آراء
رشيد الخيّون: «فلسفتنا».. تلقفه الصَّحويون مانفيستو
ذكرتُ في مقال «فلسفتنا.. ردود لا فلسفة»(الاتحاد: 26 أبريل 2016)، قصة كتاب محمّد باقر الصّدر(أُعدم: 1980)، كيف صنفه رد فعل لطغيان اليسار، وكيف أنَّ مدير الأمن العام فاضل البراك(أُعدم: 1993)، زار مؤلفه كي تقوم مؤسسات الأمن العامة بإعادة طباعته، لمواجهة مد اليسار الثقافيّ، بالاتفاق مع الصدر نفسه، وطُبع الكتاب (النّعمانيّ، سنوات المحنة وأيام الحصار)، كان ذلك في بداية قيام الحزب الحاكم، بإنهاء وجود الحزب الشّيوعي العراقيّ(1977 وما بعدها).
كان راوية الخبر شاهد عيان، فهو الملازم للصدر في تلك الأيام، ثم استفسرتُ من قيادي في «الدّعوة»، وكان وكيلاً للصدر، فصادق على صحة ما رواه النُّعمانيّ. لم يبق الصَّدر ضمن حزب «الدّعوة»، إلا فترة وجيزة جداً، خرج منه بعد الوصول إلى دليل عدم صحة قيام نظام إسلامي، وفق ما جاء في سورة «الشّورى»، قبل ظهور المهدي، وبهذا لا فائدة مِن وجود تنظيم إسلاميّ، إذا لم يكن قيام دولة إسلاميَّة هدفه(أمالي السيد طالب الرِّفاعي. الحكيم، النظرية السّياسية عند الشهيد الصّدر).
كان الصّدر يُقدم الفصول التي ينجزها، محاضرات على طلبة الحوزة في جامع الهنديّ بالنّجف، «لكن طلبة الحوزة الدِّينية والحاضرين أخذوا بالانفضاض، بعد أن كانت قاعة المسجد مملوءة بالمعممين، فعاد إلى الدَّار، وأوقف تلك المحاضرات»(أمالي السيد طالب الرّفاعيّ). قبل ذلك كان العضو في حزب «الدّعوة» محمّد هادي السبيتي(أُعدم: 1988)، ينقل فصول الكتاب إلى صحيفة «الحرية» ذات التوجه القومي «البعثي»، وتنشرها باسم الصّدر(1959-1960).
عموماً، لا يرتاح الإسلاميون مِن أن يكون حراكهم ردَّ فعلٍ، فـ«الإخوان المسلمون» لم يتشكلوا إلا ردِّ فعل لإلغاء نظام السلطنة ثم الخلافة العثمانيّة(1924 انتهت رسمياً)، كي يملأوا الفراغ (1928)، وأنَّ حزب «الدّعوة» الإسلاميّ، وهو نسخة «الإخوان»الشّيعيّة، لا يريد الكوادر المتأخرة الاعتراف بالحقيقة أنَّ حزبهم تأسس(1959)، ردّ فعلٍ على قوة اليسار آنذاك، بشهادات مؤسسيه وكوادره الأوائل، وكذلك سيعترضون على القول بأنَّ كتاب فلسفتنا كان ردَّ فعل أيضاً.
بعد إعدامه ظهر اسم الصَّدر مقدساً، لا يُردّ على كتبه، ولا يُنتقد كلامه. أتذكر أحدهم، قيادي في «الدّعوة»، اعترض على الباحث جورج طرابيشيّ(ت: 2016)، وكنتُ حاضراً، لأنه لم يذكر في محاضرته- كانت عن الفلسفة الأوروبيَّة- اسم الصَّدر، وحسب المعترض: الصّدر «أذهل المناطقة الأوروبيين بفكره»، وآخر قال: ليموت الجميع بعد الصّدر، وغير هذا كثير. لذا واجهني أحدهم باستنكار عندما قلتُ هناك ردود على كتاب «فلسفتنا»، وأقصد، في حياته، قبل «التقديس»، وكان يعني لم يُخلق بعد مَن يرد على الصّدر.
أقول: لو لم يكن كتاب «فلسفتنا» مهماً للتيار الدّينيّ، في وقته، ما حاول نقضه أديب له باع في الكتابة والفكر العلميّ، الذي سنتناوله في مقال قادم، وقد تحرك الصّدر ورّد عليه. ثم صار الكتاب أيقونة عند الإسلاميين، وفي زمن الصَّحوة، فبعض الدراسات العليا أخذت تدرسه لطلابه الصحويين، بعد نزع غلافه، كذلك المحسوبون على التيار «الإخواني»، اعتبروه كتاباً عبقرياً، لكن هؤلاء لم ينظروا له ككتاب وفيه أفكار، إنما نظروا إليه شعاراً وهتافاً.
يغلب على الظَّن، لو لم يُعدم الصّدر، واعتبره النّظام السّابق متعاملاً مع نظام أجنبي، لوجد العراقيون كتاب «فلسفتنا» خلال الحملة الإيمانيَّة الكبرى(1993 وما زالت مستمرة)، على طاولات المدارس وفي الدوائر، فالكتاب ممكن اعتباره، على الرغم مِن بساطته، مِن أهم مناهج الصَّحوة الدّينيّة، فلا يجد الصحويون أفضل منه في المجال التّثقيفي، مثلما اعتقد «البعث»، لأن كاتبه رجل دين شيعي، ينفع في التأثير على الشيعة اليساريين، ففي الوقت الذي به كان العمل الإسلامي ممنوعاً، وتم إعدام كوادر مِن الدّعوة الإسلاميَّة(1974)، إلا أنَّ «فلسفتنا» كان يباع ويتداول علانية.
***
رشيد الخيّون - كاتب عراقي