أقلام ثقافية

رنا فخري جاسم: أول أمة بحرية

قبل البرتغاليين ب 2000 عام، أبحر الفينيقيون وطافوا حول أفريقيا مجتازين مضيق ال مليكارت (وهو إسم وضعوه هم بانفسهم)، وقد أسماه الاغريقيون لاحقا بمضيق هرقل، وأسماه العرب جبل طارق، ومنه تابعوا دورانهم حول رأس الرجاء الصالح، حتى بلغوا البحر الاحمر، وداروا كذلك حول مايسمى ب (الخليج الفارسي) وأسسوا مدنا تحمل الاسماء ذاتها ك اوتاد وتيرو (صور أو ثور) وسيدون (صيدا)، مما يؤكد ان الفينيقيين لم يكونوا الامة البحرية الاولى في التاريخ فحسب، بل أنهم أول امة هاجرت في البر وفي البحر.

سفنهم المكونة من طبقتين: الطبقة العليا منها مخصصة للركاب والسفلى للمجذفين، كانت تتميز بسعة أقبيتها وبمؤخرتها التي تشبه هيأة هلال، وبمقدمة فوهة خرطوم، وكانوا يعتمدون على شراع واحد يبسطونه عندما ترسو السفينة في الاجواء السيئة ويفترض على حسب صور الأواني المقارنة، أن الاغريقيين نسخوا هذا النوع من السفن وعلى الاسلوب نفسه، كان أسطول سفن الملك سليمان التي شيدها أولئك البحارة العارفون بالبحر، في إشارة للفينيقيين إذ بعث ملكهم حيران ملك صور الى سليمان بجزء من أسطول سفنهم.

ومن غير طموح سياسي كبير، بنى الفينقيون وأسسوا مستوطناتهم التي وصلوا اليها بصمت ومن غير إثارة لأية شكوك، كانوا يتكيفون مع أي مناخ جديد، وهم إذ يدخلون أبجديتهم وبضاعتهم وعوامل حضارتهم في العديد من الافاق التي كانوا يكشفونها فإنهم يربطون من خلال جذورهم البحرية، المستوطنات الجديدة بالمدن الأم المنتشرة على السواحل الشرقية للبحر المتوسط.

وبهذا وبعد إقامة ومدن في دلتا مصر وسواحل سيليسيا واليونان وقبرص وصقلية وسردينيا إضافة الى شمال افريقيا وأسبانيا فأنهم يشكلون من هذا البحر بحرا حقيقيا هو (البحر المتوسط).

وثمة دلائل مدونة في الكتاب المقدس (التوراة) تؤكد أن الفينيقيون يستوردون فضلا عن الذهب والرصاص، القصديرعن طريق المقايضة بالفخار والملح والبخور والقماش والفاكهة والزجاج وأواني البرونز وصولا إلى المكان الوحيد لوجود القصدير: جزر سيلي الواقعة في المحيط الهادي على بعد 40 كيلومترا من أنجلترا وشبه جزيرة كورونوول الواقعة أقصى الجنوب الغربي من هذا البلد بين قناة بريستول وبحر المانش ، وصولا الى سواحل غروند لانديا التي تعد نهاية العالم كما يراه القدماء ، مما يؤكد الدخول العميق للفينيقيين – كما لم يحدث لأي من شعوب العصور القديمة – في المحيط الذي أسماه العرب لاحقا (بحر الظلمات).

***

رنا فخري جاسم

 

في المثقف اليوم