دراسات وبحوث
منى زيتون: النبوءات بنبينا محمد في أسفار اليهود والأناجيل
يؤكد القرآن الكريم على أن نبينا محمدا عليه الصلاة والسلام مُبشر به في التوراة والإنجيل، وأن أهل الكتاب يعرفون نبينا محمدًا فصفاته والبشارات به مذكورة في كتبهم بما يكفيهم لليقين.
﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (157)﴾ [الأعراف: 157].
﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (146)﴾ [البقرة: 146].
﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (20) ﴾ [الأنعام: 20].
﴿وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ (196) أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ (197)﴾ [الشعراء: 196: 197].
فالأنبياء دينهم واحد وميثاقهم واحد، وأهل الكتاب يعلمون بما جاء به أنبياؤهم فهم موثوقون بهذا الميثاق، وما جاء به نبينا مصدق لما أتى به النبيون من قبله، وكان يجب عليهم الإيمان بمحمد ونصرته لكنهم لم يفعلوا.
﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (81)﴾ [آل عمران: 81].
ويوثق القرآن الكريم ما كان من أمر اليهود مع المشركين قبل الإسلام بأنهم كانوا يعرفون أن نبيًا قد أقبل زمانه، ولكن لأن الرسول لم يكن منهم ولا على هواهم كفروا به، فغضب الله عليهم مزيد غضب، فقد سبق وأعلن غضبه عليهم في أسفار أنبيائهم، ثم غضب عليهم لرفضهم المسيح وتقولهم على السيدة مريم، وكانت تلك هي المرة الثالثة التي يعلن الله غضبه على بني إسرائيل.
﴿وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ (89) بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْيًا أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ (90)﴾ [البقرة: 89: 90].
ويرد الحق سبحانه على من رفض الإقرار بأن نبينا مرسل من الله، ويشير إلى شهادة عبد الله بن سلام حبر اليهود بأن ما في القرآن من عقائد مثل ما في توراتهم.
﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (10)﴾ [الأحقاف: 10].
﴿وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ﴾ [الرعد: 43].
فرسولنا محمد هو خاتم المرسلين.
﴿مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (40)﴾ [الأحزاب: 40].
وبالرغم من أن فريقًا من أهل الكتاب قد عمد إلى طمس كل نبوءة بنبينا محمد عليه الصلاة والسلام في التوراة والإنجيل، حتى أن مكة التي عاش فيها إسماعيل وهاجر عليهما السلام لا أثر واضح لها بل نتلمس أثرها فيما أفلت من تحريفاتهم! فقد بقيت آثار من هذه النبوءات أعماهم الله عنها فلم تنطمس، كما عملوا دائمًا على إخفاء اسم نبينا محمد في النبوءات التي بشّرت به من خلال تحريف الترجمة الرديئة، وترجمة الاسم، علمًا بأن الأسماء لا تُترجم أو تُستبدل.
والكلام عن النبوءات بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم لدى أهل الكتاب قديم منذ فجر الإسلام، ولعله هو الموضوع الوحيد الذي شغل بال المسلمين واعتنوا بالبحث فيه في الأسفار والأناجيل، وقد تكلموا في نصوص كثيرة، بعضها غير جازم ويحتمل التأويل لذا لن أذكره، واكتفيت بذكر ما أقنعني منه بعد أن أضفت إليه ما يعضده من خلال بحثي، إضافة إلى ما فتح الله به علي مما لم أقرأ لأحد أنه تنبه إليه مثل نبوءة الكامل، ومعنى اسم يهوذا، والنبي عاموس بن يثر الإسماعيلي ابن أخت النبي الملك داود المدفون في قرية عمواس بجوار القدس.
وتتجاهل التوراة ذكر كثير من الأنبياء العرب؛ فلم تذكر هودًا ولا صالحًا، ولا شعيبًا الجذامي، وعند ذكر تدمير مملكة حاضور (حاصور) لم تشر إلى أن هذا كان بسبب قتلهم نبيهم شُعيب الحضوري، ولن أتحدث هنا عن محاولات بني إسرائيل إخفاء أصول الأنبياء العرب الذين ذكرتهم، وأحيانًا إخفاء أنهم أنبياء، فلم تذكر أن إسماعيل كان نبيًا، والنبي أيوب عمدت التوراة إلى إخفاء أصله كرجل أدومي إسماعيلي، ولم تشر إلى أنه كان نبيًا بل رجل صالح وحسب، وكذلك النبي عوبديا (عُبيدة) الذي يكتفون بوصفه بأنه أدومي المولد. واسم عوبديا هو اسم عربي (عُبيدة) وليس اسم عبري بمعنى عبد يهوه كما يدعون، ولا أعلم أين يهوه في الاسم؟!
﴿9وَخَافَ دَاوُدُ مِنَ الرَّبِّ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ وَقَالَ: «كَيْفَ يَأْتِي إِلَيَّ تَابُوتُ الرَّبِّ؟» 10وَلَمْ يَشَأْ دَاوُدُ أَنْ يَنْقُلَ تَابُوتَ الرَّبِّ إِلَيْهِ، إِلَى مَدِينَةِ دَاوُدَ، فَمَالَ بِهِ دَاوُدُ إِلَى بَيْتِ عُوبِيدَ أَدُومَ الْجَتِّيِّ. 11وَبَقِيَ تَابُوتُ الرَّبِّ فِي بَيْتِ عُوبِيدَ أَدُومَ الْجَتِّيِّ ثَلاَثَةَ أَشْهُرٍ. وَبَارَكَ الرَّبُّ عُوبِيدَ أَدُومَ وَكُلَّ بَيْتِهِ.﴾ [صمويل الثاني: 6- 9: 11].
﴿4وَكَانَ لِعُوبِيدَ أَدُومَ بَنُونَ: شَمْعِيَا الْبِكْرُ، وَيَهُوزَابَادُ الثَّانِي، وَيُوآخُ الثَّالِثُ، وَسَاكَارُ الرَّابعُ، وَنَثَنْئِيلُ الخَامِسُ، 5وَعَمِّيئِيلُ السَّادِسُ، وَيَسَّاكَرُ السَّابعُ، وَفَعَلْتَايُ الثَّامِنُ. لأَنَّ اللهَ بَارَكَهُ. 6وَلِشَمْعِيَا ابْنِهِ وُلِدَ بَنُونَ تَسَلَّطُوا فِي بَيْتِ آبَائِهِمْ لأَنَّهُمْ جَبَابِرَةُ بَأْسٍ. 7بَنُو شَمْعِيَا: عَثْنِي وَرَفَائِيلُ وَعُوبِيدُ وَأَلْزَابَادُ إِخْوَتُهُ أَصْحَابُ بَأْسٍ. أَلِيهُو وَسَمَكْيَا. 8كُلُّ هؤُلاَءِ مِنْ بَنِي عُوبِيدَ أَدُومَ هُمْ وَبَنُوهُمْ وَإِخْوَتُهُمْ أَصْحَابُ بَأْسٍ بِقُوَّةٍ فِي الْخِدْمَةِ، اثْنَانِ وَسِتُّونَ لِعُوبِيدَ أَدُومَ.﴾ [أخبار الأيام الأول: 26- 4: 8].
النبي عاموس (جد قديم لنبينا محمد)
ربما لم يسمع أغلب المسلمين بالنبي عاموس وهو عربي من بني إسماعيل، وأمه هي أخت الملك النبي داود، فداود خاله، والملك النبي سليمان ابن خاله، فقد كان زوج أخت داود إسماعيلي. ولكنهم حرّفوا اسم عاموس في النصوص كي لا يُعرف أنه عاموس النبي. وذكروا أن عماسا/عماساي بن يثر كان قائد جيش يهوذا. وهناك قرية في زمام القدس اسمها عِمْواس، قيل إنها تُنسب إليه.
﴿10وَرَامُ وَلَدَ عَمِّينَادَابَ، وَعَمِّينَادَابُ وَلَدَ نَحْشُونَ رَئِيسَ بَنِي يَهُوذَا، 11وَنَحْشُونُ وَلَدَ سَلْمُوَ، وَسَلْمُو وَلَدَ بُوعَزَ، 12وَبُوعَزُ وَلَدَ عُوبِيدَ، وَعُوبِيدُ وَلَدَ يَسَّى، 13وَيَسَّى وَلَدَ: بِكْرَهُ أَلِيآبَ، وَأَبِينَادَابَ الثَّانِي، وَشِمْعَى الثَّالِثَ، 14وَنَثْنِئِيلَ الرَّابعَ، وَرَدَّايَ الْخَامِسَ، 15وَأُوصَمَ السَّادِسَ، وَدَاوُدَ السَّابعَ. 16وَأُخْتَاهُمْ صَرُويَةُ وَأَبِيجَايِلُ. وَبَنُو صَرُويَةَ: أَبْشَايُ وَيُوآبُ وَعَسَائِيلُ، ثَلاَثَةٌ. 17وَأَبِيجَايِلُ وَلَدَتْ عَمَاسَا، وَأَبُو عَمَاسَا يَثْرُ الإِسْمَاعِيلِيُّ.﴾ [أخبار الأيام الأول: 2- 10: 17].
﴿18فَحَلَّ الرُّوحُ عَلَى عَمَاسَايَ رَأْسِ الثَّوَالِثِ فَقَالَ: «لَكَ نَحْنُ يَا دَاوُدُ، وَمَعَكَ نَحْنُ يَا ابْنَ يَسَّى. سَلاَمٌ سَلاَمٌ لَكَ، وَسَلاَمٌ لِمُسَاعِدِيكَ. لأَنَّ إِلهَكَ مُعِينُكَ». فَقَبِلَهُمْ دَاوُدُ وَجَعَلَهُمْ رُؤُوسَ الْجُيُوشِ.﴾ [أخبار الأيام الأول: 12- 18].
وسبق أن ذكرنا في مبحث "نسب مدين" أن خدمة الرب لم تكن قاصرة على كهنة بني إسرائيل، وكانت جماعات أخرى من بينهم عرب في خدمة بيت الرب تُسمى اَلنَّثِينِيم.
وذُكر اسم عماساي وعوبيد أدوم ضمن كهنة الرب في زمن داود عليه السلام.
﴿24وَشَبَنْيَا وَيُوشَافَاطُ وَنَثْنَئِيلُ وَعَمَاسَايُ وَزَكَرِيَّا وَبَنَايَا وَأَلِيعَزَرُ الْكَهَنَةُ يَنْفُخُونَ بِالأَبْوَاقِ أَمَامَ تَابُوتِ اللهِ، وَعُوبِيدُ أَدُومَ وَيَحِيَّى بَوَّابَانِ لِلتَّابُوتِ.﴾ [أخبار الأيام الأول: 15- 24].
ويدعي كتبتهم في موضع آخر أن عماسا ابن رجل إسرائيلي، وأمه أبيجايل ليست بنت يسى وأخت داود بل بنت ناحاش! فهل هناك رجل يُوصف بالإسرائيلي في كتابهم بعد أن تفرقوا في أسباط يعرفون بها؟! ويلاحظ أن سفري صمويل تحاشيا تمامًا ذكر أن صروية أم أبيشاي ويوآب هي أخت داود كي لا يُعرف أن عماسا ابن أخته الأخرى أبيجايل، وزادوا فحرّفوا ونسبوهما إلى ناحاش وليس يسى!
﴿24وَجَاءَ دَاوُدُ إِلَى مَحَنَايِمَ. وَعَبَرَ أَبْشَالُومُ الأُرْدُنَّ هُوَ وَجَمِيعُ رِجَالِ إِسْرَائِيلَ مَعَهُ. 25وَأَقَامَ أَبْشَالُومُ عَمَاسَا بَدَلَ يُوآبَ عَلَى الْجَيْشِ. وَكَانَ عَمَاسَا ابْنَ رَجُل اسْمُهُ يِثْرَا الإِسْرَائِيلِيُّ الَّذِي دَخَلَ إِلَى أَبِيجَايِلَ بِنْتِ نَاحَاشَ أُخْتِ صَرُويَةَ أُمِّ يُوآبَ.﴾ [صمويل الثاني: 17- 24: 25].
وقد قُتل عماسا واقتص له الملك سليمان ابن خاله. وإن كنت أشك بسبب ظروف الاقتصاص له أن قتله كان لكونه نبيًا وليس قائد الجيش.
﴿8وَلَمَّا كَانُوا عِنْدَ الصَّخْرَةِ الْعَظِيمَةِ الَّتِي فِي جِبْعُونَ، جَاءَ عَمَاسَا قُدَّامَهُمْ. وَكَانَ يُوآبُ مُتَنَطِّقًا عَلَى ثَوْبِهِ الَّذِي كَانَ لاَبِسَهُ، وَفَوْقَهُ مِنْطَقَةُ سَيْفٍ فِي غِمْدِهِ مَشْدُودَةٌ عَلَى حَقَوَيْهِ، فَلَمَّا خَرَجَ انْدَلَقَ السَّيْفُ. 9فَقَالَ يُوآبُ لِعَمَاسَا: «أَسَالِمٌ أَنْتَ يَا أَخِي؟» وَأَمْسَكَتْ يَدُ يُوآبَ الْيُمْنَى بِلِحْيَةِ عَمَاسَا لِيُقَبِّلَهُ. 10وَأَمَّا عَمَاسَا فَلَمْ يَحْتَرِزْ مِنَ السَّيْفِ الَّذِي بِيَدِ يُوآبَ، فَضَرَبَهُ بِهِ فِي بَطْنِهِ فَدَلَقَ أَمْعَاءَهُ إِلَى الأَرْضِ وَلَمْ يُثَنِّ عَلَيْهِ، فَمَاتَ.﴾ [صمويل الثاني: 20- 8: 10].
﴿فَهَرَبَ يُوآبُ إِلَى خَيْمَةِ الرَّبِّ وَتَمَسَّكَ بِقُرُونِ الْمَذْبَحِ. 29فَأُخْبِرَ الْمَلِكُ سُلَيْمَانُ بِأَنَّ يُوآبَ قَدْ هَرَبَ إِلَى خَيْمَةِ الرَّبِّ وَهَا هُوَ بِجَانِبِ الْمَذْبَحِ. فَأَرْسَلَ سُلَيْمَانُ بَنَايَاهُوَ بْنَ يَهُويَادَاعَ قَائِلاً: «اذْهَبِ ابْطِشْ بِهِ». 30فَدَخَلَ بَنَايَاهُو إِلَى خَيْمَةِ الرَّبِّ وَقَالَ لَهُ: «هكَذَا يَقُولُ الْمَلِكُ: اخْرُجْ». فَقَالَ: «كَلاَّ، وَلكِنَّنِي هُنَا أَمُوتُ». فَرَدَّ بَنَايَاهُو الْجَوَابَ عَلَى الْمَلِكِ قَائِلاً: «هكَذَا تَكَلَّمَ يُوآبُ وَهكَذَا جَاوَبَنِي». 31فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ: «افْعَلْ كَمَا تَكَلَّمَ، وَابْطِشْ بِهِ وَادْفِنْهُ، وَأَزِلْ عَنِّي وَعَنْ بَيْتِ أَبِي الدَّمَ الزَّكِيَّ الَّذِي سَفَكَهُ يُوآبُ، 32فَيَرُدُّ الرَّبُّ دَمَهُ عَلَى رَأْسِهِ، لأَنَّهُ بَطَشَ بِرَجُلَيْنِ بَرِيئَيْنِ وَخَيْرٍ مِنْهُ وَقَتَلَهُمَا بِالسَّيْفِ، وَأَبِي دَاوُدُ لاَ يَعْلَمُ، وَهُمَا أَبْنَيْرُ بْنُ نَيْرٍ رَئِيسُ جَيْشِ إِسْرَائِيلَ، وَعَمَاسَا بْنُ يَثَرٍ رَئِيسُ جَيْشِ يَهُوذَا. 33فَيَرْتَدُّ دَمُهُمَا عَلَى رَأْسِ يُوآبَ وَرَأْسِ نَسْلِهِ إِلَى الأَبَدِ، وَيَكُونُ لِدَاوُدَ وَنَسْلِهِ وَبَيْتِهِ وَكُرْسِيِّهِ سَلاَمٌ إِلَى الأَبَدِ مِنْ عِنْدِ الرَّبِّ».﴾ [ملوك1: 2- 28: 33].
وإن كان سفر عاموس يستفتح بادعاء أن عاموس النبي كان راعيًا في زمن عُزّيّا ملك يهوذا وهو زمن أبعد بقرون عن زمن داود عليه السلام، فهذا من تحريفاتهم المعتادة، ولو لم يكن هو عاموس بن يثر وابن أبيجايل ما كانوا حرّفوا في نسب أمه ونسب زوجها لكن فضحهم سفر أخبار الأيام.
﴿1أَقْوَالُ عَامُوسَ الَّذِي كَانَ بَيْنَ الرُّعَاةِ مِنْ تَقُوعَ الَّتِي رَآهَا عَنْ إِسْرَائِيلَ، فِي أَيَّامِ عُزِّيَّا مَلِكِ يَهُوذَا، وَفِي أَيَّامِ يَرُبْعَامَ بْنِ يُوآشَ مَلِكِ إِسْرَائِيلَ، قَبْلَ الزَّلْزَلَةِ بِسَنَتَيْنِ.﴾ [عاموس: 1- 1].
وإحدى الآيات في سفر عاموس تحمل تلميحًا بخصوص أصحاب السبت والذين حدثت قصتهم في زمن داود عليه السلام، وهم من ذرية أفرايم؛ إذ تذكر غضبًا ينال ذرية من في جبل السامرة بشصوص السمك، وبنو أفرايم هم من حكموا مملكة إسرائيل بعد سليمان عليه السلام من السامرة، والسؤال: ما علاقة السبي البابلي بشصوص السمك إن كان هو المقصود في الآيات والسفر عمومًا؟! علمًا بأن سنحاريب كان قد قضى على مملكة السامرة قبل السبي البابلي بنحو قرن من الزمان!
﴿1اِسْمَعِي هذَا الْقَوْلَ يَا بَقَرَاتِ بَاشَانَ الَّتِي فِي جَبَلِ السَّامِرَةِ، الظَّالِمَةَ الْمَسَاكِينَ، السَّاحِقَةَ الْبَائِسِينَ، الْقَائِلَةَ لِسَادَتِهَا: «هَاتِ لِنَشْرَبَ». 2قَدْ أَقْسَمَ السَّيِّدُ الرَّبُّ بِقُدْسِهِ: «هُوَذَا أَيَّامٌ تَأْتِي عَلَيْكُنَّ، يَأْخُذُونَكُنَّ بِخَزَائِمَ، وَذُرِّيَّتَكُنَّ بِشُصُوصِ السَّمَكِ. 3وَمِنَ الشُّقُوقِ تَخْرُجْنَ كُلُّ وَاحِدَةٍ عَلَى وَجْهِهَا، وَتَنْدَفِعْنَ إِلَى الْحِصْنِ، يَقُولُ الرَّبُّ.﴾ [عاموس: 4- 1: 3].
وفي الإصحاح التالي مباشرة من سفره وردت آية تؤكد فناء قسم من ذرية يوسف، وهي إشارة تكفي للتشكيك في زمن كتابة السفر لأن السبي والموت وغيرهما لم يطل ذرية يوسف وحدها، ولكنهم يدّعون أن عاموس صاحب السفر هو راعٍ عاش قبل السبي البابلي وليس هو عماسا ابن أخت داود عليه السلام.
﴿14اُطْلُبُوا الْخَيْرَ لاَ الشَّرَّ لِكَىْ تَحْيَوْا، فَعَلَى هذَا يَكُونُ الرَّبُّ إِلهُ الْجُنُودِ مَعَكُمْ كَمَا قُلْتُمْ. 15اُبْغُضُوا الشَّرَّ، وَأَحِبُّوا الْخَيْرَ، وَثَبِّتُوا الْحَقَّ فِي الْبَابِ، لَعَلَّ الرَّبَّ إِلهَ الْجُنُودِ يَتَرَاءَفُ عَلَى بَقِيَّةِ يُوسُفَ.﴾ [عاموس: 5- 14: 15].
ومن المبكيات المضحكات أن المسيح عيسى من بني هارون عليه السلام من سبط لاوي؛ لأن أمه السيدة مريم من الكهنة اللاويين، وأما من فيه عرق من سبط يهوذا فهو نبينا محمد لأن عاموس أمه أبيجايل بنت يسى، وعاموس من الأجداد البعيدة لنبينا محمد.
ويدعي إنجيل لوقا أن تلميذين للمسيح كانا يتجهان لقرية عمواس بعد إلقاء اليهود القبض عليه وحادثة الصلب، وأن السيد المسيح ظهر لهما دون أن يعرفاه وأخذا يتباحثان معه عما حدث للمسيح، ثم شرح لهما ما في أسفار اليهود. وبعدها ظهر لتلاميذه كلهم المجتمعين ثم رفعه الله إليه. والمشهد الأول على طريق عمواس كله غير مبرر، فمن المقبول منطقيًا أن يظهر السيد المسيح لتلاميذه ويودعهم قبل رفعه إلى السماء بعد أن استخلصه الله تعالى واستنقذه من أيدي اليهود ليُعلمهم أنه حي، لكن لماذا يظهر لاثنين تحديدًا على طريق عمواس ليحدثهما عما في الناموس؟! وهذا النص قد تفرد به إنجيل لوقا عن بقية الأناجيل! فهل كان الحديث على طريق عمواس أم عن نبي عربي مثل عمواس ومن ذرية عمواس يأتي ليكمل الناموس ويكون النبي الخاتم؟!
﴿13وَإِذَا اثْنَانِ مِنْهُمْ كَانَا مُنْطَلِقَيْنِ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ إِلَى قَرْيَةٍ بَعِيدَةٍ عَنْ أُورُشَلِيمَ سِتِّينَ غَلْوَةً، اسْمُهَا «عِمْوَاسُ». 14وَكَانَا يَتَكَلَّمَانِ بَعْضُهُمَا مَعَ بَعْضٍ عَنْ جَمِيعِ هذِهِ الْحَوَادِثِ. 15وَفِيمَا هُمَا يَتَكَلَّمَانِ وَيَتَحَاوَرَانِ، اقْتَرَبَ إِلَيْهِمَا يَسُوعُ نَفْسُهُ وَكَانَ يَمْشِي مَعَهُمَا. 16وَلكِنْ أُمْسِكَتْ أَعْيُنُهُمَا عَنْ مَعْرِفَتِهِ. 17فَقَالَ لَهُمَا:«مَا هذَا الْكَلاَمُ الَّذِي تَتَطَارَحَانِ بِهِ وَأَنْتُمَا مَاشِيَانِ عَابِسَيْنِ؟» 18فَأَجَابَ أَحَدُهُمَا، الَّذِي اسْمُهُ كِلْيُوبَاسُ وَقَالَ لَهُ:«هَلْ أَنْتَ مُتَغَرِّبٌ وَحْدَكَ فِي أُورُشَلِيمَ وَلَمْ تَعْلَمِ الأُمُورَ الَّتِي حَدَثَتْ فِيهَا فِي هذِهِ الأَيَّامِ؟» 19فَقَالَ لَهُمَا:«وَمَا هِيَ؟» فَقَالاَ:«الْمُخْتَصَّةُ بِيَسُوعَ النَّاصِرِيِّ، الَّذِي كَانَ إِنْسَانًا نَبِيًّا مُقْتَدِرًا فِي الْفِعْلِ وَالْقَوْلِ أَمَامَ اللهِ وَجَمِيعِ الشَّعْبِ. 20كَيْفَ أَسْلَمَهُ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَحُكَّامُنَا لِقَضَاءِ الْمَوْتِ وَصَلَبُوهُ. 21وَنَحْنُ كُنَّا نَرْجُو أَنَّهُ هُوَ الْمُزْمِعُ أَنْ يَفْدِيَ إِسْرَائِيلَ. وَلكِنْ، مَعَ هذَا كُلِّهِ، الْيَوْمَ لَهُ ثَلاَثَةُ أَيَّامٍ مُنْذُ حَدَثَ ذلِكَ. 22بَلْ بَعْضُ النِّسَاءِ مِنَّا حَيَّرْنَنَا إِذْ كُنَّ بَاكِرًا عِنْدَ الْقَبْرِ، 23وَلَمَّا لَمْ يَجِدْنَ جَسَدَهُ أَتَيْنَ قَائِلاَتٍ: إِنَّهُنَّ رَأَيْنَ مَنْظَرَ مَلاَئِكَةٍ قَالُوا إِنَّهُ حَيٌّ. 24وَمَضَى قَوْمٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَنَا إِلَى الْقَبْرِ، فَوَجَدُوا هكَذَا كَمَا قَالَتْ أَيْضًا النِّسَاءُ، وَأَمَّا هُوَ فَلَمْ يَرَوْهُ». 25فَقَالَ لَهُمَا:«أَيُّهَا الْغَبِيَّانِ وَالْبَطِيئَا الْقُلُوبِ فِي الإِيمَانِ بِجَمِيعِ مَا تَكَلَّمَ بِهِ الأَنْبِيَاءُ! 26أَمَا كَانَ يَنْبَغِي أَنَّ الْمَسِيحَ يَتَأَلَّمُ بِهذَا وَيَدْخُلُ إِلَى مَجْدِهِ؟» 27ثُمَّ ابْتَدَأَ مِنْ مُوسَى وَمِنْ جَمِيعِ الأَنْبِيَاءِ يُفَسِّرُ لَهُمَا الأُمُورَ الْمُخْتَصَّةَ بِهِ فِي جَمِيعِ الْكُتُبِ.﴾ [لوقا: 24- 13: 27].
والأنبياء العرب كعوبديا وعاموس يبدو أنهم لم يكونوا مرسلين للعرب في جزيرة العرب، وقد كان هناك عرب كُثر في الشام من الأنباط وغيرهم من بني إسماعيل. وما نعرفه أن العرب في مكة لم يُبعث لهم رسول منهم أو من غيرهم منذ زمن أبيهم إسماعيل، وكان نبيهم مدخرًا ليكون حُسن الخاتمة لهم وللبشرية جمعاء.
﴿يس (1) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (2) إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (3) عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (4) تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (5) لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ (6)﴾ [يس: 1: 6].
﴿إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ (24)﴾ [فاطر: 24].
ونعرف أن الله تعالى أقسم بنصف حروف اللغة العربية التي نزل بها القرآن في فواتح بعض السور، وفي مستهل سورة "يس" أقسم بحرفي الياء والسين مقترنين، ثم أقسم بالقرآن، وكان جواب القسم أن نبينا محمدًا من المرسلين، ومن اللافت أن أبا داود عليه السلام بحسب أسفار اليهود كان اسمه يسَّى، وهم يعتقدون أنه جد النبي الخاتم، فلعل "يس" تصحيح لاسم أبي الملك داود، وتأكيد في الآن ذاته على أنه جد آخر المرسلين.
دعوة إبراهيم (أكثره بمحمد)
أخبرنا ربنا عز وجل في القرآن الكريم أن بعثة نبينا عليه الصلاة والسلام كانت إجابة لدعوة أبيه إبراهيم عليه السلام بعد أن بنى البيت الحرام مع ابنه إسماعيل في مكة؛ فهو دعوة إبراهيم ونبوءة موسى وترنيمة داود وبشارة عيسى.
﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (126) وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127) رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (128) رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (129)﴾ [البقرة: 126: 129].
ولن نجد لدعوة إبراهيم أثرًا صريحًا في توراتهم، إذ حذفوا منها قصص إبراهيم، ولن يجد قارئ التوراة ذكرًا صريحًا لمكة وبيته الحرام فيها. بل قد حذفوا أخبار الأنبياء الأولين عدا نوح عليه السلام.
لكن من النصوص القديمة التي احتوت نبوءة خفية بنبينا محمد، ولكن تم تحريفها، بعض الآيات في الإصحاح السابع عشر من سفر التكوين. والآيات تنص على أن الله قد سمع لإبراهيم حين دعا لنسل إسماعيل.
﴿18وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ ِللهِ: «لَيْتَ إِسْمَاعِيلَ يَعِيشُ أَمَامَكَ!». 19فَقَالَ اللهُ: «بَلْ سَارَةُ امْرَأَتُكَ تَلِدُ لَكَ ابْنًا وَتَدْعُو اسْمَهُ إِسْحَاقَ. وَأُقِيمُ عَهْدِي مَعَهُ عَهْدًا أَبَدِيًّا لِنَسْلِهِ مِنْ بَعْدِهِ. 20وَأَمَّا إِسْمَاعِيلُ فَقَدْ سَمِعْتُ لَكَ فِيهِ. هَا أَنَا أُبَارِكُهُ وَأُثْمِرُهُ وَأُكَثِّرُهُ كَثِيرًا جِدًّا. اِثْنَيْ عَشَرَ رَئِيسًا يَلِدُ، وَأَجْعَلُهُ أُمَّةً كَبِيرَةً. 21وَلكِنْ عَهْدِي أُقِيمُهُ مَعَ إِسْحَاقَ الَّذِي تَلِدُهُ لَكَ سَارَةُ فِي هذَا الْوَقْتِ فِي السَّنَةِ الآتِيَةِ». 22فَلَمَّا فَرَغَ مِنَ الْكَلاَمِ مَعَهُ صَعِدَ اللهُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ.﴾ [تكوين: 17- 18: 22].
وتتحدث الآيات عن البركة التي وعد الله خليله إبراهيم بوضعها في ذرية ابنه إسماعيل التي سيكثرها ﴿בִּמְאֹד מְאֹד﴾ "بِــــــــــمودميؤود" بحسب النطق في العبرية الحديثة، وترجموها "كثيرًا جدًا" أو "جدًا جدًا"!
ونص الآية العشرون بالعبرية:
﴿כ וּלְיִשְׁמָעֵאל, שְׁמַעְתִּיךָ--הִנֵּה בֵּרַכְתִּי אֹתוֹ וְהִפְרֵיתִי אֹתוֹ וְהִרְבֵּיתִי אֹתוֹ, בִּמְאֹד מְאֹד﴾.
﴿20وَأَمَّا إِسْمَاعِيلُ فَقَدْ سَمِعْتُ لَكَ فِيهِ. هَا أَنَا أُبَارِكُهُ وَأُثْمِرُهُ وَأُكَثِّرُهُ كَثِيرًا جِدًّا.﴾
وتتبع الحروف في العبرية ﴿בִּמְאֹד מְאֹד﴾ يجعلها "بِــــــــمُأَدْمُأّد"؛ حيث تتابع حروف "مِم ثم إلف ثم دلِت" مرتين ويسبقها حرف بيت.
وحساب الجُمَّل لها= ب+ م+ أ+ د+ م+ أ+ د= 2+ 40+ 1+ 4+ 40+ 1 + 4= 92
وهو ذاته حساب الجُمّل لاسم محمد= م+ ح+ م+ د= 40+ 8+ 40+ 4= 92
وما أخبر به أحبار اليهود الذين أسلموا أن أسلافهم كانوا إذا غيروا اسمًا وضعوا محله ما يوافق حسابه تمامًا بحساب الجُمّل. ومن ثم فالأصح هو أنه يكثره "بمحمد". ولا أعلم كيف دخل حرف بيت בִּ "الباء" على جدًا؟!
ويمكن أن نجد بشكل غير مباشر أثرًا لهذه الدعوة في تعليق بطرس على نبوءة موسى عليه السلام بنبي عظيم وتذكير بعهد الله مع نسل إبراهيم.
نبوءة موسى
فسر المسيحيون نبوءة موسى بمحمد على أنها نبوءة بنبي عظيم مثل موسى، ولكنهم تجاهلوا أن النبوءة تخص إخوتهم، وأنها تقول إنه أمي لا يقرأ فكلام الله في فيه وليس منزلًا إليه في صحف وألواح، ويكون صاحب شريعة ووصايا تتاح له الفرصة والوقت الكافيان لإبلاغ الناس بها، ومنهم بني إسرائيل، فمحمد عليه الصلاة والسلام لم يكن نبيًا إلى العرب وحدهم.
ونلاحظ أن النص التوراتي في سفر التثنية قد حّرف ووضع مقدمة للنبوءة في الآية الخامسة عشر أضاف فيها كلمة "من وسطك" قبل "من إخوتك"، بينما النبوءة ذاتها التي نقل فيها موسى عليه السلام كلام الرب إلى بني إسرائيل تبدأ في الآية السابعة عشرة وجاء فيها "من وسط إخوتهم".
﴿15«يُقِيمُ لَكَ الرَّبُّ إِلهُكَ نَبِيًّا مِنْ وَسَطِكَ مِنْ إِخْوَتِكَ مِثْلِي. لَهُ تَسْمَعُونَ. 16حَسَبَ كُلِّ مَا طَلَبْتَ مِنَ الرَّبِّ إِلهِكَ فِي حُورِيبَ يَوْمَ الاجْتِمَاعِ قَائِلاً: لاَ أَعُودُ أَسْمَعُ صَوْتَ الرَّبِّ إِلهِي وَلاَ أَرَى هذِهِ النَّارَ الْعَظِيمَةَ أَيْضًا لِئَلاَّ أَمُوتَ. 17قَالَ لِيَ الرَّبُّ: قَدْ أَحْسَنُوا فِي مَا تَكَلَّمُوا. 18أُقِيمُ لَهُمْ نَبِيًّا مِنْ وَسَطِ إِخْوَتِهِمْ مِثْلَكَ، وَأَجْعَلُ كَلاَمِي فِي فَمِهِ، فَيُكَلِّمُهُمْ بِكُلِّ مَا أُوصِيهِ بِهِ. 19وَيَكُونُ أَنَّ الإِنْسَانَ الَّذِي لاَ يَسْمَعُ لِكَلاَمِي الَّذِي يَتَكَلَّمُ بِهِ بِاسْمِي أَنَا أُطَالِبُهُ.﴾ [تثنية: 18- 15: 19].
وقد ظن بطرس أحد المبشرين الأوائل بالمسيحية أن النبوءة تحققت في المسيح عليه السلام، ويظهر من كلامه أنها نبوءة متكررة على لسان الأنبياء من بعد موسى، من صمويل أول أنبيائهم بعد موسى فما بعده، ويذكر في سياق كلامه ارتباطها بالعهد لنسل إبراهيم متجاهلًا كعادتهم أن بني إسرائيل ليسوا وحدهم نسل إبراهيم.
﴿20وَيُرْسِلَ يَسُوعَ الْمَسِيحَ الْمُبَشَّرَ بِهِ لَكُمْ قَبْلُ. 21الَّذِي يَنْبَغِي أَنَّ السَّمَاءَ تَقْبَلُهُ، إِلَى أَزْمِنَةِ رَدِّ كُلِّ شَيْءٍ، الَّتِي تَكَلَّمَ عَنْهَا اللهُ بِفَمِ جَمِيعِ أَنْبِيَائِهِ الْقِدِّيسِينَ مُنْذُ الدَّهْرِ. 22فَإِنَّ مُوسَى قَالَ لِلآبَاءِ: إِنَّ نَبِيًّا مِثْلِي سَيُقِيمُ لَكُمُ الرَّبُّ إِلهُكُمْ مِنْ إِخْوَتِكُمْ. لَهُ تَسْمَعُونَ فِي كُلِّ مَا يُكَلِّمُكُمْ بِهِ. 23وَيَكُونُ أَنَّ كُلَّ نَفْسٍ لاَ تَسْمَعُ لِذلِكَ النَّبِيِّ تُبَادُ مِنَ الشَّعْبِ. 24وَجَمِيعُ الأَنْبِيَاءِ أَيْضًا مِنْ صَمُوئِيلَ فَمَا بَعْدَهُ، جَمِيعُ الَّذِينَ تَكَلَّمُوا، سَبَقُوا وَأَنْبَأُوا بِهذِهِ الأَيَّامِ. 25أَنْتُمْ أَبْنَاءُ الأَنْبِيَاءِ، وَالْعَهْدِ الَّذِي عَاهَدَ بِهِ اللهُ آبَاءَنَا قَائِلاً لإِبْراهِيمَ: وَبِنَسْلِكَ تَتَبَارَكُ جَمِيعُ قَبَائِلِ الأَرْضِ. 26إِلَيْكُمْ أَوَّلاً، إِذْ أَقَامَ اللهُ فَتَاهُ يَسُوعَ، أَرْسَلَهُ يُبَارِكُكُمْ بِرَدِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ عَنْ شُرُورِهِ».﴾ [أعمال الرسل: 3- 20: 26].
وهي ذاتها النبوءة التي أعادها استفانوس في إحدى عظاته التبشيرية بالمسيحية.
﴿37«هذَا هُوَ مُوسَى الَّذِي قَالَ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: نَبِيًّا مِثْلِي سَيُقِيمُ لَكُمُ الرَّبُّ إِلهُكُمْ مِنْ إِخْوَتِكُمْ. لَهُ تَسْمَعُونَ.﴾ [أعمال الرسل: 7- 37].
وسبق أن مر بنا مثال أن إبراهيم عليه السلام كان يدعو لوطًا أخاه وهو ابن أخيه، ومثله أمثلة كثيرة سنجدها في علاقات قرابة ملوك بني إسرائيل كما يظهر من أسفار الملوك وأخبار الأيام، فعندهم يُسمى العمومة وبنو العمومة إخوة. كما أن عناصر التشابه بين موسى ومحمد عليهما السلام كثيرة، فقد طالت أيامهما في قومهما وكان لهما أتباع وجيش، من ثم كانا نبيين ملكين وإن لم يضعا التاج على رأسيهما، بينما المسيح عليه السلام قد أتى الدنيا ليكون آية؛ فمولده آية ومعجزاته آيات ورفعه إلى السماء آية، والواقع يشهد أنه لم يقد بني إسرائيل ولم يصبح ملكًا عليهم رغم كل ما خلطه المسيحيون في كتبهم أرادوا أن يوهموا به أنه كان ملك إسرائيل.
ومن بعض آيات إنجيل يوحنا يتضح بجلاء أن بني إسرائيل كانت عندهم نبوءات بالمسيح ابن مريم ولكنهم أنكروه إذ لم تعجبهم وداعته رغم المعجزات التي أتى بها، وكانوا في انتظار المسيح الآخر الذي لا يعلمون من أين هو، ومن نصوص أخرى يظهر أن من كانوا بانتظاره النبي الملك القوي (المسيح) الذي يأتي بعده.
﴿25فَقَالَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ أُورُشَلِيمَ:«أَلَيْسَ هذَا هُوَ الَّذِي يَطْلُبُونَ أَنْ يَقْتُلُوهُ؟ 26وَهَا هُوَ يَتَكَلَّمُ جِهَارًا وَلاَ يَقُولُونَ لَهُ شَيْئًا! أَلَعَلَّ الرُّؤَسَاءَ عَرَفُوا يَقِينًا أَنَّ هذَا هُوَ الْمَسِيحُ حَقًّا؟ 27وَلكِنَّ هذَا نَعْلَمُ مِنْ أَيْنَ هُوَ، وَأَمَّا الْمَسِيحُ فَمَتَى جَاءَ لاَ يَعْرِفُ أَحَدٌ مِنْ أَيْنَ هُوَ».
﴿28فَنَادَى يَسُوعُ وَهُوَ يُعَلِّمُ فِي الْهَيْكَلِ قِائِلاً: «تَعْرِفُونَنِي وَتَعْرِفُونَ مِنْ أَيْنَ أَنَا، وَمِنْ نَفْسِي لَمْ آتِ، بَلِ الَّذِي أَرْسَلَنِي هُوَ حَقٌ، الَّذِي أَنْتُمْ لَسْتُمْ تَعْرِفُونَهُ. 29أَنَا أَعْرِفُهُ لأَنِّي مِنْهُ، وَهُوَ أَرْسَلَنِي».30فَطَلَبُوا أَنْ يُمْسِكُوهُ، وَلَمْ يُلْقِ أَحَدٌ يَدًا عَلَيْهِ، لأَنَّ سَاعَتَهُ لَمْ تَكُنْ قَدْ جَاءَتْ بَعْدُ. 31فَآمَنَ بِهِ كَثِيرُونَ مِنَ الْجَمْعِ، وَقَالُوا:«أَلَعَلَّ الْمَسِيحَ مَتَى جَاءَ يَعْمَلُ آيَاتٍ أَكْثَرَ مِنْ هذِهِ الَّتِي عَمِلَهَا هذَا؟».﴾ [يوحنا: 7- 25: 31].
والإثبات من القرآن أن محمدًا في العرب نظير موسى في بني إسرائيل، قوله تعالى: ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا (15)﴾ [المزمل: 15].
وهو نبي من إخوتهم وعلى بني إسرائيل أن يسمعوا له ويطيعوا، فهو لهم أيضًا وليس للعرب وحسب. وهذه النبوءة لا تصدق على أي نبي في بني إسرائيل بدءًا من صموئيل أو أنبيائهم بعد موسى وصولًا إلى المسيح ابن مريم.
ترنيمة داود
ذكرنا أن أصل عقيدة الإقعاد الفاسدة آية في أحد مزامير داود، وهي الترنيمة التي يعتقد المسيحيون أن المقصود بها المسيح، ويعتقد المسلمون أن المقصود بها نبينا محمد.
﴿1قَالَ الرَّبُّ لِرَبِّي: «اجْلِسْ عَنْ يَمِينِي حَتَّى أَضَعَ أَعْدَاءَكَ مَوْطِئًا لِقَدَمَيْكَ».﴾ [مزمور110- 1].
وبعيدًا عن أن هذا الاعتقاد تجسيم محض لله بجعل بشرًا أيًا كان من هو يجلس إلى يمين الله على عرشه، والمعنى مجازي ولا شك، فالحديث عن ربّي (=ربّاني Rabbi) مظفر على أعدائه، وهذا الوصف لا ينطبق على المسيح عليه السلام، إذ لم تكن له قوة على أعدائه، ولولا أن الله تعالى كان معه فاستخلصه واستنقذه منهم لقتلوه.
وما ورد عن نبينا عليه الصلاة والسلام لم يرد فيه سوى أنه دعوة إبراهيم وبشارة عيسى، ومن ثم فربما كانت هذه الترنيمة المنسوبة لداود عليه السلام من تحريفاتهم كونهم كانوا في انتظار ملك مظفر على أعدائه.
وتوجد ترنيمة أخرى في المزامير يتكرر فيها الحمد كثيرًا، وتذكر الحجر الذي رفضه البناؤون ثم صار رأس الزاوية، وليس له تفسير سوى نبينا الذي اختاره الله من الأمة المحتقرة وهي العرب -وهي النبوءة التي سيكررها السيد المسيح في نبوءة الكرّامين ويُفصِّل فيها- وتشير الترنيمة إلى أن هذا يكون عجيبًا في أعين الناس، وتبارك الترنيمة الآتي باسم الرب الذي تبارك من بيت الرب، ثم تذكر الذبيحة المقدمة للرب.
﴿19اِفْتَحُوا لِي أَبْوَابَ الْبِرِّ. أَدْخُلْ فِيهَا وَأَحْمَدِ الرَّبَّ. 20هذَا الْبَابُ لِلرَّبِّ. الصِّدِّيقُونَ يَدْخُلُونَ فِيهِ. 21أَحْمَدُكَ لأَنَّكَ اسْتَجَبْتَ لِي وَصِرْتَ لِي خَلاَصًا. 22الْحَجَرُ الَّذِي رَفَضَهُ الْبَنَّاؤُونَ قَدْ صَارَ رَأْسَ الزَّاوِيَةِ. 23مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ كَانَ هذَا، وَهُوَ عَجِيبٌ فِي أَعْيُنِنَا.
24هذَا هُوَ الْيَوْمُ الَّذِي صَنَعُهُ الرَّبُّ، نَبْتَهِجُ وَنَفْرَحُ فِيهِ. 25آهِ يَا رَبُّ خَلِّصْ! آهِ يَا رَبُّ أَنْقِذْ! 26مُبَارَكٌ الآتِي بِاسْمِ الرَّبِّ. بَارَكْنَاكُمْ مِنْ بَيْتِ الرَّبِّ. 27الرَّبُّ هُوَ اللهُ وَقَدْ أَنَارَ لَنَا. أَوْثِقُوا الذَّبِيحَةَ بِرُبُطٍ إِلَى قُرُونِ الْمَذْبَحِ. 28إِلهِي أَنْتَ فَأَحْمَدُكَ، إِلهِي فَأَرْفَعُكَ. 29احْمَدُوا الرَّبَّ لأَنَّهُ صَالِحٌ، لأَنَّ إِلَى الأَبَدِ رَحْمَتَهُ.﴾ [مزمور118- 19: 29].
إضافة لذلك توجد ترانيم في بعض المزامير تمثل نبوءات غير تامة الوضوح بنبينا، وإن كان المؤكد أنها لا تصدق على المسيح عليه السلام، كاَلْمَزْمُورُ الْخَامِسُ والأَرْبَعُينَ، لإِمَامِ الْمُغَنِّينَ. عَلَى «السُّوسَنِّ». لِبَنِي قُورَحَ. وهي تَرْنِيمَةُ مَحَبَّةٍ. والحديث فيها عن رجل جميل الصورة، وهو مسيح لله "نبي ملك" مميز عن باقي المُسحاء فقد سًر به الله أعظم سرور، ويأتيه الوحي شفاهة فينطلق به لسانه، وهو محارب يتبدل حال قومه به، وتدين له الشعوب وتحمده إلى الأبد، والوصف الأخير يتفق تمامًا مع اسم نبينا.
﴿1فَاضَ قَلْبِي بِكَلاَمٍ صَالِحٍ. مُتَكَلِّمٌ أَنَا بِإِنْشَائِي لِلْمَلِكِ. لِسَانِي قَلَمُ كَاتِبٍ مَاهِرٍ.
2أَنْتَ أَبْرَعُ جَمَالاً مِنْ بَنِي الْبَشَرِ. انْسَكَبَتِ النِّعْمَةُ عَلَى شَفَتَيْكَ، لِذلِكَ بَارَكَكَ اللهُ إِلَى الأَبَدِ. 3تَقَلَّدْ سَيْفَكَ عَلَى فَخْذِكَ أَيُّهَا الْجَبَّارُ، جَلاَلَكَ وَبَهَاءَكَ. 4وَبِجَلاَلِكَ اقْتَحِمِ. ارْكَبْ. مِنْ أَجْلِ الْحَقِّ وَالدَّعَةِ وَالْبِرِّ، فَتُرِيَكَ يَمِينُكَ مَخَاوِفَ. 5نَبْلُكَ الْمَسْنُونَةُ فِي قَلْبِ أَعْدَاءِ الْمَلِكِ. شُعُوبٌ تَحْتَكَ يَسْقُطُونَ.
6كُرْسِيُّكَ يَا اَللهُ إِلَى دَهْرِ الدُّهُورِ. قَضِيبُ اسْتِقَامَةٍ قَضِيبُ مُلْكِكَ. 7أَحْبَبْتَ الْبِرَّ وَأَبْغَضْتَ الإِثْمَ، مِنْ أَجْلِ ذلِكَ مَسَحَكَ اللهُ إِلهُكَ بِدُهْنِ الابْتِهَاجِ أَكْثَرَ مِنْ رُفَقَائِكَ. 8كُلُّ ثِيَابِكَ مُرٌّ وَعُودٌ وَسَلِيخَةٌ. مِنْ قُصُورِ الْعَاجِ سَرَّتْكَ الأَوْتَارُ. 9بَنَاتُ مُلُوكٍ بَيْنَ حَظِيَّاتِكَ. جُعِلَتِ الْمَلِكَةُ عَنْ يَمِينِكَ بِذَهَبِ أُوفِيرٍ.
10اِسْمَعِي يَا بِنْتُ وَانْظُرِي، وَأَمِيلِي أُذُنَكِ، وَانْسَيْ شَعْبَكِ وَبَيْتَ أَبِيكِ، 11فَيَشْتَهِيَ الْمَلِكُ حُسْنَكِ، لأَنَّهُ هُوَ سَيِّدُكِ فَاسْجُدِي لَهُ. 12وَبِنْتُ صُورٍ أَغْنَى الشُّعُوبِ تَتَرَضَّى وَجْهَكِ بِهَدِيَّةٍ.
13كُلُّهَا مَجْدٌ ابْنَةُ الْمَلِكِ فِي خِدْرِهَا. مَنْسُوجَةٌ بِذَهَبٍ مَلاَبِسُهَا. 14بِمَلاَبِسَ مُطَرَّزَةٍ تُحْضَرُ إِلَى الْمَلِكِ. في إِثْرِهَا عَذَارَى صَاحِبَاتُهَا. مُقَدَّمَاتٌ إِلَيْكَ. 15يُحْضَرْنَ بِفَرَحٍ وَابْتِهَاجٍ. يَدْخُلْنَ إِلَى قَصْرِ الْمَلِكِ. 16عِوَضًا عَنْ آبَائِكَ يَكُونُ بَنُوكَ، تُقِيمُهُمْ رُؤَسَاءَ فِي كُلِّ الأَرْضِ. 17أَذْكُرُ اسْمَكَ فِي كُلِّ دَوْرٍ فَدَوْرٍ. مِنْ أَجْلِ ذلِكَ تَحْمَدُكَ الشُّعُوبُ إِلَى الدَّهْرِ وَالأَبَدِ.﴾ [مزمور 45].
رؤيا نبوخذ نصر وتأويل دانيال
يستفتح سفر النبي دانيال بذكر غزو نبوخذ نصر ملك بابل للقدس، وأسره جماعة من اليهود أخذهم معه إلى بابل، وكان فيهم النبي دانيال، ثم إن نبوخذ نصر قد رأى رؤيا عظيمة أزعجته وعجز حكماؤه عن تأويلها، فأولها له النبي دانيال.
والرؤيا تتحدث عن أربع ممالك أرضية تتعاقب، ثم يأتي حجر مقطوع بغير يدين تعبيرًا عن مملكة سماوية يقيمها الله تسحق كل الممالك وهي تثبت إلى قيام الساعة، ولم تأتِ مملكة سماوية قوية سحقت ممالك الأرض منذ زمن دانيال عليه السلام سوى أمة الإسلام. وأعتقد أن قوله إن المملكة منقسمة تحريف بسيط غير مقصود من الكتبة والأصح أن الأرض تكون منقسمة قبل قيام هذه المملكة الأرضية، وهو ما كان من انقسام بين الفرس والروم قبل قيام الإسلام.
﴿31«أَنْتَ أَيُّهَا الْمَلِكُ كُنْتَ تَنْظُرُ وَإِذَا بِتِمْثَال عَظِيمٍ. هذَا التِّمْثَالُ الْعَظِيمُ الْبَهِيُّ جِدًّا وَقَفَ قُبَالَتَكَ، وَمَنْظَرُهُ هَائِلٌ. 32رَأْسُ هذَا التِّمْثَالِ مِنْ ذَهَبٍ جَيِّدٍ. صَدْرُهُ وَذِرَاعَاهُ مِنْ فِضَّةٍ. بَطْنُهُ وَفَخْذَاهُ مِنْ نُحَاسٍ. 33سَاقَاهُ مِنْ حَدِيدٍ. قَدَمَاهُ بَعْضُهُمَا مِنْ حَدِيدٍ وَالْبَعْضُ مِنْ خَزَفٍ. 34كُنْتَ تَنْظُرُ إِلَى أَنْ قُطِعَ حَجَرٌ بِغَيْرِ يَدَيْنِ، فَضَرَبَ التِّمْثَالَ عَلَى قَدَمَيْهِ اللَّتَيْنِ مِنْ حَدِيدٍ وَخَزَفٍ فَسَحَقَهُمَا. 35فَانْسَحَقَ حِينَئِذٍ الْحَدِيدُ وَالْخَزَفُ وَالنُّحَاسُ وَالْفِضَّةُ وَالذَّهَبُ مَعًا، وَصَارَتْ كَعُصَافَةِ الْبَيْدَرِ فِي الصَّيْفِ، فَحَمَلَتْهَا الرِّيحُ فَلَمْ يُوجَدْ لَهَا مَكَانٌ. أَمَّا الْحَجَرُ الَّذِي ضَرَبَ التِّمْثَالَ فَصَارَ جَبَلاً كَبِيرًا وَمَلأَ الأَرْضَ كُلَّهَا. 36هذَا هُوَ الْحُلْمُ. فَنُخْبِرُ بِتَعْبِيرِهِ قُدَّامَ الْمَلِكِ.
37«أَنْتَ أَيُّهَا الْمَلِكُ مَلِكُ مُلُوكٍ، لأَنَّ إِلهَ السَّمَاوَاتِ أَعْطَاكَ مَمْلَكَةً وَاقْتِدَارًا وَسُلْطَانًا وَفَخْرًا. 38وَحَيْثُمَا يَسْكُنُ بَنُو الْبَشَرِ وَوُحُوشُ الْبَرِّ وَطُيُورُ السَّمَاءِ دَفَعَهَا لِيَدِكَ وَسَلَّطَكَ عَلَيْهَا جَمِيعِهَا. فَأَنْتَ هذَا الرَّأْسُ مِنْ ذَهَبٍ. 39وَبَعْدَكَ تَقُومُ مَمْلَكَةٌ أُخْرَى أَصْغَرُ مِنْكَ وَمَمْلَكَةٌ ثَالِثَةٌ أُخْرَى مِنْ نُحَاسٍ فَتَتَسَلَّطُ عَلَى كُلِّ الأَرْضِ. 40وَتَكُونُ مَمْلَكَةٌ رَابِعَةٌ صَلْبَةٌ كَالْحَدِيدِ، لأَنَّ الْحَدِيدَ يَدُقُّ وَيَسْحَقُ كُلَّ شَيْءٍ. وَكَالْحَدِيدِ الَّذِي يُكَسِّرُ تَسْحَقُ وَتُكَسِّرُ كُلَّ هؤُلاَءِ. 41وَبِمَا رَأَيْتَ الْقَدَمَيْنِ وَالأَصَابِعَ بَعْضُهَا مِنْ خَزَفٍ وَالْبَعْضُ مِنْ حَدِيدٍ، فَالْمَمْلَكَةُ تَكُونُ مُنْقَسِمَةً، وَيَكُونُ فِيهَا قُوَّةُ الْحَدِيدِ مِنْ حَيْثُ إِنَّكَ رَأَيْتَ الْحَدِيدَ مُخْتَلِطًا بِخَزَفِ الطِّينِ. 42وَأَصَابِعُ الْقَدَمَيْنِ بَعْضُهَا مِنْ حَدِيدٍ وَالْبَعْضُ مِنْ خَزَفٍ، فَبَعْضُ الْمَمْلَكَةِ يَكُونُ قَوِيًّا وَالْبَعْضُ قَصِمًا. 43وَبِمَا رَأَيْتَ الْحَدِيدَ مُخْتَلِطًا بِخَزَفِ الطِّينِ، فَإِنَّهُمْ يَخْتَلِطُونَ بِنَسْلِ النَّاسِ، وَلكِنْ لاَ يَتَلاَصَقُ هذَا بِذَاكَ، كَمَا أَنَّ الْحَدِيدَ لاَ يَخْتَلِطُ بِالْخَزَفِ. 44وَفِي أَيَّامِ هؤُلاَءِ الْمُلُوكِ، يُقِيمُ إِلهُ السَّمَاوَاتِ مَمْلَكَةً لَنْ تَنْقَرِضَ أَبَدًا، وَمَلِكُهَا لاَ يُتْرَكُ لِشَعْبٍ آخَرَ، وَتَسْحَقُ وَتُفْنِي كُلَّ هذِهِ الْمَمَالِكِ، وَهِيَ تَثْبُتُ إِلَى الأَبَدِ. 45لأَنَّكَ رَأَيْتَ أَنَّهُ قَدْ قُطِعَ حَجَرٌ مِنْ جَبَل لاَ بِيَدَيْنِ، فَسَحَقَ الْحَدِيدَ وَالنُّحَاسَ وَالْخَزَفَ وَالْفِضَّةَ وَالذَّهَبَ. اَللهُ الْعَظِيمُ قَدْ عَرَّفَ الْمَلِكَ مَا سَيَأْتِي بَعْدَ هذَا. اَلْحُلْمُ حَقٌّ وَتَعْبِيرُهُ يَقِينٌ».﴾ [دانيال: 2- 31: 45].
وسبق أن ذكرنا في المباحث عن يحيى/يوحنا والمسيح ابن مريم عليهما السلام أن نصوص الأناجيل على لسانهما كانت تبشر باقتراب ملكوت السماوات، وأقرب تفسير لهذا الملكوت أنه المملكة السماوية التي فسرها دانيال عليه السلام أنها تأتي لتطيح بممالك الأرض الكافرة القوية حولها. وأما الحجر فقد ذكره السيد المسيح في نبوءة الكرامين.
نبوءة الكرّامين (حجر رأس الزاوية)
تنبأ السيد المسيح في النبوءة الشهيرة بنبوءة الكرَّامين أن النبي القادم لن يكون من بني إسرائيل لأنهم تسافهوا كثيرًا في حق الأنبياء حتى قتلوا بعضهم، وأنه هو آخر أنبياء بني إسرائيل، وأن هذه الأمة التي ستُعطي الإثمار لن تكون أمة معتبرة بين الأمم، بل هي كالحجر الذي لم يرض البناؤون استخدامه ورفضوه ولكنه بعد ذلك صار رأس الزاوية وعمود البناء، وهي إشارة إلى العرب فقد كانوا أمة محتقرة بين الأمم لعدم اعتنائهم بالعلم، ويكمل السيد المسيح بأن هذا الحجر قوي قادر على سحق أعدائه إن حاربهم، ومن سعى في حربهم يترضض وينكسر. وهي إشارة إلى قوة وبأس محمد عليه الصلاة والسلام ومن معه. ولعل التحريف الوحيد الذي طال هذه النبوءة أنهم أشاروا للمسيح بابن صاحب الكرم.
﴿33«اِسْمَعُوا مَثَلاً آخَرَ: كَانَ إِنْسَانٌ رَبُّ بَيْتٍ غَرَسَ كَرْمًا، وَأَحَاطَهُ بِسِيَاجٍ، وَحَفَرَ فِيهِ مَعْصَرَةً، وَبَنَى بُرْجًا، وَسَلَّمَهُ إِلَى كَرَّامِينَ وَسَافَرَ. 34وَلَمَّا قَرُبَ وَقْتُ الأَثْمَارِ أَرْسَلَ عَبِيدَهُ إِلَى الْكَرَّامِينَ لِيَأْخُذَ أَثْمَارَهُ. 35فَأَخَذَ الْكَرَّامُونَ عَبِيدَهُ وَجَلَدُوا بَعْضًا وَقَتَلُوا بَعْضًا وَرَجَمُوا بَعْضًا. 36ثُمَّ أَرْسَلَ أَيْضًا عَبِيدًا آخَرِينَ أَكْثَرَ مِنَ الأَوَّلِينَ، فَفَعَلُوا بِهِمْ كَذلِكَ. 37فَأَخِيرًا أَرْسَلَ إِلَيْهِمُ ابْنَهُ قَائِلاً: يَهَابُونَ ابْنِي! 38وَأَمَّا الْكَرَّامُونَ فَلَمَّا رَأَوْا الابْنَ قَالُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ: هذَا هُوَ الْوَارِثُ! هَلُمُّوا نَقْتُلْهُ وَنَأْخُذْ مِيرَاثَهُ! 39فَأَخَذُوهُ وَأَخْرَجُوهُ خَارِجَ الْكَرْمِ وَقَتَلُوهُ. 40فَمَتَى جَاءَ صَاحِبُ الْكَرْمِ، مَاذَا يَفْعَلُ بِأُولَئِكَ الْكَرَّامِينَ؟» 41قَالُوا لَهُ:«أُولئِكَ الأَرْدِيَاءُ يُهْلِكُهُمْ هَلاَكًا رَدِيًّا، وَيُسَلِّمُ الْكَرْمَ إِلَى كَرَّامِينَ آخَرِينَ يُعْطُونَهُ الأَثْمَارَ فِي أَوْقَاتِهَا». 42قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ:«أَمَا قَرَأْتُمْ قَطُّ فِي الْكُتُبِ: الْحَجَرُ الَّذِي رَفَضَهُ الْبَنَّاؤُونَ هُوَ قَدْ صَارَ رَأْسَ الزَّاوِيَةِ؟ مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ كَانَ هذَا وَهُوَ عَجِيبٌ فِي أَعْيُنِنَا! 43لِذلِكَ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مَلَكُوتَ اللهِ يُنْزَعُ مِنْكُمْ وَيُعْطَى لأُمَّةٍ تَعْمَلُ أَثْمَارَهُ. 44وَمَنْ سَقَطَ عَلَى هذَا الْحَجَرِ يَتَرَضَّضُ، وَمَنْ سَقَطَ هُوَ عَلَيْهِ يَسْحَقُهُ!».
45وَلَمَّا سَمِعَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَالْفَرِّيسِيُّونَ أَمْثَالَهُ، عَرَفُوا أَنَّهُ تَكَلَّمَ عَلَيْهِمْ. 46وَإِذْ كَانُوا يَطْلُبُونَ أَنْ يُمْسِكُوهُ، خَافُوا مِنَ الْجُمُوعِ، لأَنَّهُ كَانَ عِنْدَهُمْ مِثْلَ نَبِيٍّ.﴾ [متى: 21- 33: 46].
ومن النصوص على لسان المسيح عليه السلام التي يمكن أن نستخلص منها أن بناء النبوات واحد وبانتظار الاكتمال، ويعلن المسيح أنه هو ذاته حجر في هذا البناء، فدين الأنبياء واحد.
﴿17«لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأَنْقُضَ النَّامُوسَ أَوِ الأَنْبِيَاءَ. مَا جِئْتُ لأَنْقُضَ بَلْ لأُكَمِّلَ. 18فَإِنِّي الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِلَى أَنْ تَزُولَ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ لاَ يَزُولُ حَرْفٌ وَاحِدٌ أَوْ نُقْطَةٌ وَاحِدَةٌ مِنَ النَّامُوسِ حَتَّى يَكُونَ الْكُلُّ.﴾ [متى: 5- 17: 18].
وفي القرآن الكريم آية تؤكد أن عيسى عليه السلام لم يأتِ لينقض ناموس موسى بل ليصدق به، ويبشر بنبينا الذي يأتي بعده، وأنه لما أتى بني إسرائيل بالبينات كذبوه وادعوا عليه أنه ساحر.
﴿وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (6)﴾ [الصف: 6].
ولكن لا يعني هذا أن المسيح هو الحجر الناقص من الزاوية؛ فبالعودة إلى نبوءة الكرّامين على لسان السيد المسيح نتأكد أن هذا الحجر الذي رُفض ثم صار رأس الزاوية يأتي من أمة غير بني إسرائيل وهو ساحق لأعدائه، فليس السيد المسيح المقصود به، ولو كان هو المقصود لأزال اليهود هذه الترنيمة من المزامير أو حرّفوا فيها مثلما أزالوا أغلب النبوءات به، ولكنها نبوءة عن النبي الملك القوي قاهر أعدائه الذي كانوا في انتظاره، وهذا سبب تركهم لها وعدم إزالتها رغم تكرار ذكرها على لسان المسيح.
ولرسولنا عليه أفضل الصلاة والسلام حديث عن اللبنة من الزاوية أو الحجر الخاتم في بناء النبوات الذي يتعجب الناس له، رواه البخاري (3535) ومسلم (2286).
حديث البخاري (3535) عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بيتًا فأحسنه وأجمله، إلا موضع لبنة من زاوية، فجعل الناس يطوفون به ويعجبون له ويقولون: هلّا وُضعت هذه اللبنة؟ قال: فأنا اللبنة، وأنا خاتم النبيين".
الكامل (الخاتم)
في رسالة بولس –وهو أحد المبشرين بالمسيحية- إلى أَهْلِ كُورِنْثُوسَ نص يشير إلى توقف النبوات وعلم أهل الكتاب إلا أن يأتي من تسميه النسخة العربية من العهد الجديد بالكامل.
﴿وَأَمَّا النُّبُوَّاتُ فَسَتُبْطَلُ، وَالأَلْسِنَةُ فَسَتَنْتَهِي، وَالْعِلْمُ فَسَيُبْطَلُ. 9لأَنَّنَا نَعْلَمُ بَعْضَ الْعِلْمِ وَنَتَنَبَّأُ بَعْضَ التَّنَبُّؤِ. 10وَلكِنْ مَتَى جَاءَ الْكَامِلُ فَحِينَئِذٍ يُبْطَلُ مَا هُوَ بَعْضٌ.﴾ [كورنثوس1: 13- 8: 10].
ويعلق إنجيل Disciples’ Literal New Testament (DLNT) بأنه "هذا هو الذي على النقيض من "جزء". أو، كامل، وناضج، وقد بلغ نهايته (غايته) أو غرضه".
“That is, in contrast to ‘in part’. Or, perfect, mature, having attained its end or purpose.”
والنص من إنجيل Amplified Bible, Classic Edition (AMPC) يصفه بالمُكمِّل والكامل، والمُكمِّل هو "الخاتم"!
(10 But when the complete and perfect (total) comes, the incomplete and imperfect will vanish away (become antiquated, void, and superseded)).
ولأن من قال هذا أحد المبشرين بالمسيحية فيستحيل أن يكون المقصود هو المسيح عليه السلام. فالنبوءة هنا بمن يتمم الدين، باللبنة، بخاتم الأنبياء.
﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾ [المائدة: 3].
المُعزي Parakletos (Paraclet)
هناك نبوءة شهيرة بنبينا محمد عليه الصلاة والسلام جاءت على لسان المسيح عليه السلام، تفرد بها إنجيل يوحنا في أربعة إصحاحات متتالية، إذ ذكر السيد المسيح المعزي في وصاياه وحديثه الأخير مع حوارييه بعد العشاء الأخير (المائدة). ويستحيل أن يكون المقصود غير نبينا؛ كونها على لسان المسيح.
﴿15«إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَنِي فَاحْفَظُوا وَصَايَايَ، 16وَأَنَا أَطْلُبُ مِنَ الآبِ فَيُعْطِيكُمْ مُعَزِّيًا آخَرَ لِيَمْكُثَ مَعَكُمْ إِلَى الأَبَدِ، 17رُوحُ الْحَقِّ الَّذِي لاَ يَسْتَطِيعُ الْعَالَمُ أَنْ يَقْبَلَهُ، لأَنَّهُ لاَ يَرَاهُ وَلاَ يَعْرِفُهُ، وَأَمَّا أَنْتُمْ فَتَعْرِفُونَهُ لأَنَّهُ مَاكِثٌ مَعَكُمْ وَيَكُونُ فِيكُمْ. 18لاَ أَتْرُكُكُمْ يَتَامَى. إِنِّي آتِي إِلَيْكُمْ. 19بَعْدَ قَلِيل لاَ يَرَانِي الْعَالَمُ أَيْضًا، وَأَمَّا أَنْتُمْ فَتَرَوْنَنِي. إِنِّي أَنَا حَيٌّ فَأَنْتُمْ سَتَحْيَوْنَ. 20فِي ذلِكَ الْيَوْمِ تَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا فِي أَبِي، وَأَنْتُمْ فِيَّ، وَأَنَا فِيكُمْ. 21اَلَّذِي عِنْدَهُ وَصَايَايَ وَيَحْفَظُهَا فَهُوَ الَّذِي يُحِبُّنِي، وَالَّذِي يُحِبُّنِي يُحِبُّهُ أَبِي، وَأَنَا أُحِبُّهُ، وَأُظْهِرُ لَهُ ذَاتِي».
22قَالَ لَهُ يَهُوذَا لَيْسَ الإِسْخَرْيُوطِيَّ:«يَا سَيِّدُ، مَاذَا حَدَثَ حَتَّى إِنَّكَ مُزْمِعٌ أَنْ تُظْهِرَ ذَاتَكَ لَنَا وَلَيْسَ لِلْعَالَمِ؟» 23أَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُ:«إِنْ أَحَبَّنِي أَحَدٌ يَحْفَظْ كَلاَمِي، وَيُحِبُّهُ أَبِي، وَإِلَيْهِ نَأْتِي، وَعِنْدَهُ نَصْنَعُ مَنْزِلاً. 24اَلَّذِي لاَ يُحِبُّنِي لاَ يَحْفَظُ كَلاَمِي. وَالْكَلاَمُ الَّذِي تَسْمَعُونَهُ لَيْسَ لِي بَلْ لِلآبِ الَّذِي أَرْسَلَنِي. 25بِهذَا كَلَّمْتُكُمْ وَأَنَا عِنْدَكُمْ. 26وَأَمَّا الْمُعَزِّي، الرُّوحُ الْقُدُسُ، الَّذِي سَيُرْسِلُهُ الآبُ بِاسْمِي، فَهُوَ يُعَلِّمُكُمْ كُلَّ شَيْءٍ، وَيُذَكِّرُكُمْ بِكُلِّ مَا قُلْتُهُ لَكُمْ.﴾ [يوحنا: 14- 15: 26].
﴿26«وَمَتَى جَاءَ الْمُعَزِّي الَّذِي سَأُرْسِلُهُ أَنَا إِلَيْكُمْ مِنَ الآبِ، رُوحُ الْحَقِّ، الَّذِي مِنْ عِنْدِ الآبِ يَنْبَثِقُ، فَهُوَ يَشْهَدُ لِي. 27وَتَشْهَدُونَ أَنْتُمْ أَيْضًا لأَنَّكُمْ مَعِي مِنَ الابْتِدَاءِ.﴾ [يوحنا: 15- 26: 27].
﴿5«وَأَمَّا الآنَ فَأَنَا مَاضٍ إِلَى الَّذِي أَرْسَلَنِي، وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْكُمْ يَسْأَلُنِي: أَيْنَ تَمْضِي؟ 6لكِنْ لأَنِّي قُلْتُ لَكُمْ هذَا قَدْ مَلأَ الْحُزْنُ قُلُوبَكُمْ. 7لكِنِّي أَقُولُ لَكُمُ الْحَقَّ: إِنَّهُ خَيْرٌ لَكُمْ أَنْ أَنْطَلِقَ، لأَنَّهُ إِنْ لَمْ أَنْطَلِقْ لاَ يَأْتِيكُمُ الْمُعَزِّي، وَلكِنْ إِنْ ذَهَبْتُ أُرْسِلُهُ إِلَيْكُمْ. 8وَمَتَى جَاءَ ذَاكَ يُبَكِّتُ الْعَالَمَ عَلَى خَطِيَّةٍ وَعَلَى بِرّ وَعَلَى دَيْنُونَةٍ: 9أَمَّا عَلَى خَطِيَّةٍ فَلأَنَّهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ بِي. 10وَأَمَّا عَلَى بِرّ فَلأَنِّي ذَاهِبٌ إِلَى أَبِي وَلاَ تَرَوْنَنِي أَيْضًا. 11وَأَمَّا عَلَى دَيْنُونَةٍ فَلأَنَّ رَئِيسَ هذَا الْعَالَمِ قَدْ دِينَ.
12«إِنَّ لِي أُمُورًا كَثِيرَةً أَيْضًا لأَقُولَ لَكُمْ، وَلكِنْ لاَ تَسْتَطِيعُونَ أَنْ تَحْتَمِلُوا الآنَ. 13وَأَمَّا مَتَى جَاءَ ذَاكَ، رُوحُ الْحَقِّ، فَهُوَ يُرْشِدُكُمْ إِلَى جَمِيعِ الْحَقِّ، لأَنَّهُ لاَ يَتَكَلَّمُ مِنْ نَفْسِهِ، بَلْ كُلُّ مَا يَسْمَعُ يَتَكَلَّمُ بِهِ، وَيُخْبِرُكُمْ بِأُمُورٍ آتِيَةٍ. 14ذَاكَ يُمَجِّدُنِي، لأَنَّهُ يَأْخُذُ مِمَّا لِي وَيُخْبِرُكُمْ. 15كُلُّ مَا لِلآبِ هُوَ لِي. لِهذَا قُلْتُ إِنَّهُ يَأْخُذُ مِمَّا لِي وَيُخْبِرُكُمْ. 16بَعْدَ قَلِيل لاَ تُبْصِرُونَنِي، ثُمَّ بَعْدَ قَلِيل أَيْضًا تَرَوْنَنِي، لأَنِّي ذَاهِبٌ إِلَى الآبِ».﴾ [يوحنا: 16- 5: 16].
ويمكن القول إن بشارة السيد المسيح بمن يصفونه بالمعزي، قد حُذفت من ثلاثة من الأناجيل القانونية المعتمدة، بينما بقيت في الإنجيل الرابع –إنجيل يوحنا-، لكن مع إعطاء تحريف للمعنى الحقيقي المقصود يجعله لا يتضح مطلقًا للقارئ ولا يفهم تلك البشارة. ويعتقد المسمون أن المقصود نبينا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام.
وبمراجعة النصوص نجد السيد المسيح يتحدث عن المرشد الذي سيأتي بعد أن يفارق ليتولى إرشاد الإنسانية، ولأن إنجيل يوحنا كُتب باليونانية، وهي لغة لم يكن يتكلمها السيد المسيح فإن لفظة Parakletos التي أصبحت في الفرنسية Paraclet ويترجمونها في العربية المُعزي هي لفظة مترجمة وليست الكلمة التي نطقها السيد المسيح.
والنص يسقط هذه الكلمة على الروح القُدس فكأنها هي التي ستأتي بعد المسيح، إذ سيرسل الله هذا الباراقليط، فكيف يكون Paraclet هو الروح القدس، وقد أرسله الله لأمه لتحمل به ثم أيده الله به وكان معه أثناء تبليغ رسالته؟! فالمسيح كان مؤيدًا بالروح القدس فكان معه، وحديث المسيح عليه السلام يُفهم منه بوضوح أن الباراقليط سيأتي بعد أن يذهب هو.
ويدعي سفر أعمال الرسل أن الروح القدس نزل على تلاميذ المسيح في اليوم الخمسين بعد رفعه إلى السماء ليعزي تلاميذه عن غيابه عنهم.
﴿1وَلَمَّا حَضَرَ يَوْمُ الْخَمْسِينَ كَانَ الْجَمِيعُ مَعًا بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ، 2وَصَارَ بَغْتَةً مِنَ السَّمَاءِ صَوْتٌ كَمَا مِنْ هُبُوبِ رِيحٍ عَاصِفَةٍ وَمَلأَ كُلَّ الْبَيْتِ حَيْثُ كَانُوا جَالِسِينَ، 3وَظَهَرَتْ لَهُمْ أَلْسِنَةٌ مُنْقَسِمَةٌ كَأَنَّهَا مِنْ نَارٍ وَاسْتَقَرَّتْ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ. 4وَامْتَلأَ الْجَمِيعُ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ، وَابْتَدَأُوا يَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَةٍ أُخْرَى كَمَا أَعْطَاهُمُ الرُّوحُ أَنْ يَنْطِقُوا.﴾ [أعمال الرسل: 2- 1: 4].
ولم يلتفت د.موريس بوكاي في كتابه "القرآن والتوراة والإنجيل والعلم" كثيرًا للحديث عن الاسم بقدر ما دقق في صفاته، والتي تشير إلى بشر ذي حواس يسمع ويتكلم، وهي ميزات توجد للبشر لأجل التواصل اللغوي، فمرة أخرى كيف يكون هو الروح القُدس؟
ومن صفات الباراقليط التي ذكرتها نصوص وصية المسيح وتؤكد بشريته أنه يشهد للمسيح عليه السلام، وقد شهد نبينا للمسيح كثيرًا وشهد له كتابنا ببراءته من أنه ادعى لنفسه الألوهية أو البنوة لله وإشراك نفسه مع الله في العبادة، وبرأ أمه سيدة نساء العالمين، بينما لا يمكن أن تكون للروح القدس هذه الصفة ولا القدرة.
وأما ما أخبر به المسيح من أن الباراقليط يمكث إلى الأبد فمعناه أن هذه الشريعة الأخيرة تكون الأخيرة التي لن تُنسخ إلى قيام الساعة.
فمن ثم لا يصح مطلقًا أن يكون القصد هو الروح القدس، خاصة والنصوص في إنجيل يوحنا تسميه روح الحق ثلاث مرات وجاءت تسمية روح القدس مرة واحدة.
وينقل د. موريس بوكاي عن "المعجم الصغير للعهد الجديد للأب تريكو A. Tricot : "هذا الاسم أو هذه الصفة المنقولة من اليونانية إلى الفرنسية غير مستخدم في العهد الجديد إلا في إنجيل يوحنا: فهو يذكر الكلمة أربع مرات عند سرده لخطاب المسيح بعد العشاء الأخير* (14، 16 و 26؛ 15، 26؛ 16، 7) ومرة واحدة في رسالته الأولى (2، 1). إن الكلمة في إنجيل يوحنا تنطبق على الروح القدس، أما في الرسالة فهي تنطبق على المسيح. لقد كانت كلمة Paraclet سائدة لدى اليهود الهللنستيين في القرن الأول بمعنى الوسيط، والمدافع (.....). فالمسيح يعلن أن الروح سيرسل بالأب والابن في دوره الإنقاذي الذي يؤديه في أثناء حياته الفانية على الأرض، وذلك لصالح تلاميذه. إن الروح يتدخل ويعمل كبديل للمسيح باعتباره Paraclet أو وسيط قادر على كل شيء".
ومن ثم وكما أشار الأب تريكو فقد استخدم يوحنا في رسالته هذه الكلمة ذاتها Paraclet ليشير إلى المسيح عليه السلام، فكيف يستخدمها في إنجيله للإشارة إلى الروح القُدس؟
وعن نفسي أعتقد أن قيامة المسيح مرة ثانية، وادعاء أنه سيرسل لهم الروح القدس وسيلتان استخدمتهما الكنيسة للتغطية على النبوءة بنبي يأتي بعده. ومع ذلك فقد حُرف النص بعده إجمالًا بحيث يستعصي فهم البشارة بنبي يأتي بعد المسيح، ويكون خاتم الأنبياء، الذي تبقى رسالته أبد الدهر وإلى قيام الساعة، بل تجعل القارئ يفهم أن هذا المعزي الآخر الذي سيبعثه الله بعد المسيح هو روح القُدس!
ولنتذكر أن اليونان يضيفون "س" كلاحقة في نهاية أسماء الأعلام الذكور، ومن ثم فكلمة Parakletos على الأغلب هي اسم ذكر، وأصلها دون السين "باراقليط/باركليت". ويذكر الأنبا إثناسيوس في "تفسير يوحنا" (ص117) تعليقًا على إنباء السيد المسيح تلاميذه بمجيء الباراقليط "باعتبار أن لفظ باراقليط إذا حُرِّف نطقه قليلًا يصير بيريكليت ومعناه الحمد أو الشكر وهو قريب من لفظ "أحمد"".
وإنجيل يوحنا كما هو معلوم كُتب نصه الأصلي باليونانية، بينما المسيح عليه السلام كان يتحدث العبرية والأرامية، ومن ثم فاسم "باركليت/باركليتوس" باليونانية هو ترجمة لما نطقه المسيح بلسانه، والذي تمت ترجمته بعد ذلك إلى العربية ترجمة غير دقيقة إلى "المُعزي"، والذي من الواضح أنه في الأساس محرّف، فالمسيح بشّر بأحمد، والذي ترجمته إلى اليونانية "بيريكليت/بيريكليتوس"، وما كان ينبغي أن يُترجم الاسم على أي حال.
وباستخدام الترجمة الالكترونية وجدت أن كلمة Περικλήτ اليونانية تُنطق “periklit’ ومعناها مغلق، فهل هي إشارة لختم النبوة؟
وقد حاول بعض المستشرقين الغربيين الذين كثيرًا ما يأتون بالعجائب لقصور معرفتهم بلغات وثقافات الشرق وعدم قراءة كتبهم أن يدعوا أن نبينا قد غيّر اسمه إلى محمد ليتوافق مع اللفظ الذي بشّر به المسيح! وهو كلام تافه لا يستحق التفصيل في سرده أو محاولة الرد عليه.
وفي نص آخر من سفر إشعياء جاء ذكر المعزي، والنص به قدر من التحريف يجعل فهم البشارة مستحيلة، ويمكن أن نتبين في الآية الرابعة (شريعة من عندي تخرج)، وفي الآية الثانية عشرة (أنا أنا هو مُعزيكم).
﴿1«اِسْمَعُوا لِي أَيُّهَا التَّابِعُونَ الْبِرَّ الطَّالِبُونَ الرَّبَّ: انْظُرُوا إِلَى الصَّخْرِ الَّذِي مِنْهُ قُطِعْتُمْ، وَإِلَى نُقْرَةِ الْجُبِّ الَّتِي مِنْهَا حُفِرْتُمُ. 2انْظُرُوا إِلَى إِبْرَاهِيمَ أَبِيكُمْ، وَإِلَى سَارَةَ الَّتِي وَلَدَتْكُمْ. لأَنِّي دَعَوْتُهُ وَهُوَ وَاحِدٌ وَبَارَكْتُهُ وَأَكْثَرْتُهُ. 3فَإِنَّ الرَّبَّ قَدْ عَزَّى صِهْيَوْنَ. عَزَّى كُلَّ خِرَبِهَا، وَيَجْعَلُ بَرِّيَّتَهَا كَعَدْنٍ، وَبَادِيَتَهَا كَجَنَّةِ الرَّبِّ. الْفَرَحُ وَالابْتِهَاجُ يُوجَدَانِ فِيهَا. الْحَمْدُ وَصَوْتُ التَّرَنُّمِ.
4«اُنْصُتُوا إِلَيَّ يَا شَعْبِي، وَيَا أُمَّتِي اصْغِي إِلَيَّ: لأَنَّ شَرِيعَةً مِنْ عِنْدِي تَخْرُجُ، وَحَقِّي أُثَبِّتُهُ نُورًا لِلشُّعُوبِ. 5قَرِيبٌ بِرِّي. قَدْ بَرَزَ خَلاَصِي، وَذِرَاعَايَ يَقْضِيَانِ لِلشُّعُوبِ. إِيَّايَ تَرْجُو الْجَزَائِرُ وَتَنْتَظِرُ ذِرَاعِي.
6«اِرْفَعُوا إِلَى السَّمَاوَاتِ عُيُونَكُمْ، وَانْظُرُوا إِلَى الأَرْضِ مِنْ تَحْتُ. فَإِنَّ السَّمَاوَاتِ كَالدُّخَانِ تَضْمَحِلُّ، وَالأَرْضَ كَالثَّوْبِ تَبْلَى، وَسُكَّانَهَا كَالْبَعُوضِ يَمُوتُونَ. أَمَّا خَلاَصِي فَإِلَى الأَبَدِ يَكُونُ وَبِرِّي لاَ يُنْقَضُ. 7اِسْمَعُوا لِي يَا عَارِفِي الْبِرِّ، الشَّعْبَ الَّذِي شَرِيعَتِي فِي قَلْبِهِ: لاَ تَخَافُوا مِنْ تَعْيِيرِ النَّاسِ، وَمِنْ شَتَائِمِهِمْ لاَ تَرْتَاعُوا، 8لأَنَّهُ كَالثَّوْبِ يَأْكُلُهُمُ الْعُثُّ، وَكَالصُّوفِ يَأْكُلُهُمُ السُّوسُ. أَمَّا بِرِّي فَإِلَى الأَبَدِ يَكُونُ، وَخَلاَصِي إِلَى دَوْرِ الأَدْوَارِ».
9اِسْتَيْقِظِي، اسْتَيْقِظِي! الْبَسِي قُوَّةً يَا ذِرَاعَ الرَّبِّ! اسْتَيْقِظِي كَمَا فِي أَيَّامِ الْقِدَمِ، كَمَا فِي الأَدْوَارِ الْقَدِيمَةِ. أَلَسْتِ أَنْتِ الْقَاطِعَةَ رَهَبَ، الطَّاعِنَةَ التِّنِّينَ؟ 10أَلَسْتِ أَنْتِ هِيَ الْمُنَشِّفَةَ الْبَحْرَ، مِيَاهَ الْغَمْرِ الْعَظِيمِ، الْجَاعِلَةَ أَعْمَاقَ الْبَحْرِ طَرِيقًا لِعُبُورِ الْمَفْدِيِّينَ؟ 11وَمَفْدِيُّو الرَّبِّ يَرْجِعُونَ وَيَأْتُونَ إِلَى صِهْيَوْنَ بِالتَّرَنُّمِ، وَعَلَى رُؤُوسِهِمْ فَرَحٌ أَبَدِيٌّ. ابْتِهَاجٌ وَفَرَحٌ يُدْرِكَانِهِمْ. يَهْرُبُ الْحُزْنُ وَالتَّنَهُّدُ. 12«أَنَا أَنَا هُوَ مُعَزِّيكُمْ. مَنْ أَنْتِ حَتَّى تَخَافِي مِنْ إِنْسَانٍ يَمُوتُ، وَمِنِ ابْنِ الإِنْسَانِ الَّذِي يُجْعَلُ كَالْعُشْبِ؟ 13وَتَنْسَى الرَّبَّ صَانِعَكَ، بَاسِطَ السَّمَاوَاتِ وَمُؤَسِّسَ الأَرْضِ، وَتَفْزَعُ دَائِمًا كُلَّ يَوْمٍ مِنْ غَضَبِ الْمُضَايِقِ عِنْدَمَا هَيَّأَ لِلإِهْلاَكِ. وَأَيْنَ غَضَبُ الْمُضَايِقِ؟ 14سَرِيعًا يُطْلَقُ الْمُنْحَنِي، وَلاَ يَمُوتُ فِي الْجُبِّ وَلاَ يُعْدَمُ خُبْزُهُ.﴾ [إشعياء: 51- 1: 14].
راكب الجمل.. وحي من جهة بلاد العرب
أول النبوءات الكتابية بنبينا محمد عليه الصلاة والسلام، التي سمع بها المسلمون توجد في سفر إشعيا، وفيها بشارة بالمسيح عليه السلام ونبينا محمد، وكذا نبوءة بهجرة نبينا محمد. وإن كنت أعتقد أن هذه النبوءة وغيرها في سفر إشعيا من توراة موسى الأصلية، فمن أولى من موسى بأن يُبشر بالمسيح وبمحمد.
﴿6لأَنَّهُ هكَذَا قَالَ لِي السَّيِّدُ: «اذْهَبْ أَقِمِ الْحَارِسَ. لِيُخْبِرْ بِمَا يَرَى». 7فَرَأَى رُكَّابًا أَزْوَاجَ فُرْسَانٍ. رُكَّابَ حَمِيرٍ. رُكَّابَ جِمَال. فَأَصْغَى إِصْغَاءً شَدِيدًا، 8ثُمَّ صَرَخَ كَأَسَدٍ: «أَيُّهَا السَّيِّدُ، أَنَا قَائِمٌ عَلَى الْمَرْصَدِ دَائِمًا فِي النَّهَارِ، وَأَنَا وَاقِفٌ عَلَى الْمَحْرَسِ كُلَّ اللَّيَالِي. 9وَهُوَذَا رُكَّابٌ مِنَ الرِّجَالِ. أَزْوَاجٌ مِنَ الْفُرْسَانِ». فَأَجَابَ وَقَالَ: «سَقَطَتْ، سَقَطَتْ بَابِلُ، وَجَمِيعُ تَمَاثِيلِ آلِهَتِهَا الْمَنْحُوتَةِ كَسَّرَهَا إِلَى الأَرْضِ». 10يَا دِيَاسَتِي وَبَنِي بَيْدَرِي. مَا سَمِعْتُهُ مِنْ رَبِّ الْجُنُودِ إِلهِ إِسْرَائِيلَ أَخْبَرْتُكُمْ بِهِ.
11وَحْيٌ مِنْ جِهَةِ دُومَةَ: صَرَخَ إِلَيَّ صَارِخٌ مِنْ سَعِيرَ: «يَا حَارِسُ، مَا مِنَ اللَّيْلِ؟ يَا حَارِسُ، مَا مِنَ اللَّيْلِ؟» 12قَالَ الْحَارِسُ: «أَتَى صَبَاحٌ وَأَيْضًا لَيْلٌ. إِنْ كُنْتُمْ تَطْلُبُونَ فَاطْلُبُوا. ارْجِعُوا، تَعَالَوْا».
13وَحْيٌ مِنْ جِهَةِ بِلاَدِ الْعَرَبِ: فِي الْوَعْرِ فِي بِلاَدِ الْعَرَبِ تَبِيتِينَ، يَا قَوَافِلَ الدَّدَانِيِّينَ. 14هَاتُوا مَاءً لِمُلاَقَاةِ الْعَطْشَانِ، يَا سُكَّانَ أَرْضِ تَيْمَاءَ. وَافُوا الْهَارِبَ بِخُبْزِهِ. 15فَإِنَّهُمْ مِنْ أَمَامِ السُّيُوفِ قَدْ هَرَبُوا. مِنْ أَمَامِ السَّيْفِ الْمَسْلُولِ، وَمِنْ أَمَامِ الْقَوْسِ الْمَشْدُودَةِ، وَمِنْ أَمَامِ شِدَّةِ الْحَرْبِ. 16فَإِنَّهُ هكَذَا قَالَ لِيَ السَّيِّدُ: «فِي مُدَّةِ سَنَةٍ كَسَنَةِ الأَجِيرِ يَفْنَى كُلُّ مَجْدِ قِيدَارَ، 17وَبَقِيَّةُ عَدَدِ قِسِيِّ أَبْطَالِ بَنِي قِيدَارَ تَقِلُّ، لأَنَّ الرَّبَّ إِلهَ إِسْرَائِيلَ قَدْ تَكَلَّمَ».﴾ [إشعيا: 21- 6: 17].
وتتحدث النبوءة عن ركاب الحمير وركاب الجمال، وتماثيل مكسرة، ودومة (وليس أدوم)، إذ كانت دومة عاصمة مملكة قيدار، ووحي من جهة بلاد العرب، وأرض تيماء في الحجاز، وشخص يلاقوه أهلها لأنه خرج إليهم هاربًا من محاولة قتل. وكذا ذكر قوافل الدادانيين وهم من العرب الذين سكنوا الحجاز، وتحدثوا العربية، ويكتبون بخط المسند.
﴿19نَظَرَتْ قَوَافِلُ تَيْمَاءَ. سَيَّارَةُ سَبَاءٍ رَجَوْهَا.﴾ [أيوب: 6- 19].
﴿23وَدَدَانَ وَتَيْمَاءَ وَبُوزَ، وَكُلَّ مَقْصُوصِي الشَّعْرِ مُسْتَدِيرًا، 24وَكُلَّ مُلُوكِ الْعَرَبِ، وَكُلَّ مُلُوكِ اللَّفِيفِ السَّاكِنِينَ فِي الْبَرِّيَّةِ﴾ [إرميا: 25- 23].
ونسبت التوراة أباهم يقشان لإبراهيم عليه السلام، مثلما نسبت مدين.
﴿3وَوَلَدَ يَقْشَانُ: شَبَا وَدَدَانَ. وَكَانَ بَنُو دَدَانَ: أَشُّورِيمَ وَلَطُوشِيمَ وَلأُمِّيمَ.﴾ [تكوين: 25- 3].
وفي الترجمة السبعينية يقشان اسمه جيزان وهو اسم مدينة في جنوبي جزيرة العرب بجانب نجران مدينة أصحاب الأخدود، أو تنطق (يزان)، وأعتقد أنها هي الواد الذي كان يُعرف المتملك عليه باسم ذي يزن. وولد يقشان هذا ثيمان وشبا (سبا) وددان، ولا يُعلم أين ذهب ثيمان في الآية الثالثة من الترجمة العربية! ولا خلاف في أنهم عرب. وشبا وددان من عرب جنوبي جزيرة العرب، وهاجرت جالية دادانية لشمالي الحجاز، وأقاموا مملكة ددان (دَدَن)، ولهم بقية آثار تدل عليهم.
وسبق وذكرنا أن تيما/تيمن تعني الجنوبي، وهناك مدينة باسم تيماء/تيمن في جنوبي بلاد الشام كانت للأدوميين العرب، كما توجد تيماء أخرى شمال المدينة المنورة، وذكر أبطال تَيمان لم يُمح من التوراة، وذكر أرض تيماء جاء في النبوءة بهجرة نبينا إلى أرض في الحجاز، تلك النبوءة التي جعلتهم يهاجرون إلى يثرب (المدينة المنورة) في انتظاره، فلما علموا أنه عربي جحدوه. ورسولنا من ذرية قيدار والأوس والخزرج سكان المدينة كذلك، والدادانيون والتيميون الذين ذُكروا في النبوءة من بني تيمن (يمن) بن قيدار.
والأهم أنهم كما حرّفوا النص يحرفون ما بقي في النص من إشارة؛ فيدعون أن القصد عودة قوافل ددن إلى المناطق التي كانت تحت نفوذهم إلى أرض تيماء جنوبًا، بسبب الخوف من مملكة قيدار في الشمال. علمًا بأن التيميين والدادانيين كانوا في هذا الزمان جزءًا من تحالف العرب، وهل هذا تفسير الشخص الهارب من محاولة قتل!
ورغم أن النص في سفر إشعياء به تحريفات، مثل أن أصنام آلهة بابل هي التي تتكسر، والحديث عن فناء مجد قيدار، تجعل النبوءة غير واضحة تمامًا بهذا النبي من بلاد العرب من بني قيدار، الذي يهاجر إلى جزء آخر في بلاد العرب، في أرض شمالي الحجاز، وتلاقيه قوافل الدادانيين وكانت لهم دولة شمالي الحجاز، وذلك بعد محاولة قتل يتعرض لها، إلا أن المدقق لن يجد تفسيرًا لهذا الوحي من بلاد العرب سوى البشارة بنبي يُبعث فيهم، ويهاجر في مدينة بالحجاز، وأن الأصنام المكسرة هي أصنام العرب، وعدد قِسي بني قيدار تزيد، ومجد قيدار يبلغ عنان السماء بذلك النبي، ولا يفنى. وإنما هذه تحريفات من كتب الله عليهم الويل.
ورغم أنه جاء فيها ذكر جبل سعير مقترنًا كالعادة بأدوم، كجزء من المتاهة التي خلقتها التوراة بين ذرية عيسو المختلق والأدوميين من بني إسماعيل، للتغطية على البشارة بمبعث المسيح، إلا أن الجزء الأول من النص يذكرنا بقول النجاشي ملك الحبشة حين سمع عن نبينا محمد: "راكب الحمار (المسيح) الذي يبشر براكب الجمل (محمد)".
ونص الآية السابعة في الترجمة السبعينية باللغة اليونانية:
7﴾ καὶ εἶδον ἀναβάτας ἱππεῖς δύο καὶ ἀναβάτην ὄνου καὶ ἀναβάτην καμήλου. ﴿
والنص العبري لها:
﴿ז וְרָאָה רֶכֶב, צֶמֶד פָּרָשִׁים--רֶכֶב חֲמוֹר, רֶכֶב גָּמָל; ﴾
وبالعبرية רֶכֶב חֲמוֹר (تُنطق رِكب حَمور) بمعنى راكب حمار، و רֶכֶב גָּמָל (تُنطق رِكب جَمَال) بمعنى راكب جمل. فليس هناك جمع ولم يُكتب حموريم أو جمليم، كما لم تستخدم ركبيم ليترجموها ركابًا.
وترجمتها الصحيحة: ﴿ورأيت راكبًا على حصانين وراكب حمار وراكب جمل.﴾
وقد جاءت آية في سفر زكريا، وهو من أواخر أسفار العهد القديم تتنبأ بالمسيح عليه السلام وحده؛ ملك القدس الوديع الذي يدخلها راكبًا حمارًا.
﴿9اِبْتَهِجِي جِدًّا يَا ابْنَةَ صِهْيَوْنَ، اهْتِفِي يَا بِنْتَ أُورُشَلِيمَ. هُوَذَا مَلِكُكِ يَأْتِي إِلَيْكِ. هُوَ عَادِلٌ وَمَنْصُورٌ وَدِيعٌ، وَرَاكِبٌ عَلَى حِمَارٍ وَعَلَى جَحْشٍ ابْنِ أَتَانٍ.﴾ [زكريا: 9- 9].
والأناجيل تذكر دخول المسيح عليه السلام القدس راكبًا حمارًا.
﴿1وَلَمَّا قَرُبُوا مِنْ أُورُشَلِيمَ وَجَاءُوا إِلَى بَيْتِ فَاجِي عِنْدَ جَبَلِ الزَّيْتُونِ، حِينَئِذٍ أَرْسَلَ يَسُوعُ تِلْمِيذَيْنِ 2قَائِلاً لَهُمَا:«اِذْهَبَا إِلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أَمَامَكُمَا، فَلِلْوَقْتِ تَجِدَانِ أَتَانًا مَرْبُوطَةً وَجَحْشًا مَعَهَا، فَحُّلاَهُمَا وَأْتِيَاني بِهِمَا. 3وَإِنْ قَالَ لَكُمَا أَحَدٌ شَيْئًا، فَقُولاَ: الرَّبُّ مُحْتَاجٌ إِلَيْهِمَا. فَلِلْوَقْتِ يُرْسِلُهُمَا». 4فَكَانَ هذَا كُلُّهُ لِكَيْ يَتِمَّ مَا قِيلَ بِالنَّبِيِّ الْقَائِلِ: 5«قُولُوا لابْنَةِ صِهْيَوْنَ: هُوَذَا مَلِكُكِ يَأْتِيكِ وَدِيعًا، رَاكِبًا عَلَى أَتَانٍ وَجَحْشٍ ابْنِ أَتَانٍ».﴾ [متى: 21- 1: 5].
﴿28وَلَمَّا قَالَ هذَا تَقَدَّمَ صَاعِدًا إِلَى أُورُشَلِيمَ. 29وَإِذْ قَرُبَ مِنْ بَيْتِ فَاجِي وَبَيْتِ عَنْيَا، عِنْدَ الْجَبَلِ الَّذِي يُدْعَى جَبَلَ الزَّيْتُونِ، أَرْسَلَ اثْنَيْنِ مِنْ تَلاَمِيذِهِ 30قَائِلاً:«اِذْهَبَا إِلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أَمَامَكُمَا، وَحِينَ تَدْخُلاَنِهَا تَجِدَانِ جَحْشًا مَرْبُوطًا لَمْ يَجْلِسْ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ قَطُّ. فَحُّلاَهُ وَأْتِيَا بِهِ. 31وَإِنْ سَأَلَكُمَا أَحَدٌ: لِمَاذَا تَحُّلاَنِهِ؟ فَقُولاَ لَهُ هكَذَا: إِنَّ الرَّبَّ مُحْتَاجٌ إِلَيْهِ». 32فَمَضَى الْمُرْسَلاَنِ وَوَجَدَا كَمَا قَالَ لَهُمَا. 33وَفِيمَا هُمَا يَحُّلاَنِ الْجَحْشَ قَالَ لَهُمَا أَصْحَابُهُ:«لِمَاذَا تَحُّلاَنِ الْجَحْشَ؟» 34فَقَالاَ:«الرَّبُّ مُحْتَاجٌ إِلَيْهِ». 35وَأَتَيَا بِهِ إِلَى يَسُوعَ، وَطَرَحَا ثِيَابَهُمَا عَلَى الْجَحْشِ، وَأَرْكَبَا يَسُوعَ. 36وَفِيمَا هُوَ سَائِرٌ فَرَشُوا ثِيَابَهُمْ فِي الطَّرِيقِ. 37وَلَمَّا قَرُبَ عِنْدَ مُنْحَدَرِ جَبَلِ الزَّيْتُونِ، ابْتَدَأَ كُلُّ جُمْهُورِ التَّلاَمِيذِ يَفْرَحُونَ وَيُسَبِّحُونَ اللهَ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ، لأَجْلِ جَمِيعِ الْقُوَّاتِ الَّتِي نَظَرُوا، 38قَائِلِينَ:«مُبَارَكٌ الْمَلِكُ الآتِي بِاسْمِ الرَّبِّ! سَلاَمٌ فِي السَّمَاءِ وَمَجْدٌ فِي الأَعَالِي!». 39وَأَمَّا بَعْضُ الْفَرِّيسِيِّينَ مِنَ الْجَمْعِ فَقَالُوا لَهُ:«يَا مُعَلِّمُ، انْتَهِرْ تَلاَمِيذَكَ!». 40فَأَجَابَ وَقَالَ لَهُمْ:«أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ إِنْ سَكَتَ هؤُلاَءِ فَالْحِجَارَةُ تَصْرُخُ!».﴾ [لوقا: 19- 28: 40].
﴿12وَفِي الْغَدِ سَمِعَ الْجَمْعُ الْكَثِيرُ الَّذِي جَاءَ إِلَى الْعِيدِ أَنَّ يَسُوعَ آتٍ إِلَى أُورُشَلِيمَ، 13فَأَخَذُوا سُعُوفَ النَّخْلِ وَخَرَجُوا لِلِقَائِهِ، وَكَانُوا يَصْرُخُونَ: «أُوصَنَّا! مُبَارَكٌ الآتِي بِاسْمِ الرَّبِّ! مَلِكُ إِسْرَائِيلَ!» 14وَوَجَدَ يَسُوعُ جَحْشًا فَجَلَسَ عَلَيْهِ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: 15«لاَ تَخَافِي يَا ابْنَةَ صَهْيَوْنَ. هُوَذَا مَلِكُكِ يَأْتِي جَالِسًا عَلَى جَحْشٍ أَتَانٍ».﴾ [يوحنا: 12- 12: 15].
ولا خلاف بين مؤرخي المسلمين أن رسولنا محمد خرج من مكة ووصل المدينة دار هجرته على جمل، ودخل مكة يوم فتحها راكبًا ناقته القصواء.
تلالأ الرب من جبل فاران
في سفر التثنية توجد نبوءة تعتبر ثاني النبوءات التي عرفها المسلمون وسمعوها من أحبار اليهود الذين أسلموا، ويمكن أن نجدها في كثير من كتب المسلمين القدماء، خاصة كتب التفسير في تفسير سورة التين.
﴿1وَهذِهِ هِيَ الْبَرَكَةُ الَّتِي بَارَكَ بِهَا مُوسَى، رَجُلُ اللهِ، بَنِي إِسْرَائِيلَ قَبْلَ مَوْتِهِ، 2فَقَالَ: «جَاءَ الرَّبُّ مِنْ سِينَاءَ، وَأَشْرَقَ لَهُمْ مِنْ سَعِيرَ، وَتَلأْلأَ مِنْ جَبَلِ فَارَانَ، وَأَتَى مِنْ رِبْوَاتِ الْقُدْسِ، وَعَنْ يَمِينِهِ نَارُ شَرِيعَةٍ لَهُمْ .﴾ [تثنية: 33- 1: 2].
وكما تدرج النص زمنيًا تدرج في وصف هذا النور الآتي من المجيء إلى الاستعلان بعد الشروق، وأما ربوات القدس فالأقرب أنها ألوف القديسين.
ونار الشريعة هي الرسالة، فالآية بشارة بالشرائع الثلاث؛ اليهودية والمسيحية والإسلام. فكلنا على دين الله؛ دين الإسلام. ﴿أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (83) قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (84) وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (85)﴾ [آل عمران: 83: 85]. وملة أبينا إبراهيم ﴿مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ﴾ [الحج: 78]. ولكن الله تعالى أراد أن يفرقنا ولا نكون أمة واحدة، وجعل لكل فرقة من الفرق الثلاث شريعة. ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ﴾ [المائدة: 48].
وسبق أن تحدثنا عن هذه النبوءة في مبحث "والتين والزيتون"؛ فإن كانت نبوة موسى قد بدأت من جبل سيناء، ففاران هو جبل بمكة بجوار البرية التي سكن إسماعيل فيها كما تنص التوراة، وعاشت بجواره قريش من ذرية ابنه قيدار، ومن نسله ولد نبينا محمد عليه الصلاة والسلام.
وتحكي التوراة عن إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام ﴿20وَكَانَ اللهُ مَعَ الْغُلاَمِ فَكَبِرَ، وَسَكَنَ فِي الْبَرِّيَّةِ، وَكَانَ يَنْمُو رَامِيَ قَوْسٍ. 21وَسَكَنَ فِي بَرِّيَّةِ فَارَانَ، وَأَخَذَتْ لَهُ أُمُّهُ زَوْجَةً مِنْ أَرْضِ مِصْرَ. ﴾ [تكوين: 21- 20: 21]. وإن كانت التوراة تتحدث دومًا عن إسماعيل وكأنه سكن إلى الشرق من أرض كنعان، وأن أمه هاجر سكنت عند بئر سبع، وهذا لم يكن، فكل العرب يعلمون أين سكن إسماعيل وأمه هاجر، فقد سكنا في مكة بجوار بيت الله المحرم، ولا يمنع هذا أن بعض ذريته قد سكنت الشام من قديم.
وسبق وذكرت من خلاصة بحثي أنه لدينا منطقتين متنازعتين باسم فاران وأربع باسم سعير! وبالرجوع إلى قاموس الكتاب المقدس الإنجليزي لمصادر الكلمات العبرية واليونانية فيه Strong’s Hebrew Bible Dictionary بحسب ترجمة الملك جيمس، سنجد Pa'ran برقم (6290) والوصف المكتوب لها:
Pa'ran: from 'pa'ar' (6286); ornamental; Paran, a desert of Arabia:--Paran.
وما فهمته من تحليل المقاطع أن مقطع ar في الكلمة يردونه لكلمة Arabia، ومن ثم فالقاموس يُعرِّف فاران بأنها صحراء شبه الجزيرة العربية. “a desert of Arabia”. ولم يذكر القاموس أي احتمالية أن تكون فاران في الكتاب المقدس في جنوبي سيناء، وعليه فليست هي وادي فيران.
وليست هذه هي النبوءة الوحيدة بنبينا عليه السلام التي جاء فيها ذكر جبل فاران، فقد جاءت أخرى في سفر حبقوق، وهو أحد أنبيائهم قبل نحو 600 عام من ميلاد المسيح، وعمدوا إلى تحريفها كعادتهم، وبقيت آثار تدل عليها بين كلمات النص.
﴿3اَللهُ جَاءَ مِنْ تِيمَانَ، وَالْقُدُّوسُ مِنْ جَبَلِ فَارَانَ. سِلاَهْ. جَلاَلُهُ غَطَّى السَّمَاوَاتِ، وَالأَرْضُ امْتَلأَتْ مِنْ تَسْبِيحِهِ. 4وَكَانَ لَمَعَانٌ كَالنُّورِ. لَهُ مِنْ يَدِهِ شُعَاعٌ، وَهُنَاكَ اسْتِتَارُ قُدْرَتِهِ. 5قُدَّامَهُ ذَهَبَ الْوَبَأُ، وَعِنْدَ رِجْلَيْهِ خَرَجَتِ الْحُمَّى. 6وَقَفَ وَقَاسَ الأَرْضَ. نَظَرَ فَرَجَفَ الأُمَمُ وَدُكَّتِ الْجِبَالُ الدَّهْرِيَّةُ وَخَسَفَتْ آكَامُ الْقِدَمِ. مَسَالِكُ الأَزَلِ لَهُ. 7رَأَيْتُ خِيَامَ كُوشَانَ تَحْتَ بَلِيَّةٍ. رَجَفَتْ شُقَقُ أَرْضِ مِدْيَانَ. 8هَلْ عَلَى الأَنْهَارِ حَمِيَ يَا رَبُّ؟ هَلْ عَلَى الأَنْهَارِ غَضَبُكَ؟ أَوْ عَلَى الْبَحْرِ سَخَطُكَ حَتَّى إِنَّكَ رَكِبْتَ خَيْلَكَ، مَرْكَبَاتِكَ مَرْكَبَاتِ الْخَلاَصِ؟ 9عُرِّيَتْ قَوْسُكَ تَعْرِيَةً. سُبَاعِيَّاتُ سِهَامٍ كَلِمَتُكَ. سِلاَهْ. شَقَّقْتَ الأَرْضَ أَنْهَارًا. 10أَبْصَرَتْكَ فَفَزِعَتِ الْجِبَالُ. سَيْلُ الْمِيَاهِ طَمَا. أَعْطَتِ اللُّجَّةُ صَوْتَهَا. رَفَعَتْ يَدَيْهَا إِلَى الْعَلاَءِ. 11اَلشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَقَفَا فِي بُرُوجِهِمَا لِنُورِ سِهَامِكَ الطَّائِرَةِ، لِلَمَعَانِ بَرْقِ مَجْدِكَ. 12بِغَضَبٍ خَطَرْتَ فِي الأَرْضِ، بِسَخَطٍ دُسْتَ الأُمَمَ. 13خَرَجْتَ لِخَلاَصِ شَعْبِكَ، لِخَلاَصِ مَسِيحِكَ. سَحَقْتَ رَأْسَ بَيْتِ الشِّرِّيرِ مُعَرِّيًا الأَسَاسَ حَتَّى الْعُنُقِ. سِلاَهْ. 14ثَقَبْتَ بِسِهَامِهِ رَأْسَ قَبَائِلِهِ. عَصَفُوا لِتَشْتِيتِي. ابْتِهَاجُهُمْ كَمَا لأَكْلِ الْمِسْكِينِ فِي الْخُفْيَةِ. 15سَلَكْتَ الْبَحْرَ بِخَيْلِكَ، كُوَمَ الْمِيَاهِ الْكَثِيرَةِ.﴾ [حبقوق: 3- 3: 15].
والتعبير بالماضي أمر معتاد في الكتب المقدسة للدلالة على النبوءات المستقبلية للتأكيد على أنها متحققة لا محالة بمشيئة الله. من ذلك في القرآن الكريم قوله تعالى:
﴿أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (1)﴾ [النحل: 1].
ونص حبقوق يبدأ بذكر جهة الوحي من تيمان وفاران، ولعل النبوءة في سفر حبقوق التي تذكر أن المجئ من تَيْمَان، وتيمان هي إشارة لجهة الجنوب "التَيَمُن"، وسبق أن ذكرنا هذا وفصلناه عند شرح ذرية إسماعيل ونسبة اليمن إلى تيمن بن قيدار بن إسماعيل. وذكر تيمان مع فاران في نبوءة حبقوق إشارة إلى نسب النبي الخاتم الذي تتلألأ رسالته وتملأ الأرض وأنه من بني قيدار؛ إذ سكنت ذرية قيدار مكة واليمن. واليهود من بني إسرائيل يسمون يهود اليمن بيهود التيمن، والعهد الجديد للمسيحيين يسمي ملكة سبأ ملكة التيمن.
ولا تفسير للنبوءة إلا بأنه وحي يأتي من جزيرة العرب، ومن بني قيدار تحديدًا. ويذكر النص امتلاء الأرض من تسبيحه وهي إشارة لانتشار دعوته في آفاق الأرض، ومعلوم أنه صلى الله عليه وسلم دعا بخروج الحمى من المدينة بعد هجرته وأصحابه إليها. وهذا الجزء هو أهم وأوضح ما في النبوءة.
وجاء في الترجمة السبعينية أن "الله يأتي من الجنوب والقدوس من جبل ظليل مورق"، بمعنى أنهم ترجموا "تيمان" بالجنوب من التيمن، وهذا أصل الكلمة ولكنه ليس اسم علم، ولا يُعلم ما هي خيام كوشان التي قُرنت بشقق أرض مديان في النص، ولكن أرض مدين شرق خليج العقبة في الركن الشمالي الغربي من جزيرة العرب، وكوشان أبو اليمن بحسب التوراة.
ويفسر المسيحيون الجنوب بأن بيت لحم التي يظنون أن بها ولد المسيح تقع إلى الجنوب من القدس، كما قالوا إنه من المحتمل أن تكون السبعينية قد ذكرت أي مورق من الكلمة العبرية "فارة" أي مورق.
وينبغي على كل عاقل يشكك في أن النبوءة جاءت بأن يأتي النبي الخاتم من بلاد العرب أن يسأل نفسه عن السبب الذي دعا طائفة من يهود بني إسرائيل أغلبهم من الأحبار وليس العوام يتركون الأرض المقدسة التي يتقاتلون لأجل تملكها إلى يومنا هذا ويعيشون في المدينة المبنية بين حرّتين التي يسميها كتابهم "سالع"، إذ علموا من كتابهم أنها مكان هجرته.
من أنت؟ هل أنت ذلك النبي؟ هل أنت إيليا؟
من أنبياء بني إسرائيل الذين قص الحق سبحانه وتعالى قصته علينا مختصرة في القرآن الكريم النبي إيلياس، واسمه العبري إيليا، واسمه اليوناني "إليوس"؛ إذ يضيف اليونان صوت "س" كلاحقة في أسماء الأعلام الذكور، واسم إلياس معروف عند العرب من قبل الإسلام ولا زال شائعًا عندهم إلى يومنا هذا بين مسلميهم ومسيحييهم.
وفي آيات من الأناجيل يبدو كما لو أن النبي يحيى/يوحنا عليه السلام يحمل روح إيليا، ليبشر بالآتي بعده، وهم يقصدون المسيح عليه السلام؛ فرغم أن ولادة يحيى كانت قبل ولادة المسيح بأشهر إلا أن يحيى أعطي النبوة وهو صبي، وكان فعلًا ممهدًا لظهور المسيح.
﴿13فَقَالَ لَهُ الْمَلاَكُ:«لاَ تَخَفْ يَا زَكَرِيَّا، لأَنَّ طِلْبَتَكَ قَدْ سُمِعَتْ، وَامْرَأَتُكَ أَلِيصَابَاتُ سَتَلِدُ لَكَ ابْنًا وَتُسَمِّيهِ يُوحَنَّا. ........17وَيَتَقَدَّمُ أَمَامَهُ بِرُوحِ إِيلِيَّا وَقُوَّتِهِ، لِيَرُدَّ قُلُوبَ الآبَاءِ إِلَى الأَبْنَاءِ، وَالْعُصَاةَ إِلَى فِكْرِ الأَبْرَارِ، لِكَيْ يُهَيِّئَ لِلرَّبِّ شَعْبًا مُسْتَعِدًّا».﴾ [لوقا: 1- 13: 17].
﴿يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا (12)﴾ [مريم: 12].
وفي الآن ذاته بشّر سفر ملاخي في آخر آياته والتي تعتبر آخر آية في العهد القديم بإرسال النبي إيليا قبل يوم الرب العظيم، فهل المقصود هنا عودة المسيح عليه السلام آخر الزمان أم مجيء النبي الخاتم؟
﴿5«هأَنَذَا أُرْسِلُ إِلَيْكُمْ إِيلِيَّا النَّبِيَّ قَبْلَ مَجِيءِ يَوْمِ الرَّبِّ، الْيَوْمِ الْعَظِيمِ وَالْمَخُوفِ، 6فَيَرُدُّ قَلْبَ الآبَاءِ عَلَى الأَبْنَاءِ، وَقَلْبَ الأَبْنَاءِ عَلَى آبَائِهِمْ. لِئَلاَّ آتِيَ وَأَضْرِبَ الأَرْضَ بِلَعْنٍ».﴾ [ملاخي: 4- 5: 6].
ومما يثير مزيدًا من التساؤلات ما يُعرف بحادثة التجلي، وهي حادثة يُفترض أنها حدثت على جبل طابور القريب من الناصرة، والذي خلصت من خلال بحثي أنه هو جبل سعير التوراتي المرتبط بالنبوءات بالسيد المسيح، وقد ناقشت هذا في مبحث "أرض وجبل سعير". وتذكر الأناجيل أنه في حادثة التجلي اجتمع موسى مع المسيح مع إيليا على الجبل، فمن المنطقي هنا أن يكون القصد الشرائع الثلاث، وأن يكون إيليا المقصود هو نبينا محمد.
فهل كانت نبوءة بمحمد مكمل الرسالات الثلاث؟ خاصة وأن جبل طابور الذي يعتقد المسيحيون أنه مسرح الحادثة يبدو أنه هو الجبل الذي تسميه التوراة جبل سعير، والذي يظهر فيها مقترنًا بفاران، وأحيانًا أخرى بفاران وسيناء.
﴿1وَبَعْدَ سِتَّةِ أَيَّامٍ أَخَذَ يَسُوعُ بُطْرُسَ وَيَعْقُوبَ وَيُوحَنَّا أَخَاهُ وَصَعِدَ بِهِمْ إِلَى جَبَل عَال مُنْفَرِدِينَ. 2وَتَغَيَّرَتْ هَيْئَتُهُ قُدَّامَهُمْ، وَأَضَاءَ وَجْهُهُ كَالشَّمْسِ، وَصَارَتْ ثِيَابُهُ بَيْضَاءَ كَالنُّورِ. 3وَإِذَا مُوسَى وَإِيلِيَّا قَدْ ظَهَرَا لَهُمْ يَتَكَلَّمَانِ مَعَهُ. 4فَجَعَلَ بُطْرُسُ يَقُولُ لِيَسُوعَ: «يَارَبُّ، جَيِّدٌ أَنْ نَكُونَ ههُنَا! فَإِنْ شِئْتَ نَصْنَعْ هُنَا ثَلاَثَ مَظَالَّ: لَكَ وَاحِدَةٌ، وَلِمُوسَى وَاحِدَةٌ، وَلإِيلِيَّا وَاحِدَةٌ». 5وَفِيمَا هُوَ يَتَكَلَّمُ إِذَا سَحَابَةٌ نَيِّرَةٌ ظَلَّلَتْهُمْ، وَصَوْتٌ مِنَ السَّحَابَةِ قَائِلاً:«هذَا هُوَ ابْني الْحَبِيبُ الَّذِي بِهِ سُرِرْتُ. لَهُ اسْمَعُوا». 6وَلَمَّا سَمِعَ التَّلاَمِيذُ سَقَطُوا عَلَى وُجُوهِهِمْ وَخَافُوا جِدًّا. 7فَجَاءَ يَسُوعُ وَلَمَسَهُمْ وَقَالَ: «قُومُوا، وَلاَ تَخَافُوا». 8فَرَفَعُوا أَعْيُنَهُمْ وَلَمْ يَرَوْا أَحَدًا إِلاَّ يَسُوعَ وَحْدَهُ.﴾ [متى: 17- 1: 8].
﴿2وَبَعْدَ سِتَّةِ أَيَّامٍ أَخَذَ يَسُوعُ بُطْرُسَ وَيَعْقُوبَ وَيُوحَنَّا، وَصَعِدَ بِهِمْ إِلَى جَبَل عَال مُنْفَرِدِينَ وَحْدَهُمْ. وَتَغَيَّرَتْ هَيْئَتُهُ قُدَّامَهُمْ، 3وَصَارَتْ ثِيَابُهُ تَلْمَعُ بَيْضَاءَ جِدًّا كَالثَّلْجِ، لاَ يَقْدِرُ قَصَّارٌ عَلَى الأَرْضِ أَنْ يُبَيِّضَ مِثْلَ ذلِكَ. 4وَظَهَرَ لَهُمْ إِيلِيَّا مَعَ مُوسَى، وَكَانَا يَتَكَلَّمَانِ مَعَ يَسُوعَ. 5فَجَعَلَ بُطْرُسُ يَقولُ لِيَسُوعَ:«يَا سَيِّدِي، جَيِّدٌ أَنْ نَكُونَ ههُنَا. فَلْنَصْنَعْ ثَلاَثَ مَظَالَّ: لَكَ وَاحِدَةً، وَلِمُوسَى وَاحِدَةً، وَلإِيلِيَّا وَاحِدَةً».﴾ [مرقس: 9- 2: 5].
﴿28وَبَعْدَ هذَا الْكَلاَمِ بِنَحْوِ ثَمَانِيَةِ أَيَّامٍ، أَخَذَ بُطْرُسَ وَيُوحَنَّا وَيَعْقُوبَ وَصَعِدَ إِلَى جَبَل لِيُصَلِّيَ. 29وَفِيمَا هُوَ يُصَلِّي صَارَتْ هَيْئَةُ وَجْهِهِ مُتَغَيِّرَةً، وَلِبَاسُهُ مُبْيَضًّا لاَمِعًا. 30وَإِذَا رَجُلاَنِ يَتَكَلَّمَانِ مَعَهُ، وَهُمَا مُوسَى وَإِيلِيَّا، 31اَللَّذَانِ ظَهَرَا بِمَجْدٍ، وَتَكَلَّمَا عَنْ خُرُوجِهِ الَّذِي كَانَ عَتِيدًا أَنْ يُكَمِّلَهُ فِي أُورُشَلِيمَ. 32وَأَمَّا بُطْرُسُ وَاللَّذَانِ مَعَهُ فَكَانُوا قَدْ تَثَقَّلُوا بِالنَّوْمِ. فَلَمَّا اسْتَيْقَظُوا رَأَوْا مَجْدَهُ، وَالرَّجُلَيْنِ الْوَاقِفَيْنِ مَعَهُ. 33وَفِيمَا هُمَا يُفَارِقَانِهِ قَالَ بُطْرُسُ لِيَسُوعَ: «يَامُعَلِّمُ، جَيِّدٌ أَنْ نَكُونَ ههُنَا. فَلْنَصْنَعْ ثَلاَثَ مَظَالَّ: لَكَ وَاحِدَةً، وَلِمُوسَى وَاحِدَةً، وَلإِيلِيَّا وَاحِدَةً».﴾ [لوقا: 9- 28: 33].
والنص في إنجيل لوقا الذي يذكر التجلي على جبل طابور يذكر نعاسهم، ولأني لا أصدق قصة قيامة موسى وإيليا ليكلما المسيح، فمن باب إحسان الظن ربما كان حلمًا رآه بطرس للمسيح وموسى وإيليا عليهم السلام، ورأى معه فيه صاحبيه يوحنا ويعقوب.
ويظهر من بعض الآيات في الأناجيل أنهم يسألون يحيى/يوحنا إن كان هو المسيح أم إيليا أم النبي؟! وقد نفى أن يكون أي منهم، رغم أن هذا النفي غير مفهوم لأن يحيى هو أحد الأنبياء الثلاثة الخواتم، فإن جاز أن ينفي أنه المسيح أو إيليا فلم ينفي أنه النبي؟!
فشهادة النبي يحيى عندما سُئل بأنه ليس المسيح ولا إيليا ولا النبي تؤكد أنهم كانوا في انتظار هؤلاء الثلاثة؛ بمعنى أن نبوءات الأنبياء قبلهم تنبأت بنبي وبالمسيح وبالنبي الخاتم (وليس هو المسيح).
﴿19وَهذِهِ هِيَ شَهَادَةُ يُوحَنَّا، حِينَ أَرْسَلَ الْيَهُودُ مِنْ أُورُشَلِيمَ كَهَنَةً وَلاَوِيِّينَ لِيَسْأَلُوهُ:«مَنْ أَنْتَ؟» 20فَاعْتَرَفَ وَلَمْ يُنْكِرْ، وَأَقَرَّ:«إِنِّي لَسْتُ أَنَا الْمَسِيحَ». 21فَسَأَلُوهُ:«إِذًا مَاذَا؟ إِيلِيَّا أَنْتَ؟» فَقَالَ:«لَسْتُ أَنَا». «أَلنَّبِيُّ أَنْتَ؟» فَأَجَابَ:«لاَ». 22فَقَالُوا لَهُ:«مَنْ أَنْتَ، لِنُعْطِيَ جَوَابًا لِلَّذِينَ أَرْسَلُونَا؟ مَاذَا تَقُولُ عَنْ نَفْسِكَ؟» 23قَالَ:«أَنَا صَوْتُ صَارِخٍ فِي الْبَرِّيَّةِ: قَوِّمُوا طَرِيقَ الرَّبِّ، كَمَا قَالَ إِشَعْيَاءُ النَّبِيُّ». 24وَكَانَ الْمُرْسَلُونَ مِنَ الْفَرِّيسِيِّينَ، 25فَسَأَلُوهُ وَقَالُوا لَهُ:«فَمَا بَالُكَ تُعَمِّدُ إِنْ كُنْتَ لَسْتَ الْمَسِيحَ، وَلاَ إِيلِيَّا، وَلاَ النَّبِيَّ؟»﴾ [يوحنا: 1- 19: 25].
وبالرجوع إلى تفسير إنجيل يوحنا للأنبا إثناسيوس مطران بني سويف في الكنيسة القبطية المصرية نجده يذكر (ص117) أنه "كان اليهود يعتقدون أن اثنين يأتيان قبل المسيا، ولذلك سألوه إن كان هو النبي أم إيليا. وفي الحقيقة لم يكن ليأتي قبل المسيا سوى واحد هو يوحنا المعمدان الذي سماه الوحي نبيًا أو ملاكًا بروح إيليا أي بصفات إيليا في النُسك والشجاعة".
والمسلمون أيضًا يتفقون مع اليهود بأنه كان لا بد أن يأتي اثنان ثم يأتي النبي الخاتم "المسيا"، فأتى يحيى/يوحنا فالمسيح عيسى، ثم انقطع زمان النبوات طويلًا قبل أن يأتي محمد الخاتم.
ومن ثم فقد كان اليهود بعد أن عرفوا يحيى في انتظار المسيح ومن يأتي بعده. وبالأدق فلم يكن يعني اليهود المسيح الوديع المسالم، وإنما من كانوا حقًا في انتظاره هو الملك الخاتم الذي حسبوا أنه سيكون منهم، إذ تجاهلوا ما نبّه إليه السيد المسيح ابن مريم من أن الكرم سيُنزع منهم إلى أمة أخرى.
وهناك سؤال هام يطرحه إنجيل لوقا على لسان النبي يحيى عليه السلام سأله للمسيح عليه السلام، وهو هل هو الآتي أم هناك آخر؟ والتساؤل دومًا عن اثنين. ولم يجب النص عن السؤال!
﴿18فَأَخْبَرَ يُوحَنَّا تَلاَمِيذُهُ بِهذَا كُلِّهِ. 19فَدَعَا يُوحَنَّا اثْنَيْنِ مِنْ تَلاَمِيذِهِ، وَأَرْسَلَ إِلَى يَسُوعَ قَائِلاً:«أَنْتَ هُوَ الآتِي أَمْ نَنْتَظِرُ آخَرَ؟» 20فَلَمَّا جَاءَ إِلَيْهِ الرَّجُلاَنِ قَالاَ:«يُوحَنَّا الْمَعْمَدَانُ قَدْ أَرْسَلَنَا إِلَيْكَ قَائِلاً: أَنْتَ هُوَ الآتِي أَمْ نَنْتَظِرُ آخَرَ؟» 21وَفِي تِلْكَ السَّاعَةِ شَفَى كَثِيرِينَ مِنْ أَمْرَاضٍ وَأَدْوَاءٍ وَأَرْوَاحٍ شِرِّيرَةٍ، وَوَهَبَ الْبَصَرَ لِعُمْيَانٍ كَثِيرِينَ. 22فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُماَ: «اذْهَبَا وَأَخْبِرَا يُوحَنَّا بِمَا رَأَيْتُمَا وَسَمِعْتُمَا: إِنَّ الْعُمْيَ يُبْصِرُونَ، وَالْعُرْجَ يَمْشُونَ، وَالْبُرْصَ يُطَهَّرُونَ، وَالصُّمَّ يَسْمَعُونَ، وَالْمَوْتَى يَقُومُونَ، وَالْمَسَاكِينَ يُبَشَّرُونَ. 23وَطُوبَى لِمَنْ لاَ يَعْثُرُ فِيَّ».﴾ [لوقا: 7- 18: 23].
وتكرر السؤال مختصرًا في إنجيل متى.
﴿2أَمَّا يُوحَنَّا فَلَمَّا سَمِعَ فِي السِّجْنِ بِأَعْمَالِ الْمَسِيحِ، أَرْسَلَ اثْنَيْنِ مِنْ تَلاَمِيذِهِ، 3وَقَالَ لَهُ:«أَنْتَ هُوَ الآتِي أَمْ نَنْتَظِرُ آخَرَ؟» 4فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُمَا:«اذْهَبَا وَأَخْبِرَا يُوحَنَّا بِمَا تَسْمَعَانِ وَتَنْظُرَانِ: 5اَلْعُمْيُ يُبْصِرُونَ، وَالْعُرْجُ يَمْشُونَ، وَالْبُرْصُ يُطَهَّرُونَ، وَالصُّمُّ يَسْمَعُونَ، وَالْمَوْتَى يَقُومُونَ، وَالْمَسَاكِينُ يُبَشَّرُونَ. 6وَطُوبَى لِمَنْ لاَ يَعْثُرُ فِيَّ».﴾ [متى: 11- 2: 6].
ومن بقية النص في إنجيل لوقا يتأكد أن الحديث عن نبي منتظر، ولكن الكلام إجمالًا ليس جازمًا بالمقصود منه.
﴿24فَلَمَّا مَضَى رَسُولاَ يُوحَنَّا، ابْتَدَأَ يَقُولُ لِلْجُمُوعِ عَنْ يُوحَنَّا:«مَاذَا خَرَجْتُمْ إِلَى الْبَرِّيَّةِ لِتَنْظُرُوا؟ أَقَصَبَةً تُحَرِّكُهَا الرِّيحُ؟ 25بَلْ مَاذَا خَرَجْتُمْ لِتَنْظُرُوا؟ أَإِنْسَانًا لاَبِسًا ثِيَابًا نَاعِمَةً؟ هُوَذَا الَّذِينَ فِي اللِّبَاسِ الْفَاخِرِ وَالتَّنَعُّمِ هُمْ فِي قُصُورِ الْمُلُوكِ. 26بَلْ مَاذَا خَرَجْتُمْ لِتَنْظُرُوا؟ أَنَبِيًّا؟ نَعَمْ، أَقُولُ لَكُمْ: وَأَفْضَلَ مِنْ نَبِيٍّ! 27هذَا هُوَ الَّذِي كُتِبَ عَنْهُ: هَا أَنَا أُرْسِلُ أَمَامَ وَجْهِكَ مَلاَكِي الَّذِي يُهَيِّئُ طَرِيقَكَ قُدَّامَكَ! 28لأَنِّي أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ بَيْنَ الْمَوْلُودِينَ مِنَ النِّسَاءِ لَيْسَ نَبِيٌّ أَعْظَمَ مِنْ يُوحَنَّا الْمَعْمَدَانِ، وَلكِنَّ الأَصْغَرَ فِي مَلَكُوتِ اللهِ أَعْظَمُ مِنْهُ». 29وَجَمِيعُ الشَّعْبِ إِذْ سَمِعُوا وَالْعَشَّارُونَ بَرَّرُوا اللهَ مُعْتَمِدِينَ بِمَعْمُودِيَّةِ يُوحَنَّا. 30وَأَمَّا الْفَرِّيسِيُّونَ وَالنَّامُوسِيُّونَ فَرَفَضُوا مَشُورَةَ اللهِ مِنْ جِهَةِ أَنْفُسِهِمْ، غَيْرَ مُعْتَمِدِينَ مِنْهُ.﴾ [لوقا: 7- 24: 30].
وفي إنجيل يوحنا يبدو من حديث المرأة السامرية مع المسيح عليه السلام أنهم كانوا مُبشرين في كتابهم بالمسيح ابن مريم بشارة صريحة وفي انتظاره بعد يحيى. وإن كانت المرأة توحد بين المسيا والمسيح باعتبارهما شخص واحد.
﴿25قَالَتْ لَهُ الْمَرْأَةُ:«أَنَا أَعْلَمُ أَنَّ مَسِيَّا، الَّذِي يُقَالُ لَهُ الْمَسِيحُ، يَأْتِي. فَمَتَى جَاءَ ذَاكَ يُخْبِرُنَا بِكُلِّ شَيْءٍ». 26قَالَ لَهَا يَسُوعُ:«أَنَا الَّذِي أُكَلِّمُكِ هُوَ».﴾ [يوحنا: 4- 25: 26].
وأغلب النصوص التي ذكرت إيليا في الأناجيل محيرة وملغزة، ويظهر منها أن كتبة بني إسرائيل كانوا في انتظار إيليا، ويبدو من بعضها كما لو أن إيليا يأتي أولًا ثم يقوم المسيح، وهو ما يمكن أن يُفهم على أنه مجيء النبي الخاتم ثم ظهور المسيح آخر الزمان، وإن كان النص على لسان المسيح يعود بعدها ليذكر أن إيليا قد أتى!
﴿9وَفِيمَا هُمْ نَازِلُونَ مِنَ الْجَبَلِ، أَوْصَاهُمْ أَنْ لاَ يُحَدِّثُوا أَحَدًا بِمَا أَبْصَرُوا، إِلاَّ مَتَى قَامَ ابْنُ الإِنْسَانِ مِنَ الأَمْوَاتِ. 10فَحَفِظُوا الْكَلِمَةَ لأَنْفُسِهِمْ يَتَسَاءَلُونَ:«مَا هُوَ الْقِيَامُ مِنَ الأَمْوَاتِ؟» 11فَسَأَلُوهُ قَائِليِنَ:«لِمَاذَا يَقُولُ الْكَتَبَةُ: إِنَّ إِيلِيَّا يَنْبَغِي أَنْ يَأْتِيَ أَوَّلاً؟» 12فَأَجَابَ وَقَالَ لَهُمْ:«إِنَّ إِيلِيَّا يَأْتِي أَوَّلاً وَيَرُدُّ كُلَّ شَيْءٍ. وَكَيْفَ هُوَ مَكْتُوبٌ عَنِ ابْنِ الإِنْسَانِ أَنْ يَتَأَلَّمَ كَثِيرًا وَيُرْذَلَ. 13لكِنْ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ إِيلِيَّا أَيْضًا قَدْ أَتَى، وَعَمِلُوا بِهِ كُلَّ مَا أَرَادُوا، كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ عَنْهُ».﴾ [مرقس: 9- 9: 13].
والنص في إنجيل متى يدعي في نهايته أن المسيح قصد بإيليا الذي أتى يوحنا/يحيى عليه السلام، بينما قد مر بنا أن يوحنا سُئل إن كان إيليا فنفى!
﴿9وَفِيمَا هُمْ نَازِلُونَ مِنَ الْجَبَلِ أَوْصَاهُمْ يَسُوعُ قَائِلاً:«لاَ تُعْلِمُوا أَحَدًا بِمَا رَأَيْتُمْ حَتَّى يَقُومَ ابْنُ الإِنْسَانِ مِنَ الأَمْوَاتِ». 10وَسَأَلَهُ تَلاَمِيذُهُ قَائِلِينَ:«فَلِمَاذَا يَقُولُ الْكَتَبَةُ: إِنَّ إِيلِيَّا يَنْبَغِي أَنْ يَأْتِيَ أَوَّلاً؟» 11فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُمْ:«إِنَّ إِيلِيَّا يَأْتِي أَوَّلاً وَيَرُدُّ كُلَّ شَيْءٍ. 12وَلكِنِّي أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ إِيلِيَّا قَدْ جَاءَ وَلَمْ يَعْرِفُوهُ، بَلْ عَمِلُوا بِهِ كُلَّ مَا أَرَادُوا. كَذلِكَ ابْنُ الإِنْسَانِ أَيْضًا سَوْفَ يَتَأَلَّمُ مِنْهُمْ». 13حِينَئِذٍ فَهِمَ التَّلاَمِيذُ أَنَّهُ قَالَ لَهُمْ عَنْ يُوحَنَّا الْمَعْمَدَانِ.﴾ [متى: 17- 9: 13].
كما أن المسيح عليه السلام يتحدث في إصحاح آخر عن إيليا الذي سيأتي! وهذا النص قيل ويحيى عليه السلام كان لا زال حيًا! فكيف يكون هو المزمع أن يأتي؟!
﴿13لأَنَّ جَمِيعَ الأَنْبِيَاءِ وَالنَّامُوسَ إِلَى يُوحَنَّا تَنَبَّأُوا. 14وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَقْبَلُوا، فَهذَا هُوَ إِيلِيَّا الْمُزْمِعُ أَنْ يَأْتِيَ. 15مَنْ لَهُ أُذُنَانِ لِلسَّمْعِ فَلْيَسْمَعْ.﴾ [متى: 11- 13: 14].
ويدعي إنجيلا متى ومرقس أن المسيح قد نادى الله عندما صلبوه فظنوا أنه ينادي إيليا ليأتي وينجده.
﴿46وَنَحْوَ السَّاعَةِ التَّاسِعَةِ صَرَخَ يَسُوعُ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ قَائِلاً: «إِيلِي، إِيلِي، لِمَا شَبَقْتَنِي؟» أَيْ: إِلهِي، إِلهِي، لِمَاذَا تَرَكْتَنِي؟ 47فَقَوْمٌ مِنَ الْوَاقِفِينَ هُنَاكَ لَمَّا سَمِعُوا قَالُوا:«إِنَّهُ يُنَادِي إِيلِيَّا». 48وَلِلْوَقْتِ رَكَضَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ وَأَخَذَ إِسْفِنْجَةً وَمَلأَهَا خَّلاً وَجَعَلَهَا عَلَى قَصَبَةٍ وَسَقَاهُ. 49وَأَمَّا الْبَاقُونَ فَقَالُوا:«اتْرُكْ. لِنَرَى هَلْ يَأْتِي إِيلِيَّا يُخَلِّصُهُ!».﴾ [متى: 27- 46: 49].
﴿34وَفِي السَّاعَةِ التَّاسِعَةِ صَرَخَ يَسُوعُ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ قَائِلاً:«إِلُوِي، إِلُوِي، لِمَا شَبَقْتَنِي؟» اَلَّذِي تَفْسِيرُهُ: إِلهِي، إِلهِي، لِمَاذَا تَرَكْتَنِي؟ 35فَقَالَ قَوْمٌ مِنَ الْحَاضِرِينَ لَمَّا سَمِعُوا:«هُوَذَا يُنَادِي إِيلِيَّا». 36فَرَكَضَ وَاحِدٌ وَمَلأَ إِسْفِنْجَةً خَّلاً وَجَعَلَهَا عَلَى قَصَبَةٍ وَسَقَاهُ قَائِلاً:«اتْرُكُوا. لِنَرَ هَلْ يَأْتِي إِيلِيَّا لِيُنْزِلَهُ!»﴾ [مرقس: 15- 34: 36].
ثم إنه بعيدًا عن الأسماء فإن نصًا في إنجيل لوقا يذكر فيه يحيى/يوحنا عليه السلام أن هناك من سيأتي هو أقوى منه، ويصفه صفات تعني ببساطة أنه يكمل ويتم العمل، وينقيه، وهو وصف يليق بالنبي الخاتم، ولكن لا يصح أن يُدعى أنه المسيح ابن مريم لأنه لم يكن له عليه السلام سلطان، ولم يتح الله له الوقت لينقي الدين –ودين الأنبياء كلهم واحد- مما لحقه من تزييف وتحريف.
﴿15وَإِذْ كَانَ الشَّعْبُ يَنْتَظِرُ، وَالْجَمِيعُ يُفَكِّرُونَ فِي قُلُوبِهِمْ عَنْ يُوحَنَّا لَعَلَّهُ الْمَسِيحُ، 16أَجَابَ يُوحَنَّا الْجَمِيعَ قِائِلاً:«أَنَا أُعَمِّدُكُمْ بِمَاءٍ، وَلكِنْ يَأْتِي مَنْ هُوَ أَقْوَى مِنِّي، الَّذِي لَسْتُ أَهْلاً أَنْ أَحُلَّ سُيُورَ حِذَائِهِ. هُوَ سَيُعَمِّدُكُمْ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ وَنَارٍ. 17الَّذِي رَفْشُهُ فِي يَدِهِ، وَسَيُنَقِّي بَيْدَرَهُ، وَيَجْمَعُ الْقَمْحَ إِلَى مَخْزَنِهِ، وَأَمَّا التِّبْنُ فَيُحْرِقُهُ بِنَارٍ لاَ تُطْفَأُ».﴾ [لوقا: 3- 15: 17].
شيلون
سبق أن أشرت إلى وجود أمور غير واضحة فيما يخص ما روته أسفار اليهود عن النبي صمويل عليه السلام، فبداية قد حاولوا الإيهام بأنه من ذرية أفرايم ثم ظهر أنه ليس من بنيه. ولما مات صمويل ذهب داود عليه السلام إلى فاران! وفاران هي المكان الذي تربى فيه إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام، وليس لدى المسلمين شك في أنه تربى في مكة، فهل كان صمويل من ذرية إسماعيل وكان يسكن فاران وليس الرامة، وهذا سبب ارتحال داود إلى مكة لما علم بموته؟
﴿1وَمَاتَ صَمُوئِيلُ، فَاجْتَمَعَ جَمِيعُ إِسْرَائِيلَ وَنَدَبُوهُ وَدَفَنُوهُ فِي بَيْتِهِ فِي الرَّامَةِ. وَقَامَ دَاوُدُ وَنَزَلَ إِلَى بَرِّيَّةِ فَارَانَ.﴾ [صمويل1: 25- 1].
والأمر الثاني أنهم قالوا إن صمويل كان أبوه يذبح لرب الصابئة (=رب الجنود) في شيلوه، وقالوا: معناها الصومعة. وهذا المكان لم تأتِ سيرته إلا نادرًا في غير قصة صمويل عليه السلام في أسفارهم.
﴿3وَكَانَ هذَا الرَّجُلُ يَصْعَدُ مِنْ مَدِينَتِهِ مِنْ سَنَةٍ إِلَى سَنَةٍ لِيَسْجُدَ وَيَذْبَحَ لِرَبِّ الْجُنُودِ فِي شِيلُوهَ.﴾ [صمويل1: 1- 3].
ثم إن أم صمويل لما ولدته ثم فطمته تركته في بيت الرب في شيلوه مع الكاهن علي (عالي).
﴿24ثُمَّ حِينَ فَطَمَتْهُ أَصْعَدَتْهُ مَعَهَا بِثَلاَثَةِ ثِيرَانٍ وَإِيفَةِ دَقِيق وَزِقِّ خَمْرٍ، وَأَتَتْ بِهِ إِلَى الرَّبِّ فِي شِيلُوهَ وَالصَّبِيُّ صَغِيرٌ. 25فَذَبَحُوا الثَّوْرَ وَجَاءُوا بِالصَّبِيِّ إِلَى عَالِي. 26وَقَالَتْ: «أَسْأَلُكَ يَا سَيِّدِي. حَيَّةٌ هِيَ نَفْسُكَ يَا سَيِّدِي، أَنَا الْمَرْأَةُ الَّتِي وَقَفَتْ لَدَيْكَ هُنَا تُصَلِّي إِلَى الرَّبِّ. 27لأَجْلِ هذَا الصَّبِيِّ صَلَّيْتُ فَأَعْطَانِيَ الرَّبُّ سُؤْلِيَ الَّذِي سَأَلْتُهُ مِنْ لَدُنْهُ. 28وَأَنَا أَيْضًا قَدْ أَعَرْتُهُ لِلرَّبِّ. جَمِيعَ أَيَّامِ حَيَاتِهِ هُوَ عَارِيَّةٌ لِلرَّبِّ». وَسَجَدُوا هُنَاكَ لِلرَّبِّ.﴾ [صمويل1: 1- 24: 28].
وفي سفر التكوين التوراتي أتت نبوءة على لسان يعقوب عليه السلام بشيلون الذي لا يُفهم هل هو من بقية ذرية يهوذا أم سيأتي بعد أن لا يبقى ملك فيهم! والمعنى الأدق أن المُلك في بني إسرائيل سيبقى في يهوذا حتى يأتي نبي ملك من غيرهم تخضع له الشعوب.
﴿10لاَ يَزُولُ قَضِيبٌ مِنْ يَهُوذَا وَمُشْتَرِعٌ مِنْ بَيْنِ رِجْلَيْهِ حَتَّى يَأْتِيَ شِيلُونُ وَلَهُ يَكُونُ خُضُوعُ شُعُوبٍ.﴾ [تكوين: 49- 10].
ونص الآية في الترجمة السبعينية اليونانية:
﴾10 οὐκ ἐκλείψει ἄρχων ἐξ ᾿Ιούδα καὶ ἡγούμενος ἐκ τῶν μηρῶν αὐτοῦ, ἕως ἐὰν ἔλθῃ τὰ ἀποκείμενα αὐτῷ, καὶ αὐτὸς προσδοκία ἐθνῶν.﴿
وترجمتها: ﴿10لا يَهْلَك رَئيسٌ مِنْ يَهُوذا ولا مُتَسَلِطٍ مِنْ وَسَطِهِ حَتْى يَأتِيَ البَاقِي مِنْه ويَكُونُ رَجَاءَ "مُنْتَظَرَ" الأمَمِ.﴾.
فهو رجاء الأمم= منتظر الأمم = καὶ αὐτὸς προσδοκία ἐθνῶν.
وكلمة ἀποκείμενα يمكن أن تترجم الباقي أو قيد الانتظار.
وإجمالًا فإنه من الواضح أن شيلون في النسخة العربية هو المنتظر في النسخة اليونانية، الذي ترتجيه الشعوب وتخضع له.
ويبقى أن نعرف أن كلمة "رسول" تعني " שָׁלִיחַ" بالعبرية، وتُنطق شيلياخ! ولنضع في اعتبارنا قاعدة أن أي اسم في العبرية الحديثة يظهر في نطقه صوت الخاء يكون محرفًا لأن العبرية لا يوجد فيها حرف الخاء، فليس هذا النطق الصحيح للاسم وإنما هذا الحرف محرف.
مشتهى كل الأمم
يوجد أحد الأسفار الشعرية في العهد القديم لا أعلم كيف يكون ما فيه قد كُتب بإرشاد من الروح القُدس! إلا إن كان ما فيه قد حرّفه شخص ماجن عليه من الله ما يستحق. ومع كل التحريف الذي حدث له حتى لا يظن من ينظر إليه أنه من عند الله أبدًا، فقد بقيت كلمة في ختام آيات الإصحاح الخامس منه ذُكر فيها اسم نبينا محمد מַחֲמַדִּ مضافًا إليها لاحقة تستخدم في العبرية للتعظيم كما تستخدم للجمع، فكُتب محمديم מַחֲמַדִּים ولكنهم ترجموا الاسم وجعلوه في الترجمة العربية "مشتهيات"!
والنص الأصلي باللغة العبرية:
﴿טז חִכּוֹ, מַמְתַקִּים, וְכֻלּוֹ, מַחֲמַדִּים; זֶה דוֹדִי וְזֶה רֵעִי, בְּנוֹת יְרוּשָׁלִָם.﴾
﴿16حَلْقُهُ حَلاَوَةٌ وَكُلُّهُ مُشْتَهَيَاتٌ. هذَا حَبِيبِي، وَهذَا خَلِيلِي، يَا بَنَاتِ أُورُشَلِيمَ.﴾ [نشيد الإنشاد: 5- 16].
والمسيحيون يعتبرون أن هذه نبوءة بالمسيح عليه السلام، بينما اليهود يعتبرون أن إحدى زوجات سليمان عليه السلام تصفه.
وورد أيضًا في سفر حجي، وهو أحد أنبيائهم بعد تدمير الهيكل وعودتهم من السبي البابلي، نبوءة أخرى بنبينا محمد عليه الصلاة والسلام الذي سيعيد أتباع شريعته تجديد المسجد الأقصى ويمجدوه، وذُكر فيها الاسم، ولكنهم عمدوا إلى ترجمته ليصير ﴿وَيَأْتِي مُشْتَهَى كُلِّ الأُمَمِ﴾، وفي الترجمة السبعينية ﴿وَتَأْتِي نَفَائِس كًلِّ اْلأُمَمِ﴾.
﴿6لأَنَّهُ هكَذَا قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ: هِيَ مَرَّةٌ، بَعْدَ قَلِيلٍ، فَأُزَلْزِلُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَالْبَحْرَ وَالْيَابِسَةَ، 7وَأُزَلْزِلُ كُلَّ الأُمَمِ. وَيَأْتِي مُشْتَهَى كُلِّ الأُمَمِ، فَأَمْلأُ هذَا الْبَيْتَ مَجْدًا، قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ. 8لِي الْفِضَّةُ وَلِي الذَّهَبُ، يَقُولُ رَبُّ الْجُنُودِ. 9مَجْدُ هذَا الْبَيْتِ الأَخِيرِ يَكُونُ أَعْظَمَ مِنْ مَجْدِ الأَوَّلِ، قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ. وَفِي هذَا الْمَكَانِ أُعْطِي السَّلاَمَ، يَقُولُ رَبُّ الْجُنُودِ».﴾ [حجي: 2- 6: 9].
والآيات في سفر حجي هي نبوءة عن رب الصابئة (= رب الجنود) تؤكد أن المسجد الأقصى له مجدان، الثاني أعظم من الأول؛ وقد كان له مجد في عصر سليمان، ثم سيكون مجده أعلى عندما يأتي محمد (مشتهى كل الأمم). وإن كان بعض المسيحيين يعتبرون أن حجي في الآية يبشر بالمسيح عليه السلام لأن حجي كان معاصرًا لزكريا عليه السلام، ولكن هل أعاد أتباع المسيح مجد المسجد الأقصى؟!
ما أفهمه أن الله تعالى قدّر أن يُعاد بناء هيكل سليمان عليه السلام قبل ميلاد المسيح عليه السلام مباشرة ليكون قائمًا في زمن دعوته ليُدرِّس فيه ويعطي تعاليمه، فلم يكن ذلك لأجل المغضوب عليهم، ونُقض لأنهم لم يقبلوا المسيح، وعاد مجد القدس مرة ثانية بعد سليمان مع أتباع محمد عليه الصلاة والسلام، ومهما فعل اليهود لن يُقام الهيكل مرة ثالثة، فأمر الله قد نفذ فيهم.
المختار الذي يخرج الحق للأمم،. رجل الحروب الذي يقوى على أعدائه
يبدو لي سفر إشعيا أقل تعرضًا من غيره للتحريف، ويمكن أن يُرى ذلك في آياته الكثيرة التي تؤكد على توحيد الله وتسبيحه وحمده وتنزيهه عن مشابهة خلقه.
وفي نص آخر في سفر إشعيا وردت أقوى نبوءة بنبينا محمد عليه الصلاة والسلام؛ إذ الحديث عن المختار الذي يخرج الحق لجميع الأمم، فرسالته عامة، والحديث عن فرحة تأتي من الديار التي سكنها قيدار (مكة) وترانيم سالع. ولا شك أن نبينا محمد بن عبد الله من نسل عدنان من ذرية قيدار بن إسماعيل، كما أن "سالع" ليس هو الاسم القديم للبتراء كما أوضحنا، فالبتراء اسمها القديم "الرقيم"، ومدينة سالع المعنية هي المدينة المنورة، مكان هجرته صلى الله عليه وسلم. وأدوم وسالع لا علاقة لهما بعيسو بن إسحق، وإنما مملكة أدوم هي واحدة من ممالك بني إسماعيل. كما أن جميع المدن المنحوتة في الصخر نحتها العرب ولا علاقة لها ببني إسحق عليه السلام.
فالبشارة هنا بنبي من العرب أبناء إسماعيل، وليس من نسل بني إسرائيل بتاتًا، وهو كما تصفه النبوءة رجل حروب يقوى على أعدائه، ولم تكن هذه صفة المسيح عليه السلام. وتأتي إضافة في النص ذاته بأنه رسول الله الذي سيبُعث إلى أمة عميت وصمت واشتهر فيهم النهب والسلب ويعبدون الأصنام، وكان هذا حال العرب قبل الإسلام.
﴿1«هُوَذَا عَبْدِي الَّذِي أَعْضُدُهُ، مُخْتَارِي الَّذِي سُرَّتْ بِهِ نَفْسِي. وَضَعْتُ رُوحِي عَلَيْهِ فَيُخْرِجُ الْحَقَّ لِلأُمَمِ. 2لاَ يَصِيحُ وَلاَ يَرْفَعُ وَلاَ يُسْمِعُ فِي الشَّارِعِ صَوْتَهُ. 3قَصَبَةً مَرْضُوضَةً لاَ يَقْصِفُ، وَفَتِيلَةً خَامِدَةً لاَ يُطْفِئُ. إِلَى الأَمَانِ يُخْرِجُ الْحَقَّ. 4لاَ يَكِلُّ وَلاَ يَنْكَسِرُ حَتَّى يَضَعَ الْحَقَّ فِي الأَرْضِ، وَتَنْتَظِرُ الْجَزَائِرُ شَرِيعَتَهُ».
5هكَذَا يَقُولُ اللهُ الرَّبُّ، خَالِقُ السَّمَاوَاتِ وَنَاشِرُهَا، بَاسِطُ الأَرْضِ وَنَتَائِجِهَا، مُعْطِي الشَّعْبِ عَلَيْهَا نَسَمَةً، وَالسَّاكِنِينَ فِيهَا رُوحًا: 6«أَنَا الرَّبَّ قَدْ دَعَوْتُكَ بِالْبِرِّ، فَأُمْسِكُ بِيَدِكَ وَأَحْفَظُكَ وَأَجْعَلُكَ عَهْدًا لِلشَّعْبِ وَنُورًا لِلأُمَمِ، 7لِتَفْتَحَ عُيُونَ الْعُمْيِ، لِتُخْرِجَ مِنَ الْحَبْسِ الْمَأْسُورِينَ، مِنْ بَيْتِ السِّجْنِ الْجَالِسِينَ فِي الظُّلْمَةِ.
8«أَنَا الرَّبُّ هذَا اسْمِي، وَمَجْدِي لاَ أُعْطِيهِ لآخَرَ، وَلاَ تَسْبِيحِي لِلْمَنْحُوتَاتِ. 9هُوَذَا الأَوَّلِيَّاتُ قَدْ أَتَتْ، وَالْحَدِيثَاتُ أَنَا مُخْبِرٌ بِهَا. قَبْلَ أَنْ تَنْبُتَ أُعْلِمُكُمْ بِهَا».
10غَنُّوا لِلرَّبِّ أُغْنِيَةً جَدِيدَةً، تَسْبِيحَهُ مِنْ أَقْصَى الأَرْضِ. أَيُّهَا الْمُنْحَدِرُونَ فِي الْبَحْرِ وَمِلْؤُهُ وَالْجَزَائِرُ وَسُكَّانُهَا، 11لِتَرْفَعِ الْبَرِّيَّةُ وَمُدُنُهَا صَوْتَهَا، الدِّيَارُ الَّتِي سَكَنَهَا قِيدَارُ. لِتَتَرَنَّمْ سُكَّانُ سَالِعَ. مِنْ رُؤُوسِ الْجِبَالِ لِيَهْتِفُوا. 12لِيُعْطُوا الرَّبَّ مَجْدًا وَيُخْبِرُوا بِتَسْبِيحِهِ فِي الْجَزَائِرِ. 13الرَّبُّ كَالْجَبَّارِ يَخْرُجُ. كَرَجُلِ حُرُوبٍ يُنْهِضُ غَيْرَتَهُ. يَهْتِفُ وَيَصْرُخُ وَيَقْوَى عَلَى أَعْدَائِهِ.
14«قَدْ صَمَتُّ مُنْذُ الدَّهْرِ. سَكَتُّ. تَجَلَّدْتُ. كَالْوَالِدَةِ أَصِيحُ. أَنْفُخُ وَأَنَخُرُ مَعًا. 15أَخْرِبُ الْجِبَالَ وَالآكَامَ وَأُجَفِّفُ كُلَّ عُشْبِهَا، وَأَجْعَلُ الأَنْهَارَ يَبَسًا وَأُنَشِّفُ الآجَامَ، 16وَأُسَيِّرُ الْعُمْيَ فِي طَرِيق لَمْ يَعْرِفُوهَا. فِي مَسَالِكَ لَمْ يَدْرُوهَا أُمَشِّيهِمْ. أَجْعَلُ الظُّلْمَةَ أَمَامَهُمْ نُورًا، وَالْمُعْوَجَّاتِ مُسْتَقِيمَةً. هذِهِ الأُمُورُ أَفْعَلُهَا وَلاَ أَتْرُكُهُمْ. 17قَدِ ارْتَدُّوا إِلَى الْوَرَاءِ. يَخْزَى خِزْيًا الْمُتَّكِلُونَ عَلَى الْمَنْحُوتَاتِ، الْقَائِلُونَ لِلْمَسْبُوكَاتِ: أَنْتُنَّ آلِهَتُنَا!
18«أَيُّهَا الصُّمُّ اسْمَعُوا. أَيُّهَا الْعُمْيُ انْظُرُوا لِتُبْصِرُوا. 19مَنْ هُوَ أَعْمَى إِلاَّ عَبْدِي، وَأَصَمُّ كَرَسُولِي الَّذِي أُرْسِلُهُ؟ مَنْ هُوَ أَعْمَى كَالْكَامِلِ، وَأَعْمَى كَعَبْدِ الرَّبِّ؟ 20نَاظِرٌ كَثِيرًا وَلاَ تُلاَحِظُ. مَفْتُوحُ الأُذُنَيْنِ وَلاَ يَسْمَعُ». 21الرَّبُّ قَدْ سُرَّ مِنْ أَجْلِ بِرِّهِ. يُعَظِّمُ الشَّرِيعَةَ وَيُكْرِمُهَا. 22وَلكِنَّهُ شَعْبٌ مَنْهُوبٌ وَمَسْلُوبٌ. قَدِ اصْطِيدَ فِي الْحُفَرِ كُلُّهُ، وَفِي بُيُوتِ الْحُبُوسِ اخْتَبَأُوا. صَارُوا نَهْبًا وَلاَ مُنْقِذَ، وَسَلَبًا وَلَيْسَ مَنْ يَقُولُ: «رُدَّ!».﴾ [إشعيا: 42- 1: 22].
وهذه النبوءة بنبينا محمد في سفر إشعيا اقتصوا منها في إنجيل متى مع تعديل في الصياغة، وادعوا أنها تحققت في المسيح عليه السلام.
﴿14فَلَمَّا خَرَجَ الْفَرِّيسِيُّونَ تَشَاوَرُوا عَلَيْهِ لِكَيْ يُهْلِكُوهُ، 15فَعَلِمَ يَسُوعُ وَانْصَرَفَ مِنْ هُنَاكَ. وَتَبِعَتْهُ جُمُوعٌ كَثِيرَةٌ فَشَفَاهُمْ جَمِيعًا. 16وَأَوْصَاهُمْ أَنْ لاَ يُظْهِرُوهُ، 17لِكَيْ يَتِمَّ مَا قِيلَ بِإِشَعْيَاءَ النَّبِيِّ الْقَائِلِ: 18«هُوَذَا فَتَايَ الَّذِي اخْتَرْتُهُ، حَبِيبِي الَّذِي سُرَّتْ بِهِ نَفْسِي. أَضَعُ رُوحِي عَلَيْهِ فَيُخْبِرُ الأُمَمَ بِالْحَقِّ. 19لاَ يُخَاصِمُ وَلاَ يَصِيحُ، وَلاَ يَسْمَعُ أَحَدٌ فِي الشَّوَارِعِ صَوْتَهُ. 20قَصَبَةً مَرْضُوضَةً لاَ يَقْصِفُ، وَفَتِيلَةً مُدَخِّنَةً لاَ يُطْفِئُ، حَتَّى يُخْرِجَ الْحَقَّ إِلَى النُّصْرَةِ. 21وَعَلَى اسْمِهِ يَكُونُ رَجَاءُ الأُمَمِ».﴾ [متى: 12- 14: 21].
لقد لزمت قبيلة قريش من بني قيدار الإقامة بجوار بيت الله الحرام وعظموه، ومن بني قيدار من لم يبرح جزيرة العرب، فإن تحرك بعضهم فإلى الشمال أو الجنوب من مكة، وقل من تشاءم أو تغرب إلى مصر، فكافأهم رب العزة بأن جعل خاتم الأنبياء منهم. بينما بقية إخوتهم من بني إسماعيل بحثوا عن الأراضي الخصبة ليسكنوها في جزيرة العرب وبعضهم ذهب إلى الشام وإلى مصر.
ولأجل حديث النبوءة عن رجل حروب فقد غلب على ظن اليهود أنه سيكون رسول من نسل داود عليه السلام، وأراد المسيحيون أن يتماشوا مع النبوءة فنسبوا المسيح عليه السلام إلى يوسف القديس الذي قالوا إنه كان خطيب السيدة مريم، وهو من سبط يهوذا، وناقشنا هذا الادعاء في مباحث المسيح عليه السلام.
وقد أخبرنا القرآن أن السيدة مريم من الكهنة بني هارون، وليست من بني داود، ولو كانت من نسل داود حقًا لقبلوا المسيح، ولكنهم رفضوا ابنها الذي أخبرهم وهو رضيع عندما أنطقه الله تعالى أنه رسول الله إليهم؛ لأنه ليس أميرهم المنتظر رجل الحروب الذي يقوى على أعدائه؛ ثم رفضوا محمدًا رغم أن النبوءة منطبقة عليه لأنه ليس من بني إسرائيل.
بعض النبوءات الظاهرة التحريف
لأن النبوءات ليست كلها واضحة بسبب تحريفات كتبتهم فإننا يمكن أن نجد آثارًا في بعض النصوص أقل قوة مما أوردناه.
﴿فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ (79)﴾ [البقرة: 79].
اسمه عجيب!
ورد نص آخر في سفر إشعيا يبدو عليه أثر التحريف لإثبات نسب المسيح عليه السلام لله، لكنه يذكر أن علامة الرياسة على كتفه (علامة النبوة). ومعلوم أن نبينا محمد عليه الصلاة والسلام كانت على كتفه علامة النبوة، تلك التي كان يسعى سلمان الفارسي أن يراها ليتأكد أنه هو النبي الخاتم الذي ارتحل وجاب الأرض حتى وجده. ويذكر النص في نسخته العربية أن اسمه عجيب!
﴿6لأَنَّهُ يُولَدُ لَنَا وَلَدٌ وَنُعْطَى ابْنًا، وَتَكُونُ الرِّيَاسَةُ عَلَى كَتِفِهِ، وَيُدْعَى اسْمُهُ عَجِيبًا، مُشِيرًا، إِلهًا قَدِيرًا، أَبًا أَبَدِيًّا، رَئِيسَ السَّلاَمِ. 7لِنُمُوِّ رِيَاسَتِهِ، وَلِلسَّلاَمِ لاَ نِهَايَةَ عَلَى كُرْسِيِّ دَاوُدَ وَعَلَى مَمْلَكَتِهِ، لِيُثَبِّتَهَا وَيَعْضُدَهَا بِالْحَقِّ وَالْبِرِّ، مِنَ الآنَ إِلَى الأَبَدِ. غَيْرَةُ رَبِّ الْجُنُودِ تَصْنَعُ هذَا.﴾ [إشعيا: 9- 6: 7].
والنص في Complete Jewish Bible (CJB) يعطينا كلمات غير دارجة في الإنجليزية يفسرها بعد ذلك بين قوسين.
﴾and he will be given the name Pele-Yo‘etz El Gibbor Avi-‘Ad Sar-Shalom.
[Wonder of a Counselor, Mighty God, Father of Eternity, Prince of Peace],﴿
وفي Orthodox Jewish Bible (OJB) تكررت الألفاظ ذاتها تقريبًا.
﴾6 For unto us a yeled is born, unto us ben is given; and the misrah (dominion) shall be upon his shoulder; and Shmo shall be called Peleh (Wonderful), Yoetz (Counsellor), El Gibbor (Mighty G-d), Avi Ad (Possessor of Eternity), Sar Shalom (Prince of Peace). ﴿
وتذكرني كلمة "عجيب" في نص إشعيا بالمزمور المئة والثامن عشر الذي بشّر بالحجر المرفوض الذي صار رأس الزاوية، ويعقب هذه البشرى أن هذا يكون عجيبًا. وقد تكررت هذه البشرى كثيرًا على لسان المسيح عند حديثه مع بني إسرائيل منذرًا إياهم بأنهم قد قُطعوا من أن يكونوا الأمة المختارة، والحديث عن حجر محدد فلا يصح أن يقال إن المقصود المسيحيون من كل الأمم.
﴿22الْحَجَرُ الَّذِي رَفَضَهُ الْبَنَّاؤُونَ قَدْ صَارَ رَأْسَ الزَّاوِيَةِ. 23مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ كَانَ هذَا، وَهُوَ عَجِيبٌ فِي أَعْيُنِنَا.﴾ [مزمور118- 22: 23].
وفي النسخة الأرمنية التي ترجمها القسيس أوسكان لسفر إشعيا في القرن السابع عشر ظهرت في النبوءة الشهيرة بنبينا في الإصحاح الثاني والأربعين من السفر كلمات تختلف عن تلك في النسخة المتداولة الشائعة، وأهم ما فيها أن هناك علامة على ظهره (خاتم النبوة)، كما ذُكر اسمه (أحمد).
﴿سَبِّحُوا اللهَ تَسْبِيحًا جَدِيدًا، وأثَرُ سَلْطَنَتِه عَلى ظَهْرِه، واسْمُه أحْمَد﴾ [إشعيا: 42- 10].
يهوذا/أحمد
لم يذكر القرآن الكريم وحسب أن أهل الكتاب يجدون النبوءات والبشارات بنبينا في كتبهم، بل زاد فذكر أن المسيح عليه السلام ذكر اسمه أحمد صراحة.
﴿وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (6) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الْإِسْلَامِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (7) يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (8) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (9)﴾ [الصف: 6: 9].
وورد في الإصحاح الرابع والأربعين من إنجيل برنابا على لسان السيد المسيح اسم نبينا محمد. ومعلوم أن إنجيل برنابا مرفوض من جميع الكنائس رغم أن برنابا هو أحد المبشرين الأولين بالمسيحية!
﴿30وَلَمَّا رَأَيْتُهُ امْتَلَأتُ عَزَاءً قَائِلًا: يَا محمد لِيَكُنِ اللهُ مَعَكَ وَلْيَجْعَلْنِي أَهْلًا أَنْ أَحُلَّ سَيْرَ حِذَائِك.﴾ [برنابا: 44- 30].
ومن تحريفاتهم أنهم نسبوا المسيح عليه السلام إلى سبط يهوذا، رغم اعتقادهم أنه ابن الله! ويهوذا من ولد يعقوب، وسُمي بهذا الاسم رغم أنه لم يكن اسم (يهوه) كاسم للرب قد ظهر؛ فبحسب التوراة إن الله تعالى لما كلّم موسى عليه السلام أول مرة أخبره باسمه الجديد (يهوه)!
﴿2ثُمَّ كَلَّمَ اللهُ مُوسَى وَقَالَ لَهُ: «أَنَا الرَّبُّ. 3وَأَنَا ظَهَرْتُ لإِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ بِأَنِّي الإِلهُ الْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ. وَأَمَّا بِاسْمِي «يَهْوَهْ» فَلَمْ أُعْرَفْ عِنْدَهُمْ.﴾ [تكوين: 6- 2: 3].
وما يعنينا الآن أن يهوه هو الحميد، ويهوذا هو أحمد بالعبرية!
جاء في التوراة على لسان السيدة ليئة زوجة يعقوب لما ولدت يهوذا: ﴿35وَحَبِلَتْ أَيْضًا وَوَلَدَتِ ابْنًا وَقَالَتْ: «هذِهِ الْمَرَّةَ أَحْمَدُ الرَّبَّ». لِذلِكَ دَعَتِ اسْمَهُ «يَهُوذَا». ثُمَّ تَوَقَّفَتْ عَنِ الْوِلاَدَةِ.﴾ [تكوين: 29- 35].
وجاء فيها على لسان يعقوب عليه السلام: ﴿8يَهُوذَا، إِيَّاكَ يَحْمَدُ إِخْوَتُكَ، يَدُكَ عَلَى قَفَا أَعْدَائِكَ، يَسْجُدُ لَكَ بَنُو أَبِيكَ.﴾ [تكوين: 49- 8].
وجاء تحت اسم يهوذا في Hebrew Glossary:
“Yehudah ( Judah): (ye-hu-dah) n. Judah. The fourth son of Jacob/Leah and patriarch of the tribe Judah. Also the name for the southern kingdom of ancient Israel. The name Judah (יְהוּדָה) comes from the root (יָדָה) which means to "thank." From Judah was derived the later term "Jew" (which first appears after the destruction of the First Temple,] 2 Kings 25:25[, and was later used in the Aramaic books of Ezra/Nehemiah).
The matriarch Leah used a play on words regarding her birth of her fourth son (Gen. 29:35) when she said she would thank the LORD (אוֹדֶה אֶת־יהוה) and therefore named her son "Judah" (יְהוּדָה).
The Apostle Paul alluded to this in Rom. 2:28-29 by saying that a Jew is "one who praises (or thanks) God," and therefore it may be said that all those who thank the LORD in the truth are spiritual Jews. If you are "blood-related" to God by the Messiah, you are "grafted in" to the covenants, promises, and blessings given to ethnic Israel and are therefore a member of "God's household."”
وترجمة النص:
يهودا: (يي-هو-داه) ن. يهوذا/جودة. الابن الرابع ليعقوب/ليئة، ورئيس سبط يهوذا. هو أيضًا اسم المملكة الجنوبية لإسرائيل القديمة. من يهوذا اشتق المصطلح الأخير "يهودي" (والذي ظهر لأول مرة بعد تدمير الهيكل الأول [ملوك2: 25:25]، واستخدم لاحقًا في الكتب الآرامية لعزرا / نحميا).
استخدمت ليئة Matriarch Leah اللعب على الكلمات المتعلقة بميلادها لابنها الرابع، عندما قالت: ﴿35وَحَبِلَتْ أَيْضًا وَوَلَدَتِ ابْنًا وَقَالَتْ: «هذِهِ الْمَرَّةَ أَحْمَدُ الرَّبَّ». لِذلِكَ دَعَتِ اسْمَهُ «يَهُوذَا». ثُمَّ تَوَقَّفَتْ عَنِ الْوِلاَدَةِ.﴾ [تكوين: 29- 35].
ألمح الرسول بولس إلى هذا في [رسالة رومية: 2: 28-29] بالقول إن اليهودي هو "الذي يحمد الله (أو يشكره)" ، ومن ثم يمكن القول إن كل الذين يحمدون الرب في الحق هم يهود روحيون. إذا كنت "مرتبطًا بالدم" لله من قبل المسيح ، فأنت "مطعم" بالعهود والوعود والبركات الممنوحة لإسرائيل العرقية وعليه تكون أحد أفراد "بيت الله".
وأعتقد أن اسم يهوه الذي يعني الحميد قد اختاروه اسمًا أعظم للرب تعالى لأنه أكثر تناسبًا مع اسم يهوذا، وهذا الاسم لم يستخدمه السيد المسيح نهائيًا، ولم يُذكر في الأناجيل.
والقرآن الكريم يذكر أن اليهود سُموا يهودًا لأنهم تابوا بعد عبادة العجل؛ إذ قال الليث بن سعد: "الهود التوبة". والهداية والتوبة هنا إلى الله، ولا دخل ليهوذا باسمهم.
﴿إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ﴾ [الأعراف: 156].
كما أشار القرآن الكريم إلى اليهود بـ ﴿ الَّذِينَ هَادُوا﴾ عشر مرات، من ذلك:
﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62)﴾ [البقرة: 62].
﴿مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا (46)﴾ [النساء: 46].
﴿وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا مَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (118)﴾ [النحل: 118].
﴿قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (6)﴾ [الجمعة: 6].
وكما أنهم قد يكونون هادوا هُودًا، فاللفظ يحتمل أن يكونوا هادوا هدية، ومنها جاءت كلمة الهَدْي في اللغة العربية؛ وهو ما يُهدى إلى الحرم من النَّعَم، والواحدة منه (هَدْيَة) و (هَدِيَّة)، وهو ما يحمل ضمنيًا معنى الحمد لله.
وكان سبط يهوذا أقوى أسباط بني إسرائيل وأكثرهم عددًا.
﴿26بَنُو يَهُوذَا، تَوَالِيدُهُمْ حَسَبَ عَشَائِرِهِمْ وَبُيُوتِ آبَائِهِمْ، بِعَدَدِ الأَسْمَاءِ مِنِ ابْنِ عِشْرِينَ سَنَةً فَصَاعِدًا، كُلُّ خَارِجٍ لِلْحَرْبِ، 27الْمَعْدُودُونَ مِنْهُمْ لِسِبْطِ يَهُوذَا أَرْبَعَةٌ وَسَبْعُونَ أَلْفًا وَسِتُّ مِئَةٍ.﴾ [عدد: 1- 26: 27].
﴿22هذِهِ عَشَائِرُ يَهُوذَا حَسَبَ عَدَدِهِمْ، سِتَّةٌ وَسَبْعُونَ أَلْفًا وَخَمْسُ مِئَةٍ.﴾ [عدد: 26- 22].
وتذكر الأناجيل أن المسيح هو ابن مريم وأخو يهوذا! باعتبار أنهم جعلوا العذراء تتزوج وتنجب إخوة للمسيح! ومن ذُكروا أيضًا في السياق كإخوة للمسيح جميعهم أسماؤهم أسماء أنبياء.
فهل كان النص الحقيقي أنه يسوع من سبط يهوذا أم أنه عيسى المبشر بأحمد؟ وهل كان للنبوءات بأحمد رجل الحروب الذي يقوى على أعدائه أثر في انتظار نبي من سبط يهوذا؟ هل كان المكتوب أنهم في انتظار نبيًا ملكًا محاربًا من سبط يهوذا أم كانت النبوءة أنهم في انتظار يهوذا (أحمد)؟
وكاتب رسالة يهوذا يصف نفسه بأنه أخو يعقوب وليس أخا المسيح.
﴿1يَهُوذَا، عَبْدُ يَسُوعَ الْمَسِيحِ، وَأَخُو يَعْقُوبَ﴾ [رسالة يهوذا: 1].
ومن اللافت أن سبط يهوذا كان أكثر أسباطهم اندماجًا مع أبناء عمومتهم العرب الإسماعيليين، وسبق وتحدثنا في مبحث "نسب مدين" عن اندماج المدينيين والقنزيين العرب أنسباء موسى مع بني إسرائيل، ومع سبط يهوذا تحديدًا. وذكرنا من قبل تزويج الملك النبي داود لأخته من يثر الإسماعيلي أبو عاموس (عماسا)، والذي كان قائد جيش يهوذا، وهو جد بعيد لنبينا محمد. وذُكر عِيرَا الْيِثْرِيُّ، وَجَارَبُ الْيِثْرِيُّ ضمن أبطال جيش داود في الإصحاح الثالث والعشرين من سفر صمويل الثاني.
وبحسب قاموس الكتاب المقدس فإن "حويلة: اسم سامي معناه "رملية". والصلة بين حويلة وحضرموت وأماكن أخرى تشير إلى موقع في وسط البلاد العربية أو جنوبها". ولأن الملك طالوت "شاول" ضرب عماليق من حويلة إلى شور، وهي المنطقة ذاتها التي تجعلها التوراة حدًا لسكنى بني إسماعيل، فقد دخلت جزيرة العرب في مملكة بني إسرائيل من قبل أن يملك داود. وكانت لسليمان عليه السلام قطعان من الجمال ولم تكن تُربى سوى في جزيرة العرب، وكذا صلته بملكة سبأ "ملكة التيمن" حتى حُكي عن زواجه بها.
ولا ننسى ذهاب داود عليه السلام إلى فاران بعد موت النبي صمويل، وحروب داود في وادي الرفائيين حيث أشجار البكا، وطلبه شربة ماء من البئر هناك، والتي تحدثنا عنها عند شرح المزمور الذي يذكر "بكة".
والاستنتاج الذي وصلت إليه إجمالًا أن بيت داود كما كان له نفوذ في فلسطين ولبنان قد وصل نفوذه إلى جزيرة العرب.
النبوءة المحرَّفة في الإصحاح الرابع عشر من سفر التكوين
مر بنا في صفحات هذا الكتاب نص الآيات السبع الأولى من الإصحاح الرابع عشر من سفر التكوين.
﴿1وَحَدَثَ فِي أَيَّامِ أَمْرَافَلَ مَلِكِ شِنْعَارَ، وَأَرْيُوكَ مَلِكِ أَلاَّسَارَ، وَكَدَرْلَعَوْمَرَ مَلِكِ عِيلاَمَ، وَتِدْعَالَ مَلِكِ جُويِيمَ، 2أَنَّ هؤُلاَءِ صَنَعُوا حَرْبًا مَعَ بَارَعَ مَلِكِ سَدُومَ، وَبِرْشَاعَ مَلِكِ عَمُورَةَ، وَشِنْآبَ مَلِكِ أَدْمَةَ، وَشِمْئِيبَرَ مَلِكِ صَبُويِيمَ، وَمَلِكِ بَالَعَ الَّتِي هِيَ صُوغَرُ. 3جَمِيعُ هؤُلاَءِ اجْتَمَعُوا مُتَعَاهِدِينَ إِلَى عُمْقِ السِّدِّيمِ الَّذِي هُوَ بَحْرُ الْمِلْحِ. 4اِثْنَتَيْ عَشَرَةَ سَنَةً اسْتُعْبِدُوا لِكَدَرْلَعَوْمَرَ، وَالسَّنَةَ الثَّالِثَةَ عَشَرَةَ عَصَوْا عَلَيْهِ. 5وَفِي السَّنَةِ الرَّابِعَةَ عَشَرْةَ أَتَى كَدَرْلَعَوْمَرُ وَالْمُلُوكُ الَّذِينَ مَعَهُ وَضَرَبُوا الرَّفَائِيِّينَ فِي عَشْتَارُوثَ قَرْنَايِمَ، وَالزُّوزِيِّينَ فِي هَامَ، وَالإِيمِيِّينَ فِي شَوَى قَرْيَتَايِمَ، 6وَالْحُورِيِّينَ فِي جَبَلِهِمْ سَعِيرَ إِلَى بُطْمَةِ فَارَانَ الَّتِي عِنْدَ الْبَرِّيَّةِ. 7ثُمَّ رَجَعُوا وَجَاءُوا إِلَى عَيْنِ مِشْفَاطَ الَّتِي هِيَ قَادِشُ. وَضَرَبُوا كُلَّ بِلاَدِ الْعَمَالِقَةِ، وَأَيْضًا الأَمُورِيِّينَ السَّاكِنِينَ فِي حَصُّونَ تَامَارَ.﴾ [تكوين: 14- 1: 7].
وباللغة العبرية:
﴿א וַיְהִי, בִּימֵי אַמְרָפֶל מֶלֶךְ-שִׁנְעָר, אַרְיוֹךְ, מֶלֶךְ אֶלָּסָר; כְּדָרְלָעֹמֶר מֶלֶךְ עֵילָם, וְתִדְעָל מֶלֶךְ גּוֹיִם. ב עָשׂוּ מִלְחָמָה, אֶת-בֶּרַע מֶלֶךְ סְדֹם, וְאֶת-בִּרְשַׁע, מֶלֶךְ עֲמֹרָה; שִׁנְאָב מֶלֶךְ אַדְמָה, וְשֶׁמְאֵבֶר מֶלֶךְ צְבֹיִים, וּמֶלֶךְ בֶּלַע, הִיא-צֹעַר. ג כָּל-אֵלֶּה, חָבְרוּ, אֶל-עֵמֶק, הַשִּׂדִּים: הוּא, יָם הַמֶּלַח. ד שְׁתֵּים עֶשְׂרֵה שָׁנָה, עָבְדוּ אֶת-כְּדָרְלָעֹמֶר; וּשְׁלֹשׁ-עֶשְׂרֵה שָׁנָה, מָרָדוּ. ה וּבְאַרְבַּע עֶשְׂרֵה שָׁנָה בָּא כְדָרְלָעֹמֶר, וְהַמְּלָכִים אֲשֶׁר אִתּוֹ, וַיַּכּוּ אֶת-רְפָאִים בְּעַשְׁתְּרֹת קַרְנַיִם, וְאֶת-הַזּוּזִים בְּהָם; וְאֵת, הָאֵימִים, בְּשָׁוֵה, קִרְיָתָיִם. ו וְאֶת-הַחֹרִי, בְּהַרְרָם שֵׂעִיר, עַד אֵיל פָּארָן, אֲשֶׁר עַל-הַמִּדְבָּר. ז וַיָּשֻׁבוּ וַיָּבֹאוּ אֶל-עֵין מִשְׁפָּט, הִוא קָדֵשׁ, וַיַּכּוּ, אֶת-כָּל-שְׂדֵה הָעֲמָלֵקִי--וְגַם, אֶת-הָאֱמֹרִי, הַיֹּשֵׁב, בְּחַצְצֹן תָּמָר.﴾.
وفي النص نجد اسم ملك عيلام الذي تكرر عدة مرات هو "قِيدْر لاعُمر כְּדָרְלָעֹמֶר" وهو أقرب إلى اسم قيدار العُمر! ونعرف أن نبينا من ذرية قيدار بن إسماعيل.
والايميون بحسب النطق العبري al'iimiuwn
﴿ וְאֶת-הַחֹרִי, בְּהַרְרָם שֵׂעִיר, עַד אֵיל פָּארָן, אֲשֶׁר עַל-הַמִּדְבָּר.﴾ وترجمتها: الحوري في حرم سعير إلى إيل فاران التي في البرية. وسبق أن ذكرنا أن الاسم في الترجمة السبعينية الأميون ᾿Ομμίν وتُنطق ᾿Ommín.
وإيل فاران بالعبرية: אֵיל פָּארָן
أما آخر كلمة فهي نخلة ثامار בְּחַצְצֹן תָּמָר ويترجموها حصون تامار أو عين جدي. وهذا المكان له علاقة بداود فتارة هو حصون تامار وتارة هو عين جدي، وهو المكان الذي ادعوا أن داود هرب فيه من شاول، ونعرف من القرآن أن السيدة مريم ولدت المسيح تحت نخلة.
فأمامنا نص يربط سعير بإيل فاران، ويأتي فيه ذكر الرفائيين والأميين بعد تحريفه كي لا يظهر أنه اسم العرب، ويتكرر فيه اسم قيدار وهو جد نبينا، كما ذُكر الحوريون باعتبارهم أمة قديمة في المنطقة في زمن إبراهيم عليه السلام وهو ما ينفيه المؤرخون، كما يأتي في النص موضع نخلة ثامار. ومن ثم فالنص إجمالًا يبدو تحريفًا لنبوءة كانت عن المسيح ونبينا محمد عليهما السلام، وربما لم يكن موضعه سفر التكوين أو هذا الموضع المتقدم منه.
بعض النبوءات بالأمة وليس بالنبي
بِأُمَّةٍ غَبِيَّةٍ أُغِيظُكُمْ
في سفر التثنية، وهو سفر توراتي من أسفار موسى، إعلام من الله لبني إسرائيل بأن آخرتهم أنه سيغيظ الكافرين منهم كما أغاظوه، وأن ذلك سيكون بأمة وصفتها النسخة العربية من السفر بالغبية، وتصفها أغلب الترجمات الإنجليزية بالمحتقرة a vile nation.
﴿19«فَرَأَى الرَّبُّ وَرَذَلَ مِنَ الْغَيْظِ بَنِيهِ وَبَنَاتِهِ. 20وَقَالَ: أَحْجُبُ وَجْهِي عَنْهُمْ، وَأَنْظُرُ مَاذَا تَكُونُ آخِرَتُهُمْ. إِنَّهُمْ جِيلٌ مُتَقَلِّبٌ، أَوْلاَدٌ لاَ أَمَانَةَ فِيهِمْ. 21هُمْ أَغَارُونِي بِمَا لَيْسَ إِلهًا، أَغَاظُونِي بِأَبَاطِيلِهِمْ. فَأَنَا أُغِيرُهُمْ بِمَا لَيْسَ شَعْبًا، بِأُمَّةٍ غَبِيَّةٍ أُغِيظُهُمْ.﴾ [تثنية: 32- 19: 21].
ويُكرر الوعيد على بني إسرائيل في إحدى رسائل المبشرين بالمسيحية إذ لعل بني إسرائيل لم يبلغهم الخبر! ولم يعلموا بوعيد الرب لهم على لسان موسى عليه السلام.
﴿19لكِنِّي أَقُولُ: أَلَعَلَّ إِسْرَائِيلَ لَمْ يَعْلَمْ؟ أَوَّلاً مُوسَى يَقُولُ:«أَنَا أُغِيرُكُمْ بِمَا لَيْسَ أُمَّةً. بِأُمَّةٍ غَبِيَّةٍ أُغِيظُكُمْ». 20ثُمَّ إِشَعْيَاءُ يَتَجَاسَرُ وَيَقُولُ:«وُجِدْتُ مِنَ الَّذِينَ لَمْ يَطْلُبُونِي، وَصِرْتُ ظَاهِرًا لِلَّذِينَ لَمْ يَسْأَلُوا عَنِّي». 21أَمَّا مِنْ جِهَةِ إِسْرَائِيلَ فَيَقُولُ:«طُولَ النَّهَارِ بَسَطْتُ يَدَيَّ إِلَى شَعْبٍ مُعَانِدٍ وَمُقَاوِمٍ».﴾ [رومية: 10- 19: 21].
ورغم أنه من غير اللائق نسبة الانفعالات السلبية إلى الله تعالى إلا أن جوهر المعنى واضح. والأدق أن الله سيغيظ الكفار بهؤلاء المؤمنين الجدد، وهو ما نص عليه القرآن في خاتمة سورة الفتح ﴿لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ﴾.
ما يعني أن الاصطفاء الذي كان لبني إسرائيل سيتحول بسبب كفرهم إلى هذه الأمة، وسبق أن ذكرنا أن بني إسرائيل كانوا يحتقرون أبناء عمومتهم من بني إسماعيل ويسمونهم الأميين، إذ كانوا في أضل حال قبل بعثة نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، فصار هؤلاء الأميون خير أمة أخرجت للناس.
﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (2)﴾ [الجمعة: 2].
﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ (110) ﴾ [آل عمران: 110].
وُضِعَتِ الْفَأْسُ عَلَى أَصْلِ الشَّجَرِ
نبوءة أخرى أنذرهم فيها يحيى/يوحنا عليه السلام بأن غضب الله تعالى آتٍ عليهم، وأن الفأس قد وضعت على أصل الشجرة تمهيدًا لقطعها، إذ تمادوا في عصيانهم معتقدين أن انتسابهم لإبراهيم عليه السلام يكفي لدوام البركة فيهم، ووضع الفأس يعني استئصالهم وقطعهم من رحمة الله بعصيانهم المتكرر، واستثنى التائبين الطائعين.
﴿7فَلَمَّا رَأَى كَثِيرِينَ مِنَ الْفَرِّيسِيِّينَ وَالصَّدُّوقِيِّينَ يَأْتُونَ إِلَى مَعْمُودِيَّتِهِ، قَالَ لَهُمْ:«يَاأَوْلاَدَ الأَفَاعِي، مَنْ أَرَاكُمْ أَنْ تَهْرُبُوا مِنَ الْغَضَب الآتِي؟ 8فَاصْنَعُوا أَثْمَارًا تَلِيقُ بِالتَّوْبَةِ. 9وَلاَ تَفْتَكِرُوا أَنْ تَقُولُوا فِي أَنْفُسِكُمْ: لَنَا إِبْراهِيمُ أَبًا. لأَنِّي أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ اللهَ قَادِرٌ أَنْ يُقِيمَ مِنْ هذِهِ الْحِجَارَةِ أَوْلاَدًا لإِبْراهِيمَ. 10وَالآنَ قَدْ وُضِعَتِ الْفَأْسُ عَلَى أَصْلِ الشَّجَرِ، فَكُلُّ شَجَرَةٍ لاَ تَصْنَعُ ثَمَرًا جَيِّدًا تُقْطَعُ وَتُلْقَى فِي النَّارِ.﴾ [متى: 3- 7: 10].
وكان ما فعلوه مع المسيح عليه السلام ضربة المعول الأخيرة التي اجتثتهم فانقطع منهم الأنبياء، وحل غضب الله تعالى العارم الكامل إلا على المتقين، وما أقلهم فيهم.
قُلْتُ: هأَنَذَا، هأَنَذَا. لأُمَّةٍ لَمْ تُسَمَّ بِاسْمِي
هناك نص آخر في سفر إشعيا يُفهم منه انتقال النبوة إلى أمة أخرى، وإن كان أقل وضوحًا بسبب وقوع التحريف فيه، فبعد الحديث عن الأمة التي لم تُسمَ باسم الرب التي أصغى لها الرب بعد ترك بني إسرائيل طاعته، يتحدث النص عن إخراج نسل من يعقوب!
﴿1«أَصْغَيْتُ إِلَى الَّذِينَ لَمْ يَسْأَلُوا. وُجِدْتُ مِنَ الَّذِينَ لَمْ يَطْلُبُونِي. قُلْتُ: هأَنَذَا، هأَنَذَا. لأُمَّةٍ لَمْ تُسَمَّ بِاسْمِي. 2بَسَطْتُ يَدَيَّ طُولَ النَّهَارِ إِلَى شَعْبٍ مُتَمَرِّدٍ سَائِرٍ فِي طَرِيق غَيْرِ صَالِحٍ وَرَاءَ أَفْكَارِهِ. 3شَعْبٍ يُغِيظُنِي بِوَجْهِي. دَائِمًا يَذْبَحُ فِي الْجَنَّاتِ، وَيُبَخِّرُ عَلَى الآجُرِّ. 4يَجْلِسُ فِي الْقُبُورِ، وَيَبِيتُ فِي الْمَدَافِنِ. يَأْكُلُ لَحْمَ الْخِنْزِيرِ، وَفِي آنِيَتِهِ مَرَقُ لُحُومٍ نَجِسَةٍ. 5يَقُولُ: قِفْ عِنْدَكَ. لاَ تَدْنُ مِنِّي لأَنِّي أَقْدَسُ مِنْكَ. هؤُلاَءِ دُخَانٌ فِي أَنْفِي، نَارٌ مُتَّقِدَةٌ كُلَّ النَّهَارِ. 6هَا قَدْ كُتِبَ أَمَامِي. لاَ أَسْكُتُ بَلْ أُجَازِي. أُجَازِي فِي حِضْنِهِمْ، 7آثَامَكُمْ وَآثَامَ آبَائِكُمْ مَعًا قَالَ الرَّبُّ، الَّذِينَ بَخَّرُوا عَلَى الْجِبَالِ، وَعَيَّرُونِي عَلَى الآكَامِ، فَأَكِيلُ عَمَلَهُمُ الأَوَّلَ فِي حِضْنِهِمْ».
8هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: «كَمَا أَنَّ السُّلاَفَ يُوجَدُ فِي الْعُنْقُودِ، فَيَقُولُ قَائِلٌ: لاَ تُهْلِكْهُ لأَنَّ فِيهِ بَرَكَةً. هكَذَا أَعْمَلُ لأَجْلِ عَبِيدِي حَتَّى لاَ أُهْلِكَ الْكُلَّ. 9بَلْ أُخْرِجُ مِنْ يَعْقُوبَ نَسْلاً وَمِنْ يَهُوذَا وَارِثًا لِجِبَالِي، فَيَرِثُهَا مُخْتَارِيَّ، وَتَسْكُنُ عَبِيدِي هُنَاكَ. 10فَيَكُونُ شَارُونُ مَرْعَى غَنَمٍ، وَوَادِي عَخُورَ مَرْبِضَ بَقَرٍ، لِشَعْبِي الَّذِينَ طَلَبُونِي.
11«أَمَّا أَنْتُمُ الَّذِينَ تَرَكُوا الرَّبَّ وَنَسُوا جَبَلَ قُدْسِي، وَرَتَّبُوا لِلسَّعْدِ الأَكْبَرِ مَائِدَةً، وَمَلأُوا لِلسَّعْدِ الأَصْغَرِ خَمْرًا مَمْزُوجَةً، 12فَإِنِّي أُعَيِّنُكُمْ لِلسَّيْفِ، وَتَجْثُونَ كُلُّكُمْ لِلذَّبْحِ، لأَنِّي دَعَوْتُ فَلَمْ تُجِيبُوا، تَكَلَّمْتُ فَلَمْ تَسْمَعُوا، بَلْ عَمِلْتُمُ الشَّرَّ فِي عَيْنَيَّ، وَاخْتَرْتُمْ مَا لَمْ أُسَرَّ بِهِ. 13لِذلِكَ هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: هُوَذَا عَبِيدِي يَأْكُلُونَ وَأَنْتُمْ تَجُوعُونَ. هُوَذَا عَبِيدِي يَشْرَبُونَ وَأَنْتُمْ تَعْطَشُونَ. هُوَذَا عَبِيدِي يَفْرَحُونَ وَأَنْتُمْ تَخْزَوْنَ. 14هُوَذَا عَبِيدِي يَتَرَنَّمُونَ مِنْ طِيبَةِ الْقَلْبِ وَأَنْتُمْ تَصْرُخُونَ مِنْ كآبَةِ الْقَلْبِ، وَمِنِ انْكِسَارِ الرُّوحِ تُوَلْوِلُونَ. 15وَتُخْلِفُونَ اسْمَكُمْ لَعْنَةً لِمُخْتَارِيَّ، فَيُمِيتُكَ السَّيِّدُ الرَّبُّ وَيُسَمِّي عَبِيدَهُ اسْمًا آخَرَ. 16فَالَّذِي يَتَبَرَّكُ فِي الأَرْضِ يَتَبَرَّكُ بِإِلهِ الْحَقِّ، وَالَّذِي يَحْلِفُ فِي الأَرْضِ يَحْلِفُ بِإِلهِ الْحَقِّ، لأَنَّ الضِّيقَاتِ الأُولَى قَدْ نُسِيَتْ، وَلأَنَّهَا اسْتَتَرَتْ عَنْ عَيْنَيَّ.﴾ [إشعيا: 65- 1: 16].
الساجدون الحقيقيون في غير السامرة والقدس
في حوار المرأة السامرية مع المسيح ابن مريم في الإصحاح الرابع من إنجيل يوحنا يذكر المسيح في الآية الحادية والعشرين أنه تأتي ساعة لا يكون السجود في أي من عاصمتي مملكتي بني إسرائيل الشمالية أم الجنوبية؛ أي في غير السامرة والقدس، ثم يضيف أنه سيكون خلاص من اليهود. ولكن النص كالعادة لم يخلُ من تحريف، فالآية الثالثة والعشرون تكرر أنه ستأتي ساعة لتضيف بعدها (وهي الآن)! لتشير زورًا إلى أن الساجدين الحقيقيين الذين يطلبهم الله هم أتباعه عليه السلام وليس أمة تأتي بعده، فهل للمسيحيين قبلة مقدسة غير القدس؟!
وفي النص محاولة للمعادلة بين المسيا المنتظر الذي يبدو من نصوص كثيرة أن المقصود به نبينا محمد، وبين المسيح ابن مريم، فكأنهما واحد، مع أن هذا يتناقض مع سابقه، إذ لا تفسر تلك الساعة التي سيسجد فيها غير اليهود في مكان آخر سوى القدس والسامرة بأن المسيح هو ذاته المسيا الذي يأتي!
﴿19قَالَتْ لَهُ الْمَرْأَةُ:«يَا سَيِّدُ، أَرَى أَنَّكَ نَبِيٌّ! 20آبَاؤُنَا سَجَدُوا فِي هذَا الْجَبَلِ، وَأَنْتُمْ تَقُولُونَ إِنَّ فِي أُورُشَلِيمَ الْمَوْضِعَ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُسْجَدَ فِيهِ». 21قَالَ لَهَا يَسُوعُ:«يَا امْرَأَةُ، صَدِّقِينِي أَنَّهُ تَأْتِي سَاعَةٌ، لاَ فِي هذَا الْجَبَلِ، وَلاَ فِي أُورُشَلِيمَ تَسْجُدُونَ لِلآبِ. 22أَنْتُمْ تَسْجُدُونَ لِمَا لَسْتُمْ تَعْلَمُونَ، أَمَّا نَحْنُ فَنَسْجُدُ لِمَا نَعْلَمُ . لأَنَّ الْخَلاَصَ هُوَ مِنَ الْيَهُودِ. 23وَلكِنْ تَأْتِي سَاعَةٌ، وَهِيَ الآنَ، حِينَ السَّاجِدُونَ الْحَقِيقِيُّونَ يَسْجُدُونَ لِلآبِ بِالرُّوحِ وَالْحَقِّ، لأَنَّ الآبَ طَالِبٌ مِثْلَ هؤُلاَءِ السَّاجِدِينَ لَهُ. 24اَللهُ رُوحٌ. وَالَّذِينَ يَسْجُدُونَ لَهُ فَبِالرُّوحِ وَالْحَقِّ يَنْبَغِي أَنْ يَسْجُدُوا». 25قَالَتْ لَهُ الْمَرْأَةُ:«أَنَا أَعْلَمُ أَنَّ مَسِيَّا، الَّذِي يُقَالُ لَهُ الْمَسِيحُ، يَأْتِي. فَمَتَى جَاءَ ذَاكَ يُخْبِرُنَا بِكُلِّ شَيْءٍ». 26قَالَ لَهَا يَسُوعُ:«أَنَا الَّذِي أُكَلِّمُكِ هُوَ».﴾ [يوحنا: 4- 19: 26].
لِيُرَنِّمُوا عَلَى مَضَاجِعِهِمْ. تَنْوِيهَاتُ اللهِ فِي أَفْوَاهِهِمْ، وَسَيْفٌ ذُو حَدَّيْنِ فِي يَدِهِمْ
يتحدث المزمور المئة والتاسع والأربعون عن ترنيمة جديدة، ورغم أن الحديث فيه عن ابتهاج بني إسرائيل بملكهم القوي إلا أن الصفات المذكورة فيه بدءًا من الآية الخامسة لا تنطبق على أمة بخلاف أمة الإسلام؛ فهم الذين أمرهم الله بأن يذكروا الله على جنوبهم، وأن يكبروا الله دومًا (وقد حرّف النص التكبيرات إلى تنويهات)، والسيوف العربية هي سيوف ذات حدين بعكس سيوف بقية الأمم، وهي السيوف التي حارب بها المسلمون الشعوب والأمم الكافرة التي أدبها الله بأيديهم وأذل ملوكهم وأشرافهم الكافرين.
﴿1هَلِّلُويَا. غَنُّوا لِلرَّبِّ تَرْنِيمَةً جَدِيدَةً، تَسْبِيحَتَهُ فِي جَمَاعَةِ الأَتْقِيَاءِ. 2لِيَفْرَحْ إِسْرَائِيلُ بِخَالِقِهِ. لِيَبْتَهِجْ بَنُو صِهْيَوْنَ بِمَلِكِهِمْ. 3لِيُسَبِّحُوا اسْمَهُ بِرَقْصٍ. بِدُفّ وَعُودٍ لِيُرَنِّمُوا لَهُ. 4لأَنَّ الرَّبَّ رَاضٍ عَنْ شَعْبِهِ. يُجَمِّلُ الْوُدَعَاءَ بِالْخَلاَصِ. 5لِيَبْتَهِجِ الأَتْقِيَاءُ بِمَجْدٍ. لِيُرَنِّمُوا عَلَى مَضَاجِعِهِمْ. 6تَنْوِيهَاتُ اللهِ فِي أَفْوَاهِهِمْ، وَسَيْفٌ ذُو حَدَّيْنِ فِي يَدِهِمْ. 7لِيَصْنَعُوا نَقْمَةً فِي الأُمَمِ، وَتَأْدِيبَاتٍ فِي الشُّعُوبِ. 8لأَسْرِ مُلُوكِهِمْ بِقُيُودٍ، وَشُرَفَائِهِمْ بِكُبُول مِنْ حَدِيدٍ. 9لِيُجْرُوا بِهِمِ الْحُكْمَ الْمَكْتُوبَ. كَرَامَةٌ هذَا لِجَمِيعِ أَتْقِيَائِهِ. هَلِّلُويَا.﴾ [مزمور149].
وأما إجراء الحكم المكتوب الذي يجريه الله بسيوف المؤمنين فهو ذاك المكتوب في الزبور (في المزمور السابع والثلاثين) وفي القرآن بأن الكافرين والأشرار يفنون والبقاء للصالحين يورثهم الله أرضه.
﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ (105)﴾ [الأنبياء: 105].
﴿9لأَنَّ عَامِلِي الشَّرِّ يُقْطَعُونَ، وَالَّذِينَ يَنْتَظِرُونَ الرَّبَّ هُمْ يَرِثُونَ الأَرْضَ. 10بَعْدَ قَلِيلٍ لاَ يَكُونُ الشِّرِّيرُ. تَطَّلِعُ فِي مَكَانِهِ فَلاَ يَكُونُ. 11أَمَّا الْوُدَعَاءُ فَيَرِثُونَ الأَرْضَ، وَيَتَلَذَّذُونَ فِي كَثْرَةِ السَّلاَمَةِ.﴾ [مزمور لداود 37- 9: 11].
﴿22لأَنَّ الْمُبَارَكِينَ مِنْهُ يَرِثُونَ الأَرْضَ، وَالْمَلْعُونِينَ مِنْهُ يُقْطَعُونَ.﴾ [مزمور لداود 37- 22].
﴿34انْتَظِرِ الرَّبَّ وَاحْفَظْ طَرِيقَهُ، فَيَرْفَعَكَ لِتَرِثَ الأَرْضَ. إِلَى انْقِرَاضِ الأَشْرَارِ تَنْظُرُ.﴾ [مزمور لداود 37- 34].
نبوءات بالمكان الذي ستخرج منه الشريعة الخاتمة
فرحة البرية والأرض اليابسة
وهناك النص في سفر إشعيا الذي يتحدث عن فرحة البرية والأرض اليابسة التي تبتهج وتزهر كما لو كانت خضراء كأرض لبنان، وفي النص أيضًا ذكر للطريق المقدسة التي لا يعبر فيها نجس، ومعلوم أن بلاد الحرمين لا يدخلها مشرك لأن المشركين نجس كما أخبر رب العزة عز وجل.
﴿1تَفْرَحُ الْبَرِّيَّةُ وَالأَرْضُ الْيَابِسَةُ، وَيَبْتَهِجُ الْقَفْرُ وَيُزْهِرُ كَالنَّرْجِسِ. 2يُزْهِرُ إِزْهَارًا وَيَبْتَهِجُ ابْتِهَاجًا وَيُرَنِّمُ. يُدْفَعُ إِلَيْهِ مَجْدُ لُبْنَانَ. بَهَاءُ كَرْمَلَ وَشَارُونَ. .............. 8وَتَكُونُ هُنَاكَ سِكَّةٌ وَطَرِيقٌ يُقَالُ لَهَا: «الطَّرِيقُ الْمُقَدَّسَةُ». لاَ يَعْبُرُ فِيهَا نَجِسٌ، بَلْ هِيَ لَهُمْ. مَنْ سَلَكَ فِي الطَّرِيقِ حَتَّى الْجُهَّالُ، لاَ يَضِلُّ.﴾ [إشعيا: 35- 1: 8].
المستوحشة وذات البعل
كذلك هناك نبوءة في سفر إشعيا هي بشارة لمكة وأبناء هاجر؛ فهاجر هي المستوحشة التي عاشت بابنها في أرض قفرة بعيدة عن زوجها، وسارة هي التي عاشت مع زوجها، ومكة (العاقر) التي لم يخرج منها نبي بعد إسماعيل تُبشر بأن لها نصيبًا متأخرًا عظيمًا. ويرث أبناؤها أممًا أخرى ويتوسع ملكها. مكة التي كان بها أول بيت وضع للناس (كأنها زوجة الصبا التي تُركت) يعود الرب فيمجدها إلى الأبد.
﴿1«تَرَنَّمِي أَيَّتُهَا الْعَاقِرُ الَّتِي لَمْ تَلِدْ. أَشِيدِي بِالتَّرَنُّمِ أَيَّتُهَا الَّتِي لَمْ تَمْخَضْ، لأَنَّ بَنِي الْمُسْتَوْحِشَةِ أَكْثَرُ مِنْ بَنِي ذَاتِ الْبَعْلِ، قَالَ الرَّبُّ. 2أَوْسِعِي مَكَانَ خَيْمَتِكِ، وَلْتُبْسَطْ شُقَقُ مَسَاكِنِكِ. لاَ تُمْسِكِي. أَطِيلِي أَطْنَابَكِ وَشَدِّدِي أَوْتَادَكِ، 3لأَنَّكِ تَمْتَدِّينَ إِلَى الْيَمِينِ وَإِلَى الْيَسَارِ، وَيَرِثُ نَسْلُكِ أُمَمًا، وَيُعْمِرُ مُدُنًا خَرِبَةً. 4لاَ تَخَافِي لأَنَّكِ لاَ تَخْزَيْنَ، وَلاَ تَخْجَلِي لأَنَّكِ لاَ تَسْتَحِينَ. فَإِنَّكِ تَنْسَيْنَ خِزْيَ صَبَاكِ، وَعَارُ تَرَمُّلِكِ لاَ تَذْكُرِينَهُ بَعْدُ. 5لأَنَّ بَعْلَكِ هُوَ صَانِعُكِ، رَبُّ الْجُنُودِ اسْمُهُ، وَوَلِيُّكِ قُدُّوسُ إِسْرَائِيلَ، إِلهَ كُلِّ الأَرْضِ يُدْعَى. 6لأَنَّهُ كَامْرَأَةٍ مَهْجُورَةٍ وَمَحْزُونَةِ الرُّوحِ دَعَاكِ الرَّبُّ، وَكَزَوْجَةِ الصِّبَا إِذَا رُذِلَتْ، قَالَ إِلهُكِ. 7لُحَيْظَةً تَرَكْتُكِ، وَبِمَرَاحِمَ عَظِيمَةٍ سَأَجْمَعُكِ. 8بِفَيَضَانِ الْغَضَبِ حَجَبْتُ وَجْهِي عَنْكِ لَحْظَةً، وَبِإِحْسَانٍ أَبَدِيٍّ أَرْحَمُكِ، قَالَ وَلِيُّكِ الرَّبُّ. 9لأَنَّهُ كَمِيَاهِ نُوحٍ هذِهِ لِي. كَمَا حَلَفْتُ أَنْ لاَ تَعْبُرَ بَعْدُ مِيَاهُ نُوحٍ عَلَى الأَرْضِ، هكَذَا حَلَفْتُ أَنْ لاَ أَغْضَبَ عَلَيْكِ وَلاَ أَزْجُرَكِ. 10فَإِنَّ الْجِبَالَ تَزُولُ، وَالآكَامَ تَتَزَعْزَعُ، أَمَّا إِحْسَانِي فَلاَ يَزُولُ عَنْكِ، وَعَهْدُ سَلاَمِي لاَ يَتَزَعْزَعُ، قَالَ رَاحِمُكِ الرَّبُّ.﴾ [إشعيا: 54- 1: 10].
الشروق بعد الظلام الدامس
في الإصحاح الستين من سفر إشعيا نبوءة تخص مدينة يشرق عليها نور الرب عندما تغطي الظلمة الأرض، وهذا المشهد لم يحدث سوى عند بعثة نبينا بعد انقطاع الأنبياء بعد رفع المسيح لنحو ستة قرون، ولم تبق إلا قلة مؤمنة إيمانًا صحيحًا بالله تعالى، وفي وسط كل هذا الظلام أشرق نور محمد.
والفقرة الثانية من النبوءة لا تذكر سوى العرب (مدين وعيفة وشبا وقيدار ونبايوت)، وهذه المدينة تجتمع فيها الوفود ويأتونها من بعيد، وتتسع، وهو ما يحدث في مكة كل عام في موسم الحج، وتأتيها خيرات كل الأمم، وتغطيها الجِمال الكثيرة، فالحديث عن مدينة عربية في قلب صحراء العرب ولا شك، كما تأتيها قطعان من مواشي وأنعام العرب لتُقرب لله على مذبحها، ويتزين بيت الله. ويذكر النص تسابيح الرب التي تعني التلبية التي يلبيها المسلمون في الحج.
ولكن كالعادة نجد بعدها النص يحيد ليذكر إسرائيل وهو ما لا يتفق بتاتًا مع الفقرتين الأولى والثانية، ولكن تبقى آثار تتفق مع مكة في الفقرة الأخيرة فمن يسكنها بعد إشراق النور يكونون جميعهم من الأبرار الصالحين الذين يرثون الأرض، وأن هذه الأمة تكون صغيرة ومحتقرة ثم تتحول إلى أمة قوية.
﴿1«قُومِي اسْتَنِيرِي لأَنَّهُ قَدْ جَاءَ نُورُكِ، وَمَجْدُ الرَّبِّ أَشْرَقَ عَلَيْكِ. 2لأَنَّهُ هَا هِيَ الظُّلْمَةُ تُغَطِّي الأَرْضَ وَالظَّلاَمُ الدَّامِسُ الأُمَمَ. أَمَّا عَلَيْكِ فَيُشْرِقُ الرَّبُّ، وَمَجْدُهُ عَلَيْكِ يُرَى. 3فَتَسِيرُ الأُمَمُ فِي نُورِكِ، وَالْمُلُوكُ فِي ضِيَاءِ إِشْرَاقِكِ.
4«اِرْفَعِي عَيْنَيْكِ حَوَالَيْكِ وَانْظُرِي. قَدِ اجْتَمَعُوا كُلُّهُمْ. جَاءُوا إِلَيْكِ. يَأْتِي بَنُوكِ مِنْ بَعِيدٍ وَتُحْمَلُ بَنَاتُكِ عَلَى الأَيْدِي. 5حِينَئِذٍ تَنْظُرِينَ وَتُنِيرِينَ وَيَخْفُقُ قَلْبُكِ وَيَتَّسِعُ، لأَنَّهُ تَتَحَوَّلُ إِلَيْكِ ثَرْوَةُ الْبَحْرِ، وَيَأْتِي إِلَيْكِ غِنَى الأُمَمِ. 6تُغَطِّيكِ كَثْرَةُ الْجِمَالِ، بُكْرَانُ مِدْيَانَ وَعِيفَةَ كُلُّهَا تَأْتِي مِنْ شَبَا. تَحْمِلُ ذَهَبًا وَلُبَانًا، وَتُبَشِّرُ بِتَسَابِيحِ الرَّبِّ. 7كُلُّ غَنَمِ قِيدَارَ تَجْتَمِعُ إِلَيْكِ. كِبَاشُ نَبَايُوتَ تَخْدِمُكِ. تَصْعَدُ مَقْبُولَةً عَلَى مَذْبَحِي، وَأُزَيِّنُ بَيْتَ جَمَالِي.
8مَنْ هؤُلاَءِ الطَّائِرُونَ كَسَحَابٍ وَكَالْحَمَامِ إِلَى بُيُوتِهَا؟ 9إِنَّ الْجَزَائِرَ تَنْتَظِرُنِي، وَسُفُنَ تَرْشِيشَ فِي الأَوَّلِ، لِتَأْتِيَ بِبَنِيكِ مِنْ بَعِيدٍ وَفِضَّتُهُمْ وَذَهَبُهُمْ مَعَهُمْ، لاسْمِ الرَّبِّ إِلهِكِ وَقُدُّوسِ إِسْرَائِيلَ، لأَنَّهُ قَدْ مَجَّدَكِ.
10«وَبَنُو الْغَرِيبِ يَبْنُونَ أَسْوَارَكِ، وَمُلُوكُهُمْ يَخْدِمُونَكِ. لأَنِّي بِغَضَبِي ضَرَبْتُكِ، وَبِرِضْوَانِي رَحِمْتُكِ. 11وَتَنْفَتِحُ أَبْوَابُكِ دَائِمًا. نَهَارًا وَلَيْلاً لاَ تُغْلَقُ. لِيُؤْتَى إِلَيْكِ بِغِنَى الأُمَمِ، وَتُقَادَ مُلُوكُهُمْ. 12لأَنَّ الأُمَّةَ وَالْمَمْلَكَةَ الَّتِي لاَ تَخْدِمُكِ تَبِيدُ، وَخَرَابًا تُخْرَبُ الأُمَمُ. 13مَجْدُ لُبْنَانَ إِلَيْكِ يَأْتِي. السَّرْوُ وَالسِّنْدِيَانُ وَالشَّرْبِينُ مَعًا لِزِينَةِ مَكَانِ مَقْدِسِي، وَأُمَجِّدُ مَوْضِعَ رِجْلَيَّ.
14«وَبَنُو الَّذِينَ قَهَرُوكِ يَسِيرُونَ إِلَيْكِ خَاضِعِينَ، وَكُلُّ الَّذِينَ أَهَانُوكِ يَسْجُدُونَ لَدَى بَاطِنِ قَدَمَيْكِ، وَيَدْعُونَكِ: مَدِينَةَ الرَّبِّ، «صِهْيَوْنَ قُدُّوسِ إِسْرَائِيلَ. 15عِوَضًا عَنْ كَوْنِكِ مَهْجُورَةً وَمُبْغَضَةً بِلاَ عَابِرٍ بِكِ، أَجْعَلُكِ فَخْرًا أَبَدِيًّا فَرَحَ دَوْرٍ فَدَوْرٍ. 16وَتَرْضَعِينَ لَبَنَ الأُمَمِ، وَتَرْضَعِينَ ثُدِيَّ مُلُوكٍ، وَتَعْرِفِينَ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ مُخَلِّصُكِ وَوَلِيُّكِ عَزِيزُ يَعْقُوبَ. 17عِوَضًا عَنِ النُّحَاسِ آتِي بِالذَّهَبِ، وَعِوَضًا عَنِ الْحَدِيدِ آتِي بِالْفِضَّةِ، وَعِوَضًا عَنِ الْخَشَبِ بِالنُّحَاسِ، وَعِوَضًا عَنِ الْحِجَارَةِ بِالْحَدِيدِ، وَأَجْعَلُ وُكَلاَءَكِ سَلاَمًا وَوُلاَتَكِ بِرًّا.
18«لاَ يُسْمَعُ بَعْدُ ظُلْمٌ فِي أَرْضِكِ، وَلاَ خَرَابٌ أَوْ سَحْقٌ فِي تُخُومِكِ، بَلْ تُسَمِّينَ أَسْوَارَكِ: خَلاَصًا وَأَبْوَابَكِ: تَسْبِيحًا. 19لاَ تَكُونُ لَكِ بَعْدُ الشَّمْسُ نُورًا فِي النَّهَارِ، وَلاَ الْقَمَرُ يُنِيرُ لَكِ مُضِيئًا، بَلِ الرَّبُّ يَكُونُ لَكِ نُورًا أَبَدِيًّا وَإِلهُكِ زِينَتَكِ. 20لاَ تَغِيبُ بَعْدُ شَمْسُكِ، وَقَمَرُكِ لاَ يَنْقُصُ، لأَنَّ الرَّبَّ يَكُونُ لَكِ نُورًا أَبَدِيًّا، وَتُكْمَلُ أَيَّامُ نَوْحِكِ. 21وَشَعْبُكِ كُلُّهُمْ أَبْرَارٌ. إِلَى الأَبَدِ يَرِثُونَ الأَرْضَ، غُصْنُ غَرْسِي عَمَلُ يَدَيَّ لأَتَمَجَّدَ. 22اَلصَّغِيرُ يَصِيرُ أَلْفًا وَالْحَقِيرُ أُمَّةً قَوِيَّةً. أَنَا الرَّبُّ فِي وَقْتِهِ أُسْرِعُ بِهِ».﴾ [إشعيا: 60].
وختامًا فهذه الآيات من سفر إشعيا التي تتحدث عن رؤيا ونبوءة تتعلق بكتاب سماوي يُدفع إلى من لا يعرف الكتابة تذكرني كلما قرأتها بنزول القرآن الكريم على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ورده على جبريل عليه السلام قائلًا: ما أنا بقارئ.
﴿11وَصَارَتْ لَكُمْ رُؤْيَا الْكُلِّ مِثْلَ كَلاَمِ السِّفْرِ الْمَخْتُومِ الَّذِي يَدْفَعُونَهُ لِعَارِفِ الْكِتَابَةِ قَائِلِينَ: «اقْرَأْ هذَا». فَيَقُولُ: «لاَ أَسْتَطِيعُ لأَنَّهُ مَخْتُومٌ». 12أَوْ يُدْفَعُ الْكِتَابُ لِمَنْ لاَ يَعْرِفُ الْكِتَابَةَ وَيُقَالُ لَهُ: «اقْرَأْ هذَا». فَيَقُولُ: « لاَ أَعْرِفُ الْكِتَابَةَ».﴾ [إشعيا: 29- 11: 12].
***
د. منى أبو بكر زيتون
مُستل من كتابي "القصص الحق"