قضايا

عبد الأمير الركابي: ضرورات تجاوز الرؤية الغربية للحداثة / ملحق

ـ برنامج الانقلابيه الكونيه العظمى:
يوجد العراق ويعيش على مدى تاريخه الاطول مجتمعيا بين التواريخ البشرية، بلا ذاتيه، خارج القدرة المتاحة للعقل على الاحاطة او المقاربة، لانه كينونه ونوع مجتمعي اخر، غير الغالب المعاش المطابق بنية وامكانات تفاعل، بغض النظر عن مستوى الادراكية للاشتراطات اليدوية الانتاجية الغالبة على الظاهرة المجتمعية، والفاعله فيها كينونه وبنية بما هي نوع مجتمعات ارضوجسدية حاجاتيه.
ومن اكثر الجوانب القصورية الادراكية فعالية، كونها تحصر التفاعلية المجتمعية التاريخيه في نوع ونمط واحد من المجتمعية، ببنيته وكينونته الارضوية الجسدية الغالبة، لتوافقها الاني مع اشتراطات اليدوية الانتاجية، فلا يظهر او تلوح له من احتمالية حضورمشخص، نوع المجتمعية الاخر غير المدرك اصلا، مع مترتباته وكيفيات تفاعيتلة وتاريخه، ومترتبات صيرورته، فلا وجود في المدونه المجتمعية التاريخانيه للازدواج المجتعي الرافديني، وحكم الاصطراعية المجتمعية ميزته الاساس، وهو الامر الذي نعرف له مقابلا متاخرا، هو الاصطراع "الطبقي" الاوربي، وماينتج عنه من الاليات بالقياس الى صنفها المجتمعي الارضي، علما بانها تظل خافية غير مماط عنها اللثام حتى القرن التاسع عشر، مع ماقد ترتب على التعرف المتاخر عليها من اعتماد رؤية شامله للعالم، وقانون مكرس ضمن حتميات وديالكتك طبيعي مفترض، ومراحل محسوبه، ذهابا الى منتهى وخلاصة من العودة على بدء مشاعي.
وقد تكون الرؤية الافتراضية الطبقية من ابرز واكثر الروى الغربية الحداثية حضورا وشمولا عالميا، على الاقل خلال القرن الذي اعقب تاسيسها على يد ماركس، برغم توهميتها وتعسفيتها الساذجه التي تلحق المجتمعات كلها بالاصطراع الطبقي اجمالا، وهو ماقرره ماركس بقوله الفاصل "ان تاريخ المجتمعات ماهو الا تاريخ صراع طبقي"، وهو قول دال على توهميه، الاساس والفصل فيها استمرار الجهل بالاصطراعية الازدواجية المجتمعية الاخرى الاصل والاساس، الرافدينيه المجتمعية وقوانين اصطراعها التاريخي، وخضوعها لقانون الدورات والانقطاعات التاريخيه، دورة اولى سومرية بابلية ابراهيمه، ودورة ثانيه بعد انقطاع اعقب سقوط بابل، هو العباسي القرمطي الانتظاري، انتهى بسقوط بغداد عام 1258 وصولا الى القرن السادس عشر، حين انبعثت الاليات الصعودية في دورة ثالثة راهنه، هي دورة الادراكية التحققية الالية الكونيه، بدءا من ارض سومر الاولى نفسها، بظهور اتحاد قبائل المنتفك عام 1530 كمرحله اولى، اعقبتها اخرى انتظارية نجفية، بدات بعد ثورة 1787 الثلاثيه التي حررت العراق الجنوبي من بغداد الى الفاو، وصولا الى الطور الايديلوجي الاستعاري المتماهي مع التوهمية الغربيه، والمنتهي منذ ثمانينات القرن العشرين.
والاهم والخاصية الرئيسية المميزه للتاريخ الاصطراعي الازدواجي المجتمعي وسيرورته، كونه ظاهرة متعدية للقدرة العقلية المتاحه للكائن البشري، فالموضع المعروف اليوم بالعراق هو تاريخ بلا ذاتيه، متعذر على الاحاطة، بلوغه ادراكيته وتعرفه على ذاته، يعني تحققه، لانه اصلا وشرطا انقلابيه عقلية شامله، وانتقال عقلي من موجبات الطور اليدوي، الى الالي التكنولوجي الاعلى، وهو مجال التحولية الاليه الكبرى خارج التوهمية الارضوية الغربيه الحداثية، ومنها المبنيه على الاصطراعيه الطبقية، والتي تبقي الاله ضمن حدود واشتراطات الاعقالية الدنيا "الانسايوانيه" الارضوجسديه، اخذه المجتمعية وحقيقتها الوجودية الى ماتوحي به وتفرضه نمطية المجتمعات الدنيا الارضوية.
يعني هذا اولا وابتداء ان الاله حين تنبثق في اوربا، تظل وعيا ومن حيث الادراكية محكومة لاشتراطات الارضوية ومتبقيات ووطاة موروثات اليدوية المستمرة طاغية، بانتظار المتغيرات العالمية المترتبه على الحدث المستجد، ومايورثه من اصطراعية مجتمعية غير اليدوية، بحكم حضور الاله كعنصر تفاعل ثالث الى جانب /الكائن البشري والبيئه/ عنصري التفاعلية ابان الطور اليدوي، ومع الانتقال من الاله المصنعية الى التكنولوجية الانتاجية ومايترتب عليها مجتمعيا وعقليا، وصولا الى مشارف الانتقال الاعلى التكنولوجي العقلي، والذي يصير محركا ايقاظيا تطويريا ل"العقل المجمد"، وهو اكثر من 85 بالمئة مما يستعمله الانسان حتى اللحظة مما متوفر له من طاقة عقلية، بعد بداية الوثبه الاعقالية الضرورية، وفك النقاب عن الذاتيه الازدواجية اللاارضوية، حين يصير العقل كموضوع وبرنامج وجودي انتقالي، من عالم الجسدية، متخلص منها ومن وطاتها، كحركة نفي للكيانويات، والدول، والملكية، نحو الكينونه الكونيه المشتركة للكائن البشري، الذاهب الى الفعاليه المتجهه الى خارج الارض، حيث انتهاء القصورية الاعقالية، والانتقال الى الطور البشري النهائي المنتظر والمقرر منذ اليوم الاول لتبلور المجتمعية في ارض سومر، وقيام مجتمعية اللاارضوية، ومن ثم الاصطراعية الازدواجية المتعدية للكيانيه.
يصبح العالم وقتها " آليا" فيتعدى متبقيات الارضوية اليدوية الاوربية، واشكال الاله الاولية الانتقالية، والعقل الارضوي "الانسايواني" الحالي الانتقالي بين الحيوان و "الانسان"، بينما الجهد منصبا مع التحرر من وطاة الموروث العقلي، على الذهاب الى العقل بهدف السيطرة على الجسدية بكل وجوهها ومفاعيلها، مع ضرورة الاعتقاد الراسخ بقدرات ماقد اصبح محور الجهد والاعقال من هنا فصاعدا، ومن مقدرته غير القابله للتخيل ارضويا، او مقارنتها بها، بما في ذلك نوع الاستعداد المتوقع والمنتظر من قبل ابناء اللاارضوية التاريخيه المازومة منذ اكثر من نصف قرن ازمه التحول التاريخي العظمى، في وقت يكون فيه العالم قد صار " ماديا" وواقعا، في غمرة انتهاء صلاحية المجتمعية الجسدو ارضوية، ومع هذا لن ننسى بالطبع ان نذكر ونتذ كر، كم هو القادم منذ اليوم، طريق طويل واستثنائي الصعوبة بحيث قد لا نجد للمقايسه مايدلنا، او يضع يدنا بداهة وبلا جهد غامر فوق معتاد ولا متخيل على مانحن مقدمون عليه، خارج ارادتنا، ولزوما لا مهرب لنا منه لكي نكون، اونزول ونفنى.
***
عبد الأمير الركابي

في المثقف اليوم