بأقلامهم (حول منجزه)

آمال طرزان مصطفى: الحتمية البيولوجية وتوزيع الأدوار بين الجنسين.. رؤية الأستاذ ماجد الغرباوي

اعتمد المجتمع الأبوي على فكرة الحتمية البيولوجية لتعزيز فكرة توزيع الأدوار بين الرجال والنساء اعتماداً على أن الفروق الطبيعية في البنية الجسدية هي السبب الرئيس والجوهري لتفوق الرجال على النساء عقليًا وسياسيًا واقتصاديًا وبالتالي يقتصر دور النساء على تقديم الرعاية المنزلية للزوج والأبناء.

لذلك ستحاول هذه الورقة البحثية أن تطرح أهم قضايا الحركات النسوية إثارة للجدل في المجتمع الشرقي والغربي على السواء وهي "قضية الحتمية البيولوجية" أو فلسفة الفارق البيولوجي والتمايز بين الجنسين لبيان موقف الأستاذ ماجد الغرباوي وذلك من خلال اولًا-تعريف الحتمية البيولوجية، ثانيا-الاتجاهات المترتبة على الحتمية البيولوجية من وجهة نظر الأستاذ الغرباوي، ثالثًا- المرأة ودور الأمومة في فكر الغرباوي.

أولًا- تعريف الحتمية البيولوجية:

تشير الحتمية البيولوجية إلى الاعتقاد بأن الدوافع البيولوجية أو الغريزية تمثل أساس العلاقات بين الرجال والنساء والعمليات الاجتماعية والثقافية على نطاق أوسع ([2]) ، هدفه تبرير الوضع الراهن القائم على تقسيم الأدوار بين الجنسين وترسيخه ([3]). ووفقًا لذلك تصبح الاختلافات البيولوجية بين الرجل والمرأة، السبب وراء وجود الاختلافات الجندرية/ النوعية. فيعتبر بعض المفكرين أن مجالات البيولوجيا الطبيعية التي تتراوح ما بين الهرمونات والكروموسومات إلى حجم الدماغ والجينات مسؤولة عن وجود فروق سلوكية بين المرأة والرجل، وبالتالي هذه تؤدي إلى عدم المساواة بين الجنسين، وهذه الصفة غالبة في كل المجتمعات تقريبا، رغم عدم وجود دليل علمي يدعم هذه الآراء خصوصا([4]).

وبناءً على ذلك، كان يُنظر في الماضي إلى مصطلح الجنس Sex على أنه السبب في ظهور كلمة النوع الاجتماعى Gander، أي أن البيولوجيا تؤدى إلى تشكيل الاختلاف في التصورات الثقافية([5]). وعلى ذلك أصبحت الفروق البيولوجية سبب لتوزيع الأدوار بين الجنسين.

وعليه فطبيعة العلاقة بين الرجال والنساء في ظل المجتمعات الأبوية قائمة على التسيد والاضطهاد وهذا ما يؤكده "جورج طرابيشي" في كتابة "شروق وغروب" حيث قال: "نظرًا إلى علاقات الرجال بالنساء في ظل الحضارة الأبوية –التي هي حضارتنا- كانت منذ ألوف السنين ولا تزال علاقات اضطهاد وسيطرة.. فالحرب رجولة، والسلم أنوثة، القوة رجولة والضعف أنوثة والسجن للرجال والبيت للنساء. وحتى ألعاب الأطفال: فالصبيان تستهويهم المسدسات والبنادق البلاستيكية، والبنات تستهويهم يملن إلى الدمى والعرائس وأشغال الإبرة. حتى المجلات المصورة: فالمراهقون يقبلون على قصص المغامرات والبطولات والمطاردات السوبرمانية، والمراهقات يتهافتن على قصص الحب والعاطفيات والجينات([6]) .

وبذلك تم التمييز بين المجالين العام والخاص، فالمجال العام حيث السياسة والتعليم والمهن والفن والأدب مساحة محجوزة للرجال. وفرض على النساء البقاء داخل المجال الخاص حيث الأسرة ورعاية وتربية الأطفال والعمل المنزلي([7]).

من أجل ذلك اعترضت النسوية بشدة على التصور القائل بأن الوضع الطبيعي هو أن يكون الرجل رب الأسرة وأن يعد السلوك الذكوري التقليدي سلوكا غريزيًا، لأن النسوية ترى أن الرجال والنساء تحركهم الدوافع الاجتماعية منذ المولد لقبول هذه الأدوار والأشكال السلوكية بحسبانها طبيعية. وتؤكد النسوية على كيفية تشكيل الهوية القائمة على النوع من خلال إيثار الأيديولوجية الأبوية للرجل وقمع المرأة. ويلاحظ أن الفكرة القائلة بأن الخواص التشريحية للمرأة هي قدرها تكمن في صلب مبدأ الحتمية البيولوجية، ومن ثم تتعارض مع الحتمية الثقافية، ولذلك تمثل هاتان الفكرتان معًا أساس الجدل حول الطبيعة / التنشئة([8]). وبذلك تم الاعتراض على هذا الرأي إذ بدأ ينتج عنه تفسير حتمي للهوية بما لا يسمح بإحداث اختلاف تغيير في مفاهيم أو أساليب تفكير كل من الرجال والنساء([9]).

ولكنني ألاحظ أن التركيز على الاختلافات القائمة على أساس الفوارق البيولوجية والطبيعية بين المرأة والرجل والتي نتج عنها التمييز بين الجنسين في الوظائف والأدوار الاجتماعية أخفق -فيما أرى- لأن الفروق البيولوجية ليست العقبة والعائق أمام توزيع الأعمال والسلطة بين الرجال والنساء، كما أن هذا التمايز يغفل الفروق الفردية لأبناء الجنس الواحد، ودور التنشئة الاجتماعية في تشكيل سلوك الفرد وممارسة أدواره الاجتماعية.

وعلى أي حال أن الإيمان بالحتمية البيولوجيا سيدعونا للبحث عن النتائج المترتبة على هذا الاتجاه فيما يرى الأستاذ الغرباوي على النحو الآتي:

أوضح الأستاذ "الغرباوي" أن فلسفة الفارق البيولوجي بين الجنسين ترتب عليه ظهور اتجاهين كليهما يهدر حقوق المرأة أحدهما يوصل إلى دونية المرأة، والثاني يبرر تمركزها حول الأنثى([10])، وسنستعرض لكليهما .

ثانيا- الاتجاهات المترتبة على الحتمية البيولوجية وفقًا لرؤية الغرباوي:

1- الاتجاه الأول دونية المرأة بسبب العامل البيولوجي:

وباد ذي بدء يوضح الباحث أن فلسفة الفارق البيولوجي التي تدعو للتمايز بين الجنسين موجودة منذ الفجر التاريخ الإنساني حيث ذكر " بسبب الاختلافات البيولوجية تعامل الرجل مع المرأة خلال فترة الولادة والحيض، بعزلها أيام دورتها الشهرية، بل يجب مقاطعتها، خوفا من غضب الأرواح والآلهة، كما هو معروف عن سلوك القبائل البدائية في أستراليا وغيرها ([11]).

بل يؤكد الباحث أن جذور هذا الاتجاه واضح في تاريخ الفكر الفلسفي فقد واجهت المرأة عبر تاريخ الفلسفة محنة الوعي الفلسفي، متمثلا بأفلاطون وأرسطو، ومن جاء بعدهما، الذي كان يؤسس لتبعية المرأة للرجل وعدم الاعتراف بوجودها الأنطولوجي، ففي نظر أفلاطون، أنها خلقت من نفس الرجل، وليس لها وجود مستقل([12]). بل إنه صنف النساء دائمًا في أحاديثه مع العبيد، والأطفال والأشرار والمخبولين من الرجال، أو مع الحيوانات والقطيع([13]).

كما ستتضح فكرة الفصل بين المجالين العام والخاص في آراء "أفلاطون" في قوله: "إننا نوكل على النساء الهيمنة على المخزون، والإشراف على عمليات الغزل، وما يتعلق بصناعة الصوف بوجه عام، ولكن لا يشاركن بشيء في أعمال الحرب، إذا فرضت الظروف على النساء أن يحاربن من أجل مدينتهن وأطفالهن، فأنهن سيكشفن عن عدم لياقتهن التامة للقيام بدور ماهر وبارع في استعمال القوس، مثل المحاربين، أو استعمال أي سلاح آخر من أسلحة القذائف"([14]). فالبيولوجيا سبب لاستبعاد النساء من أعمال الحرب والقتال والاقتصار على الأعمال المنزلية.

ومن ثم تجسدت الأحكام السلبية التي ألصقها الرجل بالمرأة -فيما يري الأستاذ الغرباوي- بسبب الفارق البيولوجي أو الجنسي. سواء في أصل وجودها أو اختلاف وظائفها وطبيعتها وضحًا جليًا لدى أرسطو حيث قال: علينا أن نعتبر خصائص النساء عيبا خلقيا!!. وأرسطو فيلسوف، تنسب له جميع العلوم، فكيف بالإنسان العادي؟([15]). من أجل ذلك كان يطالب بوضع المرأة تحت وصاية الرجل، لتدارك عدم عقلانيتها، وضعف الإرادة والتدبير([16]). حيث رأى أن جنس الذكر أصلح للرئاسة من جنس الأنثى، ومن ثُم فتسلط الذكور على الإناث مسألة طبيعية جدًا. وقد أرجع "أرسطو" Aristotle ( 384-322ق.م) أسباب هذا التسلط إلى الفرق في القدرة العقلية بين الذكر والأنثى، ومنها سيطرة الجانب العاقل من النفس على الجانب غير العاقل عند الذكر، ومنها ما يعتمد على جوانب بيولوجية كسلبية الأنثى باعتبارها الهيولي، وإيجابية الرجل بوصفه الصورة([17]).

وبناءً على ذلك، أشار الأستاذ "الغرباوي" إلى وجود جذور فكرة الحتمية البيولوجية في الفلسفة اليونانية والتي امتد إلى الفلسفة الحديثة حيث يلاحظ الموقف القاسي من المرأة في فلسفة "نيتشه" Nietzsche (1844-1900) ومختلف كتاباته، حتى وصفها بنصف البشرية الضعيف ومخلص الموقف الفلسفي من المرأة، هي رؤية سوداوية، متعسفة، تسلبها إنسانيتها، وتحملّها مسؤولية جميع موبقات الرجل([18]). حيث قال: ينبغي أن يربي الرجال للحرب، والنساء لاستراحة المحاربين. وكذلك رأى أن يكن حب المرأة هو الشرف الخاص بها... ومن أقواله: إذا ذهبت إلى النساء، فلا تنس السوط ([19]).

ويستطرد الباحث حديثة عن دونية وضع المرأة في سلبها قدسيتها في ظل الأديان قائلًا: إن ضعف الوعي وسذاجة العلوم آنئذٍ، لم يسمحا بتقصي جوهر الاختلاف بين الجنسين، وحقيقة الفوارق الجسدية والبيولوجية، خاصة ما قبل الأديان التي نسبت فيما بعد كل شيء لله تعالى. فكان من الطبيعي تعليلها في ضوء بيئته وقبلياته الثقافية. وكان الإنجاب أول ما أدهش الرجل، حتى رفعها لمقام الإلوهية، باعتبارها إلهة النسل والإنجاب، أو تكريما لأمومتها غير أن تطور الحياة، ووسائل الانتاج، ودخول الفكر الديني على الخط، سلب المرأة قدسيتها، وهبط بها إلى دونية مقيتة، حتى كان اليهودي يحمد الله الذي لم يخلقه امرأة، وهي تردد الحمد لله الذي خلقني كما أنا!!([20]). ويبدو لنا تأثر اليهودية بالموروث اليوناني فيما ذكره سقراط Socrates (470-399 ق.م) "أنَّ المرأة شرٌ لابدّ منه، فهو يحمد الله على ثلاثة أمور: إنَّه خُلق يونانيًّا وليس بربريًّا، حرًّا وليس عبدًا، رجلًا وليس امرأة"([21]).

لقد اعتبرت الديانة اليهودية المرأة مصدرا للإثم، وحملتها التوراة غواية آدم وإخراجه من الجنة، وجعلته يتملص من المسئولية([22]). وفي هذا الإطار ذكر الباحث في كتابه "المرأة وآفاق النسوية" ما ورد في «العهد القديم/ التوراة»: «وكَانَتِ الحَيَّةُ أَحْيَلَ جَمِيعِ حَيَوَانَاتِ البَرِّيَّةِ الَّتِي عَمِلَهَا الرَّبُّ الإِلهُ، فَقَالَتْ لِلْمَرْأَةِ: «أَحَقًّا قَالَ اللهُ لا تَأْكُلا مِنْ كُلِّ شَجَرِ الْجَنَّةِ؟» فَقَالَتِ المَرْأَةُ لِلْحَيَّةِ: «مِنْ ثَمَرِ شَجَرِ الجَنَّةِ نَأْكُلُ، وأَمَّا ثَمَرُ الشَّجَرَةِ الَّتِي في وَسَطِ الْجَنَّةِ، فَقَالَ اللهُ: لا تَأْكُلا مِنْهُ ولا تَمَسَّاهُ لِئَلَّا تَمُوتَا». فَقَالَتِ الْحَيَّةُ لِلْمَرْأَةِ: «لَنْ تَمُوتَا! بَلِ اللهُ عَالِمٌ أَنَّهُ يَوْمَ تَأْكُلانِ مِنْهُ تَنْفَتِحُ أَعْيُنُكُمَا وتَكُونَانِ كاللهِ عَارِفَيْنِ الخَيْرَ وَالشَّرَّ». فَرَأَتِ المَرْأَةُ أَنَّ الشَّجَرَةَ جَيِّدَةٌ لِلأَكْلِ، وأَنَّهَا بَهِجَةٌ لِلْعُيُونِ، وأَنَّ الشَّجَرَةَ شَهِيَّةٌ لِلنَّظَرِ. فَأَخَذَتْ مِنْ ثَمَرِهَا وأَكَلَتْ، وأَعْطَتْ رَجُلَهَا أَيْضًا مَعَهَا فَأَكَلَ. فَانْفَتَحَتْ أَعْيُنُهُمَا وعَلِمَا أَنَّهُمَا عُرْيَانَانِ. فَخَاطَا أَوْرَاقَ تِينٍ وصَنَعَا لأَنْفُسِهِمَا مَآزِرَ. وسَمِعَا صَوْتَ الرَّبِّ الإِلهِ مَاشِيًا في الجَنَّةِ عِنْدَ هُبُوبِ رِيحِ النَّهَارِ، فَاخْتَبَأَ آدَمُ وامْرَأَتُهُ مِنْ وَجْهِ الرَّبِّ الإِلهِ في وَسَطِ شَجَرِ الجَنَّةِ. فَنَادَى الرَّبُّ الإِلهُ آدَمَ وَقَالَ لَهُ: «أَيْنَ أَنْتَ؟!». فَقَالَ: «سَمِعْتُ صَوْتَكَ في الجَنَّةِ فَخَشِيتُ، لأَنِّي عُرْيَانٌ فَاخْتَبَأْتُ». فَقَالَ: «مَنْ أَعْلَمَكَ أَنَّكَ عُرْيَانٌ؟ هَلْ أَكَلْتَ مِنَ الشَّجَرَةِ الَّتِي أَوْصَيْتُكَ أَنْ لا تَأْكُلَ مِنْهَا؟» فَقَالَ آدَمُ: «المَرْأَةُ الَّتِي جَعَلْتَهَا مَعِي هِيَ أَعْطَتْنِي مِنَ الشَّجَرَةِ فَأَكَلْتُ». فَقَالَ الرَّبُّ الإِلهُ لِلْمَرْأَةِ: «مَا هذَا الَّذِي فَعَلْتِ؟» فَقَالَتِ المَرْأَةُ: «الحَيَّةُ غَرَّتْنِي فَأَكَلْتُ». فَقَالَ الرَّبُّ الإِلهُ لِلْحَيَّةِ: «لأَنَّكِ فَعَلْتِ هذَا، مَلْعُونَةٌ أَنْتِ مِنْ جَمِيعِ البَهَائِمِ ومِنْ جَمِيعِ وُحُوشِ البَرِّيَّةِ. عَلَى بَطْنِكِ تَسْعَيْنَ وتُرَابًا تَأْكُلِينَ كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِكِ. وأَضَعُ عَدَاوَةً بَيْنَكِ وبَيْنَ المَرْأَةِ، وبَيْنَ نَسْلِكِ ونَسْلِهَا. هُوَ يَسْحَقُ رَأْسَكِ، وأَنْتِ تَسْحَقِينَ عَقِبَهُ». وقَالَ لِلْمَرْأَةِ: «تَكْثِيرًا أُكَثِّرُ أَتْعَابَ حَبَلِكِ، بِالْوَجَعِ تَلِدِينَ أَوْلاَدًا. وإِلَى رَجُلِكِ يَكُونُ اشْتِيَاقُكِ وهُوَ يَسُودُ عَلَيْكِ»([23]) . أعتقد أن الأستاذ "الغرباوي" في رؤيته عن الوضع المتدني للمرأة في الديانة اليهودية مستمده من موروث فلاسفة اليونان الذين يقللون من شأن المرأة وينظرون لها على أنها مجرد سلعة، واعتبارها أصل الخطيئة والشرور، وكذلك كونها مخلوقًا ثانويًا خلق من أجل امتاع الرجال.

ويستمر الأستاذ "الغرباوي" في التطرق لمكانة المرأة في الديانة المسيحية حيث يقول: إن الشكّ في إنسانيّة المرأة، والموقف العنصري منها في النصرانيّة، على سبيل الشاهد، إنما جاء مستندًا إلى مواقف الكنيسة من المرأة. مواقف كانت تذهب، تارةً، ووفقًا للكتاب المقدس، إلى أن شهادة مئة امرأة بشهادة رجلٍ واحد، حسب العهد القديم. أمّا حسب العهد الجديد، فإن عليها أن تَخْرَس في الكنيسة، وأن تكون خاضعةً، خادمةً، لزوجها. وأن خير ما تتعلَّمه المرأة «السكوت والخضوع للرجل»! وأنْ ليس الرجل من المرأة، بل المرأة من الرجل، وهو تاج رأسها. وتكفيها جريرةً أنها أغوته للخروج من الفردوس، فقد اقترفت إثمًا أبديًّا مبينًا وخطيئة لا تُغتفر! وأن على المرأة إمَّا أن تغطِّي شَعرها أو أن تحلقه نهائيًّا. استنادًا إلى ما ورد في (الإنجيل): «فأُريد... كذلك أَنَّ النِّسَاءَ يُزَيِّنَّ ذَوَاتهنَّ بِلِبَاسِ الحِشْمَةِ، مَعَ وَرَعٍ وتَعَقُّل، لا بضَفَائِرَ أَوْ ذَهَبٍ أَوْ لآلِئَ أَوْ مَلاَبِسَ كَثِيرَةِ الثَّمَنِ، بَلْ كَمَا يَلِيقُ بِنِسَاءٍ مُتَعَاهِدَاتٍ بِتَقْوَى اللهِ بِأَعْمَال صَالِحَةٍ. لِتَتَعَلَّمِ المَرْأَةُ بِسُكُوتٍ في كُلِّ خُضُوعٍ. ولكِنْ لَسْتُ آذَنُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُعَلِّمَ ولا تَتَسَلَّطَ عَلَى الرَّجُلِ، بَلْ تَكُونُ فِي سُكُوتٍ، لأَنَّ آدَمَ جُبِلَ أَوَّلًا ثُمَّ حَوَّاءُ، وآدَمُ لَمْ يُغْوَ، لكِنَّ المَرْأَةَ أُغْوِيَتْ فَحَصَلَتْ في التَّعَدِّي. ولكِنَّها سَتَخْلُصُ بِوِلاَدَةِ الأَوْلاَدِ، إِنْ ثَبَتْنَ في الإِيمَانِ والمَحَبَّةِ والقَدَاسَةِ مَعَ التَّعَقُّلِ.» «وأُرِيدُ أَنْ تَعْلَمُوا أَنَّ رَأْسَ كُلِّ رَجُل هُوَ الْمَسِيحُ، وأَمَّا رَأْسُ المَرْأَةِ فَهُوَ الرَّجُلُ، ورَأْسُ المَسِيحِ هُوَ اللهُ. كُلُّ رَجُل يُصَلِّي أَوْ يَتَنَبَّأُ ولَهُ عَلَى رَأْسِهِ شَيْءٌ، يَشِينُ رَأْسَهُ. وأَمَّا كُلُّ امْرَأَةٍ تُصَلِّي أَوْ تَتَنَبَّأُ ورَأْسُهَا غَيْرُ مُغُطَّى، فَتَشِينُ رَأْسَهَا، لأَنَّهَا والمَحْلُوقَةَ شَيْءٌ وَاحِدٌ بِعَيْنِهِ. إِذِ المَرْأَةُ، إِنْ كَانَتْ لا تَتَغَطَّى، فَلْيُقَصَّ شَعَرُها. وإِنْ كَانَ قَبِيحًا بِالمَرْأَةِ أَنْ تُقَصَّ أَوْ تُحْلَقَ،//// فَلْتَتَغَطَّ. فَإِنَّ الرَّجُلَ لا يَنْبَغِي أَنْ يُغَطِّيَ رَأْسَهُ لِكَوْنِهِ صُورَةَ اللهِ ومَجْدَهُ. وأَمَّا المَرْأَةُ فَهِيَ مَجْدُ الرَّجُلِ. لأَنَّ الرَّجُلَ لَيْسَ مِنَ المَرْأَةِ، بَلِ المَرْأَةُ مِنَ الرَّجُلِ. ولأَنَّ الرَّجُلَ لَمْ يُخْلَقْ مِنْ أَجْلِ المَرْأَةِ، بَلِ المَرْأَةُ مِنْ أَجْلِ الرَّجُلِ. لِهذَا يَنْبَغِي لِلْمَرْأَةِ أَنْ يَكُونَ لَهَا سُلْطَانٌ عَلَى رَأْسِهَا، مِنْ أَجْلِ المَلاَئِكَةِ...».([24]) . ويؤكد الباحث أن الثقافة الإنجيلية ظلت تتساءل ردحا طويلًا من الزمن: هل المرأة بشر أم حيوان أو شيطان, وكان مؤتمر ماكون حسم الجدل حول حقيقتها([25]).

وألاحظ من خلال عرض آراء الأستاذ "الغرباوي" عن قهر المرأة في الثقافة الإنجيلية تأكيده متوار على الفارق بين رؤية المسيحية من مكانة المرأة كما جاء بها المسيح -عليه السلام-، وبين رؤية آباء الكنسية للمرأة والتي جسدت الموروث اليوناني واليهودي. لذلك سأعرض بشكل وجيز عن وضع المرأة في كلا الاتجاهين:

الاتجاه الأول:

الذي يمثل رؤية المسيح -عليه السلام- للمرأة، فلقد كانت علاقة المسيح بالنساء ممتازة، فقد آمن به، واتخذهن صحابیات وتلميذات وتابعات، وقد أقر المسيح بحسب الأناجيل: الكثير من التصورات والقوانين التي تعتبر في صالح النساء، فمنع المسيح من النظر إلى المرأة واعتبره نوعًا من زنى القلب والتحرش، ولم يقصر الزنى على الممارسة الكاملة وكذلك يحرم الطلاق، وكذلك شفى نساء مريضات([26]). لقد أراد المسيح للمرأة أن تكون حرة في أن تعيش حياتها كامرأة، وأن يقبلها المجتمع كما هي، وأنه لا يوجد تمايزًا بين الجنسين في أي من المجالات الحياتية مدنية كانت أم إنسانية، باعتبار النساء كائنات بشرية كاملة([27]).

الاتجاه الثاني:

يتمثل في رؤية آباء الكنسية للمرأة والذي عُرف بعصر الآباء قد امتد من القرن الأول حتى وصل إلى قمته في القرن الرابع عند القديس "أوغسطين" ST Augustine (354-430م) الذي يختم عصر الآباء([28]).

لابد من توضيح أن التراث القديم الذي كان سائدًا قبل ظهور المسيحية –وهو التراث (اليوناني-الروماني) من ناحية، واليهودية من ناحية أخرى – يحجب أفكار السيد المسيح الجديدة عن المرأة، حتى أن بولس اليهودي الذي عاش في بيئة يونانية –رومانية يأتي ليدعم التراث القديم، ويثبت أفكاره، ويضع حجر الأساس في بناء النظرية المسيحية عن المرأة التي سادت عصر الآباء الفلاسفة، كما رددها فلاسفة العصر الوسيط أيضًا([29]).

وبالتالي أن نظرة اللاهوتيين والفلاسفة المسيحيين –كعادة رجال الدين دائمًا- تركز على الجنس؛ فالمرأة لا هي إنسانة، ولا صديقة، ولا زميلة ...إلخ، ولكنها مجرد "وعاء للتناسل"([30]). سنجدها تتجسد في آراء "توما الأكويني" Thomas Aquinas (1225- 1274م)-على سبيل المثال-، حيث ذكر في كتابة الخلاصة اللاهوتية "إن المرأة صنعت عونًا للرجل. وهي لم تصنع عونًا له إلا التوليد الذي يحصل بالجماع وإلا فالرجل أفضل إعانة للرجل من المرأة على بقية الأعمال....ويرى أن المرأة خاضعة طبعًا للرجل لأنه أحكم طبعًا منها([31]) وأوضح سبب ذلك بأن الرجل ليس من المرأة بل المرأة من الرجل. ولم يخُلق الرجل لأجل المرأة بل المرأة لأجل الرجل([32]). إن القديس "الأكويني" جرد المرأة من جميع حقوقها الطبيعية كإنسان، وأصبحت المرأة بالنسبة له كالوعاء يُملأ ثم يُفرغ مرة أخرى في إطار شرعي رسمه الرب وليس للمرأة أهمية إلا للتناسل والإنجاب فقط وهي رؤية متدنية إلى أبعد الحدود، وما كان ينبغي أن تصدر عن قديس كبير مثل "توما الأكويني"([33]).

ومن خلال العرض السابق، نستخلص من موقف الأستاذ "الغرباوي الآتي:

- توضيحه للفارق الجلي بين دور الدين المسيحي في مساواته بين الرجل والمرأة بوصفهما كائنات بشرية لهما نفس الحقوق الإنسانية والمدنية، وبين وضع المرأة في عصر آباء الكنيسة فهي رمز للخطيئة وأداء الإنجاب والتناسل فحسب.

- يلاحظ إقرار الباحث أن موقف الديانة اليهودية والمسيحية من المرأة باعتبارها رمز للخطيئة وأصل الشرور؛ إنما ناتج عن تأويل رجال الدين للنصوص الدينية بما يخدم العادات والتقاليد السائدة داخل المجتمع آنذاك، ووفقًا لقناعات الباحث -فيما أرى- من المستحيل أن يحتوي الكتاب المقدس على ذلك الأمر. ولكن ماذا عن وضع المرأة في العصور الوسطى الإسلامية فيما يرى الغرباوي؟

يصف لنا الأستاذ "الغرباوي" البيئة العربية قبل الإسلام حيث كيف كان وضع المرأة المتدني في الجاهلية، وازدرائها قبل بعثة "الرسول -صلى الله عليه وسلم- قائلًا: " لقد كانت معظم آلهتهم العتيقة مؤنَّثة، وتصوَّروا ملائكة الرحمن إناثًا. ولكن يا لمفارقات المجتمعات البشريّة وما بينها من تضادّ القِيَم، وتحوّلات الاتجاهات، حتى في الأُمّة الواحدة. فجاء فيهم وأد المرأة، لأسباب اقتصاديّة واجتماعيّة، وتوارثوا سبي النساء في الحروب واضطهادهن. ورسّخ الشِّعر العربي صورة المرأة العورة، المرأة التي لا تستحقّ الحياة، وهي عِبء على الرجل وعلى الحياة، مثلما جاء في شِعر (البحتري) و(أبي تمّام) و(المعرّي)([34]) .

ومن ثم ضلت ثقافة الاستنكاف من المرأة -فكرة الحتمية البيولوجية- يعود لأسباب بيولوجية، فهي فتنة، تغري الذكر، وتجلب العار حينما تنزلق بالخطيئة: (وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِالْأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ، يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ)([35]). وبذلك يوضح لنا الباحث اختلاف نظر الرجل للمرأة في القرون الماضية في العصر الأمومي عن اليوم؛ فالأمس قدست المرأة ووضعت في مرتبة الآلهة عند بعض القبائل، أما اليوم ينظر إليها نظرة دونية؛ بسبب فلسفة الفارق البيولوجي بين الرجال والنساء السائدة في المجتمعات الأبوية للإقرار بهيمنة الرجل عليها.

ولكن يؤكد الأستاذ "الغرباوي" على أن الدين الإسلامي أول من نبذ فكرة التمايز بين الجنسين بسبب الأسباب البيولوجية حينما دعا إلى وحدة الطبيعة البشرية، في تفسير آية: (... اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة). ومجّد الاختلافات الوظيفية، حينما شرع أحكاما لحمايتها، وفهمها فهما إنسانيا: (وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَىٰ وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ أشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ)([36]). وبالتالي، فالإسلام انتشل المرأة من سطوة الرجل، الذي كان يلغي وجودها. فالرجل هو بالأساس صاحب السيادة والقيادة، وليس الإسلام هو الذي سيّده على المرأة([37]). فبناء على ذلك، يتضح لنا أن الدين الإسلامي نظر إلى المرأة بوصفها كائنًا إنسانيًا مستقل بذاته.

ولكن على أرض الواقع على الرغم من أن الدين الإسلامي دعا لنبذ فكرة التمايز بين الرجال والنساء إلا أن النظرة الذكورية الكلاسيكية ظلت ممتدة إلى المجتمع العربي لتطبيق فكرة اللامساواة بين الجنسين باسم الدين الإسلامي. من أجل ذلك طرح د. "محمود على" (1966) سؤال على الأستاذ الغرباوي قائلًا: "رغم التحولات في الشخصية العربية بعد البعثة النبوية، لكن التحول الراديكالي، لم يمس قيم المجتمع الأبوي، مع أن القرآن رسالة إنسانية وعالمية طموحة حسب الفرض، فلماذا لم يعالج منظومة قيم العبودية بشكل أكثر جذرية، بل ويظهر من بعض نصوصه انحيازه للذكورة على حساب الأنوثة، كما يفهم ذلك المنطق الفقهي الذكوري؟"([38]).

يقول الباحث: لا شك أن القرآن أنصف المرأة قياسا بما قبل البعثة، وأعاد لها إنسانيتها المهدورة، تحت وطأة قيم العبودية والاستبداد الذكوري، عندما وضعها على قدم المساواة في التكاليف الشرعية، وما يترتب عليها من ثواب وعقاب. وأنصفها حقوقيا قياسا بما سبق أيضا، في مسألة الإرث، ووجوب النفقة على الزوج، وحقها في الرضاعة([39]).

والدليل على أن القرآن قد أعاد للمرأة إنسانيتها؛ فلا تصدق من المرأة استجابة لدعوة الله وعقدًا لعقيدة الإيمان إلا إذا كانت أصيلة مستقلة، فالدخول في دين الله عمل عيني لا تصح فيه الوكالة ولا يؤخذ بالإضافة إلى أب أو زوج أو قريب. هكذا كانت بيعة الإسلام بين يدي الرسول -صلى الله عليه وسلم- تأخذها المرأة لنفسها كما يأخذها الرجل، قال تعالي: {يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئا ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن أولادهن ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن ولا يعصينك في معروف فبايعهن واستغفر لهن الله غفور رحيم} (سورة الممتحنة 12)([40]) .

ففي عهد الرسول والصحابة لها حرية التعبير العام عن رأيها، وكانت السيدة عائشة رضى الله عنها تتصدى للفتوى، وكان النساء يجادلن برأيهن بين يدى النبي -صلى الله عليه وسلم- وبين يدي خلفائه. وروى ابن الجوزي في مناقب عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أن عمر نهى الناس عن زيادة المهور وخطب فيهم قائلًا: لا تزيدوا في مهور النساء على أربعين أوقية فمن زاد ألقيت الزيادة في بيت المال، ثم نزل، فقامت امرأة من صف النساء كويلة في أنفسها فطس فقالت: ما ذلك لكِ، قال: ولم؟ قالت: لأن الله تعالى يقول: واتيتم إحداهن قنطارًا فلا تأخذوا منه شيئًا أتاخذونه بهتانا وإثمًا مبينا (النساء 20 ) فقال عمر: إمرأة اصابت ورجل أخطأ كل الناس أفقه من عمر.... بل كان للمرأة أن تشارك في تنصيب القائمين بأمر المجتمع إنتخابًا ونصحًا كما ورد في قصة الشورى بعد عمر وإشراك النساء فيها قال ابن كثير: ثم نهض عبد الرحمن بن عوف -رضى الله عنه- يستشير الناس فيهما – عثمان بن عفان وعلى بن أبى طالب – ويجمع رأى المسلمين برأي رؤوس الناس وأقيادهم جميعًا وأشتاتًا مثني وفرادى ومجتمعين، سرًا وجهرًا حتى خلص إلى النساء مخدرات في حجابهن([41]).

وبذلك يشهد التاريخ بعدد من الوقائع التي تذكر تفوق ونشاط المرأة العربية القديمة. فكانت تشارك في الغزوات وتعمل في التجارة ولها الحرية بأن تعتنق الدين الذي يناسبها دون أن تتبع إرادة زوجها سلبيا. وإن قارنا دور المرأة في تاريخ العرب القديم ودور المرأة الآن في المجتمع الإسلامي، يمكننا أن نقول مع رينان لأن المرأة العربية في زمن محمد لا تشبه مطلقا هذا الكائن الغبي الذي يسكن قصور الحريم في عهد العثمانيين ... كانت المرأة العربية القديمة جميلة لأن دورها كان فعالًا([42]). وعلى الرغم من مشاركات المرأة في المجال العام ودورها الفعال والريادي في الحياة الاجتماعية والدينية إلا أن الوضع اختلاف بشكل كبير عقب وفاة الرسول -صلى الله عليه وسلم- وهنا يسعى الباحث لتوضيح الأسباب الرئيسية وراء دنو مكانة المرأة على النحو الاتي:

1- القيم والثقافة الراسخة:

فهي تحتاج إلى وقت طويل إلى حين استبدال تلك المقولات، الموجهة لوعي الفرد داخل المجتمع القبلي، وهذا غير العقيدة، ومع ذلك عانى الإسلام إلى حين تقبل العرب عقيدة التوحيد، وقد تواصلت دعوته 23 عاما كما تعلمين. وبالتالي، ليس هناك صدارة للرجل على حساب المرأة، وليس في ذلك موافقة على (تصدّره، وسحقه للمرأة)، كما تتصورين([43]) .

2- لم يلتزم الرجل دينيا:

وسرعان ما عاد بعد وفاة الرسول بدويا، وعاد إلى عنجهيته، ثم بلا شك أن سلطة الرجل وسطوته عرقلت تقدم وتطور المرأة وقتلت قابلياتها، حتى طال أمد صراعها معه، ولم تنتزع حقوقها منه إلا بعد قرون متطاولة. في الغرب ايضا كانت المرأة ملغاة ممتهنة، ليس لها وجود حقيقي، حتى تفجرت الثورات، وتحقق التحول المفاهيمي إلى واقع، بهذا الوضع فقط استطاعت المرأة بعد كفاح مرير ان تنتزع حقوقها. فطبيعة الرجل واحدة، لا تختلف بين المسلمين وغيرهم ([44]).

3- ضرورة التفريق بين المبادئ والتشريعات:

فعلى الصعيد الإنساني كما تقدم المرأة توأم الرجل في المنطوق الديني، ولا فرق بينهما وجودا وتكوينا .. المرأة إنسان كامل، هذا ما قرره القرآن ورتب عليه أحكامه. فمن حيث المبادئ الإنسانية نالت المرأة حقوقها كاملة، منذ فجر الرسالة وستبقى. فالمرأة في نظر الإسلام إنسان كامل يتمتع بكافة الحقوق البشرية([45]).

أما بالنسبة للتشريعات، فلا ننسى أن تشريعات الدين يحدها الزمان المكان، وعلى الفقيه أن يعي مقاصد الشريعة وغاياتها، ويدرك حقوق المرأة في ظل زمان ومكان مختلف عما قبل 1500 سنة. لذا؛ بعض الاصوليين يعتبر معرفة الزمان والمكان ومقاصد الشريعة شرطا في ثبوت الاجتهاد. يعني ما لم يكن الفقيه خبيرا بمقاصد الشريعة وحاجات زمانه ومكانه لم يصدق عليه مجتهدا ([46]). فالأمر مرتبط بالفقيه وقابلياته في فهم النص وفقا لظروفه. فيكون التشريع خالدا عندما يراعي الظروف الزما - مكانية، في ضوء مقاصد الشريعة وغاياتها. لذا عندما يجمد الفقيه على الفهم السائد (الذي هو تقليد حرفي لمن سبقه من الفقهاء)، يظهر جليا تخلف التشريع مع الأسف الشديد، قياسا بلوائح حقوق الإنسان. لكن عندما يعي الفقيه ظرفه وحاجات الإنسان، لا تبقى ثغرة للطعن في تشريعات الإسلام([47]).

4- وعي رجل الدين:

قدرت رجل الدين على فقه النص. فعليه أن يفهم المراحل التاريخية، والضرورات الحياتية. وإن المرأة المعاصرة، غير المرأة قبل 1500 عام. وحقوقها الآن تقاس وفقا لدورها الحالي، أسوة بالرجل. ولا تقاس على دورها ما قبل الرسالة، حيث كان زمام الامور مطلقا بيده، وليس على المرأة أي مسؤوليات اجتماعية إلا ما يخص العائلة وشؤونها. المرأة اليوم حاضرة في كل مناحي الحياة العملية والسياسية والفنية و .. و .. و([48]).

وبناءً على ذلك، للبيئة الاجتماعية التي يعيش فيها الإنسان تأثير بالغ على تصوراته وقيمه، وهي التي تشكل أفكاره واهتماماته، وتصنع في الغالب الأعم همومه وأطروحاته، وتشكل لديه تفاعلا تجاه أحداثها إيجابا أو سلبا، قبولا أو رفضا. ويثبت علماء النفس أن الإنسان يتأثر بما يحيط به من عوامل بيئية، تشكل شخصيته النامية، إذ تنشأ في جوهرها من تفاعل الفرد مع البيئة الاجتماعية والثقافية التي يعيش فيها([49]) وبالتالي تأثر بعض رجال الدين بالبيئة الاجتماعية بما فيها من عادات وتقاليد يغلب عليها طابع الهيمنة الذكورية في تفسيراتهم للنص الديني.

وهنا يسعى الأستاذ "الغرباوي" ليبين اختلاف الفقهاء حول تفسير النص الديني من خلال التعرض لمفهوم القوامة(¨) وموقف الفقهاء منه حيث يقول حتى في آية "الرجال قوامون على النساء". ليس هناك تسييد، وإنما قوامة اقتصادية نسبية، تنتفي بانتفائها، فليس هناك تفضيل بهذا المعنى؛ لأن التفضيل قرآنيا دائما على أساس التقوى، ذكرا وأنثى (ان أكرمكم عند الله أتقاكم) ([50]) .

وحري بنا التطرق إلى تفسير "ابن كثير" - لقوله تعالى: ﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْ والِهِمْ﴾ (النساء: 34) قال ابن كثير: "الرجل قيم على المرأة أي: هو رئيسها وكبيرها وحاكم عليها ومؤدبها إذا اعوجت، (بما فضل الله) أي: لأن الرجال أفضل من النساء، والرجل خير من المرأة، ولهذا كانت النبوة مختصة بالرجال وكذلك الملك الأعظم، لقوله صلى الله وعليه وسلم: "لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة"([51]).

استدل ابن كثير بهذه الآية على أن الرجال أفضل من النساء، والمفسرين لهم توجيه لهذه الآية يخالف ابن كثير فيما ذهب إليه، قال "الرازي": "اعلم إنه تعالى لما قال: ﴿ وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا﴾ (النساء: 32 )، إن سبب نزول هذه الآية أن النساء تكلمن في تفضيل الله الرجال عليهن في الميراث، فذكر تعالى في هذه الآية أنه إنما فضل الرجال على النساء بالميراث، لأن الرجال قوامون على النساء، والقوام اسم لمن يكون مبالغا في القيام بالأمر يقال: هذا قيم المرأة وقوامها للذي يقوم بأمرها ويهتم بحفظها" ([52]).

وخلاصة القول: فالتفسير الذكوري كما يقول الأستاذ الغرباوي، كرّس سلطته وفوقيته واستبداده، ومنحها بعدا شرعيا، سلب المرأة قدرة التحرر الذاتي، التي هي شرط أساس لتطور الحركة النسوية، خاصة المسلمة. فثمة أسيجة مقدسة، منح الرجل نفسه حق صيانتها والدفاع عنها، باعتبارها دفاعا عن الذات، وقد تولى الفقيه تعزيزها بفتاوى تستمد شرعيتها من ذكوريته، وليس أمام المرأة المسلمة سوى التمرّد على فتاوى النسوية، والعودة لآيات الكتاب، وفقه المرأة في ضوء مبادئ حقوق الإنسان، وما هو ثابت ومحكم من آيات الكتاب. بعد تمزيق ثقافة التهميش، وأدواتها من عادات وتقاليد وأعرف، كبلت إرادة المرأة([53]).وهذا يذكرنا بقول "ليفي برول"(*) Lucien Lévy-Brel ( 1857-1939م) "إن العادات المتأصلة في أفكارنا وعواطفنا، وآلاف الروابط غير المحسوسة التي تربطنا بماض يعتقد أنه انتهى، هذه العادات شئنا أم أبينا تجعلنا دائما نصب النبيذ الجديد في الأقداح القديمة ونضع الأفكار الجديدة في البراويز القديمة "([54]).

ألاحظ من طرح الغرباوي لمكانه المرأة في الإسلام الآتي:

-ابتعاد المسلمين عن نهج الرسول -صلى الله عليه وسلم- بعد وفاته حيث سيطرة العادات والتقاليد والأعراف الجاهلية التي كانت تمنح السيادة والقيادة للرجال على النساء بوصفها قوانين تمنع المرأة من تقلد المناصب العامة أو العلمية أو الدينية على الرغم مما قدمته في مجال الفقه والوعظ والإرشاد والأدب والشعر.

-يوضح لنا الغرباوي أن الدين الإسلامي يتشكل من عاملين الأول عامل ثابت متمثل في النصوص التشريعية المقدسة القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة التي يصح رؤيتها للرسول -صلى الله عليه وسلم-. الثاني عامل متغير متمثل في اجتهاد علماء الدين والفقهاء والتي ترتبط بظروف البيئية والمجتمع.

-يناقش الباحث التأثير السلبي للنظام الأبوي على تراث الدين الإسلامي وحياة المرأة، ويدعو إلى رفض الأسس الفقهية المغلوطة التي تعلن تفوق الرجل على المرأة بل ومعاداتها لكونها رمز الخطيئة.

ونتيجة للاعتماد على الحتمية البيولوجية أو فلسفة الفارق البيولوجي ترسيخ فكرة أفضلية جنس الرجال على النساء وتفوقهم في السياسة والاقتصاد والفنون والمعارف ظهر الاتجاه الثاني الذي يدعوة إلى التمركز حول الاثني لإقصاء الذكور فترى ما طبيعة هذا الاتجاه ؟ وما النتائج المترتبة عليه؟ وموقف الأستاذ الغرباوي منه؟.

2- الاتجاه الثاني التمركز حول الأنثى:

من أكثر التيارات النسوية إثارة للجدل في موجتها الثانية والثالثة تيار النسوية الراديكالية المتطرفة حيث استند على فلسفة الفارق البيولوجي لإقصاء الذكور؛ فقد رأى أن الفوارق البيولوجية التي هي فوارق طبيعية، مبررا للتمركز حول الأنثى، والدعوة لإقصاء الذكورة، وإحلال الأنوثة محلها([55]).

وقد نتج عن هذه الدعوة التي أطلقتها النسويات الراديكاليات المتطرفة في الولايات المتحدة - في أواخر ستينيات من القرن الماضي- توجيه انتقادات شديدة للأسرة: (الأسرة البيولوجية) ورأت أن "الطبقة الجنسية" السبب الرئيس لاضطهاد المرأة، ويجب إلغاؤها([56]). حيث ذكرت "هيلدا ليندمان نيلسون" أن الحركة النسوية وجدت أن معظم أشكال الأسر السائدة في التاريخ وفي الوقت الحاضر مدمرة لفكرة مساواة المرأة داخل المنزل وفي جميع مجالات الحياة الأخرى، وأحيانًا لرفاهيتها الأساسية؛ بسبب قضايا الأسرة، تربية الأطفال والأعمال المنزلية، وكذلك إدارة شئون الأسرة أمرًا حتميًا وجب على المرأة القيام به دون اعتباره عملًا على الإطلاق. وقد استخدم دور المرأة الطبيعي المزعوم داخل الأسرة لعدة قرون لتبرير استبعادها عن الحقوق المدنية والسياسية، وعديد من المهن على أرض الواقع، فأصبحت غير متواجدة بشكل واضح، إلى جانب أن تبعية المرأة الاقتصادية ومكانتها الثانوية داخل الأسرة جعلتها عرضة لأشكال مختلفة من الإساءة الجسدية والجنسية والنفسية([57]). ويبدو لي أنه بسبب المغالاة في تمجيد القيم الذكورية سعت النسوية الراديكالية المتطرفة لفرض ثقافة بديلة تتمثل في القيم الأنثوية.

ولكن التساؤل ما حقيقة موقف الأستاذ الغرباوي من اتجاه التمركز حول الأنثى؟

يؤكد الأستاذ "الغرباوي" فى كتاباته رفضه لذلك التيار قائلًا: لا أدعو لإحلال الأنوثة محل الذكورة، ورأي أن العلاقة قائمة على التشارك الإنساني، فثمة فرق حينما يتفهم كل منهما وظيفته على أسس إنسانية، وبين أن يتعامل معها بمنطق القيمومه والإقصاء، باعتباره قدرها، وقصور عقلها وإرادتها. في الحالة الأولى يمكن لهما التعاون في الحياة في شتى المناحي، باستثناء ما اختصتهم به الطبيعة البشرية. لكن في الحالة الثانية، تكون التبعية والانقياد قدر المرأة، من وحي أنوثتها والفوارق التي ابتلت بها. وأي تقصير لأي سبب كان، عليها تحمّل تبعاته، كالضرب في الفراش، والتحكم بحريتها، وتقييد إرادتها([58]).

وأوضح خطورة دعوة النسوية الراديكالية المتطرفة للفصل بين الجنسين وإحلال الأنوثة محل الذكورة على الأسرة النمطية حيث ذكر:

أن دعوة الراديكالية المتطرفة إلى ضرورة فصل النساء عن مجتمع "الذكور" بشكل تام وتقيم مجتمعًا خاصًا، باعتبار أن المرأة في حالة عداء دائم مع الرجل..... على أن جذر عبودية المرأة يكمن في الجانب بيولوجي تمثل خصوصية المرأة، وتجعلها أرقى منه بتفردها بالإنجاب!!. وبهذا الاتجاه راحت تؤسس لمنحى جديد في مفهوم النسوية، يرتكز لثنائية صلبة، حتى دعت "شولاميت فايرستون" إلى التحرر من الحمل والإنجاب بالاستفادة من تقنيات الإنجاب الحديثة، وأطفال الأنابيب، وإستئجار الرحم، لتتحرر من عبودية الإنجاب، ومن ثم التحرر من عبودية المجتمع الأبوي، وإحلال مركزية المرأة بديلًا عن مركزية الرجل([59]). حيث كتبت "ستيلا ساندفورد" على لسان "فايرستون": "إن التكاثر الاصطناعي ضروري للسيطرة على خصوبة الإنسان والإطاحة بطغيان الأسرة النووية، حيث يتطلب القضاء على الطبقات الجنسية وتمرد الطبقة الدنيا (النساء) والسيطرة على عملية الإنجاب: ليس فقط استعادة المرأة لجسدها بشكل كامل، ولكن أيضًا السيطرة والتحكم في خصوبة الإنسان، وسيتم استبدال تكاثر النوعين من قبل جنس واحد لصالح كليهما (على أقل خيار)، فمن خلال التكاثر الاصطناعي: سيولد الأطفال لكلا الجنسين على قدم المساواة، أو بشكل مستقل عن أي منهما، وبذلك سيتم تحطيم طغيان الأسرة البيولوجية"([60]).

وأوضح الأستاذ "الغرباوي" أن أطروحة النسوية الراديكالية تعد مغالطة واضحة للعيان، فلا إنجاب بمعزل عن الإخصاب الذكرى. حتى لمن تتمرد عليه، تحتاجه([61]).. وبالتالي لا أتعاطف مع النسوية الراديكالية المتطرفة، التي تنطلق من عقدة متأصلة من الرجل، لا شك أن لها أسبابها الوجيهة، غير أن الحلول جاءت متطرفة. فانتشال المرأة من تخلفها، واستعادة حقوقها، في الحرية والمساواة، لا يتحقق بالسحاق والإباحية والشذوذ الجنسي. ولا بهدر الأسرة، وإسقاط الذكر أو الاستغناء عنه، وربما الحالات الشاذة تخلق عاهات نفسية واجتماعية جديدة، وتترك فراغا لا شعوريا، ينعكس على المجتمع وعلاقاته العامة. ولا دليل أن الاتجاه الراديكالي المتطرف ساعد على تطور المرأة. فالدعوة النسوية الراديكالية المتطرفة، تهدد على المدى البعيد بانقراض النوع الإنساني([62]).

واتفق مع ما يراه الباحث في أن دعوة النسوية الراديكالية المتطرفة سيترتب عليها إلغاء الاسترقاق البيولوجي والجنسي للمرأة إلى ظهور دعوات ثورية للقضاء على فئات الجنس ويتردد صدى الفلسفة الجنسية، الآن لصالح نظرية الكوير وما بعد الحداثة النسوية([63]).

وبعد تفنيد الباحث للاتجاهات السابقة الناتجة من مبدأ الحتمية البيولوجية سنطرح تساؤلًا ما حقيقة موقف الغرباوي من قضية الحتمية البيولوجية وحصر المرأة في دور ممارسة الأمومة؟

ثالثًا- موقف الغرباوي من حصر المرأة في دور الأمومة بسبب الحتمية البيولوجية:

يشير الباحث إلى أن كفاح المرأة عبر التاريخ لتأكيد ذاتها، ونضال مستمر للتحرر من هيمنة الرجل ووصاياه الذكورية، ولم تترك المرأة فرصة إلا واستثمرتها لتأكيد الذات، مما يؤكد أصالة البعد الإنساني، على الضد من الخطاب الميثولوجي والخرافي، الذي ينسبها لضلع الرجل، وأنها سيئة من سيئاته. يشهد لذلك تصدي المرأة لمسؤولياتها، متى توفرت الأجواء المناسبة، ويشهد الكتاب الكريم لملكة سبأ، الذين حكمتهم بأداء سياسي متوازن. وغيرها أمثلة كثيرة، من التاريخ والواقع، حيث قوة حضورها ([64]).

ولا يخفى حجم ما تحدثت عنه الأساطير القديمة عن المرأة الإله، سواء في سلوكها الإيجابي أو السلبي، الذي كان يتمثل في تهورها بالقوة، والاستهتار بالجنس وبالحياة، لكن بالتالي كل هذا يؤكد قوة حضورها، فعلاقة المرأة بالأساطير نالت مساحة واسعة من رمزيتها، ودونت لنا تاريخ المرأة عبر المقدس والمدنس، وعبّرت عن مكامن رغباتها في الخير والشر، والأهم أجد في بعض الأساطير نضالا دؤوبا لتأكيد الذات، واستعادة إنسانيتها. فهي حينما ترغب بالانفصال عن الرجل، تريد تأكيد ذاتها، وإنسانيتها ([65]). ألاحظ من خلال طرح الباحث نموذح نسائي رائد في زمام القيادة والحكم ذكر في القران الكريم ألا وهى ملكة سبأ التي تتصف بالحكم الرشيد والقدرة على مواجهة المستجدات يريد أن يؤكد لنا قدرة النساء أن تتصدر بجدارة المجال العامة وأن تتقلد المناصب العامة، لم يكتف بذلك أكد على حضور المرأة منذ القدم لتأكيد ذاتها .

ولكن على الرغم من محاولات المرأة تأكيد ذاتها منذ فجر التاريخ الإنساني إلا أن الأمومة تمثل في الموروث الشعبي صورة نموذجية للمرأة، دون خصائصها ومميزاتها الأخرى. وكأن المرأة لا وجود لها دونها: كيف يفسر لنا الباحث حقيقة ذلك الأمر؟ وما الأسباب التي أدت إلى ترسيخ الأمومة كموروث شعبي يمثل الصورة النموذجية للمرأة؟

يفسر لنا الأستاذ الغرباوي أن قدسية الأمومة قاسم مشترك بين الشعوب، نابع عن تعاطف إنساني مع قلقها، وحجم تضحياتها، وقد عززته الشرائع والأديان والأعراف (فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا). فالأمومة زينة المرأة وسرّ قدسيتها. وهذا لا يلغي خصالها الأخرى، ولا يجعل من الأمومة مقياسا وحيدا لشخصيتها. المرأة بما تتمتع به من خصائص وإيجابيات وقوة حضور داخل المجتمع. فالمقياس المتوارث لقيمة الأمومة، يستمد شرعيته من تعاطف الأبناء مع الأمهات، ومن تعهد المجتمع بحفظ قدسية الأمومة. وهي مشاعر متوارثة بفعل العاملين الثقافي والنفسي. فالأبناء يشعرون بمعاناة الأم وحجم ما تقدمه، ويقدرون قلقها وأرقها، فيتأثرون لا شعوريا بمواقفها، خاصة "قلق الأمومة". ولا فرق في ذلك بين الأم الشرقية والأم الغربية من حيث المشاعر، فكلاهما أم، غير أن نظرة المجتمع لا تقتصر على موضوع الأمومة في تقييم المرأة، وتنظر إلى حجم حضورها. فزاوية النظر تختلف بين الثقافتين([66]).

وبناء على ما سبق، يتضح أن مشاعر الأمومة لدى الأستاذ "الغرباوي" تنتاب أي امرأة سواء شرقية أو غربية نظرًا لكونها غريزة فطرية إنسانية تخص كل أنثى، ولكن الاختلاف بين المجتمع الشرقي والغربي في النظر للمرأة فبينهما تقليص دور المرأة في المجتمعات الشرقية على الدور الرعائي وتمجيد الحياة المنزلية واستبعادها عن المجال العام والتقليل من حجم تقلد المناصب العامة والقيادية، في حين نجد للدولة في المجتمع الغربي دورًا في دعم المرأة للمشاركة بالمجال العام . ويدلل على ذلك بقوله: "إن المرأة في المجتمعات المتطورة تمارس حياتها بثقة كاملة، وتفرض نفسها من خلال قوة حضورها. لا فرق بينها وبين الرجل من هذه الناحية بالذات. مما يؤكد دور الدولة في تحرر المرأة من سطوة الرجل والمجتمع. فثمة قوانين تحميها وتمنحها حقوقها كاملة، فتغدو العلاقة بينهما علاقة إنسانية لا سلطوية، يمكنها الاستغناء عنه، والتمرّد على فوقيته، دون التأثر بتبعات الانفصال. فقوانين المجتمع المدني تؤهل المرأة وعيا وسلوكا ومسؤولية، بعيدا عن سلطة الرجل، حداً يمكنها وعي الذات مستقلة تماما، وهي تمارس حياتها وفقا لهذه الرؤية. وهذا المستوى من الوعي ساعدت عليه إضافة للقوانين البيئة الثقافية المترشحة عن مبادئ حقوق الإنسان. تلك المبادئ التي حيّدت سلطة الكنيسة وموقفها من المرأة. وقدمت فهما مغايرا للدين، يستبعد سلطة الكاهن، ويمكن للفرد أن يعيش تجربته الدينية، كممارسة عبادية، بينه وبين خالقه"([67]). مما سبق يتضح، إنه على الرغم من تأثير الأديان والثقافة والعادات في تعزيز دور الأمومة في حياة المرأة إلا أنها ليست عقبة في مشاركتها في عملية الإبداع وصنع الحضارة.

ثم ينتقل الأستاذ "الغرباوي" إلى سبب آخر للنظر الكلاسيكية للمرأة بوصفها أمًا قائلًا: الأم لا تفكر بمنطق الربح والخسارة تجاه أبنائها، مهما كان حجم التضحيات، لذا عقوق الأبناء جرح في أعماق الأم. هكذا هي طبيعة العلاقة، خاصة في مجتمعاتنا الشرقية. والأمومة قضية فطرية ونزعة إنسانية، لا تتجرد عنها المرأة، حتى وهي تنفتح على حياة الدراسة والعمل. قد تحد من رعايتها لهم لسبب وآخر، لكن هذا لا يؤثر سلبا على مشاعرها، بل يزيد من قلقها. الأم لا تستقر ما لم تجد أبناءها تحت ناظريها. وبالتالي فالمنطق المادي هنا غير وارد([68]). ولعل حديث الباحث عن حجم التضحيات التي تقدمها الأمهات للأبناء يذكرني بحديث "جون ستيورات مل" حول الأسرة وموقفه من المرأة، حيث قال: "إن أفضلية النساء على الرجال لكونهن ينكرون ذواتهن الفردية ويضحين بها لصالح أسرهن، ولكني لا أعول كثيرًا على تلك الأفضلية لأنهن يولدن وينشأن في كل مكان من أجل التضحية بأنفسهن، وأعتقد أن المساواة في الحقوق سوف تخفف من المبالغة في إنكار الذات الذي يعد بمثابة المثل الأعلى المصطنع، في الوقت الحاضر لشخصية الأنثى، بحيث لا تكون المرأة الفاضلة أكثر تضحية بنفسها من الرجل الفاضل ([69]). هنا يؤكد الباحث على حجم التضحيات التي تقدمها الأمهات من أجل سعادة أبنائهن ورعايتهن والسعي إلى استقرار الأسرة. فلقد اتفقا على اتصاف الأم بالتضحية، ولكن أرجعها الباحث لكونها فطرة غريزية في حين ردها "مل" إلى التنشئة الاجتماعية المصطنعة.

ويتحدث الأستاذ الغرباوي عن تذمر الأم أحيانا، وأوضح أن ذلك يعود إلى عدة أسباب بعيدة عن الأمومة كمشاعر إنسانية فطرية وغريزية. فتارة قساوة الحياة لا تطاق، بسبب العوز المادي أو رداءة الظروف الاجتماعية والصحية. وأخرى يلعب العامل النفسي ورثاثة الوعي والتمرد دورا سلبيا، يخلق حالة من التذمّر، حد التخلي عن مسؤوليات الأمومة. فقد تعتقد المرأة أن الأبناء عبء، يجب التخلص منهم، لتواصل حياتها. كما في المجتمعات الغربية، لكنها ليست ظاهرة. وفي هذه الحالة المسؤولية تقع على الدولة والمؤسسات النسوية التي ينبغي لها توجيه وعي المرأة، وتقدم ما يساعدها على تخطي محنتها. وهذا بالفعل ما تقوم به الحكومات الغربية، حيث دور رعاية الأطفال، ورياض الأطفال، وتوفير حواضن للمرأة التي تحتاجها. فهذا النوع من النساء لا تنفع معهم النصائح، بل الإجراءات العملية التي تساعدهم على تسوية مشكلاتهم الحياتية. وهذا ما نعيشه في ظل الأنظمة الغربية، حيث تجد المرأة في مؤسسات الدولة خير معين، يمكنها حتى الاستغناء عن الرجل وعجرفته. فثمة قوانين لحماية المرأة والأمومة والطفل، وهناك ضمان صحي واجتماعي يبدد قلقها، ويفتح آفاقا واسعة نحو مستقبل مضمون. بينما تعاني المرأة في المجتمعات المتخلفة سياسيا([70]).

وبناءً على ما سبق يتضح، الآتي:

- اتفق مع الأستاذ "الغرباوي" في النظر إلى الأمومة بوصفها زينة المرأة وسرّ قدسيتها. مع تأكيده على عدم جعلها المعيار الوحيد لشخصيتها؛ لأن في حالة النظر إلى المرأة على أنها أمًا فحسب، فقد حدد وظيفتها طِبْقًا لغريزتها الفطرية والبيولوجية، وبذلك ستحصر النساء في دور الرعاية لأبنائهم واستبعادهن من الحياة العملية والوظيفية في المجال السياسي والثقافي والاقتصادي والفني...إلخ، وكذلك –فيما اعتقد- ستظلم شرائح من النساء كالعاقر والعزباء من كونها امرأة لها دورٌ مهمٌّ داخل الأسرة والمجتمع، فهل يجوز أن يتم النظر للرجل باعتبار الأبوة المعيار الوحيد لشخصيته وحصره عن المجالات الاخرى في الحياة.

-يرى الأستاذ "الغرباوي" بأن المرأة العاملة تحتاج إلى حلول عملية تساندها في تحقيق التوافق بين رعايتها للأبناء وعملها بالخارج مؤكده على دور الدولة ومؤسساتها على توفير دور الرعاية للأطفال اثناء عمل المرأة في المجتمعات الغربية الأمر الذي يستوقفني أن المرأة في مجتمعاتنا الشرقية تحتاج إلى دعم الدولة ومؤسسات المجتمع المدني والمجلس القومي للمرأة لأجراء بعض التعديل في القوانين لصالح الأم العاملة إلى جانب توفير دور حضانة بكل مؤسسة ......إلخ. إلى جانب ضرورة توعية الأزواج بتحمل المسئولية المشتركة في الحياة الأسرية والتأكيد على أهمية دور الآباء في تربية الأبناء جنبًا إلى جنب مع الأمهات.

- من أخطر القضايا الدائر بين النسويات الجدل حول الأمومة هو بوصفها أمر طبيعي وفطري وغريزي أم أنها مكتسبة اجتماعيًا، ألاحظ أن الأستاذ "الغرباوي" يرى أن الأمومة فطرة غريزية في حياة كل أنثي.

ويلخص الباحث الأسباب الجوهرية حول حصر المرأة في دور الرعاية المنزلية حيث رأى الآتي:

1- حتمية المنطق الذكوري الذي كرس حياة المرأة لخدمته ، وإقصائها عن ساحة وجوده:

واخذ الأستاذ الغرباوي يوضح حقيقة الرجل قائلا: أن الرجل لا يقبل بندية رجل مثله، فكيف يقنع بندية المرأة التي تحدت نرجسيته، وجرحت كبرياءه، حينما عجز عن الاستغناء عنها، فكانت شرطا لوجوده بمعنى التجلي والتحقق خارجا. وأصلا لوجوده أنطلوجيا ([71]).

2- الحتمية البيولوجية لفرض أدوار حياتية محددة للمرأة:

يؤكد الأستاذ "الغرباوي" على ضرورة عدم اتخاذ العامل البيولوجي ذريعة لفرض أدوار حياتية محددة للمرأة، حتى وهي تكرّس جهدها أسريا. فهناك فرق بين من يعتقد أن الأنوثة حتمية بيولوجية، وقدرا وجوديا، وقد خلقت لتكون أنثى، تمارس دورها الأمومي داخل أسرتها. وبين من يرفض الحتمية البيولوجية، ويركّز على الجانب الوظيفي، فرعاية الأسرة ليس قدرا للمرأة، وإنما وظيفتها عندما تفرض الظروف الحياتية ذلك، وقد تتغير تلك المسؤوليات، باستثناء خصائصها البيولوجية في الإنجاب. لذلك يشير إلى أهمية الوعي الإنساني للمرأة، أقصد به – والكلام للغرباوي - وعي الذات مجردة عن أية مؤثرات خارجية، بما في ذلك المؤثرات البيولوجية، لتعي أنها إنسانة لها حقوق وجودية باعتبارها كذلك. وعندما ينمو هذا اللون من الوعي، سوف لا تستنكف المرأة من عملها الأسري، وتعتبره وظيفة إنسانية لديمومة الحياة بمعية الرجل. وستختلف نظرتها لذاتها والآخر، إذا تأثرت بالعامل البيولوجي وإيحاءاته. فتجد في قيمومة الرجل مقوما لوجودها، وأن وظيفتها الأنثوية قدرها في الحياة الدنيا([72]). وهنا يفرق الأستاذ الغرباوي بين النظر إلى الأمومة بحكم خصائص المرأة البيولوجية في الإنجاب وبين فرض أدوار حياتية على المرأة من قبل الوعي الجمعي للمجتمع.

وهنا ألمح أن رؤية الباحث حول علاقة البيولوجيا بالأمومة تتمثل في بعدين الأول كونها أمرًا حتميا فيما يخص الطبيعية الإنجابية والتكاثرية لجنس النساء كما لجنس الرجال؛ فالمرأة تحمل وترضع وتلد. أما الثاني النظر لممارسة دور الأمومة فهي تعد مسئوليات تتغير طبقًا لتغيير الظروف الحياتية كمساندة بعض الأزواج لزوجاتهن في تربية الأطفال أو اختلاف المستوى الاقتصادي والطبقة الاجتماعية للزوجين والذي يتيح لهما الاستعانة بمربية منزل لتتفرغ الزوجة لعملها أو العمل جزء من الوقت والاستعانة بدور حضانة....إلخ، ولكن للأسف النظام الأبوي اعتمادًا على مبدأ الحتمية البيولوجية من خلال الوعى الجمعي لحصر المرأة في دور الأمومة واستبعادها من الأدوار الإنسانية.

وهنا تتشابه آراء الباحث مع ما رأته "أدريان ريتش" §)Adrienne Rich) (1929-2012م) في كتابها الكلاسيكي تحت عنوان "المرأة المولودة": حينما قامت بتعريف الأمومة كخبرة وكمؤسسة، تجادل بأن للأمومة معنيين "أحدهما يتداخل على الآخر: الأمومة كخبرة هي العلاقة المحتملة لأي امرأة من حيث قدرتها على الإنجاب ورعاية الأطفال، والأمومة كمؤسسة والتي تهدف إلى ضمان بقاء هذه الإمكانات وجميع النساء تحت سيطرة الذكور([73]).

3- تتسم الأعمال في المجتمعات الأبوية بالقوة والغلبة:

يستطرد الباحث في بيان أسباب حصر دور المرأة في المجال الخاص رعاية الزوج والأبناء حيث ذكر أنه "ما كان للمرأة أن تنافس الرجل، في أعماله الشاقة كالحروب، الوظيفة الأساسية للمجتمعات الأبوية القائمة على القوة والغلبة، فتكون إدارة الأسرة وظيفة طبيعية لها، لا بسبب خصائصها البيولوجية فقط، كما هو الموقف الأبوي منها، ولكن لندرة فرص التنافس، ولأنها عرفاً تابعة للرجل، وحكم التبعية والانقياد أن يختص الذكر بتدبيرها ورسم أدوارها. وهذا النوع من الأدوار فرضتها الظروف الحياتية والأسرية، وليس العوامل البيولوجية، وهو أمر طبيعي لتقاسم مسؤوليات الحياة، رغم ما فيه من ظلم وجور([74]).

ويلاحظ أن المجتمعات الأبوية تقصر أدوار المرأة في مسئولية رعاية الأسرة؛ لأن بنتيها الجسدية لن تتحمل الأعمال التي تتسم بالقوة والغلبة في حين نجد المرأة قد مارست أعمالَّا شاقة صعبة في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- ولم يمنعها من ذلك؛ بل كانت مباشرتها لهذه الأعمال بإذن النبي وأمره ورضاه. وذلك أن مناسبة العمل لطبيعة المرأة أمر نسبي، يختلف من امرأة لآخري، ومن زمان لزمان، ومن بيئة لبيئة([75]).

ومن أمثلة الِعمال الشاقة التي مارستها المرأة على عهد النبي صل الله عليه وسلم:

مشاركة النساء في أعمال البناء

إن أعمال البناء فيها نوع مشقة لا تتوافق مع طبيعة المرأة ورقتها وأنوثتها، ومع ذلك شاركت المرأة في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- في ذلك، ومِّمَّا نُقِّلَ فِّي ذلك: عَنْ عَبْدِّ اللَّه بْنِّ أَبِّي أَوْفَى -رضي الله عنه- لما توفيت امرأته جعل يقول: "احْمِّلُوهَا وَارْغَبُوا فِّي: حَمْلِّهَا، فَإِّنَّهَا كَانَتْ تَحْمِّلُ وَمَوَالِّيهَا بِّاللَّيْلِّ حِّجَارَةَ الْمَسْجِّدِّ الَّذِّي أُسسَ عَلَى التَّقْوَى، وكنا نَحْمِّلُ بالنهار حَجَرَيْنِّ حَجَرَيْنّ([76]).

وكذلك عمل المرأة في الزراعة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم:

عَمِّلَت بَعضُ الصحابِّيَّات الفاضلات في ال زرَاعَة بإذْنِّ النَّبي -صلى الله عليه وسلم-، ومن ذلك: عن جَابِّر بْنِّ عَبْدِّ اللهِّ -رضي الله عنه- قال: طُلِّقَتْ خَالَتِّي، فَأَرَادَتْ أَنْ تَجُدَّ نَخْلَهَا، فَزَجَرَهَا رَجُلٌ أَنْ تَخْرُجَ، فَأتَتِّ النَّبِّيَّ صلى الله عليه وسلم، فقال: بَلَى فَجُ دي نَخْلَكِ، فَإِنَّكِ عَسَى أَنْ تَصَدَّقِي، أَوْ تَفْعَلِي مَعْرُوفًا. وجه الدلالة: في هذا الحديثِّ إذْنُ النبي -صلى الله عليه وسلم- لِّهذه الصحابية أنْ تَخْرُجَ لِّمُبَاشَرَةِّ زَرْعِّها بِّنَفْسِّها، وكانت مُطَلَّقَةً وفي عِّدَّتِّهَا، لِجل ذلك نَهَاهَا بعض الصحابة ظنًّا منه أنَّ خروج المعتدة من بيتها غير جائز، فبَيَّنَ النَّبِّيُّ صلى الله عليه وسلم لها أن ذلك جائز لها، فهو إذن لغير الْمُعْتَدَّةِّ أَجْوَزُ([77]). وبذلك يتضح أنه يوجد من النساء لديه القدرة على القيام بالأعمال الشاقة التي تتسم بالقوة والغلبة إلا أن السلطة الذكورية تقصي النساء من المجال العام خاصة المناصب القيادية.

لذلك يؤكد الأستاذ "الغرباوي" على أن المرأة عانت اضطهاد الرجل، وعاشت محنة الأنوثة، التي جعلتها مرتهنة للذكر وإرادته، حتى غدت الأمومة قدرا في وعي العقل الجمعي، يتفق عليه الجميع، لذا؛ واجهت المرأة رفضا من قبل المجتمع في أول ظهور لها خارج أسرتها. ثم بشكل تدريجي فرضت نفسها، بعد نجاحات متواصلة نافست الرجل إبداعاته([78]).

ولكن هل يدعو الباحث المرأة للثورة على غريزة الأمومة وهجر الحياة الزوجية؟

هنا يتوقف الباحث حول جعل الأمومة قدرًا على المرأة مفروض عليه من قبل حتمية المنطق الذكوري في المجتمع وهذا لا يعنى أن الباحث يدعو المرأة للتخلي عن دورها في بناء الأسرة حيث قال: إذا كانت المرأة شريكا في بناء الأسرة، فديمومتها رهن بوجودها، فضلا عما تتمتع به من خصائص إنسانية راقية، كالحنان والإخلاص والعاطفة والحب والدفء الروحي والأمومة والشعور بالمسؤولية([79]).

ومما سبق أعتقد أن الأستاذ "الغرباوي" ينظر إلى الأمومة بوصفها رمزًا للحب والعطاء بلا حدود في رعاية أبنائها وأجد أنه في حديثة عن ما تتمتع به المرأة من خصائص إنسانية يشير إلى الأخلاق النسوية "فهي تقوم أساسا على أن للنساء ما يميزهن عن الرجال؛ فالطبيعة النسوية تفوق التكوين الذكوري بمميزات أكثر وضوحا لدى النساء كالحس والعاطفة الجياشة والرعاية والعطاء والقدرة على التكيف وتكوين علاقات لما تحمل من قيم الرعاية واحلب والصداقة والثقة هذه المشاعر والعواطف توجد بنسبة كبيرة لدى النساء مقارنة بالرجال، إضافة إلى أن الأدوار التي تقوم بها المرأة في المجتمع، كزوجة وكأم وكمعلمة ومربية جعلت منها تملك قوة وقدرة على إسعاد الآخرين، وقد تكون في كثير من الأحيان تعاني من مشاكل نفسية أو غير نفسية، إلا أن إحساسها بالمسئولية تجاه الآخرين يجعلها تتغلب على مشاكلها لتنتصر لدورها كأم أو كزوجة ... إلخ، بالإضافة إلى امتلاك النساء قدرة خاصة لا يملكها الرجال إلا هي القدرة على الإنجاب، وهذه تعتبر نقطة قوة تضاف للمرأة([80]).

ولكنني أريد أن أوضح أن دعمه للصورة النمطية للمرأة بوصفها أمًا لا يعنى تهميشها عن الحياة العملية حيث يؤكد على خصائص الأنثى من رقة وصفات إنسانية ألا إن ذلك لا يبرر اضطهادها وقهرها ومحاصرتها بين جدران أربعة، بشكل تصبح مسؤولة عن كل شيء، وتتحمل تداعيات أي خطأ أو تهاون ولو لم يكن مقصودا. وأخذ يوضح أن الأسرة تتطلب تعاونا من قبل جميع أفرادها. وما تقوم به المرأة داخل أسرته له قيمة مادية، تتنازل عنها طوعا وحبا، لذا؛ لم يفرض الإسلام على المرأة أي عمل، باستثناء حقوق الزوجية، ولها حق المطالبة بكل جهودها، بما فيها رضاعة أطفالها. غير أن العرفَ عرفٌ استبدادي، أبوي، يخضع لإرادة ذكورية صارمة وظالمة، فصادر كل حقوقها، وقمعها في داخلها، وأعاد تشكيل وعيها، بشكل تجد دونيتها جزءا مقوما لوجودها([81]).

وحول طرح الأستاذ "الغرباوي" موفق الإسلام من إشكالية عدم فرض خدمة الزوجة لزوجها الأمر يستدعي عرض موقف الفقهاء على النحو الآتي:

قد جاء في "الموسوعة الفقهية الكويتية"(19/44): " لا خلاف بين الفقهاء في أن الزوجة يجوز لها أن تخدم زوجها في البيت، سواء أكانت ممن تخدم نفسها أو ممن لا تخدم نفسها، إلا أنهم اختلفوا في وجوب هذه الخدمة([82]):

سنجد تأكيد أكثر فقهاء المذاهب المعروفة أن حق الرجل على المرأة أن لا تمنعه من نفسها بغير عذر شرعي، وحقها عليه النفقة والسكنى إلخ وقالو ألا يلزمها عجنًا ولا خبزًا ولا طبخًا ولا غير ذلك من مصالح بيته أو ماله وملكه([83]). فذهب الجمهور (الشافعية والحنابلة وبعض المالكية) إلى أن خدمة الزوج لا تجب عليها لكن الأولى لها فعل ما جرت العادة به([84]).

ومن أنصار هذا الرأي الإمام "بن حزم" في باب حقوق الزوجين حيث يقول: (وَلَا يَلْزَمُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَخْدِمَ زَوْجَهَا فِي شَيْءٍ أَصْلًا، لَا فِي عَجْنٍ، وَلَا طَبْخٍ، وَلَا فَرْشٍ، وَلَا كَنْسٍ، وَلَا غَزْلٍ، وَلَا نَسْجٍ، وَلَا غَيْرِ ذَلِكَ أَصْلًا - وَلَوْ أَنَّهَا فَعَلَتْ لَكَانَ أَفْضَلَ لَهَا وَعَلَى الزَّوْجِ أَنْ يَأْتِيَهَا بِكِسْوَتِهَا مَخِيطَةً تَامَّةً، وَبِالطَّعَامِ مَطْبُوخًا تَامًّا وَإِنَّمَا عَلَيْهَا أَنْ تُحْسِنَ عِشْرَتَهُ، وَلَا تَصُومَ تَطَوُّعًا وَهُوَ حَاضِرٌ إلَّا بِإِذْنِهِ، وَلَا تُدْخِلُ بَيْتَهُ مَنْ يَكْرَهُ، وَأَنْ لَا تَمْنَعَهُ نَفْسَهَا مَتَى أَرَادَ، وَأَنْ تَحْفَظَ مَا جَعَلَ عِنْدَهَا مِنْ مَالِهِ)([85]).

في حين ذهب الحنفية إلى وجوب خدمة المرأة لزوجها ديانةً لا قضاءً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قَسَّم الأعمال بين علي وفاطمة رضي الله عنهما، فجعل عمل الداخل على فاطمة، وعمل الخارج على علي ، ولهذا فلا يجوز للزوجة - عندهم - أن تأخذ من زوجها أجرا من أجل خدمتها له ([86]).

وقال "أبو بكر بن أبي شيبة" و"الجوزجاني" عليها ذلك واحتجا بقضية علي وفاطمة رضي الله عنهما فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- قضى على ابنته بخدمة البيت، وعلى علي ما كان خارجا من البيت من عمل وما قضى به النبي -صلى الله عليه وسلم- بين بنته وصهره عليهما السلام هو ما يقضي به فطرة الله تعالى، وهو توزيع الأعمال بين الزوجين على المرأة تدبير المنزل والقيام بالأعمال فيه، وعلى الرجل السعي والكسب خارجه. وهذا هو المماثلة بين الزوجين في الجملة، وهو لا ينافي استعانة كل منهما بالخدم والإجراء عند الحاجة إلى ذلك مع القدرة علية ، ولا مساعدة كل منهما للآخر في عمله أحيانًا إذا كانت هناك ضرورة، وإنما ذلك هو الأصل والتقسيم الفطري الذي تقوم به مصلحة الناس وهم لا يستغنون في ذلك ولا في غيره عن التعاون (2: 286) لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها -وتعانوا على البر والتقوى ولا تعانوا على الإثم والعدوان واتقوا الله([87]).

ونستخلص مما سبق، تباين الآراء بين الفقهاء حول إشكالية وجوب خدمة الزوجة لزوجها، فقد ذهب جمهور الفقهاء إلى أنه لا يجب على الزوجة خدمة زوجها، وذهب بعض الفقهاء إلى الوجوب. ولكنني أريد أن أؤكد على أن خدمة الزوجة لزوجها وأبنائها ورعاية شئون بيتها سنة حسنة مارستها المرأة عبر العصور التاريخية، ولكن تحتاج النساء إلى الشعور بتقدير أزواجهن وأبنائهن. كما أنه في عصرنا الحالي أصبحت المرأة تشارك الرجل الحياة العملية والوظيفية أما لتحقيق ذاتها وكيانها أو بسبب صعوبة الأوضاع الاقتصادية في مجتمعاتنا الشرقية؛ فيحتاج الزوجين لتحمل النفقة على الأبناء وفي كلا الحالتين تحتاج المرأة لكى تحقق التوفيق والنجاح بين حياتها الوظيفية والعائلية إلى تطبيق مبدأ المسئولية المشتركة بين الزوجين وتحمل الأعباء المنزلية معًا.

وهذا ما يؤكد الباحث أن نجاح المرأة خارج أسوار الأسرة لتقلد المناصب العامة يتطلب أن يتعاون شريكي الحياة مع بعضهم البعض عندما خرجت المرأة، ونافست الرجل، فأيضا يمكن توزيع الأدوار، وتقاسم أعباء الأسرة، فيكون الأصل هو التعاون، وليس الحتمية البيولوجية. للأسف طالما نسمع الرجل وهو يرد على المرأة حينما تعترض أو تتمرد: "هذه وظيفتك في الحياة"!!. إن محنة المرأة أنها مخلوق ذكوري. بمعنى أن الذكر قد تولى تشكيل وعيها، وتحديد وظيفتها، وفرض عليها سلطته وقيمومته، وبيّن هامش حريتها، وحقوقها وواجباتها([88]).

وخلاصة القول، يسعى الأستاذ الغرباوي إلى تفنيد فكرة الفروق البيولوجية باعتبارها سبب لتفوق الرجال على النساء حيث أوضح أن المجتمع الأبوي يعتمد على فكرة الحتمية البيولوجية. لجعل الأمومة دورًا أساسيًا للمرأة، دون احترام قدرات وحقوق النساء الأخرى، لذلك دعا إلى ضرورة دعم المرأة في تحقيق طموحاتها المهنية من خلال تقاسم الأعباء الأسرية بينها وبين شريك الحياة وكذلك دعم الدولة لها.

- تعقيب:

من خلال العرض السابق من إشكالية الحتمية البيولوجية يتبين لنا الآتي:

أولًا- أن الأستاذ "الغرباوي" يمثل الاتجاه الداعي إلى ضرورة الانفتاح والتواصل الحضاري مع الحضارات الأخرى بحيث نأخذ منهم ما ينتاسب مع ثقافتنا وقيمنا وعاداتنا وأخلاقيتنا دون إحلال ثقافة الغير محل ثقافتنا. ويتضح ذلك جليًا من موقف الأستاذ "الغرباوي" من اتجاه مركزية الأنثى إلى رفض الأفكار الراديكالية المتطرفة التي تدعو إلى الإجهاض، العلاقات المفتوحة، دعم المثلية. في الوقت ذاته يشجع على دعم النسوية الراديكالية الثقافية.

ثانيًا-رفض الباحث فكرة الحتمية البيولوجية كمبدأ لتوزيع الأدوار بين الجنسين والذي سيترتب ظهور اتجاهين هما: الأول دنو مكانة المرأة وإقصائها من المجال العام (السياسة –الثقافة-الفن- الإبداع-الحضارة) وحصرها في المجال الخاص (الرعاية المنزلية). الثاني مركزية المرأة والسعي لإقصاء الرجال من خلال الدعوة إلى هدم مؤسسة الأسرة ودعم السحاق....إلخ. كما يؤكد الأستاذ "الغرباوي" على ضرورة تفهم واحترام الطموحات الفردية للنساء. مؤكدًا أن الاختلافات البيولوجية لا يجب أن تكون مبررًا لتفوق الرجل على المرأة في المجالات العقلية والسياسية والاقتصادية.

ثالثًا-تأكيده على وإنصاف الأديان السماوية للمرأة والإعلاء من شأنها ولكنه أوضح لنا:

1- تأثير آباء الكنيسة على النظرة الاجتماعية للمرأة؛ فهي المسؤولة عن شقاء الجنس البشري ومصدر الخطيئة في العالم، كما أنها نجسة في نفسها مُنَجِّسة لغيرها. تلك النظرة تخالف تعاليم سيدنا عيسي عليه السلام.

2- يفرق الباحث بين رؤية القرآن الكريم وبين رؤية الفقهاء والتراث من المرأة. فيقر أن القرآن الكريم أعلى من شأن المرأة بوصفها موجودًا إنسانيًا مستقلًا حيث شاركت في المعارك والشعر والأعمال الشاقة...إلخ ولكن الأمر اختلف عقب وفاة الرسول -صلى الله عليه وسلم-؛ فحصرت في دور الأمومة.

وبالتالي استمرت الصورة النمطية للمرأة عقب ظهور الأديان السماوية نظرًا لهيمنة الموروث اليوناني والروماني على فكر رجال الدين المسيحي وكذلك تأثير النزعة الذكورية على الموروثات الثقافية وتفسيرات رجال الدين للنص الديني بما يفرض تسيد الرجال على النساء والحط من شأنهن.

3- يؤكد الأستاذ "الغرباوي" على ضرورة بحث ونقد آراء الفقهاء من قضية المرأة مؤكدًا عدم القداسة لأي منجز بشري.

رابعًا- يرى الباحث أن الأمومة غريزة فطرية عند كل الفتاة فعندما تتزوج ترغب بأن تصبح أُمًّا رغم علمها المسبق بصعوبة فترة الحمل والولادة وتحمل مسئولية الطفل. لكنه يرفض الاعتماد على الخصائص البيولوجية كسبب لتوزيع الأدوار بين الجنسين وحصر النساء في أدوار حياتية محددة.

***

بقلم: د. آمال طرزان مصطفى

دكتوراه فلسفة – تخصص النسوية

***

أولًا- المصادر والمراجع العربية:

1- المصادر:

ماجد الغرباوي: متاهات الحقيقة (6) المرأة وآفاق النسوية، ط1، دار أمل الجديدة، دمشق،2021م.

ماجدة غصبان وماجد الغرباوي: المرأة والقرآن حوار في إشكاليات التشريع، ط1، العارف مطبوعات، لبنان،2015م.

محمود محمد على: الفلسفة النسوية في مشروع ماجد الغرباوي التنويري، ط1، دار الوفاء لدنيا الطباعة والنشر، الإسكندرية، 2020م.

2 - المراجع العربية:

أفلاطون: القوانين، ترجمة من اليونانية إلى الإنجليزية د.تيلور، نقله إلى العربية محمد حسن ظاظا، مطابع الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، ١٩٨٦م.

إمام عبد الفتاح إمام: المرأة في الفلسفة "أرسطو والمرأة"، ط1، مكتبة مدبولي، القاهرة، 1996م.

إمام عبد الفتاح إمام: المرأة في الفلسفة "أفلاطون والمرأة"، ط2، مكتبة مدبولي، القاهرة، ١٩٩٦م.

إمام عبد الفتاح إمام: المرأة في الفلسفة "جون لوك والمرأة"، ط1، دار التنوير للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، 2009م.

أندرو هيود: مدخل إلى الأيديولوجيات السياسية، ط1، ترجمة محمد صفار، المركز القومي للترجمة، العدد 1830، القاهرة، 2012م.

إيفون يازعيم حداد وجون إسبوزيتو: بنات إبراهيم الفكر النسوي في اليهودية والمسيحية والإسلام، ط1، ترجمة عمرو بسيوني وهشام سمير، ابن النديم للنشر والتوزيع، الجزائر، ٢٠١٨م.

توما الأكويني: الخلاصة اللاهوتية، مج2، ط1، ترجمة من اللاتينية إلى العربية الخوري بولس عواد، المطبعة الأدبية، بيروت، 1819م.

جورج طرابيشي: شروق وغروب رجولة وانوثة، ط4، دار الطليعة للطباعة والنشر، بيروت،1997 م.

جون سيتورات مل: "استعباد النساء "الفيلسوف والمرأة"، ترجمة إمام عبدالفتاح إمام، ط1، دار التنوير للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة، 2009م.

حسن عبد الترابي، المرأة بين الأصول و التقاليد، مركز دراسة المرأة، السودان، 2000م.

سارة جامبل: النسوية وما بعد النسوية (دراسات ومعجم نقدي)،ج2، ط1، ترجمة أحمد الشامي، مراجعة هدى الصدة، المجلس الأعلى للثقافة، عدد 483، القاهرة، 2002م.

السيد محمد رشدى رضا: تفسير القران الحكيم للشيخ محمد عبده، ج2، ط2، مطبعة المنارة، مصر.

عصمت محمد حوسو: الجندر الأبعاد الاجتماعية والثقافية، ط1، دار الشروق، الأردن، 2009م.

فريدريش نيتشه: هكذا تكلم زرادشت، ط1، ترجمة على مصباح، منشورات الجمل، ألمانيا، 2007م.

فهمي منصور: أحوال المرأة في الاسلام ،ترجمة رفيدة مقدادي ، ط1 ، منشورات الجمل ، المانيا ، 1997م.

مها فاخوري: حقوق المرأة في المسيحية، ط1، منشورات النور، بيروت، ١٩٩٨م.

3- المجلات:

أخلاق النسوية ضرورة أخلاقية معاصرة (أخلاق العناية)،عدد 1، مجلد 1، مجلة تدفقات فلسفية.

عبد الله محمد عبد اللطيف عبد العزيز: عَمَلُ المَرْأَةِ، دِرَاسَةٌ للتطبيق العملي في العهد النبوي، ضمن أبحاث المؤتمر الدولى الرابع لكلية الآداب – جامعة المنوفية ،2022م.

عماد سليمان عواد الحيصة: البيئة الاجتماعية واثرها على شخصية المفسر، دراسات علوم الشريعة والقانون، المجلّد 45، عدد 4،2018م.

مصطفي عبد الرؤف: الرغبة الجنسية بين الاتجاه المحافظ والاتجاه التحرري "نماذج منتقاه من الفلسفة الغربية" ، مجلة كلية الآداب، ج1، العدد41، جامعة سوهاج،2016م.

ثانيا -المراجع الاجنبية:

Adrienne Rich: Of Woman Born Motherhood as Experience and Institution 1995-W. W. Norton Company, Norton Company, New York,1995.

Betty Friedan, Brigid O'Farrell: Beyond Gender The New Politics of Work and Family by Betty Friedan The Feminine Mystique, The University of Chicago Press, Book Reviews, Vol. 26, No. 1, 2000. http://www.jstor.org/stable/3175408

Jump up to:a b Lewontin, Richard, Steven Rose, and Leon Kamin. Not in Our Genes: Biology, Ideology and Human Nature. New York: Pantheon Books, 1984. "The Determined Patriarchy", Chapter 6.

Sarah Franklin: Revisiting Reprotech: Firestone and the Question of Technology, In: Further Adventures of the Dialectic of Sex Critical Essays on Shulamith Firestone, Palgrave Macmillan, New York, 2010.

Susan Moller Okin: Families and Feminist Theory Some Past and Present Issues, In: "Feminism and Families", Ed by: Hilde Lindemann Nelson Routledge, New York, 2016.

Ted Honderich: The Oxford Companion to Philosophy, Oxford New York, Oxford University Press, 1995.

ثالثًا-مواقع الإنترنت:

https://www.hindawi.org/contributors/97916307/ In: 11/5/2024 2: 10 AM.

https://ar.wikipedia.org/wiki ,In 11/5/2024 , AM 2: 19.

https://www.nytimes.com/2012/03/29/books/adrienne-rich-feminist-poet-and-author-dies-at-82.html, In: 24/7/2022, 1:58 AM.

https://islamqa.info/ar/answers/119740/ , In: 5/9/2024 , 10:54 pm.

https://al-maktaba.org/book/31621/8343#p3 ,In 5/5/2024 , 10:26 pm.

هوامش

[2]) سارة جامبل: النسوية وما بعد النسوية (دراسات ومعجم نقدي)،ج2، ط1، ترجمة أحمد الشامي، مراجعة هدى الصدة، المجلس الأعلى للثقافة، عدد 483، القاهرة، 2002م، ص 279.

[3]) Jump up to:a b Lewontin, Richard, Steven Rose, and Leon Kamin. Not in Our Genes: Biology, Ideology and Human Nature. New York: Pantheon Books, 1984. "The Determined Patriarchy", Chapter 6, p136.

[4]) عصمت محمد حوسو: الجندر الأبعاد الاجتماعية والثقافية، ط1، دار الشروق، الأردن، 2009م، ص81.

[5])Ted Honderich: The Oxford Companion to Philosophy, Oxford New York, Oxford University Press, 1995, p.274.

[6]) جورج طرابيشي: شروق وغروب رجولة وانوثة، ط4، دار الطليعة للطباعة والنشر، بيروت،1997م ص6-7.

[7]) أندرو هيود: مدخل إلى الأيديولوجيات السياسية، ط1، ترجمة محمد صفار، المركز القومي للترجمة، العدد 1830، القاهرة، 2012م، ص284.

[8]) سارة جامبل: النسوية وما بعد النسوية (دراسات ومعجم نقدي)،ج2، مرجع سابق ص 279.

[9])Ted Honderich: The Oxford Companion to Philosophy, op.cit, p.274.

[10]) محمود محمد على: الفلسفة النسوية في مشروع ماجد الغرباوي التنويري، ط1، دار الوفاء لدنيا الطباعة والنشر، الإسكندرية، 2020 م، ص 194.

[11]) محمود محمد على: مصدر سابق، ص 165-166.

[12]) ماجد الغرباوي: متاهات الحقيقة (6) المرأة وآفاق النسوية، ط1، دار أمل الجديدة، دمشق، 2021م، ص 175.

[13]) إمام عبد الفتاح إمام: المرأة في الفلسفة "أفلاطون والمرأة"، ط2، مكتبة مدبولي، القاهرة، ١٩٩٦م، ص63.

[14]) أفلاطون: القوانين، ترجمة من اليونانية إلى الإنجليزية د.تيلور، نقله إلى العربية محمد حسن ظاظا، مطابع الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، ١٩٨٦م، ص344.

[15]) محمود محمد على: مصدر سابق، ص 165.

[16]) ماجد الغرباوي: مصدر سابق، ص 175.

[17]) إمام عبد الفتاح إمام: المرأة في الفلسفة "أرسطو والمرأة"، ط1، مكتبة مدبولي، القاهرة، 1996م، ص81 -82.

[18]) ماجد الغرباوي: مصدر سابق، ص 175.

[19]) فريدريش نيتشه: هكذا تكلم زرادشت، ط1، ترجمة على مصباح، منشورات الجمل، ألمانيا، 2007م، ص131-133 .

[20]) محمود محمد على: مصدر سابق، ص 163-164.

[21]) إمام عبد الفتاح إمام: المرأة في الفلسفة "جون لوك والمرأة"، ط1، دار التنوير للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، 2009م، ص10.

[22]) إيفون يازعيم حداد وجون إسبوزيتو: بنات إبراهيم الفكر النسوي في اليهودية والمسيحية والإسلام، ط1، ترجمة عمرو بسيوني وهشام سمير، ابن النديم للنشر والتوزيع، الجزائر، ٢٠١٨م، ص10.

[23]) ماجد الغرباوي: مصدر سابق، ص26.

[24]) مصدر سابق، ص25-26.

[25]) محمود محمد على: مصدر سابق، ص165.

[26]) إيفون يازعيم حداد وجون إسبوزيتو: مرجع سابق، ص١٢.

[27]) مها فاخوري: حقوق المرأة في المسيحية، ط1، منشورات النور، بيروت، ١٩٩٨م، ص48.

[28]) إمام عبد الفتاح إمام: الفيلسوف والمرأة (الفيلسوف المسيحي والمرأة)، مرجع سابق، ص64.

[29]) مرجع سابق: ص10.

[30]) مرجع سابق: ص10.

[31]) توما الأكويني: الخلاصة اللاهوتية، مج2، ط1، ترجمة من اللاتينية إلى العربية الخوري بولس عواد، المطبعة الأدبية، بيروت، 1819م، ص495-496.

[32]) مرجع سابق: ص510.

[33]) مصطفي عبد الرؤف: الرغبة الجنسية بين الاتجاه المحافظ والاتجاه التحرري "نماذج منتقاه من الفلسفة الغربية" ، مجلة كلية الآداب، ج1، العدد41، جامعة سوهاج،2016م، ص343-344.

[34]) ماجد الغرباوي: مصدر سابق، ص 27.

[35]) محمود محمد على: مصدر سابق، ص 166.

[36]) مصدر سابق، ص 164.

[37]) ماجد الغرباوي: مصدر سابق، ص 27.

[38]) محمود محمد على: مصدر سابق، ص 168.

[39]) نفس المصدر، ص 170.

[40]) حسن عبد الترابي، المرأة بين الأصول و التقاليد، مركز دراسة المرأة، السودان، 2000 م، ص3-4.

[41]) مرجع سابق، ص9-10.

[42]) فهمي منصور: أحوال المرأة في الاسلام ،ترجمة رفيدة مقدادي ، ط1 ، منشورات الجمل ، المانيا ، 1997م، ص12.

[43]) ماجد الغرباوي: مصدر سابق، ص 28.

[44]) ماجدة غصبان وماجد الغرباوي: المرأة والقرآن حوار في إشكاليات التشريع، ط1، العارف مطبوعات، لبنان،2015م، ص 31- 34.

[45]) ماجد الغرباوي: مصدر سابق، ص 29.

[46]) ماجدة غصبان وماجد الغرباوي: مصدر سابق، ص35-36.

[47]) ماجد الغرباوي: مصدر سابق ، ص 29-30.

[48]) ماجد الغرباوي: مصدر سابق، ص30.

[49]) عماد سليمان عواد الحيصة: البيئة الاجتماعية واثرها على شخصية المفسر، دراسات علوم الشريعة والقانون، المجلّد 45، عدد 4،2018م، ص287.

(ومعنى القوامة لغة ذكره ابن منظور فقال: "وقيم المرأة: زوجها في بعض اللغات يقوم بأمرها وما تحتاج إليه والقيام بمعنى المحافظة والإصلاح. = انظر: المرجع السابق ، ص 290.

[50]) ماجدة غصبان وماجد الغرباوي: مصدر سابق، ص 30-31.

[51]) عماد سليمان عواد الحيصة: مرجع سابق ، ص 290.

[52]) مرجع سابق ، ص290.

[53]) محمود محمد على: مصدر سابق، ص 171-172.

*) لوسيان ليفي-بريل ‏، فيلسوف وعالم اجتماع، وأثنولوجي فرنسي. له بحوث في العقلية البدائية. كان أستاذاً بجامعة السوربون منذ 1899، أهم كتبه «الوظائف العقلية في المجتمعات البدائية» 1910م.

See: https://ar.wikipedia.org/wiki ,In 11/5/2024 , AM 2: 19.

([54] فهمي منصور، مرجع سابق، ص10.

[55]) محمود محمد على: مصدر سابق، ص 194.

[56]) Susan Moller Okin: Families and Feminist Theory Some Past and Present Issues, In: "Feminism and Families", Ed by: Hilde Lindemann Nelson Routledge, New York, 2016, p.16.

[57]) Ibid, p.14.

[58]) محمود محمد على: مصدر سابق، ص 169.

[59]) ماجد الغرباوي: مصدر سابق، ص185- 281.

[60]) Sarah Franklin: Revisiting Reprotech: Firestone and the Question of Technology, In: Further Adventures of the Dialectic of Sex Critical Essays on Shulamith Firestone, Palgrave Macmillan, New York, 2010, p.29.

[61]) ماجد الغرباوي: مصدر سابق، ص 281.

[62]) ماجد الغرباوي: مصدر سابق، ص 281.

[63]) Betty Friedan, Brigid O'Farrell: Beyond Gender The New Politics of Work and Family by Betty Friedan The Feminine Mystique, The University of Chicago Press, Book Reviews, Vol. 26, No. 1, 2000. http://www.jstor.org/stable/3175408, pp.331-332.

[64]) ماجد الغرباوي: مصدر سابق، ص 175.

[65]) محمود محمد على: مصدر سابق، ص24.

[66]) ماجد الغرباوي: مصدر سابق، ص 336.

[67]) مصدر سابق، ص 326.

[68]) مصدر سابق، ص 336-337.

([69] جون سيتورات مل: "استعباد النساء "الفيلسوف والمرأة"، ترجمة إمام عبدالفتاح إمام، ط1، دار التنوير للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة، 2009م ، ص105-108.

[70]) ماجد الغرباوي: مصدر سابق، ص 337.

[71]) محمود محمد على: مصدر سابق، ص 194.

[72]) مصدر سابق، ص195- 196.

) شاعرة ذو سمعة عالية، تميز عملها برؤية تقدمية حيث كتبت عن اضطهاد النساء والمثلية في مقدمة الخطاب الشعري. هي من الكتاب الأكثر تأثيرًا في الحركة النسوية وواحدة من أشهر المفكرين الأمريكيين. كتبت عشرين مجلدا من الشعر وأكثر من ستة أجزاء من النثر. ظهرت بشكل فعال كمثلية في عام 1976م، مع نشر" إحدى وعشرين قصيدة حب، التي كان موضوعها الحب الجنسي بين النساء.

See:https://www.nytimes.com/2012/03/29/books/adrienne-rich-feminist-poet-and-author-dies-at-82.html, In: 24/7/2022, 1:58 AM.

[73]) Adrienne Rich: Of Woman Born Motherhood as Experience and Institution 1995-W. W. Norton Company, Norton Company, New York,1995, p.13.

[74]) محمود محمد على: مصدر سابق، ص 196.

[75]) عبد الله محمد عبد اللطيف عبد العزيز: عَمَلُ المَرْأَةِ، دِرَاسَةٌ للتطبيق العملي في العهد النبوي، ضمن أبحاث المؤتمر الدولي الرابع لكلية الآداب – جامعة المنوفية ،2022م، ص17.

[76]) مرجع سابق، ص17-18.

[77]) مرجع سابق، ص11.

[78]) محمود محمد على: مصدر سابق، ص 195.

[79]) مصدر سابق، ص 194.

[80]) أخلاق النسوية ضرورة أخلاقية معاصرة (أخلاق العناية)،عدد 1، مجلد 1، مجلة تدفقات فلسفية، ص 68-69.

[81]) محمود محمد على: مصدر سابق، ص 194-195.

[82]) https://islamqa.info/ar/answers/119740/, In: 5/9/2024 , 10:54 pm.

[83]) السيد محمد رشدى رضا: تفسير القران الحكيم للشيخ محمد عبده، ج2، ط2، مطبعة المنارة، مصر، ص 378.

[84]) https://islamqa.info/ar/answers/119740/, In: 5/9/2024 , 10:54 pm.

[85]) https://al-maktaba.org/book/31621/8343#p3 ,In 5/5/2024 , 10:26 pm.

[86]) https://islamqa.info/ar/answers/119740/, In: 5/9/2024 , 10:54 pm.

[87]) السيد محمد رشدى رضا: مرجع سابق، ص 378- 379.

[88]) محمود محمد على: مصدر سابق، ص 196.

........................

* مشاركة (67) في ملف تكريم ماجد الغرباوي، الذي بادر مجموعة من كتاب المثقف الأعزاء إلى إعداده وتحريره، لمناسبة بلوغه السبعين عاما، وسيصدر كتاب التكريم لاحقا بجميع المشاركات: (شهادات، مقالات، قراءات نقدية ودراسات في منجزه الفكري).

رابط ملف تكريم ماجد الغرباوي

https://www.almothaqaf.com/foundation/aqlam-10