أقلام ثقافية
ثامر الحاج امين: حتمية انتصار العدالة

تعتبر السينما واحدة من الفنون المهمة التي لم تهدف الى تحقيق المتعة للمشاهد فحسب انما ذهبت الى أبعد من ذلك، فهي فن متعدد الأهداف واداة مؤثرة في النهوض بالوعي والذائقة، ودورها لا يقل اهمية عن الكتاب والمسرح والصحافة في نشر الثقافة وتوجيه الجمهور صوب القضايا المصيرية حيث واكبت السينما أهم التحولات الاجتماعية والسياسية والمحن التي مرت بها الشعوب فكانت لها مواقف لنصرة المظلومين والوقوف الى جانب حركات التحرر في العالم حيث قدمت أفلاما مهمة عديدة تناولت احداثا سياسية لعبت دورا في مصائر الشعوب ، كما سلطت الضوء على مشكلات معقدة من بينها مشكلة الفقر والاضطهاد السياسي ومشكلة التطهير العرقي وجرائم الابادة البشرية، ويعد فيلم (فندق رواندا) ــ انتاج ايطالي 2004 ــ من بين الافلام التي تصدت لجريمة التطهير العرقي حيث تناول الفيلم مشكلة الحرب الأهلية التي عاشتها جمهورية " رواندا " الافريقية في منتصف تسعينيات القرن الماضي وتحديدا في الفترة من نيسان الى تموز 1994 التي شهدت حربا أهلية مروعة وصلت في وحشيتها الى مستوى الابادة الجماعية، فقد سقط خلال 100 يوم من عمر هذه الحرب ما يقارب 800 الف انسان غالبيتهم من المدنيين والاطفال الأبرياء الذين عادة ما يكونون ضحايا الحروب الطائفية والعرقية اضافة الى الدمار الهائل في البنى التحية الذي خلفتها هذه الحرب .
وفيلم (فندق رواندا) الذي تم ادراجه ضمن قائمة العشرة الأوائل للعديد من النقاد لعام 2004 كما رشح لجائزة الاوسكار لافضل ممثل (دون شيدل)، مأخوذ عن قصة حقيقية تناولت جانبا من هذه الحرب والصراع الدموي الذي قام بين الحكومة التي تشكل قبيلة الهوتو اغلبيتها الساحقة وذراعها الميليشيات المتطرفة وبين المعارضة التي تمثلها قبيلة التوتسي، ويكشف الفيلم وحشية الميليشيات في القتل والابادة العرقية كما يكشف حجم فسادها المتمثل بالرشاوى التي تفرضها على من يريد الفرار من قبضتها، كما يستعرض الفيلم جانبا من الصور الانسانية المضيئة في عتمة هذا الصراع فـ " بول " ــ مدير فندق رواندا ــ الشخصية الرئيسية في الفيلم رغم انه من الهوتو فلا يتردد في انقاذ العديد من التوتسي المطاردين من قبل الميليشيات من خلال ايوائه مجموعة تضم أكثر من 1000 لاجيء، يحاولون الاختباء في الفندق خوفاً من بطش ميليشيا الهوتو وقتلهم جميعاً، وكذلك التضحية التي جسدتها موقف الفتاة عضو بعثة الامم المتحدة التي خاطرت بحياتها من اجل انقاذ الاطفال المحاصرين في ملجأ الايتام، كما ان الفيلم يجبر المشاهد على التعاطف مع ضحايا المذبحة التي تعرضت لها قبيلة التوتسي خصوصا في مشهد النداء المفجع لفتاة وهي تصرخ وتعد بالانسلاخ من انتمائها (أرجوكم لا تدعهم يقتلونني. أعدكم أنني لن أكون توتسيًا بعد الآن) وكذلك في مشهد الطريق المظلم المرصوف بألاف الجثث من ضحيا التوتسي الذين لقوا حتفهم على ايدي ميليشيات الهوتو .
ينتهي الفيلم بمغادرة بول وزوجته تاتيانا والأطفال واللاجئين، الذين تمكنوا من البقاء على قيد الحياة في الفندق برفقة الأمم المتحدة إلى مخيم للاجئين وذلك بعد رشوة الجنرال بيزيمونغو، كما يشير الفيلم في شريط النهاية الى ان مرتكبي المجازر وزعماء الميليشيات الذين تورطوا بسفك الدماء قد أحيلوا الى محكمة جرائم الابادة الجماعية في الأمم المتحدة ولاقوا احكاما بالسجن المؤبد جراء ما اقترفوه من جرائم بحق الانسانية وهذه النهاية لا تخلوا من رسالة تحذير لكل الذين تورطوا بمثل هذه الجرائم في بلدان اخرى .
***
ثامر الحاج امين