أقلام ثقافية
ثامر الحاج امين: شيء من الجرأة في قصص "نحن والحمير في المنعطف الخطير"

يثير عنوان المجموعة القصصية (نحن والحمير في المنعطف الخطير) للكاتب اليمني " محمد مصطفى العمراني " فضول القارئ للوقوف على دلالة العنوان والتعرف على ما ترمي اليه مضامين قصص هذه المجموعة التي ضمت ست عشرة قصة قصيرة تميزت بالبساطة سواء في التعامل مع اللغة بوصفها إنجازاً إبداعيا او في البناء القصصي، ولكن ما ان ينتهي القارئ من قراءة المجموعة حتى يكتشف انه وقع في فخ عنوانها المثير ذلك انه لم يجد فيها حدثا مهما مثيرا للتفاعل، كما ان القصص جاءت وهي تخلو من اية رمزية او تورية في مضامينها، فعموم قصص المجموعة لا ترتقي الى مستوى القصة الناضجة والمعبرة عن فلسفة او رؤية مستقبلية بل انها مجرد تدوين مقالب وحوادث يومية تعرّض لها الكاتب فقام بتأطيرها في قالب قصصي بسيط اتخذت من المنهج الواقعي أداة وطريقة للتعبير باستثناء ثلاث قصص تجاوزت الهم الشخصي وحاولت الانفتاح على قضايا عامة والغمز بشكل خجول الى واقع سياسي تعيشه بعض الشعوب جسدتها قصة (نحن والحمير في المنعطف الخطير) التي حملت المجموعة القصصية اسمها، فهذه القصة تتحدث عن قرية تعاني من مشقة الحصول على مياه الشرب من عين ماء، اذا لابد ان يسلك اطفالها المكلفين بهذه المهمة منعطفا خطيرا يطل على واد سحيق تسبب بسقوط عدد من الاطفال مع الحمير في الوادي اثناء عبورهم المنعطف، وقدد تعددت اجتماعات وجهاء القرية من دون الوصول الى حل لهذه المشكلة، ويقول الكاتب ــ الراوي ــ الذي كاد ان يكون احد ضحايا هذا المنعطف ايام كان طفلا يجلب الماء على الحمير سألت اهل القرية : لماذا لا تسلكون طريقا آخر آمنا يجنب اطفال القرية السقوط في الوادي وكان جوابهم الكارثة (نحن نمشي وراء الحمير وهي من تسلك بنا ذلك الطريق)، فهذه القصة تطرح نقدا سياسيا ومجتمعيا للحاكم والمحكوم من خلال تسليط الضوء على واقع تعيشه الشعوب التي ترزح تحت حكم مجموعة من الأغبياء الذين لا يريدون تشغيل عقولهم للخلاص من الواقع المزرى والخطير والذي تتحمل اعبائه شعوبهم المغلوبة على أمرها .
أما قصة (لا مستقبل للأذكياء!) فهي تتحدث عن الفساد السياسي واعتماد المحسوبية في تولي المناصب من خلال غياب معايير الكفاءة في الحصول على فرص العمل وهو امر شائع في العديد من المجتمعات التي يحكمها نظام المحاصصة والمصالح الشخصية، فهي تتحدث عن تلميذ عُرف بين اقرانه بالغباء مما اثار شفقة زميله " محمد " الذي تعاطف معه فأخذ يساعده ويعطيه دروس تقوية في شرح وحفظ الدروس وفي الأخير نجح بشق الأنفس واجتاز المرحلة الابتدائية ولكنه في المرحلة الاعدادية كان ينام في الحصة ويشخر، ويوم طلب الاستاذ من التلاميذ عن امنيات كل واحد منهم في الحياة كانت امنية الطالب الغبي ان يصبح طيارا الأمر الذي أثار سخرية اقرانه بسبب استحالة تحقق امنيته، ولكن بعد التخرج وسنوات من الافتراق وبعد ان أصبح أذكى الطلاب في الدورة عامل بقالة التقى محمد بصديقه الغبي وقد انصعق لما عرف انه صار طيارا فسأله :
كيف صرت طيارا؟
فأجابه بكلمة بليغة وتلخص الواقع:
شوف يا محمد كل شيء في هذا البلد ممكن ومعقول طالما أنت تاجر أو مسؤول أو شيخ كبير
وكذلك قصة (زلة لا تغتفر) التي هي الاخرى تناولت واقعا فاسدا حيث تتحدث القصة عن شيخ متنفذ يستغل علاقته القوية بالمسؤولين فيقوم بتعيين أحد مرافقيه المقربين جنديا في الجيش لكي يتقاضى راتبا من الدولة ويخرج امر انتدابه للعمل بصفة مرافق له وهذا الأمر قد شهدتها بعض انظمة الحكم في علاقة الشيوخ بالمتنفذين في السلطة واستغلال هذه العلاقة من اجل تحقيق مصالح شخصية بينهما.
وفي الأخير، يمكننا القول، بأن أسلوب الكاتب العمراني في هذه المجموعة القصصية يتسم بالمباشرة والوضوح وبعيد عن الغموض والتعقيد ويبدو انه قد اهتدى بمقولة يوسف إدريس عندما قال: "إن القصة القصيرة مثل الرصاصة تنطلق نحو هدفها مباشرة"، اذ انه اعتمد الدخول الى لب القصة دون مقدمات وتزوبق كما هو اسلوب الكاتب السوري " زكريا تامر " الذي وجدنا قصصه تميل الى السخرية واعتماد المباشرة، كما يحسب للمجموعة انها في بعض قصصها سلطت الضوء على واقع مأساوي تعيشه عدد من المجتمعات في ظل انظمة حكم فاسدة.
***
ثامر الحاج امين