قضايا
حاتم حميد محسن: خطط إطالة العمر.. لماذا الكثير ربما قليل؟

في مؤتمر عُقد مؤخرا حول اطالة العمر حضره أنجان تشاترجي Anjan chatterjee البروفيسور في علم الاعصاب وعالم النفس في جامعة بنسلفانيا اعرب فيه المتحدثون عن ثقتهم بانهم سيكونون قادرين على إبقاء أجسادنا في العمر البايولوجي لثلاثين عاما وانهم يتوقعون في المستقبل القريب ان نعيش الى عمر 300 سنة والذي هو بمثابة هروب فعلي من الموت.
علم الأحياء والشيخوخة
بدلا من اختراق غابات فلوريدا ومستنقعاتها بحثا عن ماء سحري، يجري البحث الحالي عن اطالة العمر في المختبرات العريقة في الجامعات والشركات الكبرى حول العالم. معرفتنا في بايولوجيا الشيخوخة جرى اشتقاقها اول مرة من الديدان والقوارض، والان من أنسجة الانسان الحية. التجارب في هذا الحقل تسارعت في السنوات الاخيرة. المختصون لديهم فهم عميق للأسباب الجزيئية والوراثية والبيئية للتحلل البايولوجي. خطوات هامة وسريعة تمت في مجال معرفة العلماء بالكيفية التي تتأثر بها الشيخوخة بالتغيرات اللاجينية، والكيفية التي يتم بها تعديل الجينات لتغيير أعمار البشر، والطرق التي يمكن بواسطتها إعادة برمجة الشيخوخة الخلوية، وكيفية حصاد الخلايا الجذعية لغرض التجديد، كذلك كيفية استخدام العوامل المنتشرة ذات العلاقة من بلازما شابة، كيف يمكن لأدوية مثل ميتفورمين و راياميسين ان تبطيء الشيخوخة، ولماذا يمكن للاساليب الغذائية مثل تقليص السعرات الحرارية مساعدتنا لنعيش أطول.
ان اطالة العمر هو احد الاتجاهات البارزة في مجال الرفاهية. تقريبا لا أحد يريد الموت. اذن لماذا يعارض الناس العيش الطويل؟ بشكل عام، عدم المساواة ونتائجها المكلفة والالتباس بين الكمية والنوعية هي اسباب تدعو للتوقف.
عندما يشيخ الناس تتآكل أجسامهم على الأقل في أربع طرق:
1- انهيار ميكانيكي: كل من يتعدى الخمسين من العمر لا بد ان يعاني من اوجاع الركبة او الظهر، التمزق في المفاصل والعضلات والاوتار وهي كلها مظاهر للشيخوخة.
2- الدورة الدموية: الاوعية الدموية تبدأ في الانسداد في الثلاثينات والاربعينات من العمر بما يقود في النهاية الى نوبات قلبية وسكتات دماغية.
3- خلايا الجسم تتكاثر عندما لا ينبغي لها ذلك.
4- خلايا تذبل عندما نفضل ان لايحصل ذلك.
وفي لغة الطب تسمى المظاهر أعلاه على التوالي: orthopaedic,cardiovascular, oncolgical, degenerative conditions. يقول البروفيسور أنجان انه يتوقع ان قدرتنا لإبطاء الشيخوخة سوف تختلف حسب نظام الاعضاء. نحن ربما نحقق تقدما عندما نعالج القضايا الميكانيكية ودورة الدم لكننا لسنا جيدين في السيطرة على الخلايا. منْ يرغب بأجسام صحية وأذهان متهالكة لسنوات طويلة متواصلة؟ بصرف النظر عن صحة حدسه،حسب قوله ، فان تمديد عمر حياة صحية ببساطة لايكفي للاعتقاد ان اطالة العمر تقود اوتوماتيكيا الى ازدهار الانسان.
اللامساواة
تتركز مخاوف اللامساواة حول التفاوت الفردي والعالمي والصراع بين الأجيال. التجارة باطالة العمر هي عمل تجاري كبير. الشركات تروج وتبيع جرعات و افكار لطول العمر تحقق الكثير من النقود على أمل خلق شباب أبدي. تكاليف تصنيع وتسليم واضفاء طابع شخصي للعلاجات ليس بالامر السهل. عندما تنجح هذه التدخلات، فهي ستكون متاحة بسهولة اكبر للاغنياء واصحاب النفوذ. التفاوتات المزعجة بشكلها الحالي سوف تتضخم. لو نظرنا الى اصحاب المليارات والسياسيين المؤثرين الذين يشغلون وسائل الاعلام. كم واحدا منهم يريد الاستمرار حتى الثلاثمائة سنة القادمة؟ وفيما بين الدول، تخصيص موارد البحوث العلمية والرعاية الصحية يمكن تحويلها من الرعاية الصحية الاولية ذات النطاق الاوسع الى تمديد أعمار قلة من الناس.
ما ينطبق على الناس المؤثرين ايضا ينطبق على الدول القوية. الدول ذات الموارد الكثيرة سوف تستفيد من اجراءات اطالة امد الحياة هذه بطريقة لاتستطيع معها الدول الفقيرة للقيام بذلك. وهو ما يشكل نتائج جيوسياسية لتفاقم مثل هذه اللامساواة؟ اخيرا، هل اطالة امد الحياة يزيد من الصراع بين الاجيال؟ الطفرة في منْ هم بعمر الثمانين من السياسيين وقضاة المحكمة العليا في الولايات المتحدة هي نموذج للعديد من الناس غير الراغبين طوعا بالتخلي عن السلطة والامتيازات لفسح الطريق لأجيال المستقبل. ماهي العواقب التي قد تنجم عن التوترات بين الاجيال الممتدة على فترات اطول بكثير وعبر عدة اجيال في وقت واحد؟
ازدهار الانسان
المشكلة الأعمق في نقاشات اطالة العمر والتي لم يُعترف بها بعد هي الافتراض بان الأكثر هو الافضل. ارسطو وصف الحياة الجيدة بـ eudaimonic او الفاضلة . وهي حياة ذات معنى، تنطوي على الفضيلة والقيمة. الاعتقاد ان العمر الطويل كمصدر للرفاهية هو خلط بين كمية الحياة (طولها) و نوعيتها (الازدهار). نقاشات طول العمر المفتقرة الى دراسة جادة لحياة الرفاهية تتجنب سؤالا جوهريا وهو: ما هي الحياة الجيدة؟ الجواب لهذا السؤال ليس سهلا، لكن الخلط بين طول الحياة و معنى الحياة لن يساعد في فهم القضايا. من حيث المبدأ، هذا لا ينكر اهمية الاعتبارات الدقيقة لما يشكل حياة هادفة عبر مدى حياة اطول من خلال تطبيقات سياسية في مجال الاقتصاد والرعاية الصحية.
مع ذلك، يُخشى ان المصالح المالية ستقود تطبيقات اطالة العمر بدون دراسة عميقة لإنسانيتنا. التطور الأخير والمستمر في بحوث الذكاء الصناعي وفي الاعمال ربما هو تشبيه ملائم . رغم المخاوف التي اثيرت من بعض الرواد والخبراء الذين ابتكروا الذكاء الصناعي، لكن المخاوف الاخلاقية غالبا ما يتم تجاهلها تجاريا. في عصر يتسم بالوحدة والقلق والإغتراب، طغى السعي المتواصل للربح وبدا كانه سعي للسعادة، وحل الانكار الجمعي للموت محل الانخراط الروحي النشط في الحياة.
نحن نخدم بشكل افضل عندما نسأل كيف نعيش افضل بدلا من السؤال كيف نعيش اطول. الجواب يكمن في احتضان الموت بدلا من انكاره. المعالج النفسي فرنسيس ويلر Francis Weller يقدم ستراتيجية بسيطة ونشطة: ممارستي اليومية هي ان استيقظ وأوجّه انتباهي فورا لهذه الفكرة: "انا في يوم ما سأكون أقرب الى موتي؟ كيف سأجلب روحا الى كل لحظة؟ انا لا اريد ضياع هذا اليوم" – فرنسيس ويلر، حافة الحزن المنسية.
***
حاتم حميد محسن
........................
Psychology today: July22, 2025