بأقلامهم (حول منجزه)

نزار الديراني: الاستاذ ماجد الغرباوي وكتابه اشكاليات التجديد

عن مؤسسة المثقف العربي في سدني – استراليا صدر للاستاذ ماجد الغرباوي الطبعة الثالثة من كتابه أشكاليات التجديد بحلته الجديدة. والجدير بالذكر أن الغرباوي هو من خريجي الحوزة العلمية في النجف وعمل مدرساً في الحوزة العلمية في قم.

بدءا من العتبة الأولى تجد نفسك أمام ارهاصات الكاتب وهو يحاول فك الشفرة المركزية لفكرة التجديدكونها تُحيل القارئ إلى ما يمكن أنْ يتوافر عليه الكاتب من طاقة وجرأة في الغوص في بحر كهذا. فجاء كتابه كاشفاً ضوئياً معبراً عن صدى تجلِّياته التعبيرية والمؤثِّرة باستنطاقه الفكري والحركي لما يحمله طرحه هذا من مغامرة في عالم التجديدبتأويلاتها المتشعبة وما تحمله من طاقاتٍ إيجابيةٍ تعبيريةٍ أثيرةٍ على نفسية المتلقِّي الذي يرى نفسه أمام هذا النوع من الاشكالية والجدلية.

يفتتح كتابه بطبعته الجديدة بموضوع التجديد والفعل الحضاري الذي أضافه على الطبعات السابقة، فسرعان ما يقفز الى الأذهان تساؤله المشروع وهو (لماذا تقدم الغرب وتأخر المسلمون ؟ بمعنى آخر (لماذا توقف المد الحضاري عند المسلمين بعد أربعة قرون من العطاء؟.

هذه التساؤلات والبحث عن الأجوبة أفرزت ثلاث تيارات ولكل منها اتجاهها الخاص بها:

1- التيار المنبهر بالغرب وحضارته والذي يدعوا الى التخلي عن كل ما يمت الى الامة من صلة ليحل محله النموذج الغربي. إلا أن أصحاب هذا الاتجاه وجدوا أنفسهم أمام مشكلة رفض الآخر له (كما يقول المؤلف) فعاش الاغتراب لعجزه الاندماج الكلي أو التراجع الفعلي. 

2- الاتجاه الثاني السلفي الذي يرفض كل معطيات الحضارة الحديثة ويصر على كون النموذج الحضاري الاسلامي هو الحل في كل الازمان. فاندفع نحو استخدام العنف والارهاب من أجل ردم هوة التخلف والتفوق الحضاري على الغرب الذي اعتبروه عدواً يجب تحطيمه الى درجة قدموا صورة مسيئة للاسلام كون صورة المسلم أصبحت ملازمة للارهاب في نظر أصحاب الديانات الأخرى.

هذا التيار اتكئ على ظواهر نصوص مقدسة بعد تجريدها من تاريخيتها فقاسوا الحاضر على الغائب رغم اختلاف تفصيلاته.

3- الاتجاه الثالث الذي يتقدمه تيار الاصلاح الذي واكب دراسة حقبتي الازدهار والانحطاط في العالم الاسلامي فتوصل الى ضرورة التشبث بالحانب المعنوي مع الأخذ بكل أسباب التطور العلمي والتكنلوجي من خلال الدعوة الى استنطاق التراث والتركيز على مصادر قوته ليؤسس من عناصره القادرة على البقاء قاعدة تستوعب معطيات الحضارة الحديثة.

وفيما يخص مظاهر وتجليات التخلف الحضاري يرى الاستاذ ماجد أن السبب يكمن في :

1- التبعية للغرب بكل ما نحتاجه وحتى ما نقوم بانتاجه وتصنيعه. ومن أجل التخلص من هذه التبعبة لا بد من تحقيق استقلال يؤهلنا للتفاوض مع الغرب بقوة.

2- الاستبداد السياسي الذي تعاني منه أغلب الدول العربية والاسلامية مما يحرم على شعوبها المشاركة الحقيقية في تقرير المصير واختيار ما تراه الأصلح لادارة دفة الحكم عكس ما عليه في الدول الغربية حيث ينعم الفرد بحريات تتيح له المطالبه بحقوقه ومحاسبة المسؤولين والمساواة أمام القانون.

3- الاستبداد الديني الذي يفرض على الشعب لونا واحداً من التفكير، فمن أجل نهوض حضاري حقيقي علينا تحديد دور رجل الدين وسلطته.

4- استبداد قيم العشيرة كون ولاء الفرد هو دائماً لقبيلته فمن أجل نهوض حضاري ناجح لا بد من تحرير عقل الفرد من سلطة العشيرة وقيمها حينما تتعارض مع القيم الانسانية.

5- انتشار الفكر التكفيري الذي يدعو لقتل الآخر المختلف دينيا ومذهبيا لذا يعد القضاء عليه شرطا أساسياً لقيام نهضة حضارية.

6- اليقين السلبي المبني على القناعات الراسخة بقوى خارقة يستعين بها لتحقيق مآربه وأيمانه بقدرة الاولياء والصالحين على معالحة المرضى و...

7- قمع المرأة وهو أحد علامات التخلف في مجتمعاتنا فتفرض على المرأة قيم بائسة تحرمها من أبسط حقوقها عكس ما عليه في الغرب حيث تعيش المرأة إنسانا كاملا في كل مرافئ الحياة.

وغير ذلك من الأسباب...

لذا ينظر الاستاذ ماجد الى عملية التجديد ضرورة حضارية وقد انبرى العديد من المثقفين الى اعتبار الخطاب الديني هو المسؤول الأول عن تخلف المسلمين مما أضر  بالتنمية وأعاق التطور العلمي إلا أن هذا التيار أخطأ في طريقة معالجة المشكلة كما يقول المؤلف كونه يثير حفيظة رجال الدين من خلال دعوته الاستفزازية.

لذا يرى المؤلف ضرورة الانفتاح على النص الديني بقراءة نقدية للتعرف على مقومات النهوض وتقديم رؤية جديدة للنصوص.

كما يرى الاستاذ ماجد ضرورة ان يبدأ التجديد من خلال مراجعة ثوابتنا ومقولاتنا وتراثنا وفكرنا بحثا عن مصادر قوتها وتشخيص نقاط ضعفها وتحكيم العقل في قراءة التراث ومصادره، فلم يعد التمسك بالعادات والتقاليد والتشبث بالماضي خياراً مقبولا، لذا يرى الاستاذ ماجد ما لم تختف مظاهر التخلف بمعالجات جذرية حقيقية لا يكتب النجاح لتهضتنا.

بعد ذلك يتناول المؤلف في كتابه هذا وكما في الطبعتين السابقتين في فصله الاول الوعي الراهن مسلطا الضوء على (اخفاقات الوعي ومفهوم الثقافة والتجديد واشكالية الحوار مع الاخر المختلف ودور المثقف والخطوط الحمراء في تفسير القرآن و...) وفي الفصل الثاني يتحدث عن احياء الفكر الديني من خلال تقديمه للسيد جمال الدين الافغاني والامام الشهيد محمد باقر الصدر والامام الخميني نموذجا... وفي الفصل الثالث تناول الموقف من الاستبداد ووضع المنهج في محارية الاستبداد وتبني مبدأ الشورى والديموقراطية وسيادة القانون وولاية الفقيه و...

وقد كان الاستاذ ماجد موفقاً في طروحاته من خلال قراءة المشهد باتجاهاته الفكرية الثلاث في العالم الاسلامي والتي نوهنا عنها في بداية الدراسة وحيث أختار لنفسه العمل ضمن الاتجاه الثالث ومسكه للعصا من وسطها ليخلق توازنا بين طرفيها كونه أدرك أن المعالجة لا بد أن تكون من خلال التوغل في أعماق الوعي، بحثاً عن فضائه الذي تشكل فيه وهو يقول أن الحاجة الى التجديد منشأه التطور الحضاري المتصاعد والذي راح يلقي بظلاله منذ عصر النهضة. ولكي تكتمل العلاقة بين الثقافة والتجديد حدد المؤلف في كتابه هذا، أهم العناصر الثقافية التي يجب أن يرتكز عليها الاصلاح وهي (المعرفة، الوعي، الموقف).

وفي مجال علم الكلام الجديد يرى الاستاذ ماجد لا بد من اتباع الخطوات السليمة لدراسة العقيدة ونقد الفكر الديني لتقويمه وانتزاعه من بعض الأفكار التي تشرنق بها فأعاقت حيويته وفاعليته من خلال العودة الى القراءة المتقدمة لتحديد نقاط الضعف ووضع خطة لانتشال نقاط القوة ان وجدت. 

وبين المؤلف ما استجد في الوقت الحاضر من اهتمام المسلمين بعلم الكلام ومن خلاله تبين لهم مفاهيم ومفردات العقيدة الاسلامية للدفاع عنها. وقد لخص الخطوات المهمة للشروع في مهمته وعلى ضوء علم الكلام الجديد بـ :

1- اعادة النظر بالمفردات المطروحة للمناقشة للفصل بين ما هو ممكن وما هو ممتنع في نفسه.

2- الاعتماد على المنهج القرآني في دراسة العقيدة.

3- التخلي عن الجدل والتراشق بالالفاظ ومنهج التكفير لكل من لا يتفق معي في العقيدة.

4- ادخال الانسان طرفا في المعادلة وعدم اهمال تطلعاته.

5- ابقاء العقيدة حية وفاعلة في النفوس من خلال استشعار الانسان بوجود الله.

6- تقديم أجوبة كافية للتحديات التي تواجه العقيدة والفكر.

7- عدم الجمود على فهم السلف للعقيدة الاسلامية.

8- السماح بالاجتهاد وتبادل وجهات النظر في مفردات العقيدة.

وفي مجال اشكالية الحوار مع الآخر المختلف والذي يعتبر من الركائز المهمة في التجديد، يشدد الاستاذ ماجد على ضرورة الانفتاح على الآخر من أجل تخصيب العلاقة وتطويرها ومن ثم استثمار العناصر الايجابية في الحضارات الاخرى.

وقد لعبت الترجمة بنظر المؤلف من اليونانية والفارسية والهندية والرومانية دورا مهما في رفد الساحة الاسلامية بالجديد من العلوم، وأضيف على ما ذكره الاستاذ ماجد الدور المهم الذي قام به السريان في ترجمة العلوم والفلسفة اليونانية والرومانية والفارسية والهندية والارمنية والسريانية الى العربية في زمن الدولة الاموية والعباسية حيث قدم المترجم السرياني الكبير حنين بن أسحق وحده أكثر من مئة مجلد من اليونانية الى السريانية اولا ومن ثم بالتعاون مع ابنه اسحق الى العربية والتي تخص علوم الاغريق ومن بينها الفلسفة والمنطق في القرن التاسع الميلادي.

وكان سبب نجاح هذه المهمة (الترجمة) برأي الاستاذ ماجد يكمن في الاعتراف بالآخر المختلف وعدم الغائه أو تهميشه والقدرة على الانفتاح والتفاعل الثقافي معه. وأزيد على ما يؤيد كلامه، فسح المجال للسريان في مهمة التعريب في زمن الدولة الأموية وتقلد البعض منهم مناصب مهمة في الجامعات وكذلك تولي العديد من الكتبة والاطباء السريان مناصب رفيعة في  الدولة العباسية وهذا دليل على انفتاح الدولة الاسلامية في الحقبتين.

والحوار في نظر الاستاذ ماجد يعتبر الارضية الخصبة والتي وفرت مناخاً صالحاً لتطوير الفكر وتوالد المعرفة. 

مقابل هذا الانفتاح يرى الاستاذ ماجد في الانغلاق على الذات اشكالية عمت الحضارتين الشرقية والغربية ويوجه أصبع انتقاده للعالم الغربي بسبب تعاليه ونظرته الفوقية تجاه الشرق مما يعرقل الحوار والانفتاح على الاخر ما لم يبد الغرب بعض المرونة من خلال الانفتاح على كنوز الحضارات الاخرى. مقابل ذلك ينصح العالم الاسلامي بعدم الانغلاق على الذات الى حد نرفض فيه كل ما لدى الغرب من ثقافة والتي من شأنها أن تطور ثقافتنا.

وفي هذا المجال أنا أرى بأن الغرب انفتح على حضارتنا وتحاور معنا ولكن كوننا لا زلنا متقمطين بالماضي لا يجد الغرب في طروحاتنا شيئاً جديدا كي ينفتح علينا وخصوصا العالم العربي والاسلامي فكل خطاباتنا تتمحور في (كان أجدادنا... كل ما للغرب قد سرقه منا...و...)  فضلا عن انغلاق شريحة كبيرة من المسلمين على ما لديها (وكما نوه اليه المؤلف) وخصوصا لدى الاحزاب الاصولية التي بدأت تسيطر في عالمنا الشرقي.

وفي مفهوم المجتمع المدني يرى المؤلف الى ضرورة تأسيس مجتمع منظم لضبط ممارسة السلطة والفصل في النزاعات وسيادة القانون وتأمين الحماية لحرية الفرد في الاختيار. وفي هذا المجال أقول لا تزال مجتمعاتنا الشرقية وبالاخص العربية في أكثرها بعيدة عن التطبيق الفعلي للمفهوم فغالبية مؤسساتنا المدنية تعمل تحت أمرة السلطة الحاكمة مما شلّ عملها... وحتى في أيران وحيث يشير الكاتب الى ما ذهب اليه السيد الخاتمي في كلمته في مؤتمر القمة الاسلامية المنعقد في طهران 1997  بمفهوم تأسيس المجتمع المدني، إلا أن المؤتمرات الثلاثة التي انعقدت هناك لم تستطع من ايجاد مناخا ملائما لقيام مجتمع مدني يتمتع بحرية الرأي ويتعارض طروحاته مع القوانين وكما في الغرب. فبكل سهولة يفسر الطرح بأنه يتعارض مع الشريعة وتتهم الجهة بالزندقة والعمالة و... وهذا ما نلاحظه في الدول التي تكون الشريعة المصدر الرئيسي في تشريع القوانين واحتواء الدستور على المادة (أن لا يتعارض مع ثوابت الشريعة...).

 فالمجتمع المدني في الغرب لم يتحقق الا بعد أن أزيحت الكنيسة من المشهد السياسي وصيغت قوانين مدنية لا علاقة لها بالشريعة الكنسية.

وقد حدد الاستاذ ماجد أهم الخصائص الواجب توفرها لقيام المجتمع المدني على ضوء خطاب السيد خاتمي.

وفي مفهوم المثقف في الدولة الاسلامية والذي يتحتم عليه حمل هموم امته ويكون لسان حال مجتمعه من خلال تبني قضاياها والدفاع عنها.

فإن كان الاستاذ ماجد يرى فشل المثقف الغير الاسلامي للصمود على اتخاذ مواقف حاسمة عكس ما لدى المثقف الاسلامي والذي لا يعاني من اشكالية شرعية للسلطة ولا يشعر بالتناقض لأن ولاءه ليس للسلطان وانما للمجتمع...

وهنا نقول: المثقف في الدول الاسلامية لم يجد لنفسه فسحة الحرية والامل للعمل من أجل تغيير الواقع المزري الذي يعيشه فلم يجد من طريق إلا أن يهاجر الى عالم الغرب ليتنفس هناك او الانزواء في إحدى زاويا وطنه، وان كان ما طرحه الاستاذ ماجد صحيحا فنقول لماذا يهاجر المثقف الاسلامي المدني الى الغرب بدلا من دول اسلامية أخرى ليمارس طرح آرائه بالحرية؟ وكذلك لماذا لم نشهد هجرة المثقف الغربي الى الدول الاسلامية ليمارس نشاطه من هناك لتغيير واقعه كما الحال في هجرة المثقف المسلم الى الغرب؟.

وان كان المثقف الغير الاسلامي (العلماني ومن اتباع الديانات الأخرى) في الدول الاسلامية في نظر المؤلف قد عجز في تشكيل مرجعيته الثقافية كي تنصهر أناه في الآخر مكونة الأنا الجمعية  مما أدى بالعديد منهم أي ممن لهم نظرة مدنية إن كان مسلما أو غير ذلك  للهجرة والالتحاق بالاخر (في الغرب).

 نقول ألا يعني ذلك بعدم توفر المساحة الحقيقية للمثقف في دولنا الاسلامية للعمل من أجل وصول البلاد الى ما يعزز من كرامة الانسان بدلا من أن يعيش الغربة الحقيقية وانتاج اسلاما مشوها كما يقول الاستاذ ماجد.

وكيف له ان يكون نشطا ان كان يتوجب عليه كما يقول الاستاذ ماجد أن يكون أكثر التزاما بالقيم التي حددتها له السلطة الدينية ولا يجوز له التجاوز في سلوكه الحدود الشرعية ولا يحجّم دور المفكر الاسلامي أو الفقيه...

طروحاته التجديدية في كتابه هذا وغيره من الكتب، وكمدرس في الحوزة دفع بالعديد من قرائه ان يعتبروه مجددا وآرائه ضرورية في التجديد وأنا منهم من خلال اتكائه على أسس مهمة في الشروع بالتجديد.

ففي صدد الانفتاح على الاخر الذي يطالب به الزميل ماجد الغرباوي في كتابه اشكالية التجديد أقول :

أنا أتفق مع الزميل ماجد كان هناك حوار مع الآخر المختلف في الاسلام كما حصل في الحوارات الدائرة بين البطريرك طيمثاوس الكبير والمهدي ومن بعده المأمون والفيلسوف المسيحي يعقوب الكندي وفيلسوف مسلم كان قد دعى الكندي لاعتناق الاسلام وكذلك في الحوار الدائر بين الفيلسوف السرياني أبو بشير متى الذي كان يقرأ عليه الناس المنطق فكان يجتمع في حلقته كل يوم، المنشغلون بهذا العلم ومن جملتهم الفارابي وقويري، وقد جرت بينه وبين أبي سعد السيرافي مناظرة كبرى في المفاضلة بين النحو والمنطق.

إلا أن الاعلام الاسلامي لم يسلط عليها الضوء وربما سوف لا تجدها الا في المخطوطات السريانية وكذلك الصداقة المتينة بين الخليفة هارون الرشيد والبطريرك طيمثاوس حيث تشير المصادر السريانية الى تلك الصداقة  بحيث حين كان الخليفة يذهب الى الصيد كان يرافقه البطريك في الكثير منها وتجري حوارات بينهما ربما لا نستطيع اجراءها اليوم في العديد من الدول الاسلامية...

ومن أجل ان يكون هناك حواراً بناءً والانفتاح على الاخر وكما في الغرب، يجب أن يسبقه خطوات أخرى في فتح قنوات حوار دائم في الداخل (العالم الاسلامي) كأن يكون حوار بين المذاهب الاسلامية والانفتاح بعضها على الاخر وكذلك الحوار مع الاخر المختلف في الدين كأن يكون بين الاسلام والمسيحية والايزيدية والصابئة والدروز و... وكذلك أن يكون هناك حوارات مماثلة بين الاثنيات التي يتكون منها المجتمع ليكون المسلم متسلحا وأكثر تقبلا للحوار والانفتاح...

لا زلت أتذكر ما قاله لنا المرجع الديني في النجف محمد سعيد الحكيم حين زرناه في نهاية عام 2003 كيف استطاعوا ان يجدوا المساحة المشتركة بينهم وبين الشيوعيين في الحوار حين كانوا معتقلين في سجن مشترك في ابو غريب.

وفيما يخص موضوع تفسير القرآن يرى المؤلف أن العقل قادرا على فقه القرآن واستنطاقه ومحاورته بغية التوصل الى حلول تلامس أزمات المجتمع من خلال الاتكاء على مجموعة من الاسس من بينها تمكنه من اللغة التي تمكنه من قراءة وفهم نصوصه وأن يرقى المفسر الى مستوى وعي الأمة من خلال الاستعانة بالدراسات الحديثة، وهذا ما يدعوا اليه الاستاذ ماجد فيما يخص التفسير والذي هو أحد مفردات الفكر الاسلامي حيث يرى أن التفسير هو قراءة وفهم بشري للنص القرآني قد يصيب وقد يخطأ لذا لا يجوز درجه في برج القداسة واعتبار رأي المفسر هو الصواب وهو الحقيقة وهو القرآن...

ما ذهب اليه الاستاذ ماجد هو الصواب فلكي تكون عملية  التجديد أكثر فاعلية وسريعة أن يقبل المسلم مثلما فعل المسيحي دراسة كتبه المقدسة بدءً من القرآن من خلال دراسة المراحل التي مر بها من مرحلة جمعه في زمن ابو بكر ومن ثم في زمن الخليفة عثمان انتهاءً بفترة العباسيين حين أعادوا كتابته على ضوء تنقيطه ووضع الحركات وهذا يتطلب جهدا كبيرا حيث يتطلب اعادة كتابة الكلمة قبل التنقيط ودراستها وعلاقتها مع الجملة ومن ثم اعادة تنقيطها وتحريكها وكذلك اعادة دراسة الكتب التي تعتبر هي الاخرى مقدسة كالتفاسير والسير و... ورفع ما لا يتفق مع القرآن.

ومن أجل أن تكون قراءتنا صحيحة أرى أن يسبقها قراءة الواقع الاجتماعي والديني والسياسي والمدارس الفكرية التي كانت منتشرة في الجزيرة أبان ظهور الاسلام ولدى المجتمعات الاخرى التي انتشر فيها الاسلام سواء الجزيرة العربية او العراق او سوريا او.... لنعرف المقصود من الآية.

أتذكر مرة كنت أسمع لحوار أجراه الاعلامي ابراهيم عيسى مع استاذة تونسية (لا أتذكر اسمها) متخصصة في الفقه الاسلامي وهي تقول هناك الكثير مما دون في السيرة النبوية وكتاب صحاح البخاري وكتب أخرى.. فيها الكثير بما يسيئ للاسلام ورسوله لذا حسب رأيها يجب اعادة النظر فيها إلا أن الأزهر تصر على اعتبارهم كتبا تقترب في قدسيتها الى قدسية القرآن فلا يجوز المساس بها، وهذا ما دعا اليه العديد من علماء المسلمين من بينهم المفكر السوداني محمود محمد طه – والذي كان أحد أساتذة الأزهر حيث كان قد بنى فكرته في إصلاح المجتمع الإسلامي وإخراجه من جدل تقسيم القرآن إلى قسم مكي وقسم مدني، مطالبًا بالرجوع لقرآن وإسلام مكة المسالم وترك قرآن وإسلام المدينة العنيف الذي يخالف حقوق الإنسان كما في كتابه الشهير (الرسالة الثانية من الإسلام). إلا ان دعوته هذه لاقت رفضًا تامًا من قِبَل الأزهر والهيئات الدينية الإسلامية الأخرى فحكمت عليه السلطات القضائية السودانية بشنقه في 1985.

وفي باب التعديية الدينية يدعو الكاتب في كتابه هذا كل طرف حينما يشعر هو على حق وغيره على باطل، الى تحمل الآخر، وعدم رشقه بوابل من الكلمات الهجينة والتي ستولد لديه ردة فعل أقوى.

وقوله هذا يدل على رؤيته الثاقبة في الحوار والتعايش السلمي.

وفي موضوع الولاء يرى المؤلف أن الولاء القبلي والسياسي على مستوى العلاقات الاجتماعية أفرز تولي أشخاص غير كفوئين وظائف مهمة في الدولة فكان وقعها سلبيا في مسار التقدم، من هنا يأتي دور المثقف ومؤسسات المجتمع المدني ضرورة تفكيك إشكالية الولاء واعادة تركيبها ليكون للولاء تأثيراته الايجابية.

وفي موضوع الموقف من الاستبداد بين الكاتب المنهج الذي اعتمده رجال الاصلاح في محاربتهم للاستبداد من خلال مواقفهم المبنية على الاسس التالية:

1- فضح الممارسات الاستبدادية

2- تبني مبدأ الشورى والديموقراطية

3- سيادة القانون

ومن الجدير بالذكر نقول مثلما حصلت انتهاكات بحق المجتهدين في العالم الغربي المسيحي حصلت ايضا في العالم الاسلامي وخصوصا في الجدال الذي حصل بين المدارس الاسلامية الفقهية إن كان القرآن مخلوق أو منزل، حيث ذهب البعض منهم كونه مخلوق ويقال ذهب ضحية هذا الفكر ما لا يقل عن الف مجتهد تم قتلهم من بينهم الحلاج وآخرون...

وفيما يخص تأكيده على كون الانجيل والتورات محرفان كونهما يخالفان منطق التوحيد عكس القرآن الذي هو منزل، أقول أن عبارة منزل بحد ذاتها تطرح تساؤلات عدة من بينها إن كان منزل من السماء نتساءل من كتبه إذن؟ هل هو الله وإن كان كذلك فهل هو من البشر؟ أي له يد يكتب وفم ينطق؟ وان كان كذلك فاذن ما الفرق بينه وبين الانبياء وعلماء اليوم؟

وفي الختام أقول:

كان محقا من يعتبر الاستاذ ماجد عنصرا مهما في التجديد كونه يدعوا جميع الاديان الى عدم الغاء كتاب الاخر وانما التواصل مع بعضها والتركيز على القواسم المشتركة للرسالات وهذا هو الارضية المشتركة للتعايش، وكذلك يدعو الى قراءة متجددة تعالج مشاكل المجتمع وحاجات الفرد من خلال عملية الحوار مع القرآن بدلا من استجابة سلبية. مستندا في قوله هذا الى ما ذهب اليه السيد الشهيد محمد باقر الصدر  (المدرسة القرآنية – بيروت دار المعارف) أي أن يتحرك المفسر من الواقع الى القرآن ومن ثم الى الواقع حاملا معه تصورا قرآنيا عن الازمة التي تعصف بواقعه الراهن على خلاف من يحبس نفسه داخل النص بعيدا عن الواقع فيضطر النظر الى الواقع من برج أوهامه وتصوراته الخاطئة... إلا أنه يرى العملية غير ممكنة كونها ستدخل في دائرة الممنوع عنوة وفق مقاييس تذهب الى اختزال الشخصية الاسلامية لتكون شخصية مصغية والانقياد للغير بداعي الجهل والعجز عن اكتشاف مضامين الآيات.

طروحاته هذه ستمهد الطريق للحوار والانفتاح مع الغرب اولا ومن ثم مع الشرق (الصين والهند).

ملاحظة أخيرة: كتابة مقالات هذا الكتاب تعود إلى ما قبل سنة 2000 م، كان الكاتب يعيش خلالها ظروفاً خاصة تحدث عنها في مقدمة الطبعة الثالثة، وقد تخلى عن بعضها فيما بعد سيما الرهان على الدولة الاسلامية والمثقف الإسلامي، وانفتح على آفاق معرفية جديدة في مؤلفاته الحديثة.

***

نزار حنا الديراني – كاتب وناقد / ملبورن - أستراليا