نصوص أدبية
سُوف عبيد: بُونْجُور بَاريس
صباحُ الخير باريسُ
وبِغُنّةٍ خَفيفةٍ مَع الرّاءِ
ـ بُونْجُورْ ـ
خريفٌ قادمٌ مع أوراق شَجر الطرقاتِ
صفراءَ حمراءَ وفي لون البُرُنْزِ
مَرحَى للأرصفةِ
أعوانُ البلدية يُمَشِّطونَها كلّ صباح
ثُمّ يَرُشّونها بالخُزامَى
*
صباحُ الخير باريس
وبغُنّةٍ خفيفةٍ مع الرّاء
ـ بُونْجُور ـ
أهلُ مَكّةَ أدرى بشعابها
وأهلُ باريسَ بأنفاقِها أدرَى
على قَدْر طول بُرج إيفَلْ
هيَ في الأرض أعمَقُ
أنفاقٌ
في أنفاق
تحتَ أنفاق
ومِنْ مِيترُو إلى مِيترُو
ومن صِراطٍ على صراط
أسيرُ حثيثا على الصّراط يسيرُ
وصلتُ إلى محطة ـ نُتُرْدَامْ ـ
هُنا
الحيُّ اللاتينيُّ
نهرُ السّانِ والصُّوربُونُ
جَان بُول سارتر وسِيمُونْ دِي بُوفوارْ
إلْزَا ولويس أراغُونْ
هُنا
مَدامْ دِي بُوفاري وأحدبُ الكنيسةِ
بُودْلير وجاكْ بْريفارْ
شارلْ أزنافُور وميرَايْ
هُنا
الرسّامُون
النحّاتون
العازفُون
المسارحُ
الأفلامُ
المتاحفُ
المعارضُ
هنا
النّاسُ الغادون والعائدون
السائحُونَ
والمُشرَّدون والأثرياء
هُنا
الكتُبُ على الأرصفةِ
حَولها النّاسُ يتكدّسون
يتصفّحون ويشترُون
هُنا
على ضَفّة النّهر
المكتباتُ مكتبة ٌ بجانب مكتبةٍ أمامَ مكتبة
اِقرأ….اِقرأ
يقرؤون…
في المحطات يقرؤون
في المِترُو يقرؤون
في الباصِ
في المقهَى
في المطعم
في الحدائق
في الطائرة
يجلسُون يقرؤون
يمشُون يقرؤون
ينامُون يقرؤون
حتّى المتسوّلُ ـ واللّهِ ـ رأيتُه يقرأ
…وأمّةُ ـ اِقرأ ـ لا تقرأ
فقط
تتفرّجُ في المُسلسلاتِ
وشُيوخِ التلفزيون
صباحُ الخير باريس
وبغُنّةٍ خفيفةٍ مَع الرّاء
ـ بُونْجُورْ ـ
الأبيضُ الأسمر ُ الأصفرُ
إفرنجٌ جَرمانُ عجمٌ زنجٌ بربرٌ عربٌ
أرمَنُ غجر حبشٌ صَقلبٌ أمريكانٌ
هاوايْ صينٌ يابانُ
مِللٌ نِحلٌ مذاهبُ وأديانُ
خلاصةُ الزّمان والمكان
الذي بِربطةِ عُنق الذي بجينز الذي بلحية
الذي بقميص الذي بشعر طويل الذي يَعقُصُهُ
الذي يُرسلُه والأشعثُ والأصلعُ
الذي بقُبّعة الذي بعِمامة
والتي بِفُستانٍ التي بسروال التي بلباسِ طويل
التي بلباسِ قصير التي بشُورْتٍ التي بِشال
التي بخِمار التي بجلبابٍ
والتي كأنّها بلا ثيابِ
صباحُ الخير باريس
وبغُنّةٍ خَفيفةٍ مع الرّاء
ـ بُونْجُور ـ
أسيرُ ونَهْرَ السّانِ الهُوينَى
وئيدًا والنّهرُ يجري
مع ـ الأيّام ـ وطهَ حسين ـ أسيرُ
مع ـ توفيق الحكيم ـ و ـ عصفُور ٌمن الشّرق ـ
طارَ ولم يَطر
حتّى إذا خرجَ ذات يوم منَ القفصْ
وقُلنا هذه آخرُ الفُرصْ
نتّفوا ريشَه
ثمّ أجهزُوا عليه
بالسّيوف
بالسّكاكين والمِقصْ
أسيرُ
عكسَ جريان النّهر
والشمسُ على جبيني
يُقابلني ـ معهدُ العالم العربيّ ـ
أسيرُ
في كل شِبر من بلاد العَربِ حربٌ
أو فتنةٌ
أو شِقاقْ
بين إخوةِ ورفاقْ
صباحُ الخير باريس
وبغُنّةٍ خفيفةٍ مع الرّاء
ـ بُونْجُورْ ـ
قُلتُها وأنا أدخلُ المقهَى المُقابلَ
وهَل أحدٌ رَدّ التحيّةَ
بِمثلِها
! ولا بِأحسنَ منها
***
سٌوف عبيد ـ تونس