أقلام ثقافية
حسين صقور: فخ النمطية في الكتابة النقدية..
هناك كلمة خرجت ودرجت على لسان البعض.
(الساحة التشكيلية المحلية غنية بآلاف الفنانين وهم في تزايد يومي).
وأنا أرى أن هؤلاء البعض هم أصحاب الآراء المتبدلة وفق ما يتطلبه الموقف وما تقتضيه مصالحهم الموهومة والمزعومة.. هي كلمة مطعمة بحس وطني زائف فهي تخلق دفاعاتها عبر استعارتها جملاً قد تصلح لخطاب وطني شعبوي تعبوي ولكنها تتنافي مع الحقيقة والواقع فهي لا تنتمي سوى للخيانة العظمى وللمحاولات البائسة واليائسة في عرقلة عجلة التشكيل وعجلة التطور والحياة.. فحين يقتضى الموقف وتقتضي مصالحهم الموهومة هذا لن يكون أمامهم سوى اتهام الناقد بالقصور والتقصير لأنه لم يشمل تلك الآلاف المؤلفة في دراساته.
إن تجاوزنا تعريف الفن والفنان وشملنا كل رسم لوحة أو قدم عملاً ضمن تلك التسمية..فحن لا نستطيع أن نتجاوز مفهوم الابداع الذي لا يمكن قياسه سوى من خلال الساحة الأكثر اتساعا..أما ً
لماذا ينتمي هذا الخلط للخيانة؟
هو ينتمي للخيانة من ناحيتين..أولهما: هو يفقد تلك الكلمة رهجتها وقيمتها ومعناها ومحتواها فهذا اللقب الذي الذي كان الحافز وكان المكافئة الأجمل لطالب الفن بعد مسيرة تكللت بالنضج..هذا اللقب سوف تسقط قيمته عند العامة حين يعطى لمن هب ودب.
ثانياً: حين يوضع هذا اللقب في غير موضعه بغض النظر عن الدوافع.. لن تعكس نتائجه سوى الكثير من الملل والكسل والتقاعس والغرور..
وحين يتعلم الفنان من خلال تجربته وفي مخاض اللوحة ألا يُحَمِل عمله ما لا يستطيع تحمله.. حينها سيعي ما أقصده.. وسيعي تماماً حجم الضرر الذي كان من الممكن أن يلم به لو أنه استسلم للبريق الخادع لتلك الكلمة.. أو لأي كلام غير مسؤول من قارئ لم يدرك المعنى ولم يعي من مفهوم الناقد والنقد سوى الشكل الظاهري للكلمة.
إن لم يكن الفنان محصناً و متمكناً وذا فكر وتجربة فهو سيسقط في براثن المديح الكاذب ولن يتطور عمله بالمطلق.. والحقيقة أن (دوافع بياعوا العبارات الكاذبة لا تنتمي سوى لزيادة رصيدهم الشعبي).
وحين يقصد أمثال هؤلاء الكتابة النقدية..حينها سيقعون في فخ النمطية لأنهم أساساً غير مؤهلين للخوض والنبش في القيم التعبيرية والجمالية وغير قادرين على الكشف عن القيم الإبداعية المكتنزة في عمق التجارب.
(ولأنهم يتجولون على السطح ولا يستطيعون تجاوز القشور ستبقى كتاباتهم موصومة بالتشابهات سواء كتبوا عن فنانين مخضرمين أو شباب).
لا يوجد نص نقدي ينطبق على جميع الفنانين ولكل فنان نصه المنبثق عن تجربته وعن قدرة الناقد على الكشف عن بعض الخفايا حتى لصاحب التجربة.
وكأني أسمع سؤالاً يكاد يختنق بين الحلق واللسان؟
هل تقصد أن طلاب الفن يجب أن يبقوا بعيداً وبمنأى عن الناقد؟
أقول طالما هم في طور التجريب ولم تصل تجاربهم لمرحلة النضج بعد.
فمفهوم الناقد سيكون مختلف هنا لأن النقد مرتبط بالإضاءة على التجارب التي حققت النضج..وملامح ما يود إيصاله الفنان هو مسطرة الناقد..فإن لم تتبلور تلك التجربة من تلقاء ذاته ستكون تابعة ولن تحقق كينونتها
..هم يحتاجون لمعلم ولكن..عظامهم لازالت طرية وأفكارهم لم تتبلور بعد. وأي تأثير خارجي سيكون خطيرا إن اتسم بتجاوب أعمى ببغائي..ولن يكسبهم هذا التأثير غير التقليد.. وسيبقون بمنأى عن الفردية والفرادة لاحقاً..إذاً يفترض أن تكون تجربتهم الذاتية والحياتية والفنية هي المعلم الأول لهم.. ثم التأمل الملاحظة المتابعة.. والقراءة الفاعلة والفعالة وليست تلك التي تمر مرور الكرام..حينها.. كل ما حولهم يتحول إلى معلم.. وقبل كل هذا هم أنفسهم الناقد والفنان والمعلم.
وأقول أحيراً لنكن بالصورة التي فطرنا عليه ننموا ونكبر من خلالها حينها لن تزدنا قسوة الحياة والمسؤوليات سوى رأفة ورقة ومحبة ولن تزدنا سوى إصرارا على مواصلة درب الحلم الذي يحركه ذلك الحب الدفين الذي كان ولازال ينبض في ذاكرة الروح.. هو الحب الدافع والرافع لتلك الرغبات العارمة.. لمواصلة العطاء وترميم الجروح.
***
الفينيق حسين صقور
...........
* مقتطف من ملف الناقد والفنان