قراءات نقدية
عماد خالد رحمة: دراسة نقدية لقصة الأديب زياد خداش بعنوان «حقيبة ليست لي»
لم تكن الهوية، في التجربة الفلسطينية، مفهوماً مجرداً أو معطى ثابتاً، بل ظلت على الدوام سؤالاً مفتوحاً، محفوفاً بالاقتلاع والتهديد وإعادة التعريف القسري. ففي سياق تاريخي طويل من الفقد والمنفى والاحتلال، لم يعد الفلسطيني يعيش أزمته بوصفها حدثاً طارئاً، بل بوصفها حالة نفسية ممتدة، تتغلغل في تفاصيل الحياة اليومية، وتُنتج وعياً قلقاً بالذات، هشّاً في يقيناته، ومحمّلاً بأسئلة الانتماء والاعتراف والوجود. من هنا، تتخذ الأزمات النفسية لدى الفلسطينيين طابعاً بنيوياً، لا مرضياً، إذ تنشأ من اختلال العلاقة بين الإنسان ومكانه، وبين اسمه وما يدلّ عليه، وبين ذاكرته وما يُسمح له بالاحتفاظ به.
في هذا الأفق المأزوم، يغدو سؤال الهوية أكثر من بطاقة تعريف أو اسم شخصي؛ إنه معركة دلالية على الحق في الوجود، وعلى استمرارية الذات في عالم يسعى إلى محوها أو استبدالها. فالهوية الفلسطينية ليست امتيازاً، بل عبئاً وجودياً يُلاحَق صاحبه في اللغة، والوثيقة، والجسد، والذاكرة. وحين تتعرّض هذه الهوية للاهتزاز، لا يظهر الاضطراب في شكل صراخ أو مواجهة مباشرة، بل يتسرّب إلى الداخل، متجسداً في القلق، والارتياب، والانقسام النفسي، والشعور الدائم بأن الذات مهددة بأن تصبح «غيرها».
ضمن هذا السياق، تأتي قصة «حقيبة ليست لي» للأديب الفلسطيني زياد خداش بوصفها نصاً سردياً يتجاوز الحكاية الغرائبية إلى تشريح نفسي عميق لمعنى فقدان الهوية في واقع لا يعترف بثبات الأنا. فالحقيبة التي تحمل الاسم ذاته ولا تحمل الحياة ذاتها، والرقم الذي يعود على صاحبه بصوت آخر، ليست مجرد مفارقات سردية، بل استعارات مكثفة لأزمة فلسطينية مركّبة، حيث يمكن للإنسان أن يُجرَّد من اسمه دون أن يفقد وعيه، وأن يُتَّهم بالجنون لأنه الوحيد الذي يرى الخلل في نظام يبدو للآخرين طبيعياً.
وانطلاقاً من ذلك، تسعى هذه الدراسة إلى قراءة القصة قراءة نقدية موسعة، تُقارب بنيتها اللغوية والفنية والدلالية، وتكشف عن طبقاتها النفسية والفكرية والسيميائية، واضعة النص في تماس مباشر مع سؤال الهوية الفلسطينية بوصفه سؤالاً إنسانياً كونياً، لا يخص شعباً بعينه، بقدر ما يفضح هشاشة الإنسان حين تُسحب منه أبسط ضمانات التعريف بذاته.
أولاً: الأسس اللغوية والبلاغية:
1. سلامة اللغة وبنية الأسلوب:
تتسم لغة القصة بسلامة تركيبية واضحة، وبأسلوب سردي مباشر، يعتمد الجملة المتوسطة الطول، مع ميل إلى التتابع السريع الذي يحاكي ارتباك الشخصية المركزية. لا يلجأ القاص زياد خداش إلى التعقيد النحوي، بل إلى البساطة المشحونة، ما يجعل اللغة أداة لنقل التوتر لا لاستعراض البلاغة.
يتجلّى الانزياح الأسلوبي في الانتقال من الواقعي المألوف إلى الغرائبي، دون فواصل لغوية حادة؛ فالسرد يبقى هادئاً حتى حين يصبح الحدث صادماً، وهذا ما يُعرف بـالاقتصاد البلاغي الذي يُضاعف أثر الدهشة.
مثال ذلك:
«لم تكن حقيبتي… لكن اسمي ورقم هاتفي مكتوب عليها، وبخط يدي».
الجملة هنا تنشئ مفارقة منطقية تُبنى لغوياً لا خطابياً، وتُدخل القارئ مباشرة في مأزق الهوية.
2. فصاحة اللفظ ووجاهة التعبير
تنجح القصة في تحقيق توازن دقيق بين اللفظ والمعنى. الألفاظ يومية، مألوفة، لكن توظيفها في سياق غير مألوف يمنحها بعداً دلالياً جديداً. لا توجد لغة فائضة أو جُمل زائدة عن الوظيفة السردية.
اللغة ملائمة تماماً للموضوع، لأن سؤال الهوية والجنون لا يُقال بلغة فخمة، بل بلغة واقعية تُخفي تحت بساطتها اختلالاً عميقاً.
3. الإيقاع والمعمار الصوتي:
رغم أن النص نثري، إلا أن له إيقاعاً داخلياً قائماً على:
التكرار (الاسم «زياد»، كلمة «أهلا»)
الجمل القصيرة المتلاحقة في لحظات الذعر
التوتر الصوتي بين الهدوء والانفجار
كلمة «أهلا» تتحول من تحية بريئة إلى علامة صوتية مرعبة، وهو توظيف ذكي للجرس اللغوي في خدمة الدلالة النفسية.
ثانياً: الأسس الجمالية والفنية.
1. البنية الفنية للنص:
تعتمد القصة بنية سردية تصاعدية:
١- بداية واقعية: حقيبة في مطار
٢- تفاقم غرائبي: الاتصال بالرقم نفسه
٣- انفجار سردي: تعدد «زياد»
خاتمة مفتوحة/صادمة: فقدان الاسم والهوية
الزمن خطّي ظاهرياً، لكنه زمن نفسي في جوهره، يتمدد ويتقلص تبعاً لحالة البطل. الشخصية المركزية وحيدة، بلا اسم فعلي في النهاية، بينما تتحول الشخصيات الثانوية (الأب، العم، الطبيب) إلى شهود على انهيار اليقين.
المنهج الوصفي حاضر في التفاصيل اليومية، بينما المنهج التحليلي يتجلى في بناء المفارقة الكبرى، مع قابلية النص للمقارنة بأدب كافكا وبورخيس من حيث العبث الوجودي.
2. الرؤية الفنية:
رؤية زياد خداش للعالم رؤية قلقة، عبثية، لا يقينية. العالم ليس مكاناً مستقراً للهوية، بل فخٌّ إداري–تقني–اجتماعي قادر على سلب الإنسان اسمه بسهولة.
الشكل السردي (اللغة البسيطة، الحدث المتدرج) منسجم تماماً مع هذا المضمون.
3. الطابع الإبداعي والانزياح الجمالي.
تكمن إبداعية النص في:
تحويل رقم الهاتف إلى سؤال وجودي.
تحويل الحقيبة إلى كائن مستقل
تحويل الاسم إلى عبء لا علامة تعريف
الدهشة لا تُنتج عبر الخيال الجامح، بل عبر تخريب المألوف.
ثالثاً: الأسس الفكرية والفلسفية
1. الموقف الفكري.
تطرح القصة أسئلة عميقة:
من أنا إذا لم يكن اسمي لي؟
هل الهوية معطى ذاتي أم نظام خارجي؟
أين يبدأ الجنون: في الفرد أم في الواقع؟
2. الأفق المعرفي يتقاطع النص مع:
الفلسفة الوجودية. نقد الحداثة التقنية التي تُشيِّئ الإنسان
3. البنية العميقة (الهيرمينوطيقا):
الحقيبة ليست أشياء نسوية فحسب، بل حياة بديلة، و«زياد الآخر» ليس شخصاً، بل احتمالاً وجودياً. القصة تُؤوَّل بوصفها نصاً عن الاستبدال القسري للذات.
رابعاً: الأسس التاريخية والثقافية
1. سياق النص
النص فلسطيني بامتياز، وإن خلا من المباشرة السياسية. الهوية هنا هشّة، قابلة للمحو، في سياق استعماري–بيروقراطي طويل.
2. تطوّر النوع الأدبي
تنتمي القصة إلى القصة القصيرة الحديثة، ذات النفس الفلسفي، التي تجاوزت الحكاية إلى السؤال.
3. الارتباط بالتراث:
رغم حداثة النص، يلامس فكرة الاسم في التراث العربي بوصفه جوهراً ووجوداً، لا علامة محايدة.
خامساً: الأسس النفسية
1. البنية الشعورية
يسيطر:
القلق
الارتياب
الذعر الوجودي
2. تحليل الشخصية
الشخصية ليست مريضة نفسياً، بل منكشفة على حقيقة لا يحتملها العقل.
3. النبرة النفسية
النبرة تبدأ ساخرة، ثم تتحول إلى هلع، وتنتهي ببرود مأساوي.
سادساً: الأسس الاجتماعية والسوسيولوجية
1. علاقة النص بالواقع
ينتقد النص:
سلطة التقنية
هشاشة الفرد أمام النظام
قابلية الإنسان للاستبدال
2. الخطاب الاجتماعي
المجتمع يُسارع إلى تفسير الاختلاف بوصفه جنوناً.
3. الكاتب كفاعل اجتماعي:
زياد خداش يمارس نقداً اجتماعياً غير مباشر، عبر السرد لا الخطابة.
سابعاً: الأسس السيميائية
1. الرموز:
الحقيبة: الهوية المحمولة
الرقم: اختزال الإنسان
الاسم: جوهر مهدد
2. الثنائيات
أنا / الآخر
العقل / الجنون
الثبات / السيولة
3. النظام الرمزي
كل شيء يتحول إلى علامة قابلة للاستبدال.
ثامناً: الأسس المنهجية
المنهج: سردي–تحليلي–سيميائي–تأويلي
الصرامة: التركيز على النص
الموضوعية: غياب الانطباعية
تاسعاً: الأسس الإنسانية والجمالية العليا
1. قيم الحرية والجمال
القصة تدافع عن حق الإنسان في اسمه، في ذاته، في تفرّده.
2. الانفتاح على التأويل
النص يولد قراءات نفسية، سياسية، فلسفية.
3. البعد الإنساني الشامل
القصة فلسطينية في جذورها، كونية في معناها.
خلاصة:
تمثل «حقيبة ليست لي» نصاً قصصياً ناضجاً، ينجح في تحويل تفصيل يومي بسيط إلى مأزق وجودي شامل، ويؤكد قدرة زياد خداش على توظيف الغرائبي لا بوصفه زخرفة، بل أداة لكشف هشاشة الإنسان المعاصر، حيث قد يستيقظ المرء يوماً ليكتشف أن اسمه، وحياته، وحتى حقيبته.. لم تعد له.
خاتمة:
تُظهر القراءة النقدية لقصة «حقيبة ليست لي» أن زياد خداش لا يكتب حكاية غرائبية عن التباس عابر في الأشياء، بل يُنجز نصاً سردياً عميقاً يُعرّي واحدة من أكثر الأزمات تعقيداً في التجربة الفلسطينية: أزمة الهوية حين تُنتزع من معناها الإنساني، وتُختزل إلى رقم، أو وثيقة، أو تسمية قابلة للاستبدال. فالقصة، في جوهرها، لا تتناول الجنون بوصفه اختلالاً فردياً، بل تكشفه بوصفه ردّ فعل عقلاني على واقع فقد معاييره، حيث يصبح الثابت مشكوكاً فيه، ويغدو الطبيعي أكثر غرابة من الخيال.
لقد بيّن التحليل أن البنية اللغوية البسيطة، والسرد المتدرج، والاقتصاد البلاغي المقصود، كلها عناصر أسهمت في تعميق الأثر النفسي للنص، وجعلت القارئ شريكاً في ارتباك الشخصية لا مراقباً لها. كما كشفت الدراسة أن الرمز المركزي ــ الحقيبة ــ لا يؤدي وظيفة سردية فحسب، بل يتحول إلى علامة سيميائية مكثفة تختزن معنى الهوية المحمولة، والهشّة، والمهددة بالمغادرة في أية لحظة، تماماً كما يغادر الاسم صاحبه في الخاتمة الصادمة للنص.
وفي مستوى أعمق، تضع القصة القارئ أمام سؤال أخلاقي وإنساني بالغ الخطورة: من يُحدّد هوية الإنسان؟ أهو وعيه بذاته، أم اعتراف الآخرين به، أم نظام تقني-اجتماعي قادر على أن ينزع الاسم ويُعيد توزيعه بلا اكتراث؟ هنا، تتجاوز القصة سياقها الفلسطيني المباشر لتغدو شهادة إنسانية كونية عن هشاشة الذات المعاصرة، خصوصاً في البيئات الواقعة تحت القهر المزمن، حيث يتحول القلق النفسي إلى بنية دائمة من بنى الوجود.
وعليه، يمكن القول إن «حقيبة ليست لي» تمثل نموذجاً ناضجاً للسرد الفلسطيني الحديث، الذي لا يكتفي بتسجيل الألم، بل يُفككه جمالياً وفكرياً، ويعيد صياغته في بنية فنية مفتوحة على التأويل. إنها قصة تؤكد أن فقدان الهوية ليس لحظة درامية عابرة، بل عملية صامتة، تبدأ حين يشك الإنسان في اسمه، وتنتهي حين يكتشف أن العالم اعتاد غيابه أكثر مما اعتاد حضوره.
***
بقلم: عماد خالد رحمة - برلين
........................
زياد خداش
حقيبة ليست لي
لم تكن حقيبتي، رغم أنها تشبه حقيبتي لونا ونوعا وحجما، لكن الغريب أن اسمي ورقم هاتفي مكتوب عليها، وبخط يدي، استرخيت على الكنبة وحدقت في السقف طويلا وأنا أحاول فك هذا اللغز، خطي ورقمي واسمي على الحقيبة بقلم ماجك أسود، لكن محتويات الحقيبة ليست لي، ولن يقدر احد على إقناعي أنها لي، فأنا لست امرأة أولا، ولا زوجة لي أو حبيبة، تنتظر مني مثل هدايا كهذه، كل ما في الحقيبة متعلقات نسوية لا تخصني، كنت عائدا من إسطنبول، إلى رام الله، بعد مشاركتي في مهرجان المسرح المدرسي الدولي، تفقدت الحقيبة غرضا غرضا، وتضاعفت حيرتي، لا شيء فيها ينتمي لأحلامي أو واقعي، قلبتها على وجهها، وفردت كل شيء على السرير باحثا عن ثغرة تقود إلى هويتي؟.
كانت الفكرة جنونية ومضحكة، نفيتها من رأسي فورا، لكن صوتا قال حولي: جربها لن تخسر شيئا ثم ان أحدا لن يعرف، ماذا يعني أن أتصل برقمي لأتأكد أن الحقيبة لي؟ سمعت نفسي أضحك، وأنا أنقر أرقامي من موبايلي، قبل آخر رقم توقفت، هاتفت صديقا يعمل في شركة جوال:
- أحمد اسمعني، لو بدي أتصل على رقمي من رقمي شو ممكن أسمع؟، سمعت ضحكة مدوية من أحمد وهي ضحكته التي نعرفها جميعاً، التي تشبه سكينا حين تكون ساخرة أو مستهترة بالأشياء، أغلق أحمد الخط في وجهي لانشغاله أو لاستهتاره بالفكرة أو لأنه ظن أني أسخر منه ومن شركته، عاد لي في المساء ليخبرني بأنه نقل سؤالي لمدير الشركة والموظفين الذين فرطوا من الضحك.
- أحمد بحكي جد، تقنيا بزبط إني أتصل على رقمي من رقمي نفسه؟
- يا زلمة ليش بتسأل جرب بنفسك وشوف شو بتسمع!
طب سؤال ثاني تحملني أرجوك، ممكن يكون نفس الرقم مع شخصين!
مستحيل يا صديقي شو هالحكي حل عني يا زلمة مالك شو في؟
أغلقت الخط في وجه أحمد خجلا منه أو يأسا منه لأنه لم يحاول فهمي.
نقرت على أرقامي، انتظرت صوتا آليا يقول لي، إن هناك خطأ تقنيا أو أنه مستحيل توقع رد من شخص آخر، المفاجأة أني سمعت بوضوح رنة انتظار، وجاء صوت من الطرف الآخر:
- مرحبا
ـ أهلا
أقفلت الخط وبدني كله يرتجف، سقط الموبايل من يدي، تركته على الأرض، ركضت نحو الحمام، متعثرا بالكراسي، لاهثا كأن قاتلا بمنشار يلاحقني، أخذت دوشا قويا، تركت رأسي تحت الماء، أحاول أن لا أفكر في شيء، لكن صوت الرجل الذي يحمل رقمي نفسه لم يترك رأسي:
أهلا
خرجت من تحت الماء، وحولي ترن بتتابع مخيف كلمة: أهلا أهلا أهلا أهلا أهلا أهلا، هاتفت صديقي أحمد،
أحمد حبيي اوعا اتسكر الخط، أرجوك صدقني اتصلت برقمي فرد عليّ شخص آخر!
أغلق احمد الخط وبقايا ضحكته تختلط مع كلمة «أهلا»، خرجت مسرعا من البيت، أمام مطعم المنسي تذكرت أني حافي القدمين، عدت سريعا، انتعلت حذائي، وخرجت، توقفت لاهثا أمام مطعم أبو خليل، التقيت صديق دراسة قديما، أهلا قال لي مبتسما، فدب الذعر في أقدامي، وقعت على الأرض، تقدم مني طبيب كان يقف في طابور المطعم:
- عندك يا ابني سكري إشي؟
- لا، لا دكتور لا ما عندي إشي شكرا شكرا.
«أهلا» رد الطبيب، وهو يعود إلى طابور الفلافل، ركضت بأقصى قوتي، ركضي السريع المتعثر لفت
انتباه الناس، صاح بعض من يعرفني: زياد شو في؟
انجنيت انت شكلك؟.
أعدت في البيت الاتصال برقمي، جاء الصوت حاسما:
- أهلا
- مين حضرتك ممكن أعرف؟.
حضرتك إلي مين؟ انت بتتصل من رقمي، على رقمي كيف ممكن يصير هيك؟.
ما بعرف، انت اللي بتحمل نفس رقمي، وهذا غريب.
طب شو اسم حضرتك؟.
زياد.
وحضرتك؟
زياد.
في مشفى الأمراض النفسية، ببيت لحم، جلست في غرفة وحدي، أحدق في اللاشيء، رأيت ممرضا، يتحرك حولي، سألته: شو اسمك أستاذ؟
زياد، أجاب.
ضحكت وضحكت وضحكت.
دخل الطبيب: عندي إحساس انه اسمك زياد يا دكتور صح؟
صح والله شو عرفك يا زياد؟.
في سيارة الإسعاف، جلس قربي الممرض زياد، وكان معي أبي وعمي وشقيقي، إلى أين تأخذوني؟
إلى البيت يا زياد، سترتاح هناك، وسنقنعك بأنه من المستحيل تقنيا الاتصال برقمك من رقمك، سنفعل ذلك أمامك، وستعود إلى عافيتك قريبا.
جلسنا جميعا في البيت، وكانت حقيبة السفر ما زالت على وجهها على السرير، وكل الأشياء متناثرة هناك وهناك، أخذ أبي موبايلي، نقر على رقمي نفسه: وكانت المفاجأة:
- وبعدين يا زياد جننتني شو بدك يا زلمة، ليش بضل اترن عليّ شو في؟.
سقط أبي على الأرض، وسقط فوقه عمي وشقيقي، نظرت إلى حقيبتي فإذا بها تنهض، وتنهض معها أغراضها النسوية، كانت الحقيبة تمشي أمامي، متجهة نحو الباب، الذي انفتح لها تلقائيا، خرجت الحقيبة، ومعها رقمي واسمي، ولم تعد، نهض أبي وشقيقي وعمي، قليت لهم بيضا وبطاطا، صنعت لهم شايا بالليمون، وحين هموا بالخروج، وعلى الباب، نظر لي عمي باستغراب قبل أن يخرج مع أبي وشقيقي، وشعرت أني عرفت سر استغرابه أو اضطرابه كان يريد أن يقول لي تصبح على خير يا زياد فتذكر أنني لم أعد زياد.







