بأقلامهم (حول منجزه)
صادق السامرائي: المثقف مرآة مبدعها!!
في تسعينيات القرن العشرين كنت غاطسا في الكتابات الروحية، ونشرتُ عددا من النصوص في المجلات المهتمة بها، وبعد إنطلاق الصحافة الإليكترونية، نشرتُ بعضها فيها، ومنها نص أشبه بالمناجاة مع جبران خليل جبران، ومطلعه "ولِدَ الروحُ قبيْلَ الأزلِ.. وتهادى ببراقِ الأبدِ، في قلوبٍ كضياءٍ وسِعَتْ...كوْنَ حبٍّ لجميعِ البَشر".
وفي ذات اليوم وصلتني رسالة تُعْلِمُني بنشر النص المذكور، في صحيفة إسمها "المثقف" وتدعوني للكتابة فيها، وتوقيعها "أبو حيدر"!!
أول ما شدّني الإنجذاب للنص وهو يُبحر في المعاني الروحية، فالمنجذب إليه لابد أن يكون صاحب حس روحي، لكنني ترددت في النشر، بسبب مَن غمروني برسائل لا تشجعني على النشر فيها، لأن إسم صاحبها مجهول.
ومضيت أتابعها لبضعة أيام فإستشعرتُ الإرادة الثقافية الحرة، وكأنها تحاول أن تبني منبرا إبداعيا مشرقا بالمعارف الصالحة للحياة الأفضل، فأخذت أمدها بنص ومقالة كل يوم، وما أن بدأت حتى تواصلت بلا إنقطاع، وشعرت بالمسؤولية أن أنشر فيها يوميا.
"المثقف" إبتدأت بذرة تكنز طاقات تنويرية ورسالة إنسانية تسامحية، وإرادة راسخة وثّابة، وثقة بأنها ستنبت وتتبرعم وتتحول إلى شجرة، ومروج أنوار معرفية دفاقة في فضاءات الوعي الجمعي العربي.
فالمتواصل معها منذ خطواتها الأولى ينظر بإعجاب ودهشة لما أنجزته في مسيرتها، التي إنتصرت فيها على التحديات والمعوقات، وفازت في المنازلات التي خاضتها، وهي تحمل رايتها وتتمسك برسالتها.
وتميَّزت بإستقطابية عالية للأقلام العربية المؤثرة في الواقع الثقافي ، والمتفوقة بقدراتها الفكرية والإبداعية، فأصبحت مدرسة معرفية متنوعة الموضوعات والدروس.
ويمكن القول بأنها موسوعة ثقافية فريدة وفعّالة، أسهمت بتفاعل العقول وتواصل الأقلام الحرة المنوِّرة، التي زادت مساحة السطوع الإنساني في أرجاء الأمة.
فالمثقف إنجاز فكري ثقافي مرموق ورائع يستحق التباهي والتفاخر، وتعبير صريح وشديد الوضوح عن الإرادة المشرقة، ذات الإمتدادات الحضارية والإنسانية المطلقة.
ويقف وراءها إنسان مبدع مؤمن بالكلمة الصادقة، ومتواصل بإصراره على إعلاء شأن الفكرة الطيبة الصالحة للحياة الحرة الكريمة.
وهو يمثل الإرادة الكبيرة المتحدية المثابرة، التي تنتصر على المرض والمعوقات بأنواعها، ويمضي بهمة فائقة وصولة أصيلة واثقة، حاملا مشاعل التنوير المعرفي الإبداعي، اللازمة لطرد الظلام والضلال والخداع والبهتان.
مما جعلها تحمل رسالة الصفاء والألفة والمحبة، والصدر الرحب والأدب الأنيق، والأمل بمستقبل أحلى وأجمل، ففيها معين دفاق من الأفكار الإيجابية، ومناهج صيرورات حضارية متوافقة مع إرادة الأمة، وتطلعات براعم أجيالها المتوافدة.
وصاغَها مثلا حيا على الجد والإجتهاد والتواصل والإصرار، والإيمان بالعمل والتفاؤل بالإنجاز، وبها يؤكد إرادة أكون التي تحتاجها أمة عليها أن تكون.
فصارت مشروعا إنسانيا مؤهلا للتعبير عن القدرات الإبداعية، بأسلوب ثقافي متقدم على غيرها من المواقع والصحف الإليكترونية، وتتفاعل على منبرها عقول ذات قيمة فكرية وعلمية وأدبية مهمة ومتنورة.
وميَّزها بتبني ضرورة الإختلاف وأهميته لبناء الحياة، والتأكيد على ثقافته وتوظيفها الإيجابي للتقدم والرقاء، مما يؤكد على رؤية حضارية معاصرة وسبّاقة في واقعنا العربي.
فهي تمتلك مرونة واسعة وحرية تستحق التقدير والإحترام، ويبدو أن لمبدعها القدرة الأخلاقية على جذب النوعية المتميزة من الكتاب الذين يساهمون في النشرعلى صفحاتها.
فالمثقف ذات رفعة وسمو، وتتسامى على الحالات السلبية، ولا يمكن لكاتب بلا رؤية إنسانية وفهم ثقافي معاصر أن يتواصل على صفحاتها، وأي ضيق في الرؤية والأفق تتهاوى وتنحسر.
وهذا السمو الخلاق منحها قوة معنوية وفكرية خاصة، فأصبحت تضم شريحة من المثقفين المتميزين في ميادين إبداعهم، ويمكن مقارنتها بمجلات مهمة في العقود الماضية، أوجدت مبدعين مهمين في الثقافة العربية، لإجتذابها للنخب الفكرية والأدبية والإبداعية الأصيلة، الصادقة المُحبة للمُثل والقيم الإنسانية الراقية.
فقوة المواد المنشورة، يتفق والنوعية المتميزة للكتاب الذين ينشرون فيها، ولقدراتهم الواضحة في الدراسة والتحليل والنظر الموضوعي والعلمي، الذي يهدف إلى التبصير بالحقيقة وتقديم المعلومة بأسلوب حضاري معاصر.
وهي صحيفة رحبة، بمعنى أنها ليست ضيقة الأفق، أو منزوية في زاوية حادة، فهي ذات آفاق وتفاعلات إنسانية متسعة كما الكون يتسع، وفي هذا تأكيد على وعيها لطبيعة العقل البشري ومعاني الإبداع الصحيح، اللازم لتقوية القيم الإنسانية وتعزيز الألفة المحبة والأخوة والتسامح والسلام.
وتميزت بالتواصل والتحدي، لأنها مشروع ثقافي متنامي، وقد مضت في طريق تأكيد الدور والفعالية برغم الصعاب وكثرة الصحف الإليكترونية، ففي البداية لم يصدق الكثيرون بأنها ستنجح، لكنها إستطاعت أن تشق طريقها بجدارة ونجاح فائق.
ولديها خطاب ثقافي معاصر ومتفتح، فهي بستان أفكار ورؤى وتصورات إبداعية ثاقبة، حتى في تخاطب إدارتها مع الكُتاب، تقرأ معالم السلوك الخطابي المتحضر وإحترام خصوصيات الكُتاب، وتثمين جهودهم ودورهم في المشروع.
وتبذل جهدا ثقافيا يوميا، فهي تتواكب مع الأيام ويندر أن تنقطع عن الصدور إلا لأسباب تقنية، بعكس الكثير من الصحف التي تتعثر في صدورها وتتوقف لأيام، وهذا يعكس حسن الإدارة والتفاني في الجد والإجتهاد للوصول إلى ذروة النجاح والتألق.
ومن أهم أسباب نجاحها إلتزامها برسالتها ورؤيتها ومنهجها، ونجاح أي صحيفة يرتبط بقدرات رئيس تحريرها على الإدارة والتفاعل مع الكتاب والقائمين عليها، ومن الواضح أن الأخ رئيس التحرير يتميز بقدرات ناجحة وأخلاقيات سامية وثقافة عالية، أهلته لأن يكون قائدا ناجحا لهذا المشروع الثقافي الباهر، ونرجو له التوفيق والنجاح المتواصل والعطاء الأصيل.
هكذا أرى الأستاذ ماجد الغرباوي من خلال منظار تفاعلي مع المثقف منذ إنبثاقها، وقد أعطى مثلا حيا لقدوة فكرية ثقافية ذات قيمة حضارية تنويرية وهاجة، فالمثقف مرآة مؤسسها، وهو هي!!
فتحية للمثقف ولحادي ركبها التنويري الساطع الفياض!!.
***
بقلم: د. صادق السامرائي
........................
* مشاركة (15) في ملف تكريم ماجد الغرباوي، الذي بادر مجموعة من كتاب المثقف الأعزاء إلى إعداده وتحريره، لمناسبة بلوغه السبعين عاما، وسيصدر كتاب التكريم لاحقا بجميع المشاركات: (شهادات، مقالات، قراءات نقدية ودراسات في منجزه الفكري).
رابط ملف تكريم ماجد الغرباوي