أقلام فكرية

عبد الامير الركابي: بيان نهاية عصر"الانسايوان (2)

تصر "الانسايوانيه" من بين مظاهر قصوريتها المرضية على اطلاق صفة "الانسان" كبداهة مفروغ منها على "الانسايوان"، مغلبة بالمطلق الاحادوية الحيوانية الجسدية على العقلية، جاعلة من العقل  عضوا من اعضاء الجسد، مثله مثل العين او الانف، مع اختلاف الوظيفة والدور، فالعقل برأيها هو اكتمال الكائن البشري وبلوغه ذروة تصيّرة وارتقائه، مع اسقاط كلي لاحتمالية حصول ماهو حاصل من انبثاق العقل بعد مليارات السنين، من الاختفاء تحت الغلبة الجسدية الحيوانيه، فالعقل الانسايواني يعود ليعتبر العقل  المنبثق اليوم ظاهرة نازلة من مكان مجهول، لامن الجسد الحيواني، ذلك لان العقل القاصر المنوه عنه، يبدا بالاساس عاجزا كليا عن رؤية الازدواج الحاكم للوجود الحياتي العضوي، وللتصير الحيواني والانسايواني، وهو ما يظل يحكم النظرة الانسايوانيه بناء عليه للمجتمعية ونمطيتها.

لماذا لا تكون الوثبة العقلية وثبة اولى ابتدائية، بانتظار اخرى تكون متخلصة كليا من رواسب واثر الحيوانيه ومفاعيلها الطويلة،ومتبقياتها الحاجاتيه المستمرة والباقية فاعلة تحد من عمل العقل وفعاليته الصافية التي من طبيعته ونوعه،  بما يمكن ان ينبه الى احتمالية  فعل الحافز الرئيسي  الذي اسقط بداية الهيمنه الكلية شبه المطلقة الجسدية الحيوانيه، ليستكمل العملية العظمى التحولية التحررية من متبقيات الجسدية الحاجاتيه، اي الحافز التحولي الشامل للوجود الحي والكوني، غير المتروك على عواهنه بلا قانون ومستهدف اعلى،  وان يكن مايزال خارج الطاقة الادراكية المتاحة للكائن البشري بصيغته  العقلية الافتتاحية غير المكتمله، وحتى حين تتردد تعريفات من نوع "الحيوان العاقل"، فانها لاتطلق استدلالا على المؤقتيه، بقدر ماتثبت كصفة نهائية ترى لاعلى مايمكن للكائن الحي البشري ان يبلغه.

والحال فان عملية النشوء والترقي تتوقف مع ظهور الكائن "الانسايوان"، واذ يقرر دارون كمثال بان العضو البشري بلغ منتهى واعلى اشكال تطوره الذي لاتطور بعده، فانه يعجز عن ان يتبين مفرقا بين العضو الجسدي من متبقيات الحيوانيه والمكون الاخر العقلي  ضمن الازدواج العضوي الحي، مع ان كل القرائن التي بالامكان ملاحظتها تقول بان العقل البشري حين يثب وثبته الاولى، يصبح هو مادة وعنصر الترقي الرئيسي وان تطوره يغدو هو الناظم الفعلي للوجود البشري، اي اننا نكون امام عنصر من عناصر الازدواج قد انتهى وشارف على الانتهاء والجمود قبل الموت، واخر وثب وثبته الكبرى الاولى وهو ذاهب من دون توقف تصيرا  وترقيا نحو منتهى وثوبي اخر، في الوقت الذي يكون فيه العنصر الجسدي قد صار بوضوح عامل فعالية ترقوية تتعداه الى ماهو مختص ومتعلق بالعنصر الاخر المستمر تشكلا ونموا، بغض النظر، لابل  وبسبب جموديته  وعدم خضوعه خلال هذا الطور من الانتقالية التصيرية لاية دالات على استمرار النمو والتشكل.

يعيش الكائن البشري "الانسايوان" شروط الانتقالية الكبرى من الازدواج العقلي بالغلبة الجسدية/ الحيوان، الى "الانسان/ العقل" شكل الكينونه الوجودية المتطابقه مع اشتراطات الاستمرارية التحولية ضمن الكون الاعلى، خارج "الكون المرئي" الحالي وطبعا خارج الكوكب الارضي بعد انتهاء مهمته الكبرى التاسيسية، وهو يمر بطورين من الترقي العضوي، الاول مزدوج جوهره التحولي الترقوي عقلي، والثاني  الذي يبدا مع وثبة العقل والانتصاب على قائمتين، "عقلي" صرف، الجسدية  غير مشموله به الابصفتها عنصرا مساعدا على اكتمال عناصر الترقي العقلي الذاهب الى مابعد جسدية ارضوية ومتبقياتها.

ان ابرز واخطر مناحي الترقي العقلي المنفرد،  خضوعه ادراكا وتعرفا لمنطق القصورية الادراكية "الانسايوانيه"، وهو مايشمل اجمالي مقومات الوجود واليات الحركة التاريخيه ابان الطور المذكور بما يضع اجمالي الحركة المجتمعية والوجودية خارج الادراكية، بغض النظر عن حقيقتها او ماقد تنطوي عليه من احتماليات من نوعها، موافقه لطبيعتها بما في ذلك احتماليات التناقض الاقصى الخطر، الناجم عن التفارقية  القصوى بين "الواقع" و "الرؤية" المواكبه، ومن ذلك  موضوع المجتمعية المستجده مع الالة والعقل، ومساراتهما، ونوع فعلهما المستجد المضاف الانقلابي.

الامر المفضي الى اختلال بغاية الخطورة ناجم عن تراكمات التناقضية المستمرة، بين حركة الاليات المستجده وفعلها المتفق مع كينونتها، وحدود ومحدودية نطاق الوعي بها، علما بان مايشار اليه لايكون غائبا او خافيا عن مايعد ادراكية حداثية متطورة ومقاربة للمعتبر "علميا"، وبالذات بما خص جانب الظاهرة المجتمعية و "علم الاجتماع" الانسايواني "اخر العلوم" التوهمية الغربية الحداثية، مع اغفال الجانب الجوهر في النمطية الاجتماعية، "الازدواج" المناظر لازدواجية الكائن البشري بنية، مع العجز عن مقاربة ثنائية( المجتمعية اللاارضوية/ المجتمعية الارضوية)  اساس وقاعدة الوجود المجتمعي، ونوع نمطيته التفاعلية الموافقة لمسارات الترقوية العقلية، واغراضها ومقصدها النهائي.

ومع التفاصيل التي يمر بها العالم والمجتمعت تحت طائلة التناقص والغفله عن المسارات المستجدة،  يضيع في السياق اهم عنصر في الرؤية الواجبه اليوم للعملية المجتمعية وتفاعليتها بعد دخل العنصر الالي على البنية المجتمعية البيئية البشرية الاولى اليدوية، ودخول المجتمعات عصر العوامل الفاعلة الثلاث بدل الاثنين، ومايولدنه بتفاعليتهن من احتمالية حضور العنصر الرابع مع الصحوة العقلية الكبرى "اللاارضوية" التي تبقى طيله الطور اليدوي غائبة ومن غير الممكن الاقتراب من عالمها، فضلا عن ادراكها، والمهم هنا هو مايعود الى التسارعات الطارئة على عملية التفاعل المجتمعي الارضوي الانسايواني، مع تعدد عناصر التفاعلية  ضمن الكينونه المجتمعية، مايجعل من وتائر الديناميات المجتمعية الارتقائية التطورية،  فوق مامتاح ومامتوفر من اسباب المقاربة والتعرف.

ومع الايمان الراسخ الكلي الارضوي ومفاهيمه وتصوراته، لن يظهر مايمكن ان يلفت النظر الى انتهاء الامد الارضوي، والى تسارع آليات انتهاء الدولة والكيانيه والوطنيه الارضوية اوربيا ابتداء، ومع حضور الكيانيه الامبراطورية  المفقسه خارج الرحم التاريخي الامريكية الايله اليوم الى الانهيار، مع كل متبقيات المنظور المنتهي الصلاحية الارضوي الباقي معتمدا  باصرار، تمهيدا للدخول في الطور الاضطرابي المتسارع الاكبر الذي يخيم من هنا فصاعدا على المعمورة، ليدخلها في الفوضى والتناقضية العملية بين الوعي والواقع المستجد الذي صارمطلوبا حكما، والذي كان ويظل غائبا عن قدرة الانسايوان العقلية على المقاربة والادراك.

***

عبد الامير الركابي 

في المثقف اليوم