اخترنا لكم

رضوان السيد: كيف يمكن الخروج من الأوهام؟

هل يعيد التاريخ نفسه؟ قال كار ل ماركس ساخراً: لا يعيد التاريخُ نفسَه، لكنه إن فعل يكون في المرة الأولى مأساة، وفي الثانية ملهاة أو كوميديا! ولستُ أذهب لذلك، فقد جرت من قبل أحداثٌ مشابهة لما يحدث الآن بين إسرائيل والعرب، أو بينها وبين إيران، وكانت مأساوية، وما يحدث منذ عام أش دّ مأساوية من كل المرات السابقة.

لكنّ ماركس كان يسخر، فالتاريخ لا يعيد نفسَه، بل كان يقصد أنّ المنتصر والخائب كليهما يصبح مضحكاً إن لم يتعلم من الدرس الأول، وحاول الإعادة بالطريقة نفسها. لدى الإسرائيليين وهمٌ أو أوهامٌ في هذه الفترة على الأقلّ بأنه يمكن من خلال التفوق العسكري والأمني والدعم الأميركي القضاء على حلم الدولة الفلسطينية.

وتقع القضية الفلسطينية منذ ثمانينيات القرن الماضي بين مأزقين: مأزق عدم القدرة العربية والفلسطينية على بلوغ هدف استعادة الأرض، ومأزق إصرار الإسرائيليين على إلغاء حقوق أكثر من سبعة ملايين فلسطيني من أجل بقاء دولتهم يهودية نقية فيما بين النهر والبحر. وبمقتضى أوسلو (1993) تخلّى كلٌّ من الطرفين عن بعض الحُلُم أو حدوده القصوى. لكنّ بعضهم الآخر غير الموافق من الطرفين تمكن من إنهاء الاتفاق، فانصبّ الجهد من جانب الدولة العبرية العميقة على إبعاد العرب عن فلسطين وعلى قسمة الفلسطينيين.

أما العرب، ومعهم السلطة الفلسطينية الضعيفة (حتى في نظر رعاياها)، فقد ظلُّوا على الإيمان باتفاقيات أوسلو، وضرورة تطويرها كما كان مخطَّطاً باعتبارها الحلَّ الوحيد السلمي والممكن. لكن الفلسطينيين الرافضين للحلّ السلمي استعانوا بإيران لتدعمهم في مواجهة الاحتلال.

ولأنّ الإيرانيين كان لديهم مشروع استراتيجي في المنطقة العربية، فقد رأوا أن حمْل راية فلسطين كان ملائماً. لقد ملأوا الفراغ الذي أحدثه غياب السلام بدعم حركات التحرير المذهبية والدينية، وتصدوا في الوقت نفسه لأميركا التي يساومونها عبر التحرش بإسرائيل من خلال الميليشيات التي نشروها في بعض الدول العربية المجاورة لها.

وما حققوا مكاسب في مواجهة إسرائيل، لكنهم نجحوا في السيطرة على بعض الدول العربية، وفي التنازلات التي منحتهم إياها الولايات المتحدة في فترة الإعراض عن العرب، وشن الحرب العالمية على الإرهاب. تعددت الأهداف الاستراتيجية لإيران، ومن ضمنها النووي، وظلت على الاعتقاد الذي غذاه الجنرال سليماني بأن الميليشيات المنشورة، وبخاصةٍ «حزب الله»، قادرة على أن تظل أداة صالحة لإحقاق الأهداف القديمة والمستجدة.

كان هجوم «طوفان الأقصى»، بعد نداءات «وحدة الساحات» من حسن نصر الله، خطأً مأساوياً في التقدير. فقد ردَّت حكومة نتنياهو، وبدعم أميركي مطلق، بتدمير غزة خلال عام، ثم ارتأت ليس تدمير منطقة الليطاني اللبنانية لإبعاد الحزب، بل تدمير الحزب نفسه، ودائماً بدعم أميركي هائل.

قضية فلسطين وشعبها لن تزول، فقد حضرت قبل «حماس» وستبقى بعدها. والشعب اللبناني ذو الخمسة ملايين نسمة لا يمكنه البقاء دولة ذات سيادة إلا بزوال السلاح والمسلحين من على أرضه، ومعهم الاستخدامات الإيرانية. وثمة حاجة إلى مراجعةٍ جذرية للتقديرات والسياسات التي خالطتها أوهام كثيرة.. فهل يحدث ذلك؟

***

د. رضوان السيد

عن صحيفة الاتحاد الاماراتية، يوم: 6 أكتوبر 2024 00:24

 

في المثقف اليوم