كتب واصدارات
ناجي ظاهر: العشقُ المفجع والخلودُ المبدع
(قراءة موجزة جدًا في مصارع العُشّاق)
يرى عديدٌ مِن الكتاب، منهم صادق جلال العظم، في كتابه "في الحب والحب العذري"، أن معظم قصص الحب تنتهي بالفراق أو الموت، وأن الحبّ الحقيقي عادة ما يعيش حالة اشتداد.. قلّما تعرف الاسترخاء. ويقدّم مثلًا على ما يذهب إليه فيقول ما مفاده، تصوّر أن دانتي صاحب "الكوميدية الالهية"، تزوّج من محبوبته بياتريس، فاضحت مدام دانتي، تُعِد له ثلاث وجبات يوميًا وتنشغل طوالَ وقتِها بتربية أبنائهما... ونتساءل والحالةُ هذه.. لو تزوّج دانتي من بياتريس هل كانت قصته معها تخلد أم تنضمّ إلى ملايين قصص الحب التي عادة ما تُتوّج بالزواج.. والحياة الروتينية.. بما فيها التكاثر وإنجاب الابناء.
كتاب "مصارع العشاق"، للشيخ أبي محمد بن أحمد بن الحسين السراج القارئ، ( 1026-1106)، المولود في بغداد والمتوفى فيها، هو واحدٌ مِن كتب التراث العربي القديم التي تقدّم العشرات وأكاد أقول المئات من القصص التي تُثبت ما يذهب إليه الكثيرون وهو أن قصص الحب الحقيقية عادة ما تنتهي بالفراق او الموت.
يقع هذا الكتاب في مُجلّدين، وقد صدرت طبعته مدار حديثنا عام 1980 ضمن منشورات "دار بيروت للطباعة والنشر".
يورد مؤلف الكتاب في صفحاته الاولى بعضَ تعريفات الحب المرتبطة بالفراق والموت، منها قول الفيلسوف اليوناني القديم سقراط وهو أن العشق جنون والوان، كما أن الجنون الوان، وينقل عن النبي العربي محمد( ص)، قوله: "مَن عشق فظفر فعف فمات.. مات شهيدًا". ومن تعريفات الحب الطريفة التي يوردها المؤلف أن "العشق أوله لعب وآخره عطب"، وهذا القول يذكر بما قاله الامام ابن حزم الاندلسي في كتابه الشهير عن الحب "طوق الحمامة في الالفة والالاف"، وأقصد بهذا القول "إن الحب أوله هزل وآخره جد".
يضم كتاب مصارع العشّاق قصصًا ونوادرَ عن العشق وضحاياه من فترات تاريخية مختلفة منها ما هو جاهلي وإسلامي واموي وعباسي، وتهيّمن على ما يضمّه الكتاب روح دينية ذات نزعة صوفية، تقف قصص الحب المشهورة مثل قصة جميل وبثينة. وقصة عروة ابن حزام، في مقدمة القصص التي يضمّنها المؤلفُ كتابَه، غير أننا فضّلنا أن نقدّم
من أجواء هذا الكتاب الطريف.. القصة التالية:
"كان العلاء بن عبد الرحمن التغلبي من أهل الادب والظرف، فواصلته جارية مِن جواري القيان، فكان يُظهر لها ما ليس في قلبه، وكانت الجارية على غاية العشق له والميل إليه، فلم يزالا على ذلك حتى ماتت الجارية عشقًا ووجدًا به، فذكرها بعد ذلك وأسف على ما كان من جفائه لها وإعراضه عنها. فرآها ليلة في منامه، وهي تقول له:
أتبكي بعد قتلك لي عليا
فهلّا كان ذا إذ كنت حيا
سكبت دموع عينك في انهلال
ومِن قبل الممات تسي اليا
فيا قمرًا برى جسمي وروحي
ويقتلني وما أبقى عليّا
أقل مِن النياحة والمراثي
فإني ما أراك صنعت شيّا
قال. فزاد ما كان عليه الاسف، والغمّ والبكا، حتى فاضت نفسه.. فمات.
***
كتب: ناجي ظاهر