دراسات وبحوث

عدنان عويّد: دراسات في الخطاب الديني

الجبرية: أو الجبر:
الجبر لغة:
جاء في معجم المعاني الجامع – معجم في اللغة العربية: جبَرَ يَجبُر، جَبْرًا وجُبُورًا وجِبارةً، فهو جابِر، والمفعول مجبور – للمتعدِّي.
والجبر اصطلاحاً: هو إجبار وإكراه لإنسان على فعل أمر ما دون إرادته ورغبته.
وفي المصطلح الديني: هو نفي الفعل حقيقة عن العبد وإضافته إلى الله. وكما يقول الشهرستاني في الملل والنحل: (سُمِّي الجَبريَّة بذلك لأنهم يقولون: إن العبد مُجبَر على أفعاله، ولا اختيار له، وأن الفاعل الحقيقي هو الله تعالى، وأن الله سبحانه أجبر العباد على الإيمان أو الكفر.). (1). وهذا ما قال به "أبو حسن الأشعري" في كتابه (مقالات الإسلاميين): (هو إجبار الناس وإرغامهم على فعل شيءٍ من غير إرادةٍ أو مشيئة لهم، ويرى الجَبريَّة أن الناس لا اختيار لهم في أفعالهم، ولا قدرة لهم على أن يغيِّروا مما هم فيه شيئًا، وإنما الأفعال لله سبحانه؛ فهو الذي يفعل بهم ما يفعلونه، وجعلوا هذا مطلقًا في جميع أفعالهم، فإذا آمن العبد أو كفر فإن الإيمان أو الكفر الذي وقع منه، والطاعة أو المعصية، ليست فِعلَه إلا على سبيل المجاز، وإنما الفاعل الحقيقي هو الله سبحانه؛ لأن العبد لا يستطيع أن يغير شيئًا من ذلك.). (2)
و(الجبريّة أصناف، هناك الجبرية الخالصة لا تثبت للعبد فعلا ولا قدرة على الفعل بالأصل. وهناك الجبريّة المتوسطة، وهي تثبت للعبد قدرة غير مؤثرة، وهذا ما قال به الأشاعرة في "نظريّة الكسب.". وهذا ما جعل المعتزلة يعدون الأشعريّة جبريّة.). (3).
إن"الجَبْريّة أو المجبرة"، هي فرقة كلاميّة تنتسب إلى الإسلام، وجوهر عقيدتها هو أنها تؤمن بأن الإنسان مسيّر وليس مخيراً لأنه لا قدرة له على اختيار أعماله، ولذلك فقد اعتبرها علماء أهل السنة والجماعة. من الفرق الضالة المخالفة لمنهج وعقيدة الإسلام الحق. أي مخالفة لأهل السنة والجماعة. ويقال إن أول من قال بهذا المذهب الباطل هو "الجعد بن درهم" مؤدب "مروان بن محمد" آخر خلفاء بني أميّة، ولذا كان يلقب بـ"مروان الجعدى"، لأنه تعلم من الجعد مذهبه في القول بخلق القرآن والقدر وغير ذلك. (4).
هذا وقد اعتبر الأشاعرة وأهل السنة عموماً الجبرية في المقام الأول لوصف أتباع جهم بن صفوان (ت 746) وذلك لأن الأشاعرة يعتبرون عقيدتهم بموقف وسط بين القدريّة والجبريّة، ومن ناحية أخرى اعتبر المعتزلة والماتريدية أن الأشعريّة بمثابة جبريّة لأنهم حسب رأيهم رفضوا العقيدة الصحيحة المتمثلة في الإرادة الحرّة. وكذلك استخدم الشيعة (الزيديّة والاسماعيليّة والإماميّة الاثني عشرية) مصطلح الجبرية أو المجبرة متهمين به الأشعريين والحنابلة. مع أن الحنابلة والسلفيين عموما ينتقدون جميع الفرق الكلامية مثل القدرية والجبرية والمرجئة والجهمية المعتزلة. (5).
المرجعيّة المقدسة للجبريّة:
لقد اعتمد الجبريّة على نصوص مقدسة من القرآن والحديث لتأكيد موقفهم هذا، كقوله تعالى: (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ).{التغابن: 11}. وقوله تعالى: ﴿ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى ﴾. [الأنفال: 17]. وقوله تعالى: (لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ* وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ). {التكوير: 28}. وقوله صلى الله عليه وسلم: (واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف. رواه الترمذي. (6).
مبادئ الفرقة الجبرية
الجبر في الأفعال والأقوال:
الجبر أهم هذه المبادئ وأشهرها عند الجبريّة، بل هو مبدؤهم الخاص بأفعال العباد، وأن العباد في أفعالهم مجبرون، وكل ما يصدر عنهم إنما يصدر اضطرارًا، فليس لهم إرادة أو قدرة أو اختيار، فالعبد - كما يقولون - كالريشة المعلقة في الهواء، يُسيِّرها الهواء حيث يشاء؛ فكذلك العبد، هو في يد القدر يُسَيِّره حيث يشاء؛ فجميع أفعال العباد اضطراريّة، والله تعالى أوجد الفعل في العباد، كما أوجده في الجمادات والنباتات، وإذا نُسبت الأفعال إلى العباد، فإنما تنسب مجازًا، ولا تنسب إليه حقيقة.(7)
نفي الصفات عن الله:
القول بأن القرآن حادث مخلوق، كما زعمته المعتزلة، حيث نفت الجبريّة قدم صفات الله، والكلام صفة من صفات الله؛ فإذا كان الكلام، صفة قديمة لله كان القرآن باعتباره كلامًا إلهيًّا قديمًا، وهم ينكرون القدم، إلا على الذات الإلهيّة وحدها، ومن ثم فلا يكون الكلام قديمًاّ، ولا تكون صفات الله قديمة، وينبني عليه القول بخلق القرآن.
لقد اعتقدوا أن الله واحد في ذاته، بمعنى: أنه غير مركب من أجزاء، وأنه لا شريك له في ذاته، بمعنى: أنه غير متعدد، وهو واحد في أفعاله، فلا شريك له، ومن هنا، ذهبوا: إلى أن الله تعالى، لا يتصف بصفات زائدة عليه من العلم والقدرة، والإرادة وغيرها.
وهم لا يصفون الباري تعالى، بصفة يوصف بها الخلق؛ لأن ذلك يقتضي تشبيه الله تعالى بالمخلوقين، ولذلك نفوا وصف الله تعالى، بأنه حيٌّ، عالٍ، سميع، بصير، غني، حكيم، رحيم، ونفوا هذه الصفات عن الله تعالى، وما يماثلها مما يوصف به الخلق.(8).
موقفهم من الجنة والنار:
يؤمنون بأن حركات أهل الخلدين -الجنة والنار- تنقطع، وأن الجنة والنار، تفنيان بعد أن يتنعم أهل الجنة، ويتعذب أهل النار المدة التي قدرها الله تعالى.(9).
الإيمان عند الجبرية:
إن الإيمان عند الجبريّة، يتحقق بمجرد المعرفة، حتى ولو لم يقر باللسان أو جحد اللسان؛ فمن عرف بقلبه، فهو مؤمن، حتى لو أنكر وكفر بلسانه. والمعرفة عندهم تجب بالعقل قبل ورود السمع؛ إذ أن العقل يمكنه معرفة الخير والشر، ويمكن أن يصل إلى معرفة ما وراء الطبيعة والبعث.(10).
انكار تجسيد الخالق:
ينكر الجبريون أن يكون الله تعالى على العرش، أو أن له كرسيًّا، أو أن يكون في السماء دون الأرض؛ بل الله في نظرهم في كل مكان. وهم ينفون رؤية المؤمنين ربهم في الآخرة. والله يقول عن نفسه: ليس كمله شيء (11).
الرد على الجَبريَّة:
في التحليل السوسيولوجي والأنثربويولوجي (الأناسي) تعتبر الجبريّة في سياقها العام موقفاً سلبيّاً من الحياة بالنسبة للإنسان ودوره ومكانته في هذه الحياة، فتاريخ المجتمعات البشرية من خلال دراسات العصور التاريخيّة للبشريّة، بين لنا بأن بناء هذه الحياة في كل مفرداتها قام بها الإنسان منذ أن صنع وسائل إنتاجه الأوليّة بيده وصولا إلى كل حالات تطور هذه الوسائل، وما تركته هذه الوسائل ذاتها من تغيير في حياة الإنسان وإعادة تشكيل هذه الحياة بشكل مستمر ماديّاً وفكريّا.
إن النص المقدس (القرآن والحديث) كثيراً ما أشار إلى حريّة الإرادة الإنسانيّة في اختيارات وممارسة نشاط هذا الإنسان في بيئته الطبيعيّة والاجتماعيّة معاً.
فالآيات في ذلك كثيرة، منها قوله تعالى: ﴿ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ﴾ [آل عمران: 152]، وقوله تعالى: ﴿ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ ﴾ [البقرة: 272]. وقوله تعالى ({ قُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ } [ الكهف: 29 ]، وقوله تعالى: ({ إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلي رَبِّهِ سَبِيلاً } [ الإنسان: 29 ]، وقوله: ({ اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } [ فصّلت: 40 ].
وفي الحديث روى الشيخانِ عن الخليفة "عمر بن الخطاب" قوله: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئٍ ما نوى). (رواه البخاري ومسلم.).
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة رجل أعطى بي ثم غدر ورجل باع حرا فأكل ثمنه ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يعطه أجره) رواه البخاري.
***
كاتب وباحث من سوريّة
***
.....................
الهوامش:
1- (الملل والنحل للشهرستاني جـ 1 ص ـ 87). الناشر مؤسسة الحلبي. دون تاريخ النشر. بتصرف.
2- (مقالات الإسلاميين – أبو الحسن الأشعري - جـ 1 صـ 338). الناشر مطبعة الدولة – استانبول
3- (موقع اليوم السابع: من هم "الجبرية".. ولماذا رآهم أهل السنة والجماعة "فرقة ضالة"؟ محمد عبد الرحمن. ).
كذلك يراجع: (شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز الحنفي جـ 2 صـ: 349).
4- المرجع ذاته. موقع اليوم السابع. بتصرف.
5- الويكيبيديا. بتصرف.
6- (موقع اسلام ويب.عقيدة القدرية والجبرية .(ولمعرفة عقيدة الجبرية والقدرية راجع كتب العقيدة، وراجع الفتاوى التالية مع إحالاتها: 9192، 36591، 35375.) كما وردة في مقال الموقع ذاته. بتصرف.
7- للاستزادة في معرفة مبدئ الجبرية راجع: موقع المعلومات: ما هي الفرقة الجبرية. محمود عاطف. بتصرف.
8- موقع معلومات – ما هي الفرقة الناجية – المرجع نفسه – بتصرف.
9- موقع معلومات – ما هي الفرقة الناجية – المرجع نفسه – بتصرف.
10 – موقع معلومات – ما هي الفرقة الناجية – المرجع نفسه – بتصرف.
11- موقع معلومات – ما هي الفرقة الناجية – المرجع نفسه – بتصرف.

في المثقف اليوم