تجديد وتنوير

مؤيد عبد صوينت: الفقه والفضاء الدولتي

تعاني الطبقة السياسية الشيعية بشكلٍ خاص، ومجمل الإدارات الشيعية على نحوٍ عام من افتقاد الإرث التاريخي في ممارسة الحكم وآليات المنظومات التي تتكفل ببناء نسقٍ ناظمٍ لفلسفة إدارة الدولة ومؤسساتها،لذا، لم يجد الشيعي سوى الفقيه وإرثه مجالا حيويا يستند إليه في ممارسة السلطة وما يتناسل منها، هذا الإرث قُدّم تاريخيا بوصفه البديل عن الفضاء الدولتي القائم على بنى مؤسسية ذات طابع متسم بالاستقرار والديمومة، فضلا عن الطابع التراكمي الذي يسم هذا المجال، واختلافه عن المسار القطعي الذي تتصف به الممارسة الفقهية ذات التوجه الفردي .

 نظرت الطبقة السياسية الشيعية إلى الدولة بمنظار تعاطي الفقهاء ورسائلهم، وهو منظور يعتمد على الجانب الافتراضي أكثر من اعتماده على الجانب الواقعي، فمن يطالع رسائل الفقهاء يجد أنّ البناء الشرطي للقضايا مبثوث و واضح على نحوٍ لا لبس فيه، واسلوب الشرط هو أسلوب قائم على الافتراض بالدرجة الأساس،فضلاً عن أسلوب (يجب، ولا يجوز) وهذه تعابير المعجم الفقهي استجلبها الساسة الشيعة كساند للافتراض في فهمهم للإدارة وكيفية تطبيقها،كلّ هذا يُفهم لغياب الأرث التاريخي، لكن طبيعة العمل السياسي المرتبط بالواقع أكثر من ارتباطه بالافتراضات كشفت عن فشل هذا التعاطي في فهم سياقات بناء الدول وكيفية تطويرها،لاسيما أن هذه الطبقة استجلبت النظام الزبائني الذي مارسه الفقيه تأريخياً- أعني في توزيع العطايا على وجه التحديد- مع وجود طبقة اوليغارشية مغلقة، ستواجه هذه الثنائية خواء طريقة التعامل مع بناء الدولة مع أول اختبار واقعي – نقيض الافتراض الذي قدموه في إدارة الدولة- والذي يتمثل في هبوط أسعار النفط على نحو حقيقي و واقعي عاجلا أم آجلاً ليقع المحذور وانكشاف الغطاء الزائف(الريع) الذي تلتحف به هذه الطبقة آخذة معها شعبا بأكمله رهينة فضاءات لا دولتية تبثّ على نحوٍ مكثّف، وثمة نقطة أخرى تعزز طبيعة التصور الذي أعنيه في استجلاب أدوات الفقيه من قبل الساسة الشيعة يتمثل في رؤية المنظومة السياسية الشيعة للمواطن بوصفه (مُكلّفاً لا مواطناً) – بحسب المنظومة الاصطلاحية الشيعية- الأمر الذي يستضمر غياب الممارسة النقدية لمجمل الرؤى والاطروحات التي تُبثّ من قِبلِه،قياساً على قارىء الرسائل العملية الذي يتمثل بكونه متلقيا لعلم ِ الفقيه ومعرفته، وإذا ما عنّت للفقيه مستجدات أخرى فمن الطبيعي أن يتحول ما هو حرام إلى حلال وما على مقلديه إلا السمع والطاعة، وهو ما عمل به ساسة الشيعة على الدوام، من دون الالتفات الى مسألة جوهرية تكمن في ان ممارسة الفقه تقوم الافتراض أساسأ، وأن التعاطي الحقيقي للدولة يقوم على الوقائع أصلاً ولا سيما الجانب الاقتصادي، قد يُشكل على هذا الطرح أن القانون يقوم على جانب افتراضي، أقول :ما يفترق هنا، قيام القانون على افتراضات متناسلة من وقائع هذا أولاً، فضلاً عن أن القوانين تكون وليدة الواقع لا وليدة الافتراضات التي تنحصر في زوايا محددة.

***

د. مؤيد عبد صوينت

 

في المثقف اليوم