أقلام ثقافية
أكرم عثمان: فن استعادة الألفة.. حين يوقظ الحب ما خفت من مشاعرنا
نحن أمام تحديات جمة وكبيرة كي نتمكن من تحقيق الألفة والانسجام، وإشعال ذلك الضوء الخافت في داخلنا عندما نتعامل مع البشر عموماً ومع من نحب وننسجم على وجه الخصوص. فثمة أمور عديدة تحركنا وتدفعنا نحو الأفضل، وفي المقابل تقف في طريقنا أشياء كثيرة تضعف عزيمتنا، وتحبطنا، وتطفئ فتيل النور الذي نحاول إضاءته في عتمة ليل دامس وسواد يظلل خطانا ومسيرنا. ومع كل تلك العوائق، نجد أنفسنا أحياناً كمن تجمد في منتصف الطريق، يتسرب إليه الشعور بالعجز، ويخفت فيه الضوء الساطع الذي كان يفتح أمامه مسارات توصله إلى مبتغاه وأهدافه التي طالما سعى للوصول إليها.
ومن الصعوبة بمكان أن نوقظ مشاعرنا الخافتة من جديد دون أن نتذكر قوة العلاقات التي تجمعنا مع أولئك الذين يشكلون محطات أصيلة في حياتنا. فالعلاقات الإنسانية ليست مجرد عبور عابر، بل هي جذور ضاربة في عمق ذواتنا، تحيي فينا ما مات، وتعيد تشكيل ما تكسر وما تحطم بغض النظر عن صعوبة الموقف والمشهد لذي نراه ونحس به، وتمنحنا القدرة على الاستمرار في لحظات التراجع والتعب والإعياء.
إن التركيز على القاسم المشترك بيننا وبين من نحب، واستحضار اللحظات الجميلة التي جمعَتنا بهم، يعيد إلى القلب دفء افتقده، وإلى الروح يقيناً بأنها ليست وحيدة في هذا العالم الشاسع. وحين نتذكر أثرهم العميق في نفوسنا، وصدى مواقفهم التي تركت فينا بصمة لا تنسى ولا يمحى أثرها ووقعها، نكتشف أن وجودهم لم يكن عادياً، وأن دورهم في حياتنا لم يكن عابراً، وأنهم من القلة الذين يستحقون أن نمنحهم مساحة واسعة من الاحترام والتقدير والامتنان.
وعندما نعظم أفعالهم، ونحرك العقل الكامن في داخلنا تجاههم بوعي وإنصاف، تظهر الحقيقة جلية أمامنا: هؤلاء ليسوا مجرد أشخاص؛ إنهم ركائز، ودعائم نفسية، وشركاء أصيلون في مسيرتنا. لذا تخرج عواطفنا نحوهم بلا تكلف، وتضعهم في الصف الأول من مشوار حياتنا، إدراكاً منا أن بعض الخطوات لا يمكن أن نخطوها من دونهم، وأن بعض الأحلام لا تنضج إلا بوجودهم، وأن بعض الطرق لا تسلك إلا إذا كانوا معنا.
نتذكر صورهم، كلماتهم، مواقفهم، أسلوبهم في تضميد جراحنا، ودعمهم لنا حين خذلنا العالم من حولنا، فمواقفهم اقوى من ذبول مشاعر نحس بها أو فتور أصابنا وعشش في ذاكرتنا، فنشعر بأنهم أصحاب مكانة جليلة لا تضاهيها مكانة ولا يقوى أحد على الجلوس على عرشها سواهم، فهم أصحاب قلما يغفل قلبنا عن تذكرهم ونسيان لحظات جميلة عشناها معهم. فهم من يستحقون الاهتمام والشكر والتبجيل، وهم الذين تدعونا أفعالهم النبيلة لأن نحبهم أكثر، وأن نعظم مشاعرنا تجاههم، لأن الحياة معهم أوسع وأبهى وأقرب إلى السلام والطمانينة والعيش الهنيء والكريم.
وخلاصة القول: إن التركيز على صفات من نحب، وممارساتهم الجميلة في حياتنا، يجعلنا نضعهم في صميم القلب وفؤاده، لأن الحياة التي نحياها لا تستقيم إلا بهم، ولا تزدهر إلا بالقرب منهم. فنحن، في نهاية المطاف، كسمكة لا تستطيع العيش خارج الماء؛ وهؤلاء الأشخاص الطيبون الرائعون هم ماء الروح، هواؤها، وبيئتها التي تبقيها حيّة وقادرة على السباحة في هذا العالم المليء بالتيارات.
***
بقلم: د. أكرم عثمان
10-12-2025







