آراء

عبد الأمير الركابي: المنطقة ونهاية الايديلوجيا والتشبهية الابراهيميه (5)

يستعمل تغلبيون قبليون مثل ال سعود والشخص الذي وظفوه تكريسا لغلبتهم، يستعملون النبوة المحمدية الخاتمه والاسلام ك "تراث وطني"، وكمادة استثنائية الحضور بمالها من قدسية وقوة اثر وفعاليه يتم تزييفها واخراجها عن مساقها التاريخي، باسم "السلف" تفاديا ل "النبوه" الاصل، وتهربا من الاساس غير القابل للاستحضار اليوم، مع عملية الغاء شامل وكلي لتاريخ النبوة والسلف الذي يراد بعثة من لحظة الدعوه في القرن السابع الى حينه، بالغاء الفتح وماتمخض عنه من امبراطوريات ومنجز هائل حضاري بقوة غلبة العقيدة الاجمالية، على اعتباره خطئأ، بما يعني اتهام النبوة نفسها باللاجدوى، وبالخضوع لفعل التاريخ والواقع المجافي لها، بغض النظر، وباسقاط بشع بغيض لأعظم منجز في التاريخ اللاارضوي الابراهيمي بالاحتساب التاريخي الواقعي الذي لم تقم الثورة النبوية الجزيرة خارجه، مع انها قد فرضت عليه ذاتها، بعكس دعوة محمد بن عبدالوهاب التي تبدا اليوم من الرضوخ للواقع، والانكسار امامه بالتحاقها المسبق البدئي بالقبيله.
وبالمقارنه اخيرا واليوم، لابد من طرح التساؤل عن ما يفترض الغاءه وازالته من سجلات التاريخ، تاريخ الثورة الجزيرية الكبرى العالمي الاكبر، الساري مفعولا تصارعيا الى اليوم ازدواجا (عقيدة/ واقع ارضوي) باشكال متعدده، وصولا لظاهرة استعادة واستغلال التاريخ اللاارضوي واخر تجلياته الختامية الكبرى بعد مصادرته ارضويا، وبحسب ماقد آلت اليه حركة محمد بن عبدالوهاب الملحق بال سعود وحكمهم الريعي النفطي المرتهن للغرب واقتصاده، هل يمكن باية حال تصور مجرد المقارنه وان من بعيد، بين الظاهرتين، التزويرية البلهاء التي تلغي النبوة والكتاب باسم السلف، محولة النبوة الختام الى فعل بشري ارضوي صرف، فكان "السلف" موجود بذاته وصفته، مثلما ان محمد بن عبدالوهاب موجود بذاته، ومن دون آل سعود ونزوعهم التغلبي السلطوي الارضوي.
تقوم الاستعادة "السلفية" الاصل على محاول بائسه للهروب من شرط "النبوة" وقد اعلن ختامها، وبما ان الحاصل حاضرا لايستطيع الارتقاء اليوم الى مستوى الكينونة الابراهيمه الحدسية النبوية الالهاميه، وبظل ماقد صارعاما من الانهيار والتردي، وضرورة استحضارماقد سلف، فان مايبقى ويمكن الركون اليه هو تخريج ينتمي الى الفبركة التردوية التي يراد الخروج منها عن طريق تكريسها، مادام المطلوب يتعدى الطاقة الادراكية المتاحة، وماتتطلبه لحظتها من التجرؤ على فتح باب التساؤل: ماذا بعد النبوة وقد اعلن ختامها في موضع من العالم التاريخ فيه موكول لفعلها اللاارضوي؟ وهل من صيغة تحقق تعبيري لاحق عليها بعد ان ادت المطلوب، وحققت ابان الزمن اليدوي ماكانت موكلة به؟
تساؤل كهذا يعني انقلابا خارج التخيل، ليس لمحمد بن عبدالوهاب وغيره من اشباهه وعينته موقعا على اطرافه او حوافه لصغر حجمهم المتناهي، وانغماسهم فيما هم غارقين فيه من اشتراطات التردوية بين المراحل الكبرى والانتقالات التاريخيه النوعيه، فاذا جاء مايوجب الحضور باي شكل بظل صعود الطرف الاخر على المنقلب المتوسطي الغربي، والتحول النوعي مابعد اليدوي، واجمالي المفاهيم والنموذجية المجتمعية الحياتيه ومنجزها الارضوي الهائل الباهر انقلابيا، لم يبق امام التردوية الانقطاعية الغامرة لمنطقة التعبيرية اللاارضوية، سوى التشبه الاحيائي الجاهز، المزورواقعا وادراكا كما كان يمكن للاارضوية ان تظهر تكرارا اليوم وفي ارضها ابتداء، محسنة باسم خصوصيتها اسباب التحاقها ببزه ولغة ابراهيميه ظاهرية مستعاره من طور مضى، بالعالم الاخر الحداثي الغربي الالي وغلبته الكوكبيه.
والمسالة الجوهر الغائبه على هذا الصعيد، قصور العقل الحالي بما هو عليه من تردوية انقطاعية عن التفريق اللازم غير المماط عنه اللثام، بين المجتمعتين ونوع التعبيريتين الغالبتين على التاريخ المجتمعي، وبالذات في المنطقة مدار البحث الشرق متوسطية، من دون بقية انحاء العالم حيث الازدواج المجتمعي اضعف، واشتراطات تجسده لاتتيح التبلور النموذجي الكوني الحاصل في هذا الجزء من المعمورة، موضع تبلورالابراهيمية بما هي تعبيرية مجتمعية موازية ومفارقة لتلك الارضوية المعتادة، والبارزه الشامله، وباصطراعية معها تنتهي بتجسد اللاارضوية داخل الارضوية على مستوى العالم، مخترقة مجتمعاته الارضوية في غالبيتها، وهذا النوع من النظر ليس واردا في عرف شخص شبه امي مثل محمد بن عبد الوهاب، متاخر سنين ضوئية ادراكا عن التمييز بين الفعالية اللاارضوية النبوية، والارضوية، وكيفيات حدوث الاختراقية الازدواجية باستعمال الوسائل الارضوية شرطا، ومنها السلف الذي يرتكز هو اليه على انه ممكن تحولي قابل للاعتماد، خارج الفعالية اللاارضوية النبوية واشتراطاتها.
وتبرز لهذه الناحية مسالة غاية في الاهميه ميزت التاريخ الازدواجي المجتمعي في هذا الجزء الفعال لهذه الجهه من المعمورة، تلك هي مسالة "الختام النبوي" ومترتباته فضلا عن دلالته الانقلابيه، حيث النطقية المجتمعية هي الطور اللاارضوي مع توفر الاسباب اللازمه لتحققه، بعدما ظلت النمطية الارضوية هي الغالبه على مدى الطور اليدوي من تاريخ المجتمعات، بمعنى قرب حدوث الانقلاب التاريخي، الهدف الاساس للوجود المجتمعي، وانتهاء صلاحية المجتمعية الارضوية الجسدوية، بعد توفر الاسباب المادية الضرورية للتحقق المضمر في العملية المجتمعية، وتجلي المنظور اللاارضوي كواقع معاش قابل للادراك بلا الهامية ووحي، اي من دون "نبوه"، الامر الذي يظل منتظرا حاكما للحقيقة التاريخيه المضمرة غير مكشوف عنها النقاب، مع قرب ساعتها المنتظرة على مدى التاريخ.
وقتها وبالانتظار، اي قبل حلول لحظة الوثوب العقلي الاعظم، بالتخلص من قصورية العقل الطويلة الامد، والباقية مرافقه للعقل وعلاقته بالظاهرة المجتمعية واغراضها، وماهي موجود لبلوغه، تتكرر في موضع غلبة الديناميات اللاارضوية، وقوة حضورها، ظاهرة استعمال النبوة بوسائل ارضوية، واعمال الايهامية، وهو ماتصطنعه الظروف واللحظات التاريخيه ووطاتها كما الحال الذي حفز اليوم ظاهرة السلفية، وغيرها من اشكال وتشبهات ايحائية تدعي احضار الاصل النبوي الذي انتهت مهمته في حينه، بعد ان ادى المطلوب ضمن اشتراطات لحظته التاريخيه ازدواجا، بانتظار لحظة تحققه واقعا ونهائيا، من دون وطاة الازدواج الغالب فيها حضور الارضوية.
ـ يتبع ـ
***
عبد الأمير الركابي

 

في المثقف اليوم