بأقلامهم (حول منجزه)
محمد هروان: قراءة في كتاب: اخفاقات الوعي الديني.. حوار في تداعيات النكوص الحضاري
مقدمة: يعد ماجد الغرباوي، المفكر العراقي من أهم الاسماء المعاصرة في العالم الاسلامي والتي طرحت بجرأة أسئلة مرتبطة بالتخلف الذي يعاني منه اغلب بلدان شمال افريقيا والشرق الاوسط وبلدان اخرى مسلمة، اسئلة مؤرقة شغلت بال مفكرين كثر كأركون والجابري وطه جسين وحسين مروة وغيرهم الكثير، اجيال تتالت واحدثت نظريات مختلفة وتارة متباينة، كلها تصب في مصب واحد وهو ايجاد المخرج من المأزق الحضاري الذي نعانيه.
اضافة الى ذلك، نمت افكار اصلاحية تحاول تحليل المنظومة الفكرية والعقلية للمسلمين بيد انها ووجهت احيانا بالتنكيل واحيانا بالرفض والتكفير، ويحاول الغرباوي تحليل منابع ذلك النكوص واليقين السلبي من خلال هذا الكتيب الذي يحاوره من خلاله الأستاذ سلام البهية السماوي، وذلك وفق مقاربات نقدية وتحليلات مبنية على المقارنة مع الغرب، بعيدا عن الخيار العنفي الشمولي والفكر الرجعي، وتم طرح قضية التجديد على طاولة النقاش، زد على ذلك ثلة من الاسئلة والمظاهر التي تبصم بنية العقل الاسلامي.
من هو ماجد الغرباوي:
ماجد الغرباوي كما مدون في سيرته في "مركز نقد وتنوير": مفكر عربي تنويري معروف بإسهاماته النقدية الإبداعية في مجال الفكر العربي في مختلف تجلياته الفلسفية والدينية. ويعد الغرباوي من أصحاب المشاريع الفكرية النهضوية في العالم العربي والإسلامي . وقد شيد مؤسسة المثقف العربي في سيدني باستراليا، وهو يرأس حاليا هيئة تحرير صحيفة المثقف الشهيرة . يتضمن مشروع الغرباوي قضايا حساسة جدا في الفكر العربي ويتمحور هذا المشروع في العمل على تحرير العقل من بنيته الأسطورية وإعادة فهم الدين على أساس مركزية الإنسان في الحياة. ويركز على أهمية التنوير الديني وتحرير الخطاب الديني من سطوة التراث وتداعيات العقل التقليدي، ويؤكد الغرباوي على أهمية قراءة متجددة للنص الديني تقوم على النقد والمراجعة المستمرة، من أجل فهم متجدد للدين، كشرط أساس لأي نهوض حضاري، يساهم في ترسيخ قيم الحرية والتسامح والعدالة، في إطار مجتمع مدني خالٍ من العنف والتنابذ والاحتراب. ويتناول ماجد الغرباوي ضمن مشروعه على موضوعات: فكر النهضة، نقد الفكر الديني، التسامح، العنف، الحركات الإسلامية، المرأة، التنوير، والنهضة الحضارية في المجتمعات العربية والإسلامية. وقد صدر لها أكثر من 34 كتابا أهمها متاهات الحقيقة التي صدر عنها 8 كتب لحد الآن1.
اخفاقات الوعي الديني، حوار في تداعيات النكوص الحضاري
يشير ماجد الغرباوي في معرض الاجابة عن التساؤل المرتبط بالفرق بين الغرب والشرق بما يلي...
الشرق
- رفض الاخر ووصفه بالنجس والكافر (بما في ذلك الاخر الداخلي)
- في حالة الاعتراف فانه يكون تفضلا ومنة
- القهر والكبت والحرمان
- التسلط وتقديس الافراد
- غياب سياسة ثقافية وتذوق للفن والجمال
الغرب
- انسان يعي مسؤولياتيه
- يقبل بتداول السلطة سلميا
- يتعايش مع الاخر رغم اختلاف الثقافة والدين
- يجيد لغة التفاهم
- يتمتع بحرية واسعة تتيح الابداع في كل المستويات
الحرية الدينية وحرية الاعتقاد، مما يتيح التعبير وممارسة الطقوس والشفافية
- استبعاد سلطة الكنيسة (رجال الدين)
- التحرر من ثقل التراث والماضي
- التحرر من العادات والتقاليد المكبلة
- الارتكاز على العلم والتجربة
***
يحذو الغرباوي حذو ادونيس في معرض نقاش التنافس بين الحضارتين، حيث ان ادونيس يقول بأننا بدون الغرب صحراء وجمل، لذلك يعتقد الغرباوي ان المجتمعات الاسلامية ليست في مستوى يؤهلها ان تكون ندا للغرب2، هذا الاخير استعمرها وتفوق عليها كليا، وذلك نتاجا لتطوره الهائل في كل الميادين، علميا وعسكريا واقتصاديا، والمسلمين غارقين في تقليدهم، والمغلوب مولع بتقليد الغالب حسب ابن خلدون... وذلك حتى في مجال الابداع الادبي، واكد على ازمة المسلمين في التبرير والتباكي على الاطلال وعدم الاعتراف. يخلص المفكر العراقي الى ان العالم الاسلامي مطالب بتشييد نموذج خاص واستكمال النهضة وبعدها المرور الى التناد مع الحضارات الاخرى3.
وهذا النموذج الحضاري الذي يطرحه الغرباوي ينبغي وفق ما يراه ان يكون مبنيا على اسس احترام الاختلاف والمعارضة وبناء ديمقراطية حقيقية تمكن من الازدهار والتحرر من القيود التي تكبل تفتق وعي الفرد، ويضرب لنا مثالا باليابان التي تمكنت من فرض ذاتها كحضارة مشكلة معادلة صعبة في المشهد العلمي والاقتصادي والعسكري على الصعيد العالمي، يرى ايضا ان الدخول في حلبة التنافس كحضارة يقتضي الانطلاق من الهوية الخاصة كاليابان التي انطلقت من تراثها الخاص وتمكنت من تطويره ومن ثم طرحه كنموذج يحتذى به فنيا وسياسيا وثقافيا... بعيدا عما يقدمه المسلمون الان من صورة على حياتهم والتي جعلت منهم محط انتقاد وسخرية وازدراء4.
التفاعل الحضاري:
يؤكد الغرباوي على ضرورة الانفتاح على الاخر وذلك قصد الاستفادة من منجزه العلمي والثقافي والادبي، وذلك ممكن عبر الترجمة، اذ يذكر لنا نماذج من التاريخ كما وقع في العصر العباسي التي شهد ازدهارا للمسلمين وذلك بعد ايلاءهم الاهتمام للترجمة ونقل معارف المجتمعات الاخرى والاستفادة منها. تعد الترجمة اذن علاوة على الفتوحات الاسلامية من بين العوامل التي شهدت انفتاحا للمسلمين على الحضارات الاخرى وفق الغرباوي5.
يجيب الغرباوي عن مجموعة من المغالطات عبر هذا المؤلف، ومن بينها ان العالم المتحضر استغل العلماء المسلمين من اجل التقدم، وهذا ليس الا محاولة لتبرير التخلف وغياب احترام العلماء في العالم الاسلامي، لان الغرب ايضا له منجراته الخاصة وهي كثيرة6... وهنا يمكن ان نقول ان المهم ليس ان يكون لك علماء ولكن الاهم ان تعرف كيف تعطيهم مفاتيح الاسهام في التغيير، فالعالم الغربي قدس رجال العلم ومكنهم من زمام الامور، غير عالمنا الاسلامي الذي يعانون فيه من التضييق والتكفير والمغادرة الى احضان من يمنحهم قيمتهم، وجدير بالذكر ان الحضارة الاسلامية في فترات تقدمها ايضا كانت تستقطب علوم الامم الاخرى وتستفيد منها. وبهذا نخلص الى ان الحضارات القائمة على اسس متينة هي الحضارات التي تعرف كيف تحتضن العلماء والعقول.
الفلسفة الاسلامية والفلسفة اليونانية:
صحيح ان الغرب استفاد من ثروات المسلمين في الطب والجبر والفلك وغيرها من العلوم بيد ان هذا لا يستوجب ان يكون مصدرا للتفاخر في العصر الحالي، والا فيما سيفيد والمسلمين مستعمرون ولا قوة لهم رغم الثروات الهائلة التي حبى الله بها بلدانهم، ويعيشون الفقر والقمع طامحين الى المغادرة والهجرة هربا من كل هذه الويلات، التي يساهم فيها الجبروت الغربي الذي يستنزف كل خيرات هذه الاوطان.
اما بخصوص تأثر الفلسفة الاسلامية بالفلسفة اليونانية، فيشير الغرباوي الى ان الفلسفة في الاصل هي يونانية النشأة ومن ثم اخد منها المسلمون بعض الاسس التي خلقوا من خلالها فلسفة اسلامية تحمل اشياء كثيرة من نظيرتها اليونانية وبرزت في هذا الصدد اسماء كالكندي وان رشد والفارابي وغيرهم، وذكر الى ان هذا التأثر يتجلى في الاشتغال بالمنطق الارسطي الذي لا يزال طاغيا في فكر المسلمين، وقد شكل مجال الالهيات والمنطق والرياضيات اهم المجالات التي استقى فيها المسلمين افكارهم من فلاسفة اليونان القدامى7.
الغرب والشرق، حوار ام صراع؟
مع ما اتاحه عصر التقدم التكنولوجي الهائل من امكانيات للتفاعل والحوار، الا ان الحركات الاسلامية المتطرفة عرقلت هذا المسار عبر ممارساتها التكفيرية والعنفية والتي جعلت الاخر يخاف ويتوجس، واشار الغرباوي الى ان الغرب لا زال مسكونا بنظرية هنتنغتون، صراع الحضارات، رغم ان شعوب الغرب بعدما ذاقته من الويلات في الحروب لم تعد تثق كثيرا في التوجهات الاقتصادوية والسياسوية في سياسات حكوماتها الخارجية8.
واشار المفكر الغرباوي الى ان الارضية لم تتهيأ بعد، لا للغرب ولا للمسلمين، لإنشاء جسور التواصل والحوار، لان الغرب يحتوي على شرائح واسعة من العنصريين الذين يدعون التفوق العرقي، وفي المسلمين ايضا شريحة كبيرة من التكفيريين الذين يتصورون الاخر نجسا وكافرا لا ينبغي التفاعل معه9.
التطرف الديني:
على امتداد تاريخ المسلمين، شهد عددا كبيرا من القتلى المسلمين بسيوف اخوانهم المسلمين، لا لشيء الا لاختلافات بسيطة او تأويلات خاصة وفي احايين كثيرة من اجل السلطة والمارب السياسية، هذا القتل كان قد تواطأ فيه رجال الساسة بإيعاز من رجال الدين الذين يبيحون ما يريدون وفق اهواءهم. هذا الوضع ساهم في خلق الخوف في صدور المسلمين وتراجع حرياتهم السياسية التي يخشون حتى الحديث عنها، فما بالك المطالبة بالحقوق في الحرية والكرامة والعدل10.
القرآن والتقدم الحضاري:
يعرف الغرباوي الحضارة على انها منجز انساني ناتج عن تفاعلات فكرية مادية، ويستحضر دعوة القرآن الى الانتشار في الارض والتفكر والتعقل والتدبر... ويخلص الى ان القرآن الكريم اوجد ارضية لبناء الحضارة في بعديها المادي من خلال العقل وبعدها الروحي من خلال ربط الدنيا بالآخرة11.
اما فيما يخص قدرة القرآن على رص صفوف المسلمين يشير الغرباوي الى ان فيه دعوة صريحة للاعتصام بحبل الله والتعارف والتآزر، الا ان المسلمين ومنذ وفاة الرسول وهم تتقادفهم موجات التطرف والطائفية والسياسة والعنف والاقصاء، وهذا ما مرقهم وجعل اختراقهم اسهل ما يكون12.
التخلف الحضاري واسبابه:
يرجع الاستاذ الغرباوي اسباب نكوص المسلمين الى سببين:
اولا: السبب السياسي، حيث انطلقت الصراعات السياسية حول السلطة بوفاة الرسول، وما زاد الطين بلة هو غياب آيات صريحة تحدد شكل السلطة وصفات الخليفة، دون نسيان ان الرسول الكريم لم يخلف احاديث تحد من حدة النزاعات السياسية، ما عدا بعضها الذي فهم بتأويلات متعددة، ومنذ ذلك الحين ظلت الخلافات ضارية ولم يتمكن المسلمين من الاستقرار على نمط حكم يقيها من الطائفية والمذهبية، عوامل نخرت جسدهم من الداخل13.
ثانيا: سبب مرتبط بمرونة النص القرآني الذي يشكل منظومة القيم والتشريعات، والتي تأثرت بدورها بالنزاعات السياسية، وعانت من التجاذبات حول السلطة والزعامة منذ العصر الأموي وحتى العباسي، ونشأ التكفير والاضطهاد والقمع باسم الدين والشرعية14.
اذن يخلص ماجد الغرباوي الى كون الحرية والابداع والازدهار رهينين بسياسة الديمقراطية القائمة على منح المجتمع الهامش الذي يتيح تفتق قدراته وعبقرتيه، وهذا ما حدث في الغرب عكس العالم الاسلامي الذي طبع مع الجهل والتسلط وقمع المعارض.
ان ارتباط الديني بالسياسي عامل حاسم في ارساء الاستبداد، بحيث انه باسم الدين تم اضطهاد الشعوب واستعبادها، واستقى السياسي مشروعيته من الدين بتواطؤ من الفقهاء معه، ويشرعنون له ما يشاؤون لتتولد ممارسات سياسوية رجعية تختفي وراء ستار الدين. وترسخت ايضا قيم القبلية والعشيرة التي تكبل الفرد في سياق جد ضيق، ينضاف اليها النظام الابوي الطاغي15.
وكنتيجة لذلك الاستبداد الثيوسياسي انعدم الوعي وقلت فرص التعلم ودور المثقفين والفنانين، ولعل ما عمق الجراح هو الاستعمار الذي لم تتحرر الامة الاسلامية منه بعد رغم خروجه الا ان الشعوب والسلطة لا زالوا يلهثون وراءه.
ويضيف الغرباوي عوامل اخرى ساهمت في هذا النكوص كغياب الاعتراف بالآخر وخاصة المختلف مذهبيا ومنها نشأ التمزق والفرقة وسادت نزعات تقديسية للأفكار المتوارثة والعادات، قدس الافراد كذلك وتسامت مجموعة من الامور على النقد والتمحيص16.
ان هذا الوضع جعل من التقليد مرجعية، وجعل بذلك من الماضي سيد الحاضر، والتحرر رهين بتجديد الوعي والتعامل مع الحاضر كمستجد، فلكل جيل خصوصياته وافاقه. وتحدث الغرباوي عن قمع المرأة وتقزيم دورها ايضا في التربية والثقافة، وتنضاف عوامل غياب الحس بالمسؤولية والتفاضل والتمرد على القانون وغيرها...
النهوض الحضاري:
الصدمة الحضارية وسؤال النهضة، لماذا تقدم الغرب وتخلف المسلمين استنهضا اتجاهات تشخيصية للأسباب وطرح الحلول للخروج من المأزق:
الاتجاه الاول: اتجاه اجتاحه الانبهار بالغرب والذوبان فيه، هو اتجاه وفق الغرباوي يحاول خلق تبعية عمياء للغرب، لأنه لا يكفي تبني مبادئ وقيم الاخر كما هي من اجل التقدم، فهذا قد يكون سببا في الاغتراب كما يعيش ابناء الجاليات المقيمة في الغرب17.
الاتجاه الثاني: في مقابل الاتجاه الاول يعتقد دعاة هذا الاتجاه الثاني الى الانكفاء التراث الخاص وتقديسه، بل ذهب الى حد العداء للغرب والانغلاق في سياجات دوغمائية عمياء18.
الاتجاه الثالث: اتجاه توفيقي بين الجانب الديني والجانب العلمي، ويصف الغرباوي هذا الاتجاه الى انه اقرب الى الصواب، لأنه يأخذ بأسباب التقدم التقني والتكنولوجي وفي نفس الوقت يدعوا الى التشبث بالتعليمات الاخلاقية للإسلام والتي تحد من خطورة تلك التقنيات كالأسلحة الفتاكة مثلا، هذا الاتجاه تمثله شريحة من رواد الاصلاح لكن حدث لهذه النزعة نوع من التراجع والجمود والسقوط في فخ التبعية19.
علاوة على كل ما ذكر يؤكد ماجد الغرباوي ان مشاكلنا معقدة جدا، وليس سهلا الخروج بخلاصات في اسباب نكوصنا، ويرجع وضعيتنا الى بنية العقل وازمة الثقافة والنظام المعرفي لهذه الشعوب20.
اشكالية الفكر التكفيري:
ان تفشي ظاهرة التكفير والعنف ضد الاخر المختلف مذهبيا حقيقة منتشرة في العالم الاسلامي، ولا يتناطح كبشان على ذلك، ويرجع الغرباوي اسباب نشوء هذه النزعات التكفيرية الى قراءات معاقة للآيات القرآنية، وبالمناسبة هذه الممارسة هي تعبير عن وعي شقي ناتج عن سوء فهم للدين وعن ازمات نفسية واجتماعية واقتصادية.
ويعزز تواجد هذا النوع من التفكير غياب الحس النقدي وتدعمه جهات عازمة على تشتيت المسلمين قصد تحقيق النفوذ والسلطة. ولا مسوغ لفتاوى القتل او العنف ضد اي شخص مهما كان اختلافه، بحيث ان القرآن ينص على ان قاتل نفس بدون حق كقاتل الناس جميعا. ولا يجوز التهاون مع مثل هذا الفكر، بل وجب اجتثاثه من جدوره، وجب الحد من تلك اليقينيات السلبية التي تبصم فكر الكثير من شباب العالم الاسلامي21.
اليقين السلبي:
يضع الغرباوي القارئ امام نوعين من التفكير، تفكير يقيني سلبي مبني على الدجل والخوارق والإطلاقية من اجل قضاء الحاجات كالتطبيب مثلا... وتفكير يقيني ايجابي يعتمد على التجربة والعلم والعمل والاجتهاد.
نشأ تحرر الغرب من الخروج من نطاق طغيان الكنيسة، وذلك اعتمادا على الشك والبحث الدائم والتجربة، اما في العالم الاسلامي فلا يزال التحفظ يغلب في عديد القضايا، توجس يخلق خوفا من النقاش والتحليل اتقاء لانكشاف ريف عدة يقينيات22.
التجديد ضرورة حضارية:
يجيب الغرباوي عن مجموعة من الادعاءات التي تتهم الدين بالوقوف خلف تخلف المسلمين، ويواجه هذا الطرح من المسلمين ذاتهم باستماته، لان الدين عندهم خط احمر. ويصحح الغرباوي الخلط الذي يقع قائلا بأن هؤلاء لا يخلوا طرحهم من صواب لولا طريقتهم في معالجة الاشكالية، وكان عليهم التفريق بين الدين والديني، بين النص والتراث. وانطلاقا من كون الدين مسألة لا يمكن تجاورها في العالم الاسلامي، يطرح الغرباوي ضرورة القيام بقراءات نقدية في النصوص الدينية رغبة في تحقيق النهضة، والتقدم التقني والتكنولوجي يقف ايضا على الاستفادة من العلوم والتجارب الحديثة23.
التجديد اذن ضرورة ملحة وجب ان يكون ثورة فكرية تراهن على وعي الشعوب والشباب خاصة، مع العلم اننا في عصر النمو التقني الذي يتيح الاكتشاف والانفتاح، رغم ان كثير من رجال الدين سيقفون حجر عثرة امام هذا المسعى، وذلك حفاظا على سلطتهم الرمزية في توجيه العقول، وكذا حفاظا على مكاسبهم المادية... ولعل ما نشهده من رغبات اصلاحية تعاني من التنكيل والتكفير والاستفزاز علامة دالة على تخوف هؤلاء المحافظين.
التجديد يقتضي التسلح بالمعارف والمناهج الحديثة لمسايرة العصر ولخلق نموذج مجتمعي قائم على النقد وعلى السؤال، ويبدأ ذلك من تربية النشأ على قيم المواطنة الحقة واعطاءهم حرية ابداء الرأي والاجابة على تساؤلاتهم دون قمع او تنكيل او ضرب... هو تجديد للرؤية وتحفير للعقل قصد السير قدما والتخلص من ثقل التراث الذي يشدنا الى الوراء24.
خاتمة:
بعد هذا الحوار تباينت ردود افعال المتدخلين، المنتمين الى مختلف التخصصات العلمية والفنية والادبية ومختلف الاتجاهات الفكرية، بين مؤيدة لأفكار ماجد الغرباوي ومعارضة لها، وكذلك أخرى اضافت اشياء لم يستحضرها او غفل عنها او تناساها، ولعل هذا مؤشر اخر يدل على صعوبة الموضوع وتفرعه وشدة الخلافات حوله25.
ان تخلف المسلمين موضوع جد صعب، ولعل ما يزيده ضراوة هو التجاذبات السياسوية والنزعات العرقية والطائفية، لما لا وهناك من لم يعرف بعد حجم التخلف الذي تعيشه هذه الامة او بالأحرى لا يرضى الاعتراف بذلك، وهذا نوع اخر ينضاف الى اليقينيات السلبية التي تناولها الغرباوي، ومن هنا وجب ان نقول ان اولى خطوات العلاج هو قبول الخضوع الى التشخيص والاعتراف بالمرض.
***
محمد هروان - المغرب
13/04/2023
..............
1 – سيرة ماجد الغرباوي في مركز نقد وتنوير
https://tanwair.com/author/majed
2- اخفاقات الوعي الديني.. حوار في تداعيات النكوص الحاضري، (حوار سلام البهية السماوي مع ماجد الغرباوي) العارف للمطبوعات ومؤسسة المثقف، ط 2016، ص 18.
3- المصدر نفسه، ص19.
4- المصدر نفسه، ص 20.
5- المصدر نفسه، ص 21 .
6- المصدر نفسه، ص 22.
7- المصدر نفسه، ص 24.
8- المصدر نفسه، ص 33.
9- المصدر نفسه، ص 34.
10- المصدر نفسه، ص 35.
11- المصدر نفسه، ص 39.
12- المصدر نفسه، ص 42.
13- المصدر نفسه، ص 45.
14- المصدر نفسه، ص 46.
15- المصدر نفسه، ص 47.
16- المصدر نفسه، ص 48.
17- المصدر نفسه، ص 52.
18- المصدر نفسه، ص 53.
19- المصدر نفسه، ص 54.
20- المصدر نفسه، ص 55.
21- المصدر نفسه، ص 57.
22- المصدر نفسه، ص 59.
23- المصدر نفسه، ص 63.
24- المصدر نفسه، ص 65.
25- المصدر نفسه، ص 73.
............
نقلاً عن موقع الحوار المتمدن في يوم 13 – 4 – 2023م