أقلام ثقافية

صادق السامرائي: قصر العاشق!!

هو القصر الذي بناه المعتمد على الله (256 - 279) هجرية قبل إنتقال العاصمة إلى بغداد ببضعة سنوات، فعلى الأرجح بناه بعد سنة (270) هجرية، ويُقال بني سنة (264) هجرية.

القصر يبعد عن الملوية حوالي (9) كم، وهو مستطيل الشكل (121 في 96) م، حوله ساحة واسعة مسورة وخلف السور خندق وأمام بوابته بركة، ويتألف من طابقين، وفيه زخارف رائعة وتعبير عن ذروة ما وصل إليه فن العمارة العباسية، ويبلغ عمر القصر أكثر من (1100) سنة.

وتحيط بالقصر الأبراج الدفاعية المتينة وكأنه قلعة.

ويقع في الجانب الغربي من مدينة سامراء، ووصفه بدقة المستشرق الألماني (فون أوبنهايم) الذي زاره في نهاية القرن التاسع عشر، ونشر عنه في سنة (1900)، ويقول: "وتشير جميع المزاهر الخارجية لهذا المكان إلى أننا أمام قصر للهو والإستمتاع"!!

يسمى قصر العاشق أو المعشوق، وتدور حول تسميته حكايات متوارثة كنا نسمعها من أمهاتنا وجداتنا.

والقصر تعبير عن ثورة عمرانية بلغت ذروتها في بنائه، فهو آخر القصور التي بنيت في سامراء، التي كان فيها ثلاثين قصرا تضاهي بجمالها قصور غرناطة وقرطبة، وقد أحدث بناء القصور تطورا غير مسبوق في فن العمارة، ومنها إنتشرت الفنون العمرانية إلى مدن عربية وغربية.

ويغفل المؤرخون ثورة سامراء العمرانية، التي ترى تأثيراتها في العديد من البنايات بدول عربية وأوربية.

ويذكر هيرتسفيلد الذي نقب في القصر سنة 1911، أن داخل القصر يتألف من ثلاثة أقسام طولية رئيسة، تتخللها فناءات مفتوحة وأواوين مشرفة عليها وصالات معمدة وقباب، وصولا إلى قاعة العرش المتميزة بعلوها.

والقصر شأنه كغيره من القصور العباسية الأخرى، يحتوي على إحترازات أمنية ومخابئ وسراديب وأنفاق، ففقدان الأمان كان يؤرق الخلفاء، ويوجب عليهم السكن في قصور معقدة البناء، للحفاظ على سلامتهم من الطامعين بالخلافة.

وعندما نتساءل كيف تخرّب آخر قصر بني في سامراء، لا توجد وثائق تشير إلى ما حصل له، وكيف تحول إلى ما هو عليه اليوم، ولا توجد بحوث رصينة تفسر كيف إنتهت قصور سامراء إلى ركام في وقت قصير بعد إنتقال العاصمة إلى بغداد، وهذا أحد الألغاز التأريخية التي يخشى الباحثون دراستها وتفسيرها.

ويبقى قصر العاشق دليل إدانة على عدم إحترامنا لآثارنا، ويؤكد على نزعة الدمار والخراب الكامنة فينا!!

***

د. صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم