بأقلامهم (حول منجزه)
هبة شاكر احمد: في رحاب ماجد الغرباوي.. التفكير في حقيقة الإيمان
في خضم التفكير في الإسلام اليوم، من خلال التراث الضخم الذي تراكم خلال أكثر من أربعة عشر قرن، بغثه وسمينه وقريبه وبعيده، وقنوات استيعابه، ومعضلاته وثماره، نجد أنفسنا أمام مشروع نقدي تجديدي وفق منهج لا يمكن القول عنه توافقي وإنما معتدل كما العديد من المشاريع الموازية له في جغرافية التفكير النقدي الديني داخل المنظومة الثقافية الإسلامية. هذا المشروع الذي لا يزال يعمل عليه الأستاذ ماجد الغرباوي (1954م) هو بمثابة بوصلة مهمة بحجم الكتابات والقراءات والحوارات التي تم نشرها ضمن سلسلة متاهات الحقيقة – والتي لا تزال بالفعل تقارب العديد من المفارقات والمغالطات والمدارات ولكن من الصعب الوصول إليها دون الوقوف على أهم خطوطها العريضة التي تحاكي سؤال: كيف وماهو السؤال الديني المركزي في عقلانية الغرباوي، الذي تحدى علامة "الفقيه المثقف" لكنه اكتسب تمامًا مظهر الفيلسوف الديني المثقف.
فلسفة الغرباوي ليست فقهية. لكن هذا لم يمنعه من جلب الفقه "على حدود الفلسفة"، نحو أخلاق الإسلام الطبيعية الإنسانية، التي كان الغرباوي دائمًا في جل عباراته ما يحمل قيمها ومبادئها من الأدب الإسلامي بامتياز. في البدء. ما يحدد فهم الإسلام في ماجد الغرباوي هو الواقع بعيون الفلسفة والأخلاق، دون التفريغ المنهجي للموضوع الديني.
النقد الفلسفي والتجديد الديني
طوال حياته، كان ماجد الغرباوي يجمع بين النقد الفلسفي وروح التجديد. لقد قام بتأليف أعمال نقدية عظيمة، على افتراض عدم أهمية المنهجية في بداياتها، والامتناع عن التعبير عن الإيمان الراسخ في الرؤية الرئيسية، هناك تواضع مميز يبدو ضروريًا في حواراته الفلسفية، كما يظهر في أولى حلقات متاهات الحقيقة. في الوقت نفسه، موضوعية الطرح في فتح ملفات المغالطات وقراءات الاعتراف بالتخلف والضمور الذي يكتنف العديد من أركان الامبراطورية التراثية الدينية خاصة الكلامية والفقهية، دون ان ننسى التزامه بالضرورة الإصلاحية المعمقة، من خلال إعادة تجديد وعينا لمفهومي المقدس واللاهوت.
تندرج أعمال الغرباوي التي تم جمعها في تسعة مجلدات (متاهات الحقيقة، مع قرابة عشرين كتاب غيرها)، في ظل منهج فلسفي نقدي للتراث، تحت عنوان مخاوف رجل الإيمان من فساد إيمان الناس بمطبات تاريخ التحيز الفقهي والتمويه الحقائقي. حيث يواجه الغرباوي "حرمة الشكوك" (تراجيديا العقل التراثي، الفقيه والعقل التراثي) وانتقاد الفقه (مضمرات العقل الفقهي)، وكذلك التحديات التي يمثلها العنف والاستبداد في المجتمعات العربية والاسلامية الحديثة (تحديات العنف، مدارات عقائدية ساخنة، الضد النوعي للإستبداد) وخصوصيات الهوية (الهوية والفعل الحضاري، تحرير الوعي الديني). رجل الحوار والتسامح، يستفرد بقدرته على سماع النقد الموجه إليه، ولكن أيضًا لتخيل صور وتمثلات محتملة لإيمان وهمي (مواربات النص).
مقاربات جديدة للمعضلات الفقهية الصعبة
من النفس إلى التأويل والتاريخ والنسيان والصدمة والرهاب إلى اللغة والفلسفة المعاصرة للتواصل يحتفظ الغرباوي بدروس في استخدام التفكيك الموضوعي لمعضلات العقل التراثي في الراهن. ضد العنف الديني الذي يسبب سلطة الإستبداد. وعبر فرويد، يقف الغرباوي مشخصا "التشابه" بين العصاب والعنف (التسامح ومنابع اللاتسامح). إنه يتعرف على التحليل النفسي لإمكانية "إظهار حقائق العقل التراثي المستبد". "إن مقاربة العنف قد حولت بعمق رؤيته للوعي الديني السليم، مما أثار عليه "النقد القاسي". ثم إنه أماط اللثام عن إشكالية اللاهوت والمقدس، وأن "الدرس الفقهي" ليس فوق الدرس المنهجي العقلاني، بل هو الذي يتلقاه، واستطاع أن يعيد النظر في علاقة الإيمان بالمنهج والقيم الأخلاقية.
خلال هذه النصوص الكثيفة للغاية، يقدم ماجد الغرباوي مناهجًا جديدة لأسئلة صعبة وحاسمة، مثل علاقة الإيمان الإسلامي بالعنف والأخلاق والميتافيزيقا، المقدس باللاهوت، العقل بالتراث، القرآن بالحياة الإيمانية والذات الإنسانية، الفقه بالأخلاق، التشريع بمقتضيات الكرامة ...
بإختصار زيارة فكرية معمقة في حديقة ماجد الغرباوي الثقافية خطوة بخطوة، تمكن من التراجع عن التهاون حيث يبرز عنوان المسؤولية ضمن الجزء المطوي من معادلة تجديد الوعي الديني، واضاءات هامة في السراديب المسدودة للتراث المقهور. وهكذا في رحاب الغرباوي تستنشق عطر النباهة الذي يغذي العقل بقدر ما يؤمن بالاسلام الحضاري..
***
هبة شاكر احمد – سوريا
....................
* مشاركة (18) في ملف تكريم ماجد الغرباوي، الذي بادر مجموعة من كتاب المثقف الأعزاء إلى إعداده وتحريره، لمناسبة بلوغه السبعين عاما، وسيصدر كتاب التكريم لاحقا بجميع المشاركات: (شهادات، مقالات، قراءات نقدية ودراسات في منجزه الفكري).
رابط ملف تكريم ماجد الغرباوي