بأقلامهم (حول منجزه)

زينب عبد الرحمن: قراءة تحليلية نقدية لكتاب الحركات الإسلامية.. قراءة نقدية في تجليات الوعي

لمؤلفه المفكر العربي المُعاصر: ماجد الغرباوي.

لا أحد يستطيع إنكار حجم تعاطف الجماهير المسلمة مع ظهور بعض الحركات الإسلامية في الآونة الأخيرة خاصة بعد ثورات الربيع العربي، ووصولها للسطلة بديلًا عن الأنظمة السابقة، أملًا في تحقيق العدالة والحرية والمساواة. ولا ريب أن الحديث عن محاولة نقد تلك الحركات الإسلامية في المُجتمعات العربية، ومحاولة الكشف عن غياب الوعي لديها، يُعد من أهم الموضوعات الجريئة والشائكة التي لن تنال قبولًا لدى العديد من الجماهير، خاصة ونحن نعيش في مُجتمعات عربية مُتدينة بطبعها، لا تزال غير مُعتادة على ممارسة النقد بعد.

هذا ما تحدث عنه المُفكر العراقي التنويري ماجد الغرباوي (1954م – 1374هـ) في كتابه "الحركات الإسلامية: قراءة نقدية في تجليات الوعي"، الذي صدرت طبعته الأولى عن مُؤسسة المُثقف العربي، عام (2015م_ 1436هـ)، هو من أهم الكتب في الفكر العربي المُعاصر التي تناولت بالبحث والتحليل نقد الحركات الإسلامية. خاصة الحركات المُتطرفة التي لجأت للعنف والإرهاب. وتقديم قراءة نقدية لتجليات وعي تلك الحركات الإسلامية. فالنقد ضرورة لفهم: حقيقتهم، طرق تفكيرهم، استراتيجياتهم، رؤيتهم للآخر، مصداقيتهم، موقفهم من العنف والإرهاب، هدفهم من السُّلطة، وأسئلة أخرى كثيرة.3978 الحركات الاسلامية ماجد الغرباوي

لذا يؤكد ماجد الغرباوي على أهمية النقد وضرورة استمرارية ممارسته، فلا مُقدّس ومُتعالٍ على النقد مادام فكرًا بشريًا واجتهادات شخصية، قابلة للمُراجعة والنقد، فنجده يقول:" وما الهالة القدسية سوى أوهامنا، وأوهام التبجيل، أوهام الانحياز المُطلق بالضد من الآخر وإن كان داخليًا. لقد كلفتنا القداسة مُستقبلنا، حيث حرمنا أنفسنا من النقد، فتراكمت أخطاؤنا، وآن الأوان لمراجعة حقيقية من أجل بناء قاعدة فكرية – عقيدية خالية من الأوهام والتطرف والأكاذيب(2)".

هكذا يتخذ ماجد الغرباوي النقد الإيجابي البناء _ وليس النقد السلبي الإقصائي_ هدفًا لتقييم وتقويم سلوك الحركات الإسلامية، فهو لم يرفض الحركات الإسلامية ولم يعترض عليها أو يدعو لإقصائها من المجتمع والقضاء عليها. بل يعترف بوجودها وبدورها الإيجابي في إيقاظ الوعي، قبل دخولها المرحلة السياسية، مُؤكدًا على أنها قد لعبت دورًا كبيرًا في إيقاظ الوعي، ونبهت إلى مخاطر التخلف، وممالأة الظالمين من الحكام والمُستبدين، كما كان لها دور فاعل في مواجهة الاستعمار والاستبدادين الديني والسياسي، والتحريض ضد الحكومات الجائرة، انطلاقًا من مسؤولياتها الدينية(3).

وكأن ماجد الغرباوي يُقدم لنا موقفًا رائعًا لفكرة الحوار والتسامح مع الآخر، حتى وإن كانت لديه أفكار مُخالفة لك أو مُتطرفة، فلم يدعونا نحو التعصب ورفض الحركات الإسلامية المُتطرفة أو إقصائهم من الحياة السياسية لإخفاقهم وغياب الوعي لديهم. بل على العكس من ذلك يقوم بنقدهم نقدًا علميًا موضوعيًا بعيدًا عن الأهواء والأيديلوجيات، لكي يتجاوزوا أخطاءهم ويعودوا للحياة السياسية من جديد، بعقل جديد، وبمنهج جديد، وسلوك جديد، وبناء جديد، وأفكار ومُعتقدات جديدة تعمل على خدمة المُجتمع والأمة الإسلامية. بروح تسودها قيم التسامح وقبول الآخر، بدلًا من دعوة بعض الحركات الإسلامية المُتطرفة للتناحر والصراع والتنابذ والإقصاء والتعصب.

يدعو ماجد الغرباوي نحو وضع استراتيجية نقدية لتقويم منظومتهم الفكرية وسلوكهم وأدائهم، خاصة وهم يمارسون السُّلطة باسم الدين والإسلام، ويوظفون شعاراتهم لمصالحهم الشخصية والحزبية، فانعكس ذلك سلبًا على جميع الإسلاميين بل على الإسلام ذاته. إضافة إلى صراعهم على السُّلطة، وتنابذهم، وتمزقهم، حد الاقتتال(4).

لذلك أصبح النقد هنا لدى ماجد الغرباوي ضرورة مُلحة لانتشال الوعي، وتصحيح مساراته، للفصل بين قيم السماء وسلوك هؤلاء الإسلاميين، لعلنا نساهم في الحد من تداعيات السلوك السلبي، وتوعية الناس بحقيقة ما يجري، سواء من قبل إسلاميي السُّلطة، أو من قبل الجهاديين ممن يمارس العنف والإرهاب. خاصة والثاني بات يُشكل خطرًا كبيرًا على الإسلام، وتحديًا واسعًا للسلم بقدرته على استقطاب الشباب، رغم حجم ما ترتكبه الجماعات الإسلامية المُتطرفة من جرائم وأهوال(5).

يتكون كتاب "الحركات الإسلامية: قراءة نقدية في تجليات الوعي" من (160صفحة)، مقسمة إلى أربعة فصول تسبقها توطئة:

 في الفصل الأول المعنون بـــ:" إشكالية الوعي الحركي"، يحاول ماجد الغرباوي الكشف عن أهم أخطاء الحركات الإسلامية والتي من أهمها: أنها أحاطت منظومتها الفكرية والعقيدية والتنظيمية بسور قدسي حرّم النّقد والمراجعة، بل أن بعض الحركات لم ينشر شيئًا من أفكارها ونظرياتها، وآثرت السرية حتى في مجال العمل الفكري والتثقيفي، مخافة أن يطالهما النقّد أو يقظة الوعي. لذا تراجع الوعي، وأصابته تشوهات عمّقت التخلف، وولدت حالات جديدة من الإرباك والانطواء على الذات، بعد معاداة الآخر ورفض أجندته، والانكفاء إلى الماضي وتقديس قيمه(6).

لذلك يأتي التساؤل إلى ماذا تحتاج الحركات الإسلامية من وجهة نظر ماجد الغرباوي؟، فنجده يؤكد على أنها بحاجة إلى تجديد خطابها الفكري والسياسي، وإعادة النظر في متبنياتها الأيديولوجية، وطموحاتها السياسية، إضافة إلى منهج جديد في قراءة الدين والتراث والعصر، ووضع استراتيجية مُعلنة تكون أساسًا لتعاملاتها مع الأطراف الأخرى. استراتيجية خالية من العنف والتعصب، وترتكز إلى التسامح والعفو والرحمة. ويجب عليها ممارسة النّقد بصورة شاملة، وإجراء مُراجعة عنيفة ومُستمرة لمُتبنياتها الفكرية والعقيدية(7).

وفي الفصل الثاني والمعنون بــــــ:"شرعية النقد"، يؤكد ماجد الغرباوي في هذا الفصل على ضرورة ممارسة النقد، وإن مسؤولية نقد الحركات الإسلامية مسؤولية جميع الأمة الإسلامية لتشكيل أجواء ضغط تحاصر مكامن الوعي وتعيد تشكيله حتى لا تتحوّل تلك الحركات إلى عبء ثقيل على الإسلام والمسلمين(8).

وفي الفصل الثالث والمعنون بـــــ:"مواقف وسلوك"، يُبدع المفكر التنويري ماجد الغرباوي في الحديث عن موقف الحركات الإسلامية تجاه المرأة، فمازالت تلك الحركات الإسلامية تراهن على النظرية الإسلامية في تأمين حقوق المرأة وحمايتها من مخالب الحضارة العاتية. وتبشر بعهد جديد في ظل الحكومات الدينية. ولم تتوانَ الجهود الفكرية والثقافية المكرّسة لبيان حقوقها، في توظيف النص الديني لدعم نظرياتها حول المرأة، إثباتًا أو نفيًا(9).

وأما الفصل الرابع والمعنون بـــــــ:" الحركات الإسلامية العراقية"، يوضح ماجد الغرباوي أن ثمة أخطاء قاتلة ينبغي للحركة الإسلامية العراقية وهي تخوض مرحلة السُّلطة الانتباه لها، وإلا فالوضع ينذر بإخفاقها، وفقدان مصداقيتها. ومن أهم تلك الأخطاء أن أفراد الحركة الإسلامية في العراق مازالوا يمارسون السياسة بعقل مرحلة التأسيس، أو بدايات مرحلة الدعوة، حينما يحلق العاملون إبان جلسات التنظيم السرية في عالم مثالي، مجرد من إسقاطات الواقع. مُؤكدًا على أن لكل مرحلة ضروراتها، ومفاهيمها، ومصاديقها، ورجالها، وحساباتها، وما يصلح للمرحلة السرية لا يصلح للمرحلة العلنية. ومن لا يعي الواقع لا يستطيع الإنسجام معه، ومن لا ينسجم معه يتحول إلى عثرة في طريق الآخرين(10).

إذن فالمطلوب من الحركات الإسلامية العراقية، من وجهة نظر ماجد الغرباوي، تطوير أدواتها في العمل الحزبي، بعد تحديث نظريتها السياسية ومتبنياتها الفكرية، لترقى إلى مستوى السُّلطة بمفهومها الجديد. فلم تعد المنظومة الفكرية والمفاهيمية السابقة لتلك الحركات ملائمة لمرحلة السُّلطة والمشاركة في الحكم. لأنها نظريات ومفاهيم نصية تُراثية، لم تلامس الواقع ولم تجرب أحكامه، حتى اتصفت بمثالية وطوباوية مفرطة، وتشبعت بأحلام ايديولوجية واسعة(11).

الخلاصة: وهكذا يتضح لنا هدف وغاية المفكر العربي ماجد الغرباوي من محاولته نقد الحركات الإسلامية وهو الكشف عن غياب الوعي لديها، سعيًا نحو إعادة تقييم سلوكها ورفض المعتقدات التي تدعو للعنف وللعمليات الإرهابية الإنتحارية باسم الدين والجهاد، ومحاولة إنقاذ الشباب وإيقاظ وعيهم وعدم إستقطابهم لتحقيق مصالح أفراد شخصية ليس لها علاقة بالدين، والدين بريء منهم.

كما لجأ مفكرنا العقلاني التنويري ماجد الغرباوي نحو الحل السلمي في محاولة القضاء على ظاهرة الجهاديين أو ظاهرة الإرهاب، والتي تُمثل خطرًا كبيرًا يُهدد المجتمعات العربية في الآونة الأخيرة. فقدم حلًا للقضاء على تلك الظاهرة من خلال محاولة تقديم نقد لمعتقدات الحركات الإسلامية المُتطرفة، والكشف عن غياب الوعي لديها، وبيان حقيقة خطابها الفكري العقائدي القائم على أساس الطاعة العمياء "منهج السمع والطاعة·"* وعدم المناقشة أو النقد. إلا أن هذا الحل ينقصه حلًا آخر يساعده في التخلص من تلك الظاهرة وهو الدور المؤسسي الرقابي. لا شك أن الحل الذي دعا له ماجد الغرباوي للقضاء على ظاهرة الإرهاب، وتأكيده على أن نقد الحركات الإسلامية المُتطرفة مسئولية الجميع وخاصة المثقفين والكّتاب أي مسئولية جميع الأمة، هو حلًا مناسبًا. إلا إننا هنا نُشير إلى دور آخر وهو دور الدولة الرقابي، فيُعُّد دور الدولة كمؤسسة رقابية دورًا هامًا في التقليل من ظاهرة "التطرف الديني".

كما أن كاتبة هذه السطور تُشيد بموقف ماجد الغرباوي نحو ضرورة التسامح مع المُتعصبين أو الدوجماطيقيين أو حتى المُتطرفين في الرأي أو الفكر أو الدين. ولا ينبغي لنا إقصاؤهم من المجتمع، بل ينبغي التسامح معهم ومحاولة فتح قنوات حوار بيننا وبينهم، ومُحاولة إحتواءهم، فهم ليسوا منبوذين من قبل المُجتمع. وفي حالة قيامهم بأي أعمال عنف أو قتل أو تعدي على الأفراد أو على المُجتمع ومُؤسسساته فلابد من وجود قانون رادع للدولة بإتخاذ كافة الإجراءات القانونية ضد مرتكبي أي أعمال عنف قد تُهدد الدولة وأفرادها. فلابد من قبولهم بإعتبارهم مُواطنين داخل الدولة، حتى وإن كانوا مُخالفين لنا في الرأي، وعدم رفضهم أو معاداتهم أو إقصائهم.

وفي النهاية ومن خلال هذا العرض الموجز لكتاب "الحركات الإسلامية: قراءة نقدية في تجليات الوعي"، والذي يُعد من أهم الكتب والموضوعات التي يجب طرحها على ساحة الفكر العربي المُعاصر في الآونة الأخيرة، لما يتناوله من موضوع غاية في الأهمية، وهو نقد الحركات الإسلامية لإيقاظ الوعي بأهمية وضرورة ممارسة النقد. كما تتمنى كاتبة هذه السطور أن يُمثل هذا الكتاب خطوة أولى نحو مشروع نقد الحركات الإسلامية وإعادة تشكيل قيمها من جديد، وإيقاظ العقول المتحجرة الجامدة فكريًا. لذلك نتمنى ألا يكون هذا الكتاب هو الكتاب الأخير في مكتبتنا العربية المُعاصرة الذي يتناول هذا الطرح الهام، أي نقد تلك الحركات الإسلامية والمطالبة بضرورة إعادة تشكيل مُعتقداتها والنظر فيها من جديد، بشكل يساعدها على تجنب أخطائها السابقة، ومحاولة مُعالجتها بعيدًا عن مفاهيم العنف والتعصب والإرهاب. بل ندعو العديد من الباحثين والمفكرين والمثقفين للعمل على نقد تلك الحركات الإسلامية وإعادة تشكيلها من جديد بشكل يساعد على نهضة المجتمع وتقدمه ونشر قيم التسامح والحوار بدلًا من قيم التناحر والعنف والإقصاء.

***

بقلم: د. زينب عبد الرحمن عبد الله حسن

مُدرس الفلسفة بكلية الآداب جامعة الفيوم. - جمهورية مصر العربية.

.............................

(2) ماجد الغرباوي:" الحركات الإسلامية: قراءة نقدية في تجليات الوعي"، مؤسسة المثقف، سيدني – أستراليا والعارف للمطبوعات، بيروت - لبنان، ط1، 2015م، ص12، 13.

(3) المصدر السابق، ص8.

(4) المصدر السابق، ص10، 11.

(5) المصدر نفسه ص11.

(6) المصدر نفسه، ص16.

(7) المصدر نفسه، ص17، 18.

(8) المصدر السابق، ص51.

(9) المصدر السابق، ص105.

(10) المصدر السابق، ص141.

(11) المصدر السابق، ص142.

* لقد كان لمنهج "السمع والطاعة" أكبر الأثر السيء على عقول العديد من الشباب وتطرفهم وأكبر دليل على ذلك حادثة إغتيال فرج فوده، لمجرد أن أحد الشباب سمع في إحدى التجمعات الديِنية بأن فرج فوده يدعو إلى التكفير، فقام على الفور بقتله وإغتياله دون أن يقرأ حتى أيًا من مؤلفاته.

....................

* مشاركة (58) في ملف تكريم ماجد الغرباوي، الذي بادر مجموعة من كتاب المثقف الأعزاء إلى إعداده وتحريره، لمناسبة بلوغه السبعين عاما، وسيصدر كتاب التكريم لاحقا بجميع المشاركات: (شهادات، مقالات، قراءات نقدية ودراسات في منجزه الفكري).

رابط ملف تكريم ماجد الغرباوي

https://www.almothaqaf.com/foundation/aqlam-10