نصوص أدبية

صادق السامرائي: مدينتنا!!

مَدينتُنا أصِيبَتْ بالجَفاءِ

وإهْمالٍ لواهِبةِ الرَجاءِ

*

مُقدّسةٌ ولكنْ شانَؤها

أحاطوها براعيَةِ العَداءِ

*

كأنَّ مَسيرَها أضْحى وَجيعاً

وأنَّ حَياتها رَهْنُ البَلاءِ

*

مُعَسْكرةٌ بأتباعٍ لبُغضٍ

مُقيّدةٌ بمولعَةِ الجَلاءِ

*

بمَخطوفٍ ومَقتولٍ ومَنعٍ

وتغييبٍ لواعيَةِ النِداءِ

*

ضَحاياهمْ بها كَثُرتْ ودامَتْ

فَتاواهُمْ مُبهْرَجةُ العَماءِ

*

أرى بُدَعاً أضاعَتْ ما بديْنٍ

وسارَتْ مِثلما جَهَرتْ بداءِ

*

ألا اتْخَذوا رُموزاً لابْتزازٍ

تِجارَةُ ديْنِها برؤى المُرائي

*

خِطاباتٌ تَغالى مُحْتواها

فكفّرتِ المُجاهِرَ بالسَواءِ

*

مُبجّلةٌ مَدينتُنا ولكنْ

تُدنِّسُها الأعاجِمُ بالهُجاءِ

*

مَجاهيلٌ إذا مَرَقوا أجادوا

بعاديةٍ مُدمّعَةِ الأداءِ

*

فكلُّ جَريْمةٍ فيها تَوالَتْ

مُؤزّرةً بأسْبابِ الثناءِ

*

وَجيعٌ مِنْ قَساوَتِها تَعالى

وأيْتامٌ براعيةِ البُكاءِ

*

ترامَتْ فوقَ تُرْبَتِها المَنايا

وغابَ الأمنُ في وقتِ الضياءِ

*

بها الأيّامُ لوْ تدري أُصِبْنا

كأنّ الناسَ في بلدِ الفناءِ

*

غَريْبٌ في مَحافِلها تَمادى

يُخاطِبًها كمَعْدومِ الحَياءِ

*

ويَنأى عَنْ مَواطنها بحِقدٍ

ويَرْدَعُها بمَسْفوحِ الدِماءِ

*

لماذا تَخْطفوا رَجُلاً بَريْئاً

وتَرْموا جُثّةً حَتفَ العراءِ

*

ألا تبّتْ مَذاهبكمْ وخابَتْ

أضَلّتكمْ فَتاوى الأشْقياءِ

*

لجَورٍ مُسْتَدامٍ كمْ سَعَيْتمْ

وعِشْتمْ في مَعاقلِ إنْزواءِ

*

فما وَعِيَتْ بَصائرُكُمْ بَديْها

ولا عَرَفتْ خطاباتَ السَماءِ

*

مَدينةُ أمّةٍ في عُقرِ دارٍ

تَنالُ بكَيْدِكمْ سُوءَ الجَزاءِ

*

تشوّهَ وَجْهَها والعَينُ شاحَتْ

فهل أضْحَتْ مُخرَّبةَ البناءِ

*

مَعالمُها مِنَ العُدوانِ ناءَتْ

مُهدَّمةً مُجرَّدةُ السناءِ

*

رموزُ رَقائها ذُبحَتْ بغَدرٍ

وأمْسَتْ في مَداراتِ القَضاءِ

*

هي العلياءً عاشتْ حينَ سَرّتْ

فَكيفَ لها بحاديةِ انْطِواءِ

*

تغيّبَ سِحْرُها وبَدتْ بسوءٍ

مُكبّلةً بمَأمورِ الوَراءِ

*

سَمِعتُ صَريخَها في بَحْرِ كَهْفٍ

بهِ القاطولُ مُنتَجَعُ الإباءِ

*

وأوْلَتُها أضاعَتْ إبْتداءً

تُهاجمُها نَواطيرُ الجَفاءِ

*

ومُسْتشفى بها سَقمٌ مُقيمٌ

يُقيّدُها لفقدانِ الدواءِ

*

فكمْ عَجَزتْ وكمْ أشقتْ مَريضاً

وما عَرَفتْ مَساراتَ الشفاءِ

*

مَدارسُها بها الإهْمالُ يَطغى

شَوارعُها مُمَزّقةُ الرداءِ

*

بَناها إبنُ هارونٍ لجَيشٍ

كجَوهرةٍ لبُرهانِ العَلاءِ

*

وعاصمَةٍ لمِشوارِ انْطلاقٍ

تسرُّ الناظرينَ إلى البَهاءِ

*

تلوّى شأنُها حَتى تقوّى

فَحلّقَ فوقَ آفاقِ الفَضاءِ

*

هيَ الدُنيا بمُخْتَصَرِ المَعاني

وساحَتُها مَيادينُ احْتواءِ

*

ثراها مِنْ بُناةِ الفِكرِ يُسْقى

تُعطّرهُ المَنايا بالثواءِ

*

ومِنْ نَسْلِ الخليفةِ دامَ حُكمٌ

بهِ الفَوضى أطاحَتْ باللواءِ

*

بها الأتراكُ قد سادوا وقادوا

فأضْحى صُبْحُها وطنَ المَساءِ

*

تّهدَّمتِ القصورُ بما أتاها

وأصْبَحَتِ المَعالمُ كالهَباءِ

*

خَرائِبُ فِكرةٍ قتلتْ كفيلاً

فصارَ الليلُ مَسموعَ العَواءِ

*

تَلاحى كلُّ موجودٍ بقَصْرٍ

فحَطمَ هَيْكلاً مِثلَ الإناءِ

*

خليفةُ مَجْدِها مُرْدى بإبْنٍ

أصابوهُ بعاديةِ الغَباءِ

*

بها المُعتزّ مقتولٌ بظلمٍ

ومَرموضٌ ومُحْتَضِرٌ بماءِ

*

ألا ذَهبوا وما بَقيتْ قصورٌ

كأنّ القومَ في زمنِ السِباءِ

*

تَسمّرْ أيّها المفتونُ فيها

وتاجرْ في مَرابِعها بباءِ

*

أرى الدنيا بما وَهبتْ أغاضتْ

فعِشْ أملاً وحاذرْ مِنْ رياءِ

*

كأنّ زمانَها أفنى مُناها

وقد سَكبَتْ نبيذاً مِنْ وعاءِ

*

فلا حَمداً ولا شكراً جَميلاً

ولا فَرَجاً لداهِمَةِ الطواءِ

*

يُسائلني لماذا الإهْمالُ فيها

وأخْشى مِنْ جَوابٍ كالطلاءِ

***

د. صادق السامرائي

في نصوص اليوم