولوجية والطائفية في صياغتها فيخطئ من يؤمن بثبات العقيدة أو ينفي تطورها وتاريخيتها. من هنا استهدف الحوار عقائد المسلمين عامة وعقائد الشيعة خاصة، نقدا أو تقويما وفق منهج علمي موضوعي[15]. وهذه العملية كما أسلفت تتطلب منهجية متعددة الاختصاصات أي تفكيك البنى والمقولات الذهنية المتوارثة والمغلقة.

ومن هنا ينتقل الغرباوي إلى توظيف المنهج التفكيكي الذي ينسب فلسفيا للفيلسوف الفرنسي المعاصر جاك دريدا Jacque Derrida 2004-1930. إن المنهج التفكيكي يسعى في خطواته المنهجية إلى زحزحة أو تحويل فهم سابق من أجل إحلال فهم لاحق جديد.

إن عملية الزحزحة أو التحويل تعني إخراج موضوع البحث من نسق مغلق إلى نسق مفتوح عبر عملية اختراق وهدم (Trangression et Deconstruction) للنظام المعرفي الذي تقوم عليه هذه المقولات الفكرية والثابتة والمتكلسة، ومن ثم إبراز تهافتها المنطقي والعقلي وطابعها اللاتاريخي لتأتي بعد ذلك مرحلة التجاوز (le Déplacement) أي مرحلة إحلال البدائل المنهجية والمعرفية الجديدة والبدائل التاريخية المنفتحة على تطور الزمن والتاريخ، يقول الغرباوي: " وما يبرز النقد أيضا أن العقيدة منظومة مبادئ ومقولات توجه وعي الفرد يتأتى الإيمان بها عبر تراكمات لا شعورية نفسية ثقافية، هي سر تفاوته من شخص لآخر فتؤثر في تكوينه جميع المؤثرات النفسية والسلوكية والاجتماعية والسياسية والعلمية والثقافية والتربوية ومنها ذات العقيدة وقوة رمزيتها وايحاءاتها وحجم تأثر العقل الجمعي بها، لذا يكتسب النقد صفة الضرورة ليحد من تمادي العقيدة على حساب المبادئ الأصلية"[16].

إن نقد هذه المقولات المتوارثة عبر التاريخ والأكثر رسوخا وقداسة من أجل إحلال البدائل التاريخية مكانها، ليست مهمة سهلة على الاطلاق، لأنها ستلقى مقاومة شرسة من المؤمنين بها والمنتفعين منها، كما أنها على المستوى المعرفي تتطلب إحلال جهاز مفاهيمي جديد محلها أكثر اتساعا ورحابة وتسامحا وحرية.

فالمنهج التفكيكي ليس منهجا عدميا، أي أن وظيفته ليست هي الهدم فقط، لكنه منهج من أجل البناء، لأنه لكي نبني شيئا جديدا لابد أن نهدم شيئا قديما، نهدم وعيا سلبيا ونبني مكانه وعيا إيجابيا، وعيا أكثر اتساعا وتسامحا وتصالحا مع العصر.

والغرباوي في هذه المهمة سيجد نفسه مباشرة في مواجهة العقل الأرثوذكسي (La raison orthodoxe).و هو العقل الذي يؤمن إيمانا مطلقا بما يعتقده من أفكار ثابتة وغير قابلة للتعديل أو التغيير ويعتبرها صحيحة ونهائية، وفي نفس الوقت يلغي أفكار الآخرين ومعتقداتهم ويرى أنها لاغية ومنحرفة عن الخط المستقيم، فالعقل الأرثوذكسي لا يؤمن بالتطور ولا يُخضع معتقداته وأفكاره للمراجعة المستمرة رغم التطور التاريخي وتقدم المعرفة، فهو يعيش خارج الزمن وخارج التاريخ في نفس الوقت. ذلك أن " العقلية الدوغماتية ترتبط بشدة وبصرامة بمجموعة من المبادئ العقائدية وترفض بنفس الشدة والصرامة مجموعة أخرى وتعتبرها لاغية لا معنى لها، لذلك فهي تدخل في دائرة الممنوع التفكير فيه أو المستحيل التفكير فيه وتتراكم بمرور الزمن والأجيال على هيئة لا مفكر فيه"[17].

إن احتكار مفهوم الحقيقة والرأسمال الرمزي " الفكر الديني " (Le Monopole du capital synbolique (خاصة التراث الديني يؤدي إلى تقديس الحقيقة المزعومة وعلى ضوئها يتم إنتاج إيدولوجيا الكفاح والنضال من أجل حراستها وإعلائها والدفاع عنها ضد الآخرين، ويكون ذلك باستعمال العنف بكل أشكاله ضدهم، العنف الرمزي والمادي، المباشر وغير المباشر، وهذا ما يسميه محمد أركون بالمثلث الأثروبولوجي الخطير (الحقيقة، المقدس، العنف) وهذا من طبيعة العقل الأرثوذكسي أو العقلية الدوغماتية المغلقة، التي لا تقبل الحوار وغير مستعدة لمراجعة قواعد تفكيرها أو إعادة قراءة وترتيب الأشياء من جديد، وتعتبر أن استعمال العنف ضد الآخرين واجب إيماني وعقائدي من أجل الحفاظ والدفاع عن حقائقها المقدسة.

إن هذا المثلث الأثروبولوجي هو الشاغل الأساسي لمشروع الغرباوي الفكري ولعل مجرد عناوين كتبه تحيل الى هذه الإشكالية المستعصية ويمكن أن نذكر بعضها على سبيل المثال الحصر: (النص وسؤال الحقيقة، تحديات العنف، الضد النوعي للاستبداد، التسامح ومنابع اللاتسامح، جدلية السياسة والوعي....إلخ). وتحت تأثير هذه الإشكالية المركزية في فكر ماجد الغرباوي أصدر الباحث والمفكر الدكتور صالح الرزوق كتابه بعنوان: (جدلية العنف والتسامح: قراءة في المشروع الإصلاحي لماجد الغرباوي)[18].

إن هذا المثلث الأثروبولوجي الخطير (جدلية الحقيقة والمقدس والعنف) هو جوهر وماهية العقل الأرثوذكسي الذي يعني: " عدم قدرة الشخص على تغيير جهازه الفكري أو العقلي عندما تتطلب الشروط الموضوعية ذلك وعدم القدرة على إعادة ترتيب أو تركيب حقل ما تتواجد فيه عدة حلول لمشكلة واحدة وذلك بهدف حل هذه المشكلة بفاعلية أكبر"[19].

ويبدو من وجهة نظري وبعد إطلاعي المتواصل والمستمر للمشاريع الفكرية العربية أن الغرباوي يشترك مع زميله محمد أركون في دراسة وتفكيك هذا المثلث الأثروبولوجي الخطير في مقاربة التراث بصفة عامة والتراث الديني بصفة خاصة.

إن تفكيك هذا المثلث الخطير في نظر الغرباوي هو الذي يسمح لنا بتجاوز السياج الدوغماتي والانغلاقات الدوغماتية (les clôtures dogmatiques (ويفتح أمامنا مجالا جديدا لما يسميه محمد أركون انبثاق وبروز "العقل الانبثاقي " (La raison émergente) في مقابل العقل الأرثوذكسي والعقل الانبثاقي الجديد هو العقل القائم على التساؤل والمنفتح على المعرفة الجديدة والأسئلة الجديدة، ومن هنا طابعه العلمي والإنساني والكوني.

إن هذا العقل الانبثاقي الجديد الذي يدعو إليه الغرباوي في مشروعه الفكري هو من طبيعة الفلسفة كما نتعلمه من تاريخ الفلسفة ذاته، لأن الموقف التساؤلي مرتبط بلحظة التفلسف الأولى وهي الدهشة الفلسفية "L’étonnement philosophique" والتي تعتبر أصل الفلسفة لأنها قائمة على السؤال والتساؤل.

يقول ماجد الغرباوي: " لم تكن دهشة الانسان الذي وجد نفسه وحيدا يواجه أهوال الطبيعة وتحديات الأمن والاستقرار، مجرد علامة استفهام ساذجة ارتسمت على وجهه في أول بادرة وعي بشري، بل كانت سؤالا فلسفيا يتحرى الحقيقة والبحث عن معنى لوجوده ومصيره وفهم ما يحيط به من ظواهر وألغاز"[20].

إن السؤال الفلسفي عند ماجد الغرباوي مرتبط بعدة أسئلة وكل سؤال جديد يستنبت سؤالا آخر، لأنه كما يقول نصر حامد أبو زيد:" أي قراءة لا تبدأ من فراغ: بل هي قراءة تبدأ من طرح أسئلة تبحث لها عن إجابات وسواء كانت هذه الأسئلة التي تتضمنها عملية القراءة صريحة أو مضمرة، فالحصيلة في الحالين واحدة وهي أن طبيعة الأسئلة تحدد للقراءة آلياتها"[21].

إن السؤال الفلسفي الكبير عند ماجد الغرباوي والذي يقوم عليه مشروعه الفكري والتجديدي هو: ما هو الأساس المعرفي الذي تقوم عليه معارفنا وأفكارنا ومعتقداتنا الموروثة؟

وهو سؤال ابستمولوجي بامتياز قد طرحه الفيلسوف الفرنسي ميشال فوكو حول الثقافة الغربية. أما السؤال الثاني هو: ما هو السبيل لتفكيك المقولات والبنى الفكرية المتكلسة والملتبسة والمتلبسة بالأساطير والأوهام والخرافات؟، كيف نحرر العقل الإسلامي القديم والحديث والمعاصر من القيود والأغلال ونجعله يتنفس حرية لينطلق في عالم جديد رحب متغير باستمرار؟ ما هي البدائل التاريخية التي من خلالها وبواسطتها يمكننا أن ننفتح على أنفسنا وعلى الآخر؟ كيف ننتقل من الفكر الأحادي إلى الفكر المختلف والمتنوع؟ كيف ننتقل من الطائفة والقبيلة والجهة إلى الدولة والمجتمع المدني؟ وكيف ننتقل من الحاكمية الإلهية (لا حكم إلا الله) الى الحاكمية البشرية (حكم الشعب)؟. كيف نجعل من المرأة العربية إنسانا كاملا كي تطير المجتمعات العربية والإسلامية بجناحين لا بجناح واحد؟ كيف نستأصل العنف من ثقافتنا وطريقة تفكيرنا ومن فكرنا السياسي والاجتماعي والديني؟ كيف نجعل من الاخر (غير العربي وغير المسلم) بعدا ضروريا من أبعاد كينونتنا ووجودنا وفق قاعدة التعارف القرآنية" وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا"؟.

إنها أسئلة كثيرة وخطيرة ومفتوحة في نفس الوقت تؤطر المشروع الفكري عند الغرباوي وقد أجاب عليها بطريقته الفلسفية المنفتحة والمتسامحة. لقد أضاء الغرباوي شموعا على دروب وطرق مظلمة وملتويه ووضع أصابعه على الجراح المؤلمة ونفض الغبار عن مرايا مقعرة ومهشمة. ولا شك أن أجيالا من الباحثين المتنورين في الحاضر والمستقبل سوف تستأنف المسيرة مع إضاءة شموع جديدة قبل طلوع شمس الحضارة العربية الإسلامية الجديدة بوجه جديد ورسالة جديدة ولعلها تشرق قريبا.

إنه حلم جميل ومشروع لأن كل المنجزات العظيمة اليوم كانت في الماضي مجرد أحلام في ذهن أصحابها. وهذا ما يجعلنا نتمسك بالأمل ليس الأمل الرومانسي المريح بكل تأكيد، ولكنه الأمل الذي يرافقه فعل ويسبقه عمل، إنه مشروع كبير ويستحق منا كل جهد وهذا ما يقوم به أستاذنا الفاضل والمفكر والفيلسوف ماجد الغرباوي قولا وفعلا، فكرا وممارسة.

أطال الله في عمر أستاذنا وجعله دائما منارة مضيئة للتائهين والحياري والمتسائلين عن الحقيقة. ويبقى سؤال الحقيقة عند الغرباوي أولا وأخيرا وآخرا.

***

بقلم: ا. د. قادة جليد

 أستاذ فلسفة - جامعة وهران / الجزائر

.........................

[2] - ماجد الغرباوي: إشكاليات التجديد، مؤسسة المثقف العربي، سيدني استراليا، ط 3، 2017، ص 5.

[3] - ماجد الغرباوي: اإشكاليات التجديد نفس المرجع، ص: 35-36.

[4] - د.محمد عابد الجابري: المشروع النهضوي العربي، مراجعة نقدية، مركز دراسات الوحدة العربية، ط 2، 2000، ص: 15.

[5] - د.محمد عابد الجابري: المشروع النهضوي العربي، مراجعة نقدية، نفس المرجع، ص 15.

[6] - ماجد الغرباوي: النص وسؤال الحقيقة، مؤسسة المثقف العربي سيدني، أستراليا، ط 1، 2018، ص 7.

[7] - ماجد الغرباوي: النص وسؤال الحقيقة، نفس المرجع، ص: 7.

[8] - د.محمد عابد الجابري: التراث والحداثة، مركز دراسات الوحدة العربية، ط 5، 2015 ص: 37.

[9] - ماجد الغرباوي: النص وسؤال الحقيقة، مرجع سابق ص: 7-8.

[10] - د.حسن عبد الحميد: نظرية المعرفة العلمية (الابستمولوجيا) لروبير بلانشيه، تر: حسن عبد الحميد، تقديم د. محمود فهمي زيدان، مطبوعات الجامعة، الكويت، 1986، ص: 26.

[11] - ماجد الغرباوي: الهوية والفعل الحضاري، مؤسسة المثقف العربي، سيدني، أستراليا، ط 1، 2019، ص: 10.

[12] - محمد أركون: تاريخية الفكر العربي الإسلامي، تر: هاشم صالح المركز الثقافي العربي، ط 2، 1998، ص: 7.

[13] - ماجد الغرباوي: إشكاليات التجديد، مرجع سابق، ص: 24.

[14] - ماجد الغرباوي، إشكالية التجديد، نفس المرجع، ص: 24.

[15] - ماجد الغرباوي: تراجيديا العقل التراثي مؤسسة المثقف العربي، سيدني، أستراليا، ط 1، 2021، ص:6.

[16] - ماجد الغرباوي: تراجيديا العقل التراثي، نفس المرجع، ص: 6.

[17] - محمد أركون الفكر الإسلامي قراءة علمية، تر: هاشم صالح المركز الثقافي العربي، ط 1، 1996، ص: 6.

[18] - صدر الكتاب سنة 2016م، عن دار نينوى، دمشق، سوريا.

[19] - محمد أركون: محمد أركون: الفكر الاسلامي قراءة علمية، نفس المرجع، ص: 6.

[20] - ماجد الغرباوي: الهوية والفعل الحضاري، مرجع سابق، ص 8.

[21] - نصر حامد أبو زيد: إشكالية القراءة وآليات التأويل، المركز الثقافي العربي، ط 1، 2014، ص: 6.

...........................

* مشاركة (64) في ملف تكريم ماجد الغرباوي، الذي بادر مجموعة من كتاب المثقف الأعزاء إلى إعداده وتحريره، لمناسبة بلوغه السبعين عاما، وسيصدر كتاب التكريم لاحقا بجميع المشاركات: (شهادات، مقالات، قراءات نقدية ودراسات في منجزه الفكري).

رابط ملف تكريم ماجد الغرباوي

https://www.almothaqaf.com/foundation/aqlam-10