ثقافة صحية
كورونا أسلوب حياة
يتوقع الباحثون أن أزمة كورونا ليست في طريقها للحل في الوقت الراهن خاصة في ظل عدم توفر لقاح، عدا عن أن المعلومات المتاحة حتى الآن عن الفيروس ليست كافية للتنبؤ بسلوكه مستقبلاً؛ مما يفرض علينا تقبل الأمر الواقع وضرورة التعايش مع هذا الفيروس.
وسواء أكنت تعيش في بلد تضربه الجائحة، أو في بلد بدأت برفع القيود المفروضة على الحركة والعودة للحياة شبه الطبيعية، عليك أن تأخذ بعين الاعتبار أن هذا الفيروس لا يزال موجوداً بيننا، وبالتالي هناك إمكانية لحدوث موجة ثانية من الوباء في أي وقت.
عادات جديدة ومجتمع جديد
نحن اليوم أمام تحدٍ كبير لضرورة إحداث تغيير جذري في نمط حياتنا واستبدال عادات اجتماعية بأخرى مغايرة للتقليل من فرص انتقال العدوى وذلك في ضوء شعار جديد لم نألف عنوانه: التباعد الاجتماعي طريق الخلاص.
من العادات الجديدة التي تفرضها طبيعة المرحلة ضرورة التخلي عن عدد من الطقوس العربية في المصافحة والتقبيل والأحضان، كما ضرورة الحفاظ على مسافة المتر فأكثر بين الأشخاص.
ويبدو أن صديقنا كورونا قد بدأ فعلاً يغير من عاداتنا، فاليوم أصبح من المقبول جداً أن نبادر بالسلام بدون أن نقترب أو نمد يدنا بالمصافحة. وقد أكد أنتوني فاوتسي رئيس المعهد الوطني الأمريكي للأمراض المعدية والمناعة لصحيفة وول ستريت جورنال: "لا أعتقد أنه يتعين علينا من الآن فصاعداً المصافحة باليد أبداً".
وبات مد اليد للمصافحة بمثابة تهديد للأشخاص و دعوة لنقل الأمراض إليهم.
كما بات تعقيم الأيدي والابتعاد الجسدي جزء من الثقافة المجتمعية السائدة حول العالم.
من بعض إيجابيات كورونا، عودة الترابط الأسرى في البيوت، وتقديم العائلة والأشخاص المقربين على العلاقات السطحية العابرة. كما أن الطهي المنزلي أصبح البديل الصحي لتناول الوجبات السريعة في المطاعم والشوارع، ليس فقط من ناحية توازنها الغذائي ولكن أيضاً لكونها مصدراً آمناً بعيداً عن امكانية انتقال الفيروس الملعون. كما ظهرت أهمية إلغاء بعض العادات الشعبية، خاصة ضرورة عدم مشاركة الآخرين أدوات الطعام والشراب.
وبدأ الناس بالتعود على عدم وضع اليد على الوجه، وتجنب لمس مقابض الأبواب واستعمال النقود الورقية قدر الإمكان وتفعيل الوسائل الإلكترونية في الدفع. وأصبح الناس أكثر تمسكاً ببعض العادات التي باتت من البديهيات. كاستعمال المناديل الورقية عند العطاس والسعال، وتكرار غسيل اليدين بالماء والصابون لمدة عشرين ثانية على الأقل والاستحمام اليومي بعد العودة من العمل. كما أصبحت الكمامة الزامية في كثير من الدول، ولا بد من ارتدائها في الأماكن العامة والمواصلات والأسواق لحماية الآخرين والحد من انتشار العدوى. وتعتبر الكمامات القماشية خياراً اقتصادياً من ناحية إعادة استخدامها أكثر من مرة بعد تعقيمها بشكل جيد. كما ضرورة غسيل الملابس والمناشف والكمامات القماشية على درجة حرارة تتراوح ما بين 60 و90 لتعقيمها.
وتظهر أهمية قضاء الجزء الأكبر من وقتنا في المنزل وعدم الخروج منه إلا للعمل والضرورة فقط. ويبدو أننا سنضحي بالكثير من وسائل الترفيه والتواصل المجتمعي المباشر والتحول إلى الطرق الافتراضية البديلة.
مرض الكوفيد-19 والأمراض المزمنة
يجب أن يكون الاهتمام بجودة الصحة ونمط الحياة اليوم على قائمة أولويات الأنظمة الصحية حول العالم، فهناك أدلة على أن غالبية الأشخاص الذين ينتهي بهم الأمر في المستشفى أو في غرف العناية المركزة يعانون من حالات طبية مزمنة، وقد أظهرت إحدى الدراسات أن 89٪ ممن أدخلوا المستشفى في الولايات المتحدة لديهم حالة واحدة على الأقل من الحالات التالية: ارتفاع ضغط الدم، مرض السكري من النمط الثاني، البدانة والأمراض التنفسية المزمنة. وأظهر تحليل للبيانات أصدرته هيئة الخدمات الصحية الوطنية في المملكة المتحدة أن نسبة 73 ٪ من أدخلوا إلى وحدات العناية المركزة يعانون من زيادة الوزن.
هذه البيانات تدق جرس الانذار إلى أنه قد حان الوقت للبدء جدياً بالاهتمام بنمط الحياة الصحي سواء على مستوى الأفراد أو الدول، ليس فقط للوقاية من أمراض القلب والسكري ولكن أيضاً للوقوف في وجه الفيروس الذي يهدد البشرية اليوم.
يواجه العالم اليوم أكبر جائحة في العصر الحديث لم تكن أكثر الدول تقدماً جاهزة لمجابهتها. هذه الجائحة فضحت وضع الأنظمة الصحية ونقص الاستثمار من قبل معظم البلدان المتقدمة في مجال الطب الوقائي للتعامل مع الأوبئة والحد من انتشار الأمراض المزمنة من خلال أنماط الحياة الصحية.
ويبقى الحفاظ على الصحة المثلى وتنظيم عمل جهاز المناعة هو أهم وسائل دفاعاتنا ضد الوباء حتى يتوفر اللقاح.
ترتكز وسائل تحسين جودة الصحة ودعم عمل جهاز المناعة على ثلاثة أركان أساسية هي: الغذاء-الحركة- الراحة.
1- النظام الغذائي:
من المعروف أن الغذاء الصحي المتوازن الغني بالفيتامينات والمعادن ومضادات الأكسدة له دور كبير في انقاص عوامل الخطورة في حدوث الأمراض المزمنة وتنظيم عمل جهاز المناعة. ويبدو أن للفيتامين D دوراً كبيراً في دعم مناعة الجسم، اضافة إلى أهمية تناول كميات كافية من فيتامين C والزنك. وتظهر دراسة حديثة على أن نسبة الوفيات بين المرضى المصابين بمرض الكوفيد-19، تكون أعلى عند الأشخاص ذوي المستويات المنخفضة من فيتامين D . وينصح بتناول مكملات فيتامين D كوقاية خاصة في حال نقص التعرض لأشعة الشمس.
ولتقوية وتنظيم عمل جهاز المناعة: تناول الأطعمة الكاملة الحقيقية كالخضروات والفاكهة والمكسرات والبقوليات والأسماك والدهون الصحية وقلل من تناول الأطعمة المعالجة والمصنعة قدر الامكان.
2- اللياقة البدنية:
تفرض ظروف الحجر المنزلي أهمية التركيز على ممارسة التمارين الرياضية المنزلية أو المشي في الهواء الطلق للوقاية من البدانة والسكري وأمراض القلب والضغط النفسي.
تضيف الرياضة سنوات إلى صحتنا وجودة حياتنا، وترتبط ممارسة الرياضات الهوائية وتمارين التنفس بتحسين لياقة الجهاز التنفسي. اضافة إلى أن الجلوس المديد يؤدي إلى كثير من المشاكل الصحية خاصة مع ضعف العضلات وتفاقم مشاكل الظهر والمفاصل و ركود الدم في الأوردة والشرايين.
3- الإجهاد والضغط النفسي:
إن ارتفاع مستوى هرمون الكورتيزول الذي ينتج عن الضغط النفسي يضعف عمل جهاز المناعة، حيث يمكن للاجهاد المزمن والسترس أن ينقص من عددالخلايا اللمفاوية المقاومة للانتانات.
مارس الاسترخاء والتأمل، وحاول الحصول على قسط كاف من النوم الجيد، اضافة إلى ضرورة تناول المغذيات الضرورية الغنية بفيتامينات ب والمغنزيوم لمعالجة آثار التعب والضغط النفسي.
إن تحسين نمط الحياة وتعديل نظامنا الغذائي لا يقضي على الفيروس، ولكنه يقلل من خطر حدوث المضاعفات الخطيرة ويقلل من نسبة الوفيات؛ كما يساعد أيضاً في التعافي السريع من المرض.
هذه التغيرات في نمط حياتنا الصحي، يجب أن تسير يداً بيد مع اجراءات الوقاية من انتقال العدوى لإدارة الأزمة الكورونية في المرحلة المقبلة.
د. منى كيال
د. محمد فتحي عبد العال