تقارير وتحقيقات
رنا خالد: تحديات التعليم عن بعد.. آراء متعددة!
"التعليم عن بعد" هو مفهوم متداول بين أصحاب الشأن منذ مدة وليس غريبا على الاسرة التعليمية بكافة مراحلها، ففي أواخر سبعينيات القرن المنصرم بدأت بعض الجامعات الأمريكيّة والأوروبيّة العمل به حيث كانت ترسل الموادّ التعليميّة المختلفة على شكل كتب أو شرائط فيديو أو شرائط تسجيل للطلاب عبر البريد، وبعد ذلك يرسل الطالب بدوره الواجبات المفروضة عليه بنفس الطريقة، وفي النهاية كان لا بدّ من حضور الطالب بنفسه إلى مقر الجامعة ليقدم الامتحان النهائي ويتسنى له بعدها نيل شهادة التخرج، ثمّ تطورت طرق التواصل لتصبح عبر قنوات الكابل والقنوات التلفزيونية في أواخر الثمانينيات، ثمّ ظهرت شبكة الإنترنت في أوائل التسعينيات فكانت وسيلة جيدة ومناسبةً للاعتماد عليها في هذا النوع من التعليم.
اذن، فان للتعليم عن بعد تاريخ عريق، وقد استفاد منه المجتمع كثيرا في الظروف الطارئة، لكن هذا النهج التربوي له تحديات عديدة.. أبرزها معاناة العوائل في تلقي التعليم بهذه الطريقة، وقد التفتنا الى هذه الجزئية التي تمثل موضوعًا شغل فكر الكثير من العوائل العربية وغيرها، فالتعليم عن بعد مشكلة من مجموعة مشاكل جاءت بعد انتشار فيروس كورونا عبر العالم، تأثرت به العديد من فئات المجتمع، غير ان الفئة الأكثر تضررا كان الطلبة وخاصة الأطفال في سنواتهم الدراسية الأولى كونهم، بأمس الحاجة الى المدرسة وهي المكان الأمثل للتعليم، وفي ضوء ذلك أجرينا حوارا مهما، يوم الخميس 11/ اذار / 2021 عبر رابط الزوم مع مجموعة من الأمهات، استضفنا فيه الكاتبة التونسية والباحثة في مجال الارشاد التربوي أ. اشراف بن مراد تحت عنوان (الأمهات وتحديات التعليم عن بعد).
ما بعد كورونا
وبين سلبيات الموضوع وإيجابياته والتحديات التي يواجهها العالم عموما والعالم العربي خصوصا، سألنا أ. اشراف عن جانب مهم:
** ما هي تحديات وصعوبات التعلم عن بعد التي تتعرض لها العائلة بعد ازمة كورونا؟
ـــ هذا الموضوع ذكرني في رسالة الماجستير التي حصلت عليها، وتناولت فيها الجامعة الافتراضية فكانت تحت عنوان (تمثلات المجتمع الطلابي التونسي للجامعة الافتراضية) حيث فتحت لي بابا لفهم عملية التعلم عن بعد بكل ما تحتويه من خلفيات نفسية وأبستمولوجيا (دراسة فلسفة المعرفة). توصلت الى نتيجة علمية ان الطلبة الجامعيين كانوا يرفضون التعلم عن بعد لحبهم للحياة الجامعية، فكيف للأطفال وتعلقهم بالمدرسة واجوائها الخاصة حيث اخذت تصوراتهم لأني لم أجد شيئا على ارض الواقع.. واليوم نرجع الى نفس الموضوع الكثير من الدول كانت تدعي تطورها بهذا النظام، لكن وبعد جائحة كورونا ينطبق المثل القائل (ذاب الثلج وبان المرج) والصعوبات التي تواجه العوائل ككل هو توسع المشكلة في الدول العربية تحديدا وفي النظام التعليمي يعود الى ان بعض الدول العربية وحتى غير عربية ومنذ عدة أعوام تعيش صراعات وحروب داخلية وخارجية وفساد عام واجهت صعوبة أكبر لضعف البنى التحتية المتعلقة بتكنلوجيا الاتصال لديها. ورغم التطور التكنلوجي الحاصل في العالم لم تتم الاستفادة منه. حيث اليوم مرة على انتشار فيروس (كوفيد – 19) أكثر من سنة ولا تزال بعض الدول تعاني من تخلف واضح في تعامل مع البرامج الحديثة لخدمة الطلبة في المدارس مع ضعف مهارات المعلم في استخدامها.
** هل أصبح التعليم عن بعد عبئا على العائلة وواجب إضافي من واجباتها اليومية؟
ـــ بصراحة نعم وخاصة على الام في عملها تبقى بقلق على سير دراسة أبنائها وربما يتصلون بها لأخبارها عن بعض المشاكل التي تواجههم وهذا يقلل من مردودها الوظيفي وأيضا يضعف نفسيتها، خاصة وان ازمة كورونا لازالت مستمرة وهذا يشكل ضغوطات كثيرة إضافية. وهناك للطلبة حتى قبل كورونا مشاكل وخاصة مع الطالب الضعيف الذي كان يعتمد على مساعدة الاهل.
** نصيحة للام لتعزيز الجانب النفسي
ـــ لا تهتم دوما بالعلامات العالية وتنسى جوانب مهمة، منها ان يتعلم ابنها عمل الواجب بنفسه وكتابة درسه بنفسه حتى وان لم يكن خطه جميل، تعليمه ان يتحمل حل مشكلات التي تواجهه اثناء الدرس بنفسه، لان الام أيضا لديها عملها. عليها ان لا تتوتر في وقت الامتحانات وتتحول من حالتها الهادئة الى حالة العصبية لذلك ينقل الى ابنها ويقلقه، وهنا نحتاج من المعلم أيضا تغيير طريقة إعطاء الدرس في مثل هذه الظروف الصعبة وبعض المدارس لاحظنا استعداده السريع باتخاذ الخطوات الناجحة بإيصال المادة الدراسية.
هذا جانب وهناك جانب البيت والذي يتعمد بصورة كبيرة على الام والتي واجهتها انا شخصيا كعمل جو مدرسي يساعد الطالب على الشعور بالمدرسة وكذلك تركهم يتعلمون بوحدهم دون التجمهر قربهم، وان يستوعب الاهل قبل ابنهم طريقة الدراسة الجديدة، أحيانا نسمع ونشاهد تدخل من جانب الاسرة بالطريقة والمعلومة التي يعطيها المعلم وهذا يدل على ان العائلة العربية لم تستوعب تعلم أبنائها بهذه الشكل بعد. واضيف هناك اختلاف بين اسرة وأخرى ودولة وأخرى وحتى بين الدول العربية نفسها والغربية أيضا يوجد تفاوت.
إيجابيات التعليم عن بعد
وعن هذا الجانب كان هناك مداخلة للسيدة سوزان المناصرة وهي اردنية، تعمل مسؤولة مصادر التعلم (امينة مكتبة) في قطر حيث تحدثت عن تجربة التعليم عن بعد، فقالت ان فيها العديد من الإيجابيات منها زمانية وأخرى مكانية وأيضا مادية، وتعتقد ان التعلم عن بعد سوف يستمر حتى بعد زوال فيروس كورونا، لأنه كانت تستخدمه دول عديدة في البحوث والدراسات الاكاديمية وهو يوفر الوقت والمال ويعطي فرص للتطور وازدياد المعلومات. لكن مع تقدم الوسائل يجب تحديث المناهج لتكون بالمستوى هذا التفاعل عبر أدوات التكنلوجيا الحديثة.
الطالب والمدرسة
اما الأستاذ زياد القيسي وهو ناشط اجتماعي وتربوي ومهتم بشؤون الطفل واليتيم، فقال ان المشكلة تكمن في الازدواجية بالمكان والتي أصبحت واحدة من معاناة الطالب وبالأخص صغير السن ومن أثقل هموم عائلته داخل (مدرسة البيت) إذا جاز التعبير، وبنفس الوقت أمست تحدٍ كبير للكادر التعليمي الذي يتولى الاشراف على تدريسه. فالطالب وجد نفسه برغبة أو بدونها يدرس ويلعب ويمارس روتين حياته أغلب أيام الأسبوع بنفس المكان الذي يعيش فيه، لذلك وجد صعوبة في الفصل بين أجواء المدرسة العلمية والعملية بأوقاتها المحددة من جانب وبين جو البيت الأسري من جانب آخر، مع حصول تعديل في الأمر وهو تحول أخوته الصغار الى زملاء في الصف وبدون رغبةٍ من جميع الأطراف بكل تأكيد.
أما أفراد الأسرة وخاصةً الأم فالازدواجية التي تعاني منها في التعامل مع تلاميذها الجدد، تكمن في شدتها في معاملتهم ومراقبتهم وتوجيههم أثناء الحصص ومن ثم العودة الى رقتها المعهودة مع أول وجبة طعام تعدها لهم بعد انتهاء وقت الدراسة، وهذا ما يولد ضغط نفسي وصعوبة في مسك عجلة قيادة الطفل وتدويرها كما يجب لتسلك طريقًا آمنًا في كل حين، وأحيانًا قد تخرج الأمور عن السيطرة عندما يتعامل أحد أفراد الأسرة بطبيعته البشرية الفطرية بعيدًا عن ضبط مقاييس الأعصاب وخصوصًا الوالدين.
أما الازدواجية التي تحصل بالنسبة للكوادر التعليمية، فبالإضافة الى إعطائهم للدروس بطريقة غير تقليدية ( عن بعد ) فقد أصبحوا يقضون طيلة ساعات يومهم مع الطلبة سواء بشكل مباشر من خلال الدرس أو من خلال التحضيرات لهم بقية ساعات اليوم، مع تولد ضغوطات أخرى في العمل كمراقبتهم من قبل الأهل خلال الدروس عبر الكاميرا ومحاولة فرض شخصية المعلم إزاء تحركات الطلبة وهم في داخل بيوتهم وكذلك توزيع ساعات الحصص بين زملاء المهنة وتخصيص فترات الاستراحة والتنسيق مع الإدارة بهذا الخصوص، آخذين بنظر الاعتبار انهم أيضًا أولياء أمور لأولادهم الطلبة وبنفس أوقات الدروس وكان الله في عون الجميع .
في الختام
وكما ذكرنا في البداية، ان التعليم عن بعد ليس بالأمر الجديد فهو موجود وتستخدمه دول عديدة لكنا وجدنا هناك أهمية للخوض بموضوعه لأعمار الأطفال من 6 – 10 تقريبا كون المدرسة تشكل عندهم جزءا مهما من حياتهم العامة والخاصة، حيث يشعر التلاميذ أنها بيتهم الثاني الذي يتعلمون فيه ويقيمون الكثير من الصداقات ويكسبون العديد من المهارات، وهي تمنحهم التربية والتعليم بذات الوقت ويتعلمون فيها السلوكيات الأساسية وتنضج في عقولهم مفاهيم صحيحة عن الصداقة والمحبة والتعاون والعطاء والإخلاص والصدق.
رنا خالد