اخترنا لكم
مراد وهبة: القتــل شرعا
مع اغتيال حسن البنا فى فبراير من عام 1949 أصبح زوج ابنته سعيد رمضان المولود فى عام 1926 هو الخليفة فى نشر الدعوة إلى أسلمة العالم، سواء على الأرض العربية أو شبه القارة الهندية أو أوروبا. وفى مايو من عام 1948 ارتحل إلى القدس مع متطوعين لمساعدة عبدالقادر الحسينى فى نضاله ضد الدولة اليهودية. وفى أغسطس من هذا العام ارتحل إلى باكستان الإسلامية والمعادية للهند. كان له برنامج اذاعى، ولهذا كان يعتبر السفير الثقافى لدولة باكستان لدى الدول العربية. وفى عام 1950 عاد إلى القاهرة رسمياً وأسهم فى تدعيم العلاقة بين الإسلاميين الباكستانيين التابعين للسيد أبو الأعلى المودودى وحركة الاخوان. وفى عام 1962 أسس مع عشرين شخصية العصبة الإسلامية العالمية لمواجهة القومية العربية والشيوعية وكان المودودى أحد هؤلاء.
وفى نهاية الستينيات من القرن العشرين تأسست فى مصر الجماعة الإسلامية الجهادية وكانت فى بدايتها منتمية لحركة الاخوان المسلمين، وفى منتصف السبعينيات من ذات القرن انفصلت عنها عندما استبعدت الحركة العنف وعملت فى الصعيد وفى القاهرة وفى الإسكندرية واقتربت من القاعدة بقيادة الظواهرى، واشترك الاثنان فى اغتيال السادات فى عام 1981. وكان فى حينها الزعيم الروحى للجماعة عمر عبدالرحمن والمتأثر بأفكار كل من ابن تيمية وسيد قطب، وكان هو الملهم لمن حاولوا تدمير مركز التجارة العالمى فى عام 1993. وابتداء من عام 1992 وما بعده شنت الجماعة الإسلامية حرباً جهادية ضد الدولة المصرية، وكان ضحيتها 800 جنديا وعدداً كبيراً من الأقباط، وكان ذلك بمساعدة الحكومات السودانية والإيرانية والقاعدة.
وفى 26 فبراير من عام 1993، أى قبل ثمانى سنوات تقريباً من أحداث 11 سبتمبر احترق جراج فى نفق قريب من مركز التجارة العالمى بمتفجرات تزن 500 كيلو. وإثر ذلك قُبض على إرهابيين من بينهم من الاخوان محمود أبو حليمة ومعه الباكستانى رمزى يوسف من القاعدة، والفلسطينى محمد سلامة مساعد عمر عبدالرحمن الزعيم الروحى للجماعة الإسلامية المنتمية للاخوان وعبدالرحمن ياسين من القاعدة. و فى عام 1997 فى الأقصر قتل 58 . وبعد محاصرة النظام المصرى للجهاديين من قِبل الظواهرى ارتحلوا وكونوا خلايا فى أفغانستان وليبيا وسوريا والسودان والشيشان وأمريكا وأوروبا. هذا بالإضافة إلى حركة سواد مصر ولواء الثورة والمرشد السابق للاخوان مهدى عاكف الذى تبنى الاغتيالات فى العراق وميونخ.
وفى عام 2003 تأسست جماعة تضم السلفيين والجهاديين والإخوان لتدعيم فكرة الجهاد الدفاعى. ومع الانتشار الكوكبى للاسلام السياسى بتنويعاته يلزم إثارة التساؤل عن مصادر التمويل، وقيل فى الإجابة عن هذا التساؤل إنه مردود فى البداية إلى بنك التقوى ومعناه الخوف من الله، وله فروع فى بلدان متعددة (سويسرا، الباهاما، إيطاليا والنمسا). وفرع سويسرا تأسس فى عام 1988 من كبار الرأسماليين التابعين للإخوان وهم يوسف ندا من أصل مصرى وعلى غالب همت من أصل سورى ايطالى. وكان ندا قد اعتقله عبدالناصر من عام 1954 إلى عام 1956. وكانت ليبيا هى ملجأ يوسف ندا فى الستينيات من القرن العشرين. وعندما استولى القذافى على الحكم هرب وظل لاجئاً لمدة طويلة فى أوروبا، ابتداء من اليونان ثم النمسا، وأخيراً سويسرا، وأسس ثروته من التعامل فى الأسمنت ثم فى البنوك. وهو يعتبر من الأوائل الممولين للإسلاميين. وكان بنكه قد تصاعد مالياً فكان هدفه منح هذا التصاعد لإعادة توزيعها على المنظمات الاخوانية الأوروبية، كما أسس بنك التقوى جوامع ومراكز إسلامية مرتبطة بالإخوان وتمارس نشاطها فى ثلاثين دولة. كما أن البنك مارس خدمات إنسانية فى الدول الإسلامية. ومن الغريب أن يوسف ندا فى أفغانستان التقى حكمتيار وهو من الإسلاميين الراديكاليين الذى كان يتاجر فى الهيروين، وله علاقة بالقاعدة وطالبان بعد أن كان رئيساً للوزراء. أما على غالب همت فكان يتردد على كابول فى عام 1993. والمفارقة هنا أن رحلاته كانت تدل على أن الإخوان الذين يدينون الإرهاب رسمياً كانوا على علاقات مذهلة مع الجهاد الاسلامى الدولى. ومن الأعمال التاريخية المنسوبة لبنك التقوى قام بها الشيخ يوسف القرضاوى وأحمد إدريس نصر الدين وجماعة من حماس، وأعضاء من القاعدة، وهدى محمد بن لادن وإيمان بن لادن وهما شقيقتان لرئيس القاعدة السابق. وفى عام 2001 وصفت أمريكا بنك التقوى بأنه منظمة إرهابية لأنه ممول للقاعدة، كما أنه كان ممولاً لأحداث 11 سبتمبر ولحماس وفروع من الجماعة الإسلامية فى مصر والقاعدة فى إيطاليا وفى سويسرا. وفى لوكسمبرج كان البنك الاسلامى الدولى متحكماً فى جميع المؤسسات الإسلامية للإخوان فى أوروبا وكندا وأمريكا، وبذلك يمتد المجال الاسلامى إلى الحد الذى يمكن أن يقال فيه إنه مهيمن على الحضارة الغربية. وفى سبتمبر من عام 2017 زار وفد من حماس بريطانيا، والتقط صوراً مع الدبلوماسى الروسى ميخائيل بوجدانوف، وكان يبدو عليهم القلق لأنه لم يكن يوجد فى بريطانيا سوى فرع واحد مسلح تابع لحماس بقيادة عز الدين القسام ومتهم بأنه منظمة إرهابية. ومنذ بدايات عام 2000 والحركة الإسلامية فى اسبانيا فى حالة تمدد.
***
د. مراد وهبة
عن صحيفة الاهرام المصرية، يوم: الثلاثاء 7 من ربيع الأول 1446 هــ 10 سبتمبر 2024 السنة 149 العدد 50317