بأقلامهم (حول منجزه)
نزار حنا الديراني: الاستاذ ماجد الغرباوي وكتابه التسامح ومنابع اللاتسامح
عن شركة العارف للمطبوعات صدر للاستاذ الصديق ماجد الغرباوي الطبعة الثالثة من كتابه (التسامح ومنابع اللاتسامح / فرص التعايش بين الاديان والثقافات) لعام 2024.
ومن الجدير بالذكر تأتي أهمية مشاريع الاستاذ ماجد الغرباوي التنويرية كونه خريج الحوزة العلمية في النجف وعمل مدرسا للحوزة العلمية في قم لذا فهو ملم كثيرا بكل ما يتناوله لما يحمل في جعبته الكثير من التراث الاسلامي، فصدرت له العديد من الكتب من بينها (الضد النوعي للاستبداد، اخفاقات الوعي الديني، اشكاليات التجديد، تحديات العنف، الحركات الاسلامية، موسوعة متاهات الحقيقة وكتب أخرى)
كل هذا لدليل الى ما يربو اليه الاستاذ ماجد للتخلص من الأفكار السلبية والتي تحملها الايديولجيات الدينية والتي من نتائجها هذا الكم من التخلف والدمار في عالمنا المشرقي.
منذ العتبة الاولى للكتاب تجد نفسك أمام نقيضين، الاول يؤدي بك الى العيش المشترك بمحبة والثاني بالعنف. حيث تُمثل كلّ من المفردة (التسامح) و(اللاتسامح) طرفي التناقض التي يتكئ عليها الكاتب ليقدم لنا صورتين تُفضي إلى تأويل افتراضي لعوالمها الغامرة ولافتة دلاليّة ذات طاقة مكتنزة تدفعك باشتياق للتواصل معه لفكّ شفرته.
في كتابه التسامح ومنابع اللاتسامح يقول الكاتب في المقدمة للطبعة الثالثة:
(سبع عشرة سنة، اتصفت بتسارع وتيرة الاحداث، وتفشي ثقافة الكراهية والموت وازدراء الانسان. وكان منطق العنف يبعث الرعب تحت مسميات دينية ومذهبية وقومية.. كل هذا دفع بالبعض لاستبدال القيم الانسانية بقيم العشيرة والحزب والطائفة والدين.
ويزيد قائلا: (يتوقف استتبات الأمن الأهلي وقيام مجتمع مدني على وجود تسامح حقيقي لا شكلي الذي سينهار في أول احتكاك ديني او..) وفي ضوء ذلك يرى الاستاذ ماجد أن عمليات التلفيق لا تنجح في تطويع مفاهيم الحضارة الغربية، لذا فشلت مشاريع الأسلمة في العالم الاسلامي. فما لم يُعد النظر في فهم الدين والعادات والتقاليد والثقافة والفكر لا يمكن تطبيق مفاهيم حضارية وليدة بيئة أخرى... فعندما يكون التسامح حقيقيا، فاعلا، كما في الغرب، (وكما يقول) يمكنه استيعاب حاجة الآخر لممارسة طقوسه وعاداته وتقاليده، وديانته، وعبادته. فالجميع مواطنون يتمتعون بكامل حقوقهم ويؤدون جميع واجباتهم... أما في مجتمعاتنا فلا يصدق سوى التسامح الشكلي، تسامح المنة والتكرم والتفضل، يتسامح معك ظاهراً، ويضمر في أعماقه نفيك وكراهيتك.
لذا يرى الكاتب علينا التعامل مع الآخر باعتبار لا يوجد مذهب حق مطلقاً وآخر باطل مطلقاً، ويبقى الانسان رهن عمله وسلوكه وإيمانه... وينهي مقدمته هذه والتي يفوح منها خصوبة أفكاره وحسن تربيته وتوسع ثقافته ورؤيته بقوله (ما تعرضت اليه عام 1975 من اضطهاد وتعذيب وما حدث في العراق بعد سقوط الطاغية جعلتني أقتنع أكثر بضرورة التسامح بين الأحزاب والجهات السياسية وأدعو للتصالح، من أجل حقن الدماء وأستتباب الأمن.
ومن ثم يتناول في فصول كتابه هذا رؤيته للتعايش والعمل المشترك من خلال (مقاربات تمهيدية للتسامح، منابع اللاتسامح، تأصيل الأسس، نصوص خالدة).
ففي موضوع المقاربات التمهيدية للتسامح يقول (لم يبق أمام الشعوب الاسلامية خيار للحد من ثقافة الموت سوى تبني قيم التسامح والعفو والمغفرة والسلام لنزع فتيل التوتر والشروع بالحوار كل هذا يتطلب منا تضافر جهود الخطاب الاعلامي مع الخطاب الثقافي والديني والسياسي والتربوي والعودة الى الذات لمراجعتها ونقدها لبث قيم التسامح في المجتمع من خلال القيام بسلسلة عمليات فكرية وثقافية لاستئصال القيم الخاطئة لتحل محلها قيم جديدة لتكون الارضية الخصبة للتسامح. ويزيد قائلاً:
لما كان التعصب الضد النوعي للتسامح، يجري باسم الدين والشريعة والاسلام والاله لذا سأركز في دراستي هذه على الدين الاسلامي مرجعاً في صياغة أنساق التسامح..
وإذا كان التسامح ضرورة للمجتمعات المتطورة فانه بالنسبة للمجتمعات المتعددة كالعراق، علاج أساسي لتفادي تداعيات أزمة التناحر والاقتتال، وهذا يعني على الشعب العراقي (وكما يقول) اعادة ترتيب اولياته والبحث عن صيغ تستوعب التناقضات الدينية والقومية وتستجيب لطموحات الجميع بشكل متساو. كل هذا يعنى حاجتنا الماسة لحكومة مدنية والى مؤسسات المجتمع المدني الفاعلة والقادرة على الاستجابة للضرورات الاجتماعية والسياسية والدينية مع الحفاظ على خصوصية كل فئة.
وفي موضوع دلالات التسامح وقبول الاخر يرى الكاتب أن قبول الآخر لا بد أن يكون على أساس اشتراك الآخر في وجود الحقيقة أي كونها (الحقيقة) نسبية لدى كل طرف من أطراف المجتمع الواحد، لذا من الواجب على كلٍ منا قبول الآخر والتعايش معه وفسح المجال له في اختيار عقيدته وحريته في التعبير والدفاع عنها.
ومفهوم التسامح عند الاستاذ ماجد يعني الاعتراف بالآخر والتعايش معه على أساس حرية العقيدة وحرية التعبير لا تكرماً ولا منة وانما حق من حقوقه. بمعنى آخر الاستاذ ماجد (كما أرى) لا يعني بالتسامح قبول اعتذار الآخر الضعيف بل الشجاعة للاعتراف بأننا أخطأنا بسلب حقوق الآخر الأضعف منا لذا يتوجب علينا اعادتها له كونها حق من حقوقه مثلما لنا.
وقد استند الاستاذ ماجد على جملة آيات قرآنية تدعو للتسامح والعيش المشترك والتساوي من بينها:
(إنَّ الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئينَ من آمنَ بالله واليوم الآخر وعملَ صالحاً فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون) ص16
وفي موضوع ثقافة اللاتسامح – الصورة النقيضة للاولى، يرى الاستاذ ماجد وجود منابع عدة لها، تبعاً لطبيعة المجتمع ثقافيا وفكريا وعقيديا فضلا عن مستوى تمسك المجتمع بالقيم الدينية والاجتماعية هذه المنابع تفضي الى التعصب الديني والقبلي والسياسي لذا من أجل بتر منابع اللاتسامح يتطلب تفكيكها واعادة تشكيلها بما يخدم قيم التسامح. وقد حدد الكاتب أهم هذه المنابع وهي:
1- منطق العنف: يدعو الاستاذ ماجد الى ضرورة الارتكاز الى العقل والتعقل بدلا من اللجوء الى العنف والقوة ويكون التفكير بديلا عن التكفير والتسامح بدلا عن اللاتسامح.
2- الولاء القبلي: ويكمن خطورته في انشطار الولاء بين العشيرة والدولة فعندما تتقاطع الولاءات سيكون الولاء الاول للفرد الى العشيرة. لذا يترتب على الدولة مساعدة الفرد كي يتحرر من المارد الرابض في وعيه وهو العشيرة ليكون ولاءه للدولة لا العشيرة.
3- سلطة القيم: يسعى التسامح في نظر الاستاذ ماجد لتأسيس مرجعية قيمية تلغي فيها الفوارق والخصوصيات كي يتم التعامل مع الناس على أساس انسانيتهم. ومن افرازات هذه القيم هو حساسية الرجل تجاه المرأة على اعتبار قيم الشرف التي اعتمدها المجتمع بشكل سحق المرأة لصالح الرجل. وكذلك تكريس سلطة الاب والحاكم بجعل العلاقة عمودية بين الاب وابنائه والحاكم وشعبه والشيخ وعشيرته.
وفي مجال الاستبداد السياسي ينظر الاستاذ ماجد اليه كونه خصما حقيقيا للتسامح كونه يعمل على الضد من خلال رفض الآخر وتهميشه، فلا مجال لاشاعة قيم التسامح في ظل أجواء التفرد والاستبداد بالسلطة وكما الحال في الاستبداد العشائري والديني. وهذا ما عانت منه الشعوب الاسلامية من تداعيات الدكتاتورية وحكم الطاغية والتفرد بالسلطة منذ بداية الدولة الاموية وما زالت كما يقول، وهذا يتطلب منا تفكيك القيم الرابضة في اللاوعي.
وهكذا الحال في التطرف الديني والذي يعتبر أحد أخطر منابع اللاتسامح من خلال توظيفه للنص الديني جاعلا منه وسيلة للتخفي والتستر تحت غطاء الشرعية وقد أفضى منهج الجمود الى ظهور سلسلة من الفتاوى التكفيرية في مسألة محاربة الكفار أو المشركين من أهل الكتاب والمخالفين مذهبيا في الاسلام وقد كلف هذا المنهج كما يقول الكاتب الاسلام والمسلمين الكثير من طاقاتهم وجهودهم وسالت بسببه دماء غزيرة من المسلمين وأتباع الدياتات الأخرى.
من هذا المنطلق يدعو الاستاذ ماجد الى ضرورة العمل على تفكيك الخطاب الديني المتطرف وتفتيت بناه المعرفية واشاعة وعي ديني قادر على فهم الحقيقة ليحل محل الخطاب المتطرف، خطاب متزن يمهد لاستنبات قيم التسامح و.. ويعزز دعوته بالعديد من الأمثلة من الايات القرآنية من بينها:
(ادعُ الى سبيلِ ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن) ص17.
فهذه الآية وكما يقول تعترف بحرية العقيدة في الاختيار، لان قوة العقيدة (كما يقول) هي في الاختيار لا بالتلقين والاملاء.
وفي موضوع تأصيل أسس التسامح يرى الكاتب ضرورة ايقاف نزيف الحقد والكراهية وتجفيف منابع اللاتسامح المار ذكرها واجتثاثها كثقافة وعقل ومنهج من خلال ضخ سيل من الثقافة النقدية القادرة على النفوذ الى أعماق اللاوعي لتفكيك البنى المعرفية القديمة لتحل محلها نمط فكري وثقافي جديد يعمل في اطار التسامح.
وحدد الكاتب في كتابه هذا الاسس التي يقوم عليها التسامح من أجل تأهيل المجتمع ليكون مؤهلا للعمل بموجبها وهي:
1- حقوق المواطنة: والتي تعني جميع الافراد متساوون بالحقوق والواجبات على أساس التساوي في انتمائهم للوطن الواحد.
2- سيادة القانون: حيث يقول مثلما هي حقوق المواطنة هي الاساس الأول لارساء قيم التسامح في المجتمع، كذلك القانون وسيادته هو الأساس الثاني لها.
فلا يمكن للتسامح الاستمرار في تأثيره الاجتماعي ما لم يكن هناك قانون يستند اليه. وبما أن النوازع النفسية للفرد وطموحاته السياسية تساعد على زعزت الاوضاع لذا سنكون بحاجة (وكما يقول) الى قانون مرتكز الى حرص السلطات التنفيذية والقضائية على تطبيقه وهذا يعني نحن بحاجة الى حكومات منتخبة تتوقف شرعيتها على أصوات الشعب.
وقد يصاب القانون (كما يقول) بالخواء والشلل اذا نافسته مرجعيات أخرى تتمتع بنفس التأثير أو أكثر مثل (المرجعية الدينية، الحزب، العشيرة).
وفي هذا الصدد نقول هذا يعني ان يكون السلاح حصرا بيد الدولة، فكيف للقانون ان يسيطر اذا كان السلاح المنفلت يملأ البيوت. وتمتلك بعض الأحزاب من ميليشيات مسلحة تستطيع أن تتحدى الدولة وكما في العراق.
3- اعادة تشكيل قيم التفاضل: كون الفرد يخضع الى جملة قيم تتحكم بسلوكه وتفكيره، تتوزع مرجعياتها بين الدين والآخلاق والأعراف والعادات والتقاليد. حيث يساهم الدين في تشكيل منظومته القيمية كما تساهم قوميته وتقاليده.
4- اطلاق الحريات العامة: حيث يرى الاستاذ ماجد تلعب اطلاق الحريات دورا كبيرا وفاعلا في ترسيخ قيم التسامح بين أبناء الوطن الواحد من خلال تحول المعارضة الى رقيب صارم لمحاسبة الحكومة على تطبيق الانظمة والقوانين. وفي الوقت ذاته سيخشى رجل الدين من حرية الفكر والعقيدة والرأي لأنها تعري الاوهام الايديولوجية وتكشف زيف الانظمة العقيدية الواهية خلال النقد والتحقيق والبحث العلمي الذي تسمح به قيم الحرية، فلو اتيح (كما يقول) هامش من الحرية يسمح بتناول المفردات العقيدية والتاريخية المنتجة للتعصب بشكل حر لتبين ان كثيرا منها اوهام أو أكاذيب وفبركات اقتضتها المصالح الايديولوجية.
ويذكر الأستاذ ماجد العديد من الآيات والتي تبين عكس ما يذهب اليه المشرعون الاسلاميون من بينها ص190:
(فأعفوا وأصفحوا حتى يأتي الله بأمره إن الله على كل شئ قدير)
والحديث عن حرية الرأي والعقيدة يضعنا الكاتب امام مجموعة اشكاليات على السلطة الحاكمة دراستها من بينها:
- موضوع الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتي هي عند البعض صفة ملازمة للايمان، حيث يُعرِف الاستاذ ماجد المقصود بـ (الامر بالمعروف والنهي عن المنكر) بمعنى الامر بما تأمر به الشريعة والنهي عما تنهي عنه.
وأقول بهذا الصدد ان موضوع كهذا يفسح المجال على مصراعيه لقمع كل الحريات والتطلعات المخالفة لرأي الفقهاء كونها ستخالف الشريعة حسب رأي المجتهد فيستطيع أن يحشر بها الكثير من الظواهر والتي هي ضمن حقوق الفرد كما الحال فيما تقوم به المرأة من ممارسة بعض الاعمال والتبرج والاختلاط وكذلك بعض تصرفات الرجل كاحتسائه للخمر وشكل شعره ولبسه و... فيحكم عليهم لينالوا جزاءهم وهذا ما نلاحظه في الدول التي تعد الشريعة المصدر الرئيسي للتشريع، فيكون تطبيقها خرقا للحرية الشخصية التي ينادي بها القانون رغم أن الاستاذ ماجد حدد شروط ممارستها على ضوء ما ذهب اليه الفقهاء للاتفاق على المحرم المنهي عنه في الشريعة كأن لا يجوز تطبيقها على غير المسلم ونهيه عن عمل حلال في شريعته إلا أنه عاد وقال: يجوز النهي من أجل سلامة المجتمع، وهذا يعني فتح المجال للاجتهاد والتطبيق.
فعلى سبيل المثال، تطبيق ظاهرة فرض الحجاب على غير المسلمات ومعاقبة من يتناول الخمر في الدول التي تطبق الشريعة هي نوع من سلب حرية الاخر. ولا تزال صورة ما حدث في أقليم كوردستان ماثلة أمام أعيننا فبمجرد فتوى من الامام خرجت جمهور المصلين الى الشارع فحرقت صالونات الحلاقة النسائية ومراكز المساج ومخازن المشروبات الكحولية و... ولولا بعض الخيرين كانت ستطال الكنائس فتدخلت قوات البيشمركة وأخمدت نارها قبل أن تتطور.
وقد أورد الاستاذ ماجد العديد من الايات بيّنَ من خلالها أن القرآن يسمح للشخص ممارسة حريته والله وحده له الحق من معاقبة السيئ من بينها:
(أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين) وكذلك:
(وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر إنَّا أعتدنا للظالمين ناراً) ص84
- ومن الامثلة الاخرى على موضوع الحرية في ظل الشريعة، اشكالية المرتد في الفكر الاسلامي الذي نوه عنه الاستاذ ماجد في كتابه هذا وحيث يحكم الفقهاء على المرتد بالقتل. هذا يعني الانتقاص من مفهوم الحرية لذا يدعو الاستاذ ماجد لمنهج التمييز بين أيات القتال والحرب، التي هي أحكام استثنائية والآيات التي تمثل أساس الاسلام وقوام نظريته. فاشهار السيف (كما يقول) بوجه المشككين والملحدين والمستهزئين بات عملا ارهابيا ضعيفا، فالفكر لا يجابه الا بالفكر والحوار يقابله الحوار، والدليل يطالب بدليل...
وقد أورد في كتابه هذا العديد من الايات التي تنفي ما يذهب اليه المشرعون من قتل المرتد من بينها ص84:
(لا إكراه في الدين) وكذلك
(ولو شاء ربك لآمن من في الارض كلهم أفأنت تَكرِهُ الناس حتى يكونوا مؤمنين)
لذا تراه يتساءل لماذا تلغى جميع الايات التي تدعوا الى المحبة وحرية الفرد لاختيار طريقة العبادة والتمسك بالآيات الأخرى والتي كانت محصورة في زمن الحرب.
- وبصدد الحقوق الاسلامية لغير المسلمين نرى لا يزال الغير المسلمون ينظرون الى بعض من هذه الظواهر السلبية كالجزية وجواز زواج المسلم من المرأة الغير المسلمة (من أهل الكتاب) وعدم جواز العكس، وعدم أكل الذبائح المذبوحة من قبلهم ظواهر تدفع الأخر المختلف للنظر كونه شخصا من الدرجة الثانية.
وبهذا الصدد يطرح الاستاذ ماجد العديد من الآيات تؤكد الحقوق الدينية لغير المسلمين من أهل الكتاب من بينها:
(فكلوا مما ذكر اسم الله عليه إن كنتم بآياته مؤمنين) ص124
فجميع الأديان الكتابية تقول (باسم الله..) قبل الذبح
وكذلك ص193:
(فمن اهتدى فانما يهتدي لنفسه ومن ضلَ فانما يضلّ عليها وما أنا بوكيل)
كل هذا يدعوننا للقول:
لا يمكن بناء المواطنة إلا من خلال حكومة مدنية تحتكم لشرائع مدنية خارج شرائع الدين وهذا ما يطالب بها الكاتب كون الاعتماد على القرآن في نظري سيمهد الطريق للمشرع للبحث عن آيات قابلة للتأويل كل حسب نظره في التفسير تمكنه الاستناد اليها للنظر الى الآخر كونه مواطن من الدرجة الثانية، لذا كانت حقوق الغير المسلمين في الخلافة الاسلامية متباينة وحسب ثقافة الخليفة وسلطته، فتارة تتعامل الخلافة معهم بالرقة والتسامح وفسح المجال لهم بتولي مناصب كبيرة، وفي الأخرى تطال كرامتهم وتسلب أموالهم بحجج وهمية.
وهذا ما نوه اليه الاستاذ ماجد ودعوته على اعتبار البعض من هذه القوانين (الآيات) كانت في حالة الحرب ولا يجوز الاخذ بها الان.
ولكن أقول: سيبقى هذا الطلب في رفوف منسية ما لم يصاغ قوانين تستند الى حقوق الانسان ومنع رجال الدين من ممارسة سلطة القانون.
ويزيد الاستاذ ماجد قائلاً: يجب الاعتراف أن الآخر شخص له عقيدته وفكره ودينه ووجهة نظره له الحق في تبنيها والدفاع عنها وهذا ما ترفضه الايديولوجيات الدينية.
وفي خاتمة كتابه هذا يورد الاستاذ ماجد النصوص القرآنية (60) آية التي تدعوا الى التسامح والاعتراف بالآخر... وهي نصوص قرآنية تجاهلتها القراءات الايديولوجية وطوقتها بسياج دلالي يرتكز الى نصوص مشروطة لتتمسك بآيات القتال التي تمسكت باطلاقاتها التيارات الدينية المتطرفة بعد شل آيات الرحمة والعفو.
لذا يدعوا في كتابه هذا بكل شجاعة وانفتاح للتخلي عن التقليد والكف عن مناشدة الموتى واستنطاق الماضين، وإلا (كما يقول) ستنقلب حياتنا جحيما في ظل عقول استاتيكية متحجرة لا تفهم من الدين سوى ما قاله السلف.... هذا يعني علينا أن نفقه النصوص في ظل عصرنا وسياقات ثقافتنا ومتطلبات زماننا... كي نتخلص من الحياة الغارقة بالتبعية والمرتهنة للماضي على حساب الحاضر.
وفي الختام أهنئ الاستاذ ماجد لما يملكه من رؤية ثاقبة ومعلومات قيمة فأظهر براعته في تقديم رؤية شفافة لما يحل في بلداننا مدافعاً عن الفئة الأضعف لممارسة حقوقها من خلال تشريع قوانين مدنية تتفق مع القوانين المشرعة والتي تحفظ حقوق الانسان، فأبدع في بلورة وتكثيف الصورة للقارئ وهذا لا يتأتى إلا من خلال توليد المشاهد من بعضها البعض ليصبح سلوك الشخصيات فيها منطقياً وحتمياً، وهذا دليل وعيه وتمكنه من الخوض في مواضيع شائكة كهذه فلو أخذت بها حكوماتنا لما كانت الهجرة وسيلتنا للبحث عن العيش الكريم ولتطورت بلداننا من خلال الاستفادة من العقول النيرة التي تركت بلدانها لتعيش وتبدع في الغرب.
***
نزار حنا الديراني