روافد أدبية

علي الطائي: قلبٌ أوسع من البحر

في مدينة ساحلية هادئة، عاش "يوسف"، وهو رجل مسنّ، يعمل صيادًا منذ صباه. كان معروفًا بين الناس بسخائه وابتسامته التي لا تفارق وجهه، حتى في أصعب الظروف.
في صباحٍ مشرق، جلس يوسف عند الميناء يُصلح شباكه الممزقة. مرّ به شاب غريب يُدعى "كريم"، تبدو عليه علامات الإرهاق والجوع. جلس بالقرب منه دون أن ينبس بكلمة، فتوجه يوسف نحوه قائلاً:
يوسف: "السلام عليك يا بني. تبدو مرهقًا. هل تحتاج إلى شيء؟"
كريم (مترددًا): "لا، شكرًا. أنا بخير."
ابتسم يوسف بهدوء، ثم أخرج من حقيبته رغيف خبز وقطعة سمك مشوي، ووضعهما أمام الشاب.
يوسف: "هذا قليل من طعامي، خذه لتقوي نفسك. الصيد يحتاج إلى قوة، أليس كذلك؟"
كريم (مندهشًا): "لكن... أنا لست صيادًا."
يوسف: "إذن، ماذا تفعل هنا؟ يبدو أنك غريب عن المدينة."
تنهد كريم، وكأن كلمات يوسف أذابت شيئًا من قسوة الأيام في صدره.
كريم: "أنا هارب من ديوني. كنت أعمل تاجرًا، وخسرت كل شيء بسبب سوء حظي... أو ربما سوء تصرفي. لم أعد أملك شيئًا."
نظر يوسف إلى كريم بعينين تحملان حكمة السنين.
يوسف: "يا بني، البحر يُعلّمنا درسًا مهمًا: عندما تُمزق الأمواج شباكنا، لا نتركها، بل نُصلحها ونُعيد المحاولة. هل فكرت في أن تبدأ من جديد؟"
كريم (بأسى): "وكيف أبدأ؟ لا مال لديّ، ولا أحد يساعدني."
نهض يوسف، وأشار إلى قاربه البسيط.
يوسف: "تعال معي. سنخرج للصيد. البحر لا يخذل من يطلب رزقه بإصرار."
ركب الاثنان القارب، وأبحرا في عرض البحر. علّم يوسف كريم كيف يُمسك الشبكة، وكيف ينتظر بصبر حتى تنضج اللحظة المناسبة لرفعها. عندما عادا إلى الشاطئ، كانت الشباك ممتلئة بالأسماك.
يوسف: "هذا نصيبك من الصيد. بِعه في السوق، وابدأ به حياة جديدة. لكن تذكر، يا بني، أن من يبدأ بعزم وإيمان لا يعود فارغ اليدين."
امتلأت عينا كريم بالدموع، وقال:
كريم: "لماذا تفعل هذا لأجلي، وأنت لا تعرفني؟"
يوسف: "لأننا بشر، يا بني. وما نفع العمر إن لم نكن عونًا لبعضنا البعض؟"
مرت السنوات، وأصبح كريم تاجرًا ناجحًا مرة أخرى، لكنه لم ينسَ ما فعله يوسف. كان يعود كل أسبوع إلى الميناء، يحمل الهدايا للرجل الذي علّمه أن الطيبة يمكنها أن تُعيد الأمل لمن فقده.
***
بقلم: د. علي الطائي

 

في نصوص اليوم