تقارير وتحقيقات

زيارة شخصية للمتحف العراقي (1)

زرت قبل أيام قليلة المتحف العراقي ببغداد، وهذه بعض الملاحظات والانطباعات التي كتبتها بعد زيارتي هذه، آمل أن يكون فيها بعض النفع والتعريف بهذا المتحف الجميل والذي ندر مثيله في العالم. ومن الطبيعي أن تبقى انطباعاتي وملاحظاتي محض وجهة نظر شخصية قابلة للنقاش والأخذ والرد. وبالمناسبة فقد لاحظت أن "المتحف العراقي" هو الاسم الحالي لهذا المتحف وقد كان يسمى "المتحف الوطني العراقي" سابقا، حيث حذفت كلمة "الوطني" بعد قيام حكم المحاصصة الطائفية والعرقية اللاوطني فوافق شنٌّ طبقة!4984 abo bint jabla1

1- تمثال الأميرة القتيلة آبو بنت جبلو الحضرية:

التمثال من حجر الحلان الكلسي. نقرأ في لوحة التعريف به أنه نُصب في المعبد الرابع "معبد عشتار" في مدينة الحضر عاصمة مملكة عربايا أو الحضر العربية التابعة اليوم لمحافظة نينوى في الفترة الهيلَنية، أي في عهد الاحتلال الإغريقي لأجزاء من بلاد الرافدين (بين 312 إلى 139 ق.م). وقصة هذه الأميرة الجميلة العاشقة غريبة ومأساوية، فقد قُتِلَت غيلةً بعد زواجها وهي في الثامنة عشرة من عمرها ولأسباب مجهولة. ويبدو أن حبيبها وزوجها فشل في العثور على قاتليها والثأر لها فقرر أن يقيم لها هذا التمثال ويصب لعنات الإله على من قتلها. وقد ترجم الدكتور فؤاد سفر الكتابة على قاعدة التمثال فكانت: "تمثال آبو بنت جبلو، أقامه لها زوجها "أشا بن شمشلطب"، وقد اغتيلت وهي في الثامنة عشرة (من العمر)، أستغيثُ بالآلهة مرن ومرتن وبرمن وبعل شمين واترعتا (من آلهة الحضر) لتنزل لعناتهم على كل من قتلها وشَمَتَ بقتلها، وعلى كل النساء اللواتي تكلمن عنها وقلن الكلام البذيء". والعبارة الأخيرة قد توحي بأن الأميرة آبا ربما تكون قد قُتلت بعد اتهامها بالزنى ولكن زوجها يبرئها من التهمة.

تظهر الأميرة آبو جالسة على كرسي رافعة يدها اليمنى إلى الأعلى بالتحية (وهذه الحركة مألوفة في الحضر ووجدت في الكثير من التماثيل ومنها التمثال الجميل للملكة آبو بنت دميون زوجة ملك الحضر سنطروق الأول)، ويدها اليسرى على ركبتها وهي تمسك بشيء قد يكون مغزلا ولفيفة صوف. وتبدو واضحة حليها الأنيقة على رقبتها وفي يدها وثمة قرطان كبيران يتدليان من أذنيها وعلى رأسها قبعة طويلة وفوقها غطاء. إن زيَّ الأميرة آبو عموما يشبه الأزياء الرافدانية في العهدين البابلي والآشوري.

***

...................

* هامش عن مملكة ومدينة الحضر "عربايا": تقع أطلال مدينة الحضر التاريخية على بعد كيلومترين شمال غرب الحضر الحية المعاصرة، وقد عُثِر على عدد من النصوص الكتابية محفورة على أحجار كبيرة تحتوي على بعض الأحكام القانونية والأعراف التي كانت سائدة فيها وخاصة التي تتعلق بالسرقة والعقوبة الصادرة بحق مرتكبيها. كما عرفت مملكة الحضر (مملكة عربايا) بهندستها المعمارية وفنونها وأسلحتها وصناعاتها، كانت هذه المدينة تجاري روما من حيث التقدم حيث وجد فيها حمامات ذات نظام تسخين متطور وأبراج مراقبة ومحكمة ونقوش منحوتات وفسيفساء وعملات معدنية وتماثيل كما ضربوا النقود على الطريقة اليونانية والرومانية وجمعوا ثروات عظيمة نتيجة لازدهارهم الاقتصادي.

* في يوم 8 آذار - مارس 2015 سيطر تنظيم داعش التكفيري على مدينة الحضر الأثرية وقام بتجريف أجزاء منها واعتبرت هذه العملية جريمة بحق الآثار العراقية حيث سمع سكان المنطقة دوي انفجار هائل في وقت مبكر، وذكر آخرون أن تنظيم الدولة دمّر بعض أكبر المباني الأثرية في الحضر بالجرافات. ولاحقاً، انتزعت قوات المتطوعين العراقيين في الحشد الشعبي مدينة الحضر من سيطرة عصابات داعش في 26 نيسان/ أبريل 2017 خلال معارك دامية لتطهير الشمال العراقي.

4985 nabooo2

2- تمثال الملك السومري أنتيمينا المسروق يعود من أميركا ولم يظهر بعد في المتحف، وتمثال الإله نابو العملاق في الهواء الطلق:

بعد الاحتلال الأميركي سنة 2003 سرقت قوات الاحتلال والعصابات الدولية والمحلية المرافقة لها والمحمية بها آلاف القطع الآثارية التي لا تقدر بثمن من الآثار العراقية الرافدانية وقد "سجلت إدارة المتحف آلاف المسروقات من القطع النحتية النادرة، والأختام الأسطوانية والألواح الطينية الثمينة ذات العمق التاريخي. ولعل أهم ما تمت سرقته ما يلي:

- تمثال باسيتكي. وهو التمثال البرونزي الأكدي لشاب يجلس على قاعدة دائرية.

- تمثال الملك السومري (أنتيمينا) ملك لكش المصنوع من الحجر الأسود. ويرجع تاريخ التمثال إلى 2400 عام قبل الميلاد ويزن نحو 136 كيلو غرامًا وهو مصنوع من الديوريت.

- تمثال ضخم من البرونز وزنه 272 كيلوغراما يعود إلى أكد.

- رأس تمثال أسد مدينة كالخ التي تسميها التوراة "نمرود" المصنوع من الحجر الجيري.

- تمثالان من البرونز لثورين يعودان إلى 2500 قبل الميلاد.

- وجه من الرخام لامرأة سومرية.

- أحد عشر تمثالا متنوعا.

- رأس تمثال يعود إلى الفترة الرومانية من مدينة الحضر.

- تسعة أحجار مختومة بأسماء الملوك والمعابد السومرية.

- تمثال هرمس.

- تمثال نحاسي لرجل جالس يعود إلى فترة الملك نارام سين الأكدي من عام 2250 قبل الميلاد.

- سرقة 4795 ختمًا أسطوانيًا و5542 عملة معدنية، ومجموعة خرز تاريخية وتعاويذ ومجوهرات لا حصر لها.

- لم تنج من عمليات النهب سوى قاعة واحدة هي القاعة الآشورية الكبرى بسبب ضخامة محتوياتها. من مقالة لوارد بدر السالم/ صفحة "ضفة ثالثة" بتاريخ 24 آذار مارس 2022 ".

وقد أعيدت فعلا بعض القطع إلى العراق بعد أن ضبطت تباع في السوق السوداء الدولية في الغرب، ومن هذه القطع تمثال ملك مدينة لكش السومري أنتيمينا. وقد كتبت عنه ذات مرة بمناسبة شقه لقناة "راضع" الغراف انطلاقا من منطقة مدينة الكوت وصولا إلى لكش شمال قرية البدعة وما دونها. وحين سألتُ عن التمثال أحدَ موظفي المتحف وعن إمكانية رؤيته وإلقاء التحية على "جلالته"، أخبرني الموظف بأنه أعيد من الولايات المتحدة فعلا، ولكنه لم يعرض بعد لأن قاعة السومريات وما قبل التاريخ تخضع لعملية إعادة تأهيل، تبرعت بتكاليفها مؤسسات ثقافية إيطالية ولا نعرف متى تنتهي.

ويرجع تاريخ تمثال الملك أنتيمينا مقطوع الرأس إلى 2400 عام قبل الميلاد، ويزن نحو 136 كيلوغراما، وهو مصنوع من حجر الديوريت البركاني، وهو حجر لونه أسود يشبه الغرانيت. وعلى الظهر كتابة بالخط المسماري تحصي إنجازات ملك السومريين، وتشير إلى محبة "الإله انليل" له/ الصورة من الأرشيف على الإنترنيت.

و"الإله نابو هو ابن الإله مردوخ كبير آلهة بابل حسب الأفكار والعقائد البابلية القديمة وإله الكتابة والحكمة، وكان في بداية عبادته إلهاً خاصاً بالزراعة وكاتب ورسول للآلهة، وهو إله القلم والعلم والرقيم وحامي الأدباء والمنسوخات. قد وردت هذه التسمية في معظم العصور التي ظهرت بها عبادته وخاصة في وثائق عصر أور الثالثة والعصر البابلي القديم ويعتقد أنها تحولت إلى "نابو" في عصور أحدث. الموسوعة الحرة"

وفي حدائق المتحف العراقي، ثمة تمثال عملاق للإله نابو مطلا على الشارع العام دون وقاية أو حماية. ونابو هو إله الحكمة والمعرفة في العراق القديم عثر عليه في العاصمة الآشورية كالخ او كالح واسمها التوراتي الأشيع هو "نمرود" وهذا الاسم "نمرود" لا وجود له في السردية الرافدانية القديمة بل هو من اختراع كتبة التوراة، مثله مثل كلمة "فرعون" التي لا وجود لها في السردية المصرية القديمة.

الصورة الثانية بعدستي لتمثال الإله نابو واقفا على قاعدة حجرية في العراء مكشوفاً لعوامل المناخ من أمطار ورياح وحرارة. ولا أدري إن كان هذا التمثال نسخة أصلية كما يوحي منظره العام أم أنه نسخة مصطنعة له، وهناك أكثر من تمثال مختلف لهذا الإله في المتحف العراقي وأماكن أخرى. يتبع.

***

علاء اللامي

في المثقف اليوم