قضايا
عبد الامير الركابي: الوطن كونيه العراقية حين تظهر/ ملحق
ديناميات الانقلاب الالي اللاارضوي
هل نحن اليوم على اعتاب تعاقبية مفهومية بما يعني الانقلابيه في النظر انتقالا كما عرف في التاريخ ابان النهضات العقلية، او الثورات المفهومية، وحتى ذات الطابع العلمي، عدا عن الرسالات السماوية، وكل ما قد مثل منجزات العقل البشري بمختلف تجلياته خلال الطور الارضوي من التاريخ البشري، وهل القول بالانتقالية اللاارضوية هو مجرد انقلاب وثورة فكرية نظرية من الممكن ان تواجه بالاعراض او الرفض، وما يترافق معه بحسب حساسية المنجز الجديد من وسائل محاصرة وقمع طالما عرف في التاريخ، ونتجت عنه حالات من الانكار التكفيري، ومحاولة الالغاء من الوجود بالقوة التي تصل حد الاجهاز على حاملي الافكار ووثباتها، حتى ان الامر لهذه الجهه يكاد يكون قانونا، واحد اهم وجوه التفاعلية المجتمعية، ودالة ازدواجها وديناميات حركتها غير المنظورة مافوق الجسدية.
فهل القول ب"اللاارضوية" والتحولية العقلية والكوكبيه، هو من نوع ماقد عرف من وثبات عقلية من نوع القول بالنشوئية الارتقائية الدارونيه كمثال، او حتى القول بالكروية الارضية، او بالصراع الطبقي وقانون المادية التاريخيه، او الرسالات الكبرى السماوية، او الفلسفات الكبرى، ومختلف اشكال الاختراقية العقلية الكاشفة لمنطويات الوجود والطبيعه، وماالفرق ياترى بين مايجب طرحه وصار واجبا الان، وبين ماقد سلف من وثبات عقلية، ومالذي يتوقع ان يترتب على الاختلاف ان وجد بينهما على مستوى التعامل ونوع الاستقبال والموقف.
اهم ماينبغي وضعه في الاعتبار لهذه الجهه مسالة جوهر من دونها لايصح التفريق بين الحالتين، هي كون الحاصل فيما سبق على خطورته، هو وثبات ضمن سقف النوع المجتمعي التفكري الواحد، فدارون وماركس او سقراط او ابن رشد من قبل، او القائل بحكم الجاذبيه، والقائلين بحكم حتمية الانتقال الى "العالم الاخر" السماوي، هم حالات ضرورة تفاعلية ونتاج قانون ومقصد وجودي، المجتمعات موجوده بتفاعلها اليدوي البيئي لضمان تحققه تباعا وصولا الى الغاية الاعلى، او نقطة الانقلابيه النوعيه العقلية، فالمجتمعية موجوده بالاصل بصفتها عامل الترقي العقلي، بغض النظر عما هو متداول اجمالا عن الفعل المسمى ب "الحضاروي" ومااليه، علما بان الكائن البشري يستمر مع المجتمعية، وبعد تحقق الوثبة العقلية المرافقه للانتصاب على قائمتين، في الطوور الثاني من عملية النشوء والارتقاء، ذلك الذي هو من الاصل والاساس عملية عقلية، لاكما تصور دارون بعبقريته الارضوية الجسدوية، فالمجتمعات حين تتبلور، يبدا الكائن البشري وقتها بدخول الطور الاعلى من الارتقاء العقلي بعدما اختلفت اشتراطات ترقيه كليا عما سبق.
ومايحدث من توفر اشتراطات الاصطراعية والتفاعل الوجودي البيئي اليدوي العقلي، هو الشرط الاعلى المطلوب لاجل تحقق العقل وجودا مستقلا، مع انتهاء الطور الزمني الانتقالي الارضوي، وكما ان لكل طور ومرحله من تاريخ التفاعلية النشوئية منتهى ولحظة انقلاب متفقه مع غاية، فان المرحلة المجتمعية المعاشة الى الان، تحكمها هي الاخرى ذات الاشتراطات باعتبارها محطة توفيرمقومات واسباب انتقالية اخرى، وصلت اليوم نقطة فاصلة انقلابيه تحولية كبرى، صار العقل معها متخلصا من اثر وفعالية الجسدية والبيئية وحكمهما الذي ظل غالبا ابان الطور اليدوي من التاريخ الانتقالي البشري، واخر لحظاته الالية اليدوية الاوربية تلك التي تواكب اللحظة الانتقالية الافتتاحية الى مابعد اليدوية، ومايشيع اثنائها من توهم يبدو غالبا وفعالا على مستوى المعمورة.
ماهي اليوم شروط الانقلابيه التحولية مابعد التوهمية الاوربية؟ لعل اهم ماقد غدا منذ اليوم ومع بداية الانتقال الالي، اخذه بالاعتبار نوع الاشكال الفريد من نوعه بما يتعلق بعلاقة العقل بالتفاعلية الضرورية بعد دخول الالة كعنصر جديد طارئ على تاريخ وكينونة المجتمعية البيئي / البشري، مع العجز عن مواكبة الحدث النوعي الحاصل بحكم انتفاء التفاعلية العقلية الواقعيه التي لم تصبح قائمه بعد، فالاله عند لحظة انبثاقها وحضورها تكون بلا تاريخ بانتظار اندراجها في العملية المجتمعية، وحينها بناء علية لايكون بمقدور العقل برغم ماقد اكتسبه من خبرات وحقق من وثبات ارضوية يدوية ومابعدها، الارتقاء لمستوى التفاعل مع اللحظة من حيث ماهي منطوية عليه وصارت تقتضيه.
هنا يظهر دور وخصوصية حضور"اللاارضوية" المدخرة تاريخيا وبحكم ماتتعرض له كموقع ومكان وبنية موروثة من اثر الاله وتوهميتها واكراهها الافنائي، فان جانبا اساس من المطلوب موضوعيا اليوم على مستوى الاعقال المتعدي للايهامي الزائف، يمكن ان يظهر دالا على غير الغالب وقتها، والسائد المعتاد، مع نوعه الخاص، واول مميزاته باعتباره دالة على التحقق من دون كيانيه جغرافية، بما هو مفهوم " كتابي" التحقق كما كان ديدنه في الماضي، حيث تحقق السماوية الابراهيمه الكيانيه اللاكيانيه الكونية، كتابيا، مع القصور الفادح ابتداء مما يحول دون تقبل هذا النوع من النطقية المؤجله على مدى الاف السنين، والامر مفهوم لهذه الجهه اذا اخذنا بالاعتبار حالة العقل ومتبقياته اليدوية التوهمية الالية، وقسناه على متطلبات الانقلاب التحولي الكوني، ما بعد الارضوي.
من المنطقي ان يظل العالم وقتها تحت طائلة عقل هو من متبقيات طور مجتمعي تاريخي ادنى، ولو ان شروط تبلور ما بعده غدت ضرورة، فاذا ظهرت اوليات وبدايات دالة على الرؤية اللاارضوية وقد صارت ممكنة التحقق عقليا وماديا على مستوى وسيلة الانتاج، فان العقل المتوفر لن يجد طريقه اليها في حينه، فهو محكوم لخلفيته وطريقة قياساته واستنتاجاته البالية المحدودة ارضويا، ما يجعل الاشارة للقادم خارج التداول وممكنات التعامل، ووقتها لن يكون امام العالم غير انتظار فعل الواقع المنتهي الصلاحية، المتعاضم تناقضه مع ذاته، ومع الوسائل الضامنه للاستمرار ولاجمالي الوجود، وفي مقدمتها وسيلة الانتاج وتطورها من المصنعية الى التكنولوجيا الانتاجية الراهنه، الى التكنولوجيا العليا العقلية، ومايعم المجتمعات البشرية الباقية مصرة على التمسك بالعقل الارضوي وموضوعاته، مايعزز بقوة ومع الوقت التناقضية الوجودية الانتاجية، ويذهب بالحياة القائمه على طريق يقارب الفنائية.
يبقى المنظور اللاارضوي التحولي المعزول غير القابل للادراك موضوعيا قصوريا عقليا، حاضرا ضمن الاحتدامية الكبرى الحالة منذ اليوم على الكائن البشري، وقد تحول الى واقع له متضمنات من نوعه بانتظار الحصيلة الا نقلابية غير المسبوقة الجارية، الى ان توقظ حالة "العيش على حافة الفناء" وقد صارت شاملة ومعممه على الكوكب الارضي، اقتناعات ناشئة عن وطاة المعاش، معهابيدا شيئا فشيئا الاستدلال على ضرورة ربط الاله العقلية بالعنصر المطابق لها في الكينونه البشرية، الامر الذي معه تولد كيفيات نوعية مختلفة على مستوى الحياة وتنظيمها، واشكال العمل والادراكيه، مايتطلب تنويهات، وخوض في التفاصيل متعددة لاحقة: "الوطن كونيه العراقية" التي تبدا بالظهور من هنا فصاعدا، هي نواتها الفعاّلة ومنطلق الدلالة على الانتقال الى "العالم الاخر" عقليا من دون موت.
***
عبد الامير الركابي