آراء
كريم المظفر: روسيا والعلاقات الدولية ألاكثر ديمقراطية
في تقليد سنوي، ومع بداية كل عام جديد، يحرص وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، ومنذ توليه منصبه في الوزارة، على ان يكون أولى لقاءاته في السنة الجديدة، مخصصا للصحفيين العرب والأجانب، وعدد من وسائل الاعلام الروسية المهمة، وفي لقاءه لهذا العام الذي استمر لأكثر من ساعتين ونصف، وبحضور المئات من الصحفيين، استعرض لافروف الأحداث الرئيسية المتعلقة بالدبلوماسية الروسية في عام 2023 وملاحظاته، وتحديد الخطوط العريضة لخطط العام الجديد 2024، وكشف إنه سيتوجه الأسبوع المقبل إلى نيويورك للمشاركة في اجتماع خاص لمجلس الأمن الدولي، حول التسوية في الشرق الأوسط والحل الجماعي للصراعات الدولية، بالإضافة إلى ذلك، يخطط الوزير الروسي لزيارة البرازيل في نهاية فبراير، حيث سيعقد الاجتماع الوزاري لمجموعة العشرين، وبشكل عام، وفي معرض حديثه عن أهداف وغايات السياسة الخارجية الروسية، أشار رئيس وزارة الخارجية إلى أن الاتحاد الروسي “سيواصل تعزيز مُثُل الحقيقة والعدالة في الشؤون الدولية”.
وبالتأكيد فان مثل هذا اللقاء، لم يمر مرور الكرام، دون التطرق الى أهم القضايا الدولية المهمة، وفي المقدمة منها الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، والاحداث والجرائم التي ترتكب في غزة ضد المدنيين، وتطورات المساعي الدبلوماسية والسياسية حول أوكرانيا، ناهيكم عن موضوع العلاقات الروسية – الامريكية، والمحاولات الامريكية " للمراوغة " فيها، لمناقشة قضايا، مع تجاهلها لقضايا أخرى مهمة، وما إذا كانت هناك فرص لاستئناف الحوار الاستراتيجي مع الغرب، وما هي الأولويات التي تحددها روسيا الاتحادية لعام 2024، و "بريكس " وتطوراتها بالإضافة الى الاحداث بين أذربيجان وأرمينيا واليمن، وقضايا أخرى مهمة، ووعد لافروف، بان بلاده ستبذل قصارى جهدها لجعل العلاقات الدولية" أكثر ديمقراطية".
وحاول الوزير لافروف شرح طبيعة العلاقة بين روسيا والصين حاليا، والتي وصفها بأنها أقوى وأكثر موثوقية من الفهم الكلاسيكي لمصطلح "التحالف العسكري" الذي ظهر خلال حقبة الحرب الباردة، وأعلن ا عن الأجندة الثنائية الواسعة لبلديهما لعام 2024، وأضاف أن "العلاقات الروسية الصينية، كما أكد قادتنا مرارا وتكرارا، تمر بأفضل فترة في تاريخها بأكمله"، واعترف رئيس الخارجية الروسية بوجود نقاط تتطلب المناقشة، إذ يسعى كل طرف للحصول على المعاملة الأفضل في مسائل التفاعل الاقتصادي، وقال "لكن دائما، وفي جميع الأحوال، فإن مصالح روسيا والصين نتيجة للمفاوضات تنتهي إلى قاسم مشترك"، لافتا الانتباه إلى الاتصالات الشخصية بين فلاديمير بوتين والرئيس الصيني شي جين بينغ، وكذلك إلى النتائج المحددة للتعاون، حيث وصلت حصة استخدام العملات الوطنية في التسويات المتبادلة إلى 90٪، وخمس لجان حكومية دولية تابعة للجمهورية الروسية، وإن الاتحاد وجمهورية الصين الشعبية يعملان، ومثل هذه المؤشرات لا توجد إلا في العلاقات الثنائية بين موسكو وبكين.
ومن بين الدول الأخرى التي يعتبرها الاتحاد الروسي "الدائرة القريبة منه"، ذكر سيرغي لافروف إيران وتركيا والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر، بالإضافة إلى ذلك، تحدث عن اهتمام روسيا بتطوير العلاقات مع دول ومجموعات الدول في مناطق أخرى من العالم - مع جامعة الدول العربية والآسيان والاتحاد الأفريقي ومجموعة دول أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي وغيرها، وتحدث لافروف عن تعزيز العلاقات مع حلفاء روسيا الآخرين، وفي المقام الأول مع بيلاروسيا في إطار دولة الاتحاد، وأن الاتحاد الروسي ودول منظمة معاهدة الأمن الجماعي الأخرى تنفذ بنشاط مهام ضمان الاستقرار والأمن بجميع أبعاده، كما أشار إلى دور الاتحاد الاقتصادي الأوراسي في تعميق العلاقات الاقتصادية.
ففي الملف الأوكراني ، تم إيلاء الكثير من الاهتمام في المؤتمر الصحفي للوضع في أوكرانيا والعلاقات بين روسيا والغرب، ففي الوقت الذي شكك فيه مجتمع الخبراء الروس في إمكانية بدء مفاوضات السلام بشأن أوكرانيا في عام 2024، يظل أحد الأسباب هو استمرار مطالبة كييف بعودة حدود البلاد إلى حدود عام 1991، لم يرى رئيس الدبلوماسية الروسية، ان هناك استعداد للدول الغربية وكييف للتفاوض مع روسيا، بل هم مهتمون بتصعيد الصراع، وشدد على أن المفاوضات مستحيلة حتى تعيد القيادة الأوكرانية النظر في مواقفها أو تغيراتها، ويمكن للغرب أن يدفع أوكرانيا نحو مفاوضات السلام عندما يرى أن جيشها قد تعرض لهزيمة كاملة في ساحة المعركة وأن المزيد من مسار العمل لن يؤدي إلا إلى تعقيد.
ويرغب القيمون الغربيون على تحقيق قدر أكبر من المرونة من كييف، لأنه على ما يبدو قد أدرك بالفعل أن الحرب الخاطفة، التي تم الإعلان عنها بهدف نهائي هو إلحاق هزيمة استراتيجية بروسيا، كلها مجرد وهم وأن الوضع قد تغير بشكل كبير، قال لافروف "لقد أدركوا خطأهم، ومن الصعب الاعتراف به"، ويتم التعبير عن ذلك في حقيقة أنهم يبحثون الآن عن نوع من الإشارات الخارجية التي يبدو أنها تسمح لهم بدعم أوكرانيا، ومن ناحية أخرى، تسمح لهم بدفع كييف لتصبح أكثر استيعابًا والبدء في طاعة رؤسائها الغربيين.
إن نبرة الغرب تتغير الآن، من تقديم المساعدات لكييف "طالما تطلب الأمر"، إلى "بقدر ما نستطيع"، وإنه ذات التطور الذي حدث في أفغانستان، حينما خرج الأمريكيون، وعبر لافروف عن أسفه لأن مصير أوكرانيا سيكون مشابها، لأنها لا تفهم أن القيمين يفكرون في مصالحهم وليس في مصلحة أوكرانيا أو مصلحة الشعب الأوكراني، لذلك فتوفير أسلحة بعيدة المدى واستهداف المناطق الداخلية في روسيا يدل على أن الغرب يسعى فقط إلى التصعيد.
وفي إشارة إلى مسألة الصراع في الشرق الأوسط، أكد سيرغي لافروف على موقف الاتحاد الروسي الذي لم يتغير: ضمان الأمن المستدام والطويل الأمد للمنطقة بأكملها، بما في ذلك "إسرائيل "، ولن يتسنى إلا من خلال إنشاء دولة فلسطينية، كما تقتضي قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، ومن دون حل هذه القضية الأساسية، سيكون من المستحيل منع انتكاسات التصعيد العسكري، وقال لافروف إن موسكو مستعدة للعب دور نشط في حل الصراع.
كما يفهم الغرب ذلك أيضًا، وحقيقة أن بايدن وبلينكن والأوروبيين يتحدثون الآن عن الحاجة إلى البدء في التحرك نحو إنشاء دولة فلسطينية، فإنهم يفهمون أنه بدون ذلك سيكون من الصعب جدًا تهدئة الوضع، لكن البدء بالحركة لا يكفي، كما يقول الوزير الروسي " نحن بحاجة إلى أن نجتمع ونخلق، نحن بحاجة إلى جمع الفلسطينيين والإسرائيليين إلى طاولة المفاوضات”، في حين أكد يقول أندريه بيستريتسكي، رئيس مجلس إدارة مؤسسة التنمية والدعم في نادي فالداي الدولي للحوار، انه لا يزال من الصعب الحديث عن حل سريع للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، فالصراع في الشرق الأوسط مستمر منذ فترة طويلة، وهناك فترات من التفاقم أكبر وأقل، وفي الوضع الحالي، من الصعب أن توقع تسوية سريعة، فهي تتطلب موافقة جميع الأطراف ونوعاً من التسوية المعقولة، ومع ذلك، هناك أمل في عدم حدوث تصعيد آخر، لأنه لا أحد مهتم بصراع كبير.
وحول محاولات استئناف الحوار الاستراتيجي بين روسيا مع الغرب، فقد أوضح الوزير لافروف انه في ديسمبر 2023، تبادلت روسيا والولايات المتحدة مقترحات مكتوبة بشأن الاستقرار الاستراتيجي، وواصلت موسكو، في وثائقها، الدفاع عن مبادئ تنظيم نظام أمني في القارة الأوروبية، المطروحة نهاية عام 2021، ثم، ردت الولايات المتحدة برفض دعوة للحوار من الاتحاد الروسي، والآن لم يتم أيضًا استئناف الحوار بشأن الاستقرار الاستراتيجي، واعتبر لافروف نعتبر الأفكار الأمريكية (المنقولة إلى موسكو) غير مقبولة، ولا تخفي الولايات المتحدة نواياها عند الحديث عن الاستقرار الاستراتيجي - العنصر غير النووي في المواجهة العسكرية، والقوات غير النووية التي يجب إخراجها من الأقواس، وبالتالي تعزيز الميزة الكمية الخطيرة التي تتمتع بها الولايات المتحدة، ولا يتضمن نهج واشنطن مناقشة تدابير مشتركة إضافية في مجال الحد من الأسلحة، وبالتالي لا ترى موسكو أي سبب لنفسها “لأي محادثة مع الولايات المتحدة حول الاستقرار الاستراتيجي”.
وتقاوم الدول الغربية بنشاط التحول إلى عالم متعدد الأقطاب، ومع ذلك، أكد لافروف أن روسيا الاتحادية لم تسمح بانتهاك مصالحها كقوة عظمى، ومع ذلك، قد يتغير هذا الوضع في عام 2024، حيث ستجرى الانتخابات في العديد من البلدان هذا العام ومن المرجح حدوث تغيير في النخب، كما يقول نائب الأمين العام السابق للأمم المتحدة والنائب السابق لوزير الخارجية الروسي سيرغي أوردغونيكيدزه "لكن بشرط أن يتخلى القادة الغربيون عن فكرة إلحاق هزيمة استراتيجية بروسيا، وقبل ذلك لا أرى أي فرص للعودة إلى الحوار الاستراتيجي".
وفي الملف الأرميني الأذري، لم تكن موسكو أبدًا هي البادئة بتوتر العلاقات مع يريفان، ومع ذلك، فالاتحاد الروسي يسجل أن العديد من المسؤولين الحاليين في أرمينيا، وبينما كانوا لا يزالون في المعارضة، يقومون بحملات خلال الحملات الانتخابية، دعوا فيها إلى الانسحاب من منظمة معاهدة الأمن الجماعي، ومن الاتحاد الاقتصادي الأوراسي”، ونشأت المناقشات حول انفصال يريفان المحتمل عن منظمة معاهدة الأمن الجماعي بعد العملية الخاصة التي قامت بها أذربيجان على أراضي ناغورنو كاراباخ، ونتيجة لذلك عادت منطقة كاراباخ الاقتصادية إلى ولاية باكو .
وأكد رئيس وزارة الخارجية الروسية أنه في الوقت نفسه، فإن عملية تطبيع العلاقات بين أذربيجان ويريفان متوقفة بسبب موقف القيادة الأرمينية، والسبب في ذلك يظهر في نصيحة الدول الغربية، فقد رأت روسيا كيف أن الاتحاد الأوروبي وفرنسا وألمانيا والولايات المتحدة، بمجرد أن أدركوا أن العملية الروسية الأرمنية الأذربيجانية تسفر عن نتائج في فتح الطرق، وتحديد الحدود، وإعداد معاهدة سلام، "أصبحنا على الفور بدون دعوات للمشاركة في هذه العمليات"، وأشار لافروف الى أن أذربيجان مستعدة لتوقيع معاهدة سلام مع أرمينيا على أراضي الاتحاد الروسي، لكن موقف يريفان بشأن هذه القضية لا يزال غير واضح، وخطوات الدول الأخرى لا تساهم في ذلك أيضاً: “لدي كل الأسباب للقول إن الغرب لا يريد السماح بالاتفاقيات التي تم التوصل إليها بوساطة روسيا بين يريفان وباكو”.
والحدث الأبرز لعام 2024، هو ترأس روسيا مع بداية العام الحالي ، ولقاء قمة مجموعة قادة بريكس ، المقرر عقدها في أكتوبر/تشرين الأول في العاصمة التتارستانية كازان، ومنذ يناير/كانون الثاني، أصبحت مصر وإيران والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية وإثيوبيا أعضاء جدد، وشدد الوزير على أن "بريكس ترمز إلى ثروة عالم متعدد الأقطاب"، و روسيا، ستولي بالطبع اهتمامًا خاصًا لضمان توافق القادمين الجدد بشكل عضوي مع عملها المشترك ، وبالتالي المساهمة في تعزيز الاتجاهات الإيجابية ليس فقط داخل البريكس في حد ذاتها، ولكن أيضًا وأيضا على الساحة الدولية لصالح الأغلبية العالمية، والاشارة الى ان قرار انضمام الدول الجديدة إلى مجموعة "بريكس" في جنوب إفريقيا يجسد أهمية الهياكل الإقليمية والدولية الجدي، فهناك 20 أو 30 دولة مهتمة بالتقارب مع "بريكس"، وبالتالي فإن هذه المجموعة بأعضائها الدوليين سيكون لها دور كبير على الساحة الدولية.
***
بقلم الدكتور كريم المظفر