مقاربات فنية وحضارية
ضحى عبد الرؤوف: جوهر فنون الهندسة العربية
جغرافيا الأشكال الهندسية من الخط الى واقع اللون في أعمال الفنان جبران طرزي
تحتوي البنية الأساسية للتجريد الهندسي في أعمال الفنان "جبران طرزي"( (Gebran Tarazi على المنظور لأفكار وهمية يضعها في قوالب الواقع، لتشكل مسارات جمالية تتنوع باختلاف حدود الأشكال وقياساتها المتناقضة، والمتساوية ليتلاعب بصرياً بقدرات اللون في ابراز الأبعاد لمساحات الأشكال الهندسية التي يؤلفها على مستويات القاعدة والارتفاع، والطول والعرض. لتكون تمثيلية في واقعها، وأثيرية بصرياً في تشكيلها بين الخطوط الأساسية، ومعالمها الفنية البعيدة عن الواقع تجريدياً، وملامسة له لونياً عبر تكوينات تشكل في كل منها لبنة زخرفية لمشهد هندسي داخلي ذي نواحي بصرية متعددة، وصارم في الدقة المتناهية بطوباويتها من حيث التبسيط والتعقيد في الأسلوب السهل الممتنع، والكلاسيكي الرؤية. إنما ضمن رؤية خاصة هي للفنان "جبران طرازي" الذي يفتح لعبة اللون على مداها، لتجسد الأفكار والواقع بين خطوط الطول وخطوط العرض والقاعدة والارتفاع على أساس تشكيل الوحدة الفنية في مساحات معينة يجمعها ويفرقها تبعاً لرقة الخط المتناهي، وأبعاده وجماليته في خلق مفارقات الألوان بين البارد والحار، وتموجاته البصرية المحدودة وغير المحدودة معاً، كتطريز هندسي متشابك يمكن تفكيكه وجمعه بصرياً لاستفزاز حواس المتلقي.
قطع لأجزاء هندسية في فن تشكيلي لم ينحصر بزركشة بصرية تخدع الفكر، وإنما تأخذه نحو فضاءات الأشكال الفنية، وتخيلات الخطوط غير الموضوعية المركبة تركيباً صارماً، وفق قياسات لا يمكن التراخي بها، وبموضوعية لونية لها مؤثراتها على المشهد المعاصر الحالي، لهذا الفن القديم الذي يهدف إلى تصوير قوة الفكر الفني في استنباط الحقيقة الإنسانية، القائمة على التكوين الحسي للشكل الهندسي، وبجيومترية حسابية غنية بتطوراتها، التي تهدف إلى تقريب الرؤية على مسطحات تستوي معها الألوان المتناقضة، والمسافات الفاصلة والمتقاربة بين الأصغر والأكبر، وطول الخط البصري عبر خط الأفق الذي يتركه وفق نسبية التأليف الذي يلجأ إليه الفنان "جبران طرزي"، وكأن اللوحة مقطوعة موسيقية متناغمة الآلات والأصوات. أو كأنها رقصة فنية على مسرح بصري يمتد نحو اللانهاية.
لغة بصرية ذات رموز حيوية تثير الدهشة والتساؤل، وتضفي على الأحاسيس نوعاً من التخيلات المنبثقة عن الألوان، وخاصية كل منها في اللوحة، كشيفرات تحمل في دقتها رسالة، تنقلنا إلى واقع برمزية ساحرة تهمس وجدانياً مع نقاء اللون أو صفاء المسافات الفاصلة التي توحي بالتلاحم. لأبعاد تنصهر مع التكوين أو المنظور الهندسي، والعمق في كل صيغة ترمز إلى الانعكاس الضوئي داخل كل شكل ومع كل لون، وكأنه يسعى من خلال ذلك للبحث عن جوهر الكون ومعرفة الحياة وأسرارها للعوالم الداخلية والخارجية في الطبيعة والإنسان أو في الكون عامة.
تساهم لوحات الفنان "جبران طرزي" في فهم حركة الألوان وسكونها. بل رياضيات اللون البصرية. إذ تحمل كل لوحة في طياتها مسيرة لون خاصة جداً، وتضع الشكل اللوني ضمن خانة الخطوط التي يحترفها. لتكون متوازية في جدلية الألوان عبر تشكيل ذي منظور احترافي محبوك مع التجريد الهندسي، الموضوع في فضاءات التخيل الوهمي في بعض الأحيان ضمن دمج لمستطيلات، ومربعات ومثلثات، وما إلى ذلك من الأشكال المركبة تركيباً نسيجياً مع الألوان، بتماثل مع الأسلوب الزخرفي عبر العديد من أسسه التي تعيدنا إلى أسس التجريد الهندسي المرن، في لوحة هي فضاء خاص لهذا النوع من الرسم المُبهر في الأداء من عدة زوايا هندسية، تلعب كل منها دوراً مهماً في خلق رؤية تتحول الأشكال فيها إلى طبيعة واقعية تتشابه مع البعد التجريدي وإيقاعاته المنتظمة تنظيماً يحتاج لخبرة فنية. تظهر من نغمة هندسية لها جمالها الفني الذي يكشف عن قيمة الشكل الهندسي داخل كل مشهد طبيعي نراه من حولنا. لنستخدم القوة الروحية مع القوة المادية في إيجاد الشكل من منظور اللون الحيوي. فهل منطق آلية التطابق والتضاد في الرؤية التشكيلية هي منطق رياضي جيومتري خاص بجبران طرزي؟
يميل الفنان "جبران طرزي" نحو منطق آلية التطابق والتضاد في الرؤية التشكيلية، كعلم ينشأ عنه تطورات تفاعلية تتغذى جزئياً من العلاقات بين الخطوط والألوان والأشكال، لتُشكل نوعاً من الروابط البصرية التي تتغذى على فهم قيمة الأكوان التأملية في ترحال ذهني يمارسه بعيداً عن الفوضويات من حولنا، لتكون مفعمة بما يثير الدهشة حيث يتلاعب طرزي بالخطوط، لفتح الأبعاد وإيجاد معادلات الفراغ والامتلاء، وبما يجعل اللوحة تتصف بمتناقضات تعصف بالذهن من خلال المحاكاة الهندسية عبر الأحجام المختلفة والإيقاعات المتناغمة تشكيلياً، وفق المنفصل والمتصل، والتسلسل القائم على فكرة اللانهائية، والتوالد والتجدد والتطور المستمر في كل فكرة يطرحها عبر أسلوبه الفني بنسبه فنية غير مقيدة بالأوزان والخطوط الحادة، رغم أن أسلوبه قائم على المُغلق والمفتوح، وبمعنى آخر على كل فعل رد فعل، وبما يتوافق أو يتعاكس مع قيمة الخط واللون وبمنطق الغموض في خوارزمياته الأرابيسكية، لإدراك الخواص الهندسية في مفاهيمه التي يؤمن بها ضمن فلسفة الجمال التشكيلي وجودة تذوقه بصرياً، وبما يستمده من الالتزام بطابع فني هو بصمة طرزية ينتج عنها رؤية في الثقل الهندسي عبر خطوط لها انفعالات ومؤثرات وظّفها للتعمق والإدراك معتمداً على فكرة التكافؤ التشكيلي أو الترابط بين شكل وشكل آخر. لخلق ازدواجيات تتنوع خصائصها من حيث رؤية العمق والتسطيح والتوازنات البسيطة والمعقدة حدسياً قبل حسياً . فهل من معرفة ذاتية مارسها في لوحاته لتكون ضمن المعاني الهندسية في تجريد يفتحه على عدة تخيلات جمالية؟ أم هو انعكاسات لأشكال تتجدد عبر الأبعاد بعيداً عن فكرة الزمان والمكان؟ وهل خطوط لوحاته تؤثر بصرياً على فكرة التضاد في الفن التشكيلي لخلق حالة من النشوة الاستكشافية في الأبعاد التجريدية هندسياً؟
يُشكّل التشابك الزخرفي رؤية ربطها طرزي بالمبدأ الأرابيسكي، وتطوراته القائمة على ما هو مستوحى من الفكرة الهندسية للشكل الخاضع لصرامة الفنان خاصة. أو بمعنى آخر لقواعده بمحاورها التجريدية الأساسية، وبما هو متجه رأسياً أو أفقياً أو في منحنى يقود التفاصيل الأخرى إلى تشكلات بين الأضلاع كافة بمعنى حسي كفكرة التوالد والتآخي، والترابط والتداخل بعيداً عن تشظيات الألوان وتمددها أو تقلصها تبعاً للسماكة والشفافية، وضمن متغيرات مرنة تكرر نفسها إلى ما لا نهاية بعيداً عن المساحة الملموسة، فهو يفتح المخيلة على شريط ولادة الإنسان عبر الأجيال التي تكرر نفسها جينياً، وبما هو مستوحى من تتابع الأجيال الإنسانية من الأصغر إلى الأكبر وبالعكس . فهل ينغلق الفنان على نفسه من خلال ما يتشكل أمامه من أشكال تولد تلقائياً وهو يرسم الشكل الذي يفرض شكلاً آخر ؟ أم هي فلسفة الولادة والموت ورحلة النفس في الأبعاد التي تنغلق وتُفتح تلقائياً وكأن الخروج من مادة اللون هي رحلة أخرى عبر الخط بمختلف مقاساته وما تمثله المربعات والمستطيلات والدوائر وما إلى ذلك من أشكال؟ وهل الابتعاد عن التشخيص في هذا الفن هو نوع من معرفة الذات عبر القدرة على تطوير الأنماط التجريدية ؟
يُجرد "جبران طرزي" رسوماته من أي مظهر خارجي تقليدي ليحاكي ما ورائياً ما هو مخفي في الأشكال كافة، أو ما تحتويه من تشكيلات هندسية مبنية على معنى التآلف الروحي فلسفياً في الماورائيات، وهي غيبية معنى الوجود الروحاني للنفس التي ينبث عنها جميع الأنفس بتسلسل حياتي يرمز إلى متانة الخطوط التي تتكاثر وتتزايد أو تنقص تخيلياً،وتتقطع أحياناً أخرى بغموض ينم عن تساؤلات هي تكوينات تعتمد على ما يراه كل متلقي بشكل فردي، فكل بصيرة تعتمد على تحليل صممه طرزي ضمنياً لفهم الحقائق الكونية في الخلق، وكأنها بوابات النور والضوء للدخول في الأبعاد الهندسية التجريدية التي تتشكل تبعاً لمفهوم الجمال والاستمتاع بصرياً، بما نستقرأة في كل لوحة تمثل استمرارية لهذا الفن المشبع بروح العصر المتجدد من تلقاء نفسه عبر الأشكال التي تتوالد وينبثق عنها العديد من الأشكال الفنية التي تتراءى وتعكس معطيات هذا الفن بكافة ولاداته عبر تاريخه وصولا إلى الفن المغربي ومفهوم الوحدة والانتظام والإيقاع. إلا أن طرزي برع في تحديد مفهوم التجريد والقدرة على استقراء الأشكال الهندسية التي تنتج عنه، وبتسلسل تترابط معه فكرة المحاكاة والأساسيات التي نشأ منها هذا الفن عبر التاريخ، وبطابعه الحي الذي يُجدد نفسه بنفسه من خلال الخوارزميات الخاصة به بعيداً عن تقليدياته، فالمعالم التكوينية في اللوحات غير المقيدة بنظام محدود هي لا نهائيات مفتوحة على لوحات أخرى تُشكل مفاتيحها نوعاً من التجدد المحصور بالفكرة التي انطلق منها. ليتميز بذلك عن الفن الأرابيسكي التقليدي من خلال مستويات الفهم للأبعاد التي يختزل من خلالها الأفكار التشكيلية التي تكمن بين المسارات والتطورات البصرية التي تسمح بتحديث نفسها بنفسها في مخيلة المتلقي. فهل نظام هذا الفن يوحي بتطور المجتمعات أو النشاط البشري بشكل عام ؟ أم مستويات قراءة هذا الفن بصرياً تختلف تبعاً للخلفيات الأساسية التي يقوم عليها ؟ وهل احتفظ طرزي بأساسيات رؤيته في هذا الفن عبر اللوحات التي قدمها كنماذج فنية تساعد على تطوره ؟
لا يمكن تسمية هذا النوع من الفن بالعربي الخالص رغم أنه مشرقي الرؤية في الأبعاد الفلسفية جمالياً، وبما هو راسخ أسلوبياً في معطياته بعيداً عن التقاليد اليونانية والرومانية، والبيزنطية عبر التاريخ، ومغربياً في العصور الحديثة لما أحدثه هذا النوع من الرسم من الانفتاح والفهم لقيمة الأبعاد المخفية فيه . إذ تُمثل التنوعات والتدخلات التشكيلية في أعمال طرزي رؤية ذات متعة ذهنية حافظ عليها من خلال ربط حركته أثناء الرسم بحركة الأشكال عبر أساسيات الإدراك المتوجه بها للمتلقي، لفتح المخيلة على التفكر في مختلف الاتجاهات، وللربط بين العناصر من خلال قوة العلاقات بين الأشكال نفسها. لفهم الأبعاد الخفية أو بمعنى آخر البُعد الذي يتشكل عبر ما ورائيات هذا الفن وأهميته، لاكتساب القدرة على فهم الأشياء المستوحاة من أسياسيات الشكل، وما يفرضه من تأملات غير محصورة بالتصورات المجسدة غير المجردة وخصائصها من حيث السياق الهندسي والرياضي وتبلورات بنية الأشكال التي تؤدي إلى اكتساب طرق تجريدية مختلفة لكل منها بياناتها الحساسة في اللوحة. فهل لوحات طرزي تسمح بالتلاعب الواعي فكرياً في عناصر هذا الفن؟ أم يتبع طرزي إحساسه بالوجود كمصدر إلهام فني ينتج عنه تطورات في الشكل غير المحصور بالزخارف فقط لأنه يشكل نوعاً من المحاكاة الغيبية للوعي الإنساني؟ فهل من تمثيل بصري غير محدود في محتواه الحر في أعماله ؟
تكشف أعمال الفنان "جبران طرزي عن جوانب عديدة من الأبعاد التجريدية هندسياً، والتي تتخذ منحى علاقات فكرية حساسة مترابطة بصرياً فيما بينها، من منظور المتناقضات التي يسعى من خلالها طرزي إلى تسليط الضوء عليها عبر الأشكال، وإيقاعات التكرار النغمي، من خلال الألوان الموصوفة بصرياً بالخوارزمية التخطيطية القادرة فنياً على فتح مساحات للتأمل في الأشياء المعقدة غير التصويرية، كزخارف ذات قياسات متعددة تعتمد على الانسجام والترابط والتنافر، والتناقض الهندسي غير الموضوعي في مساحة انضباطية مشدودة لبعضها البعض، مدمجة في تركيبات مختلفة عقلانية التأليف، بمعنى القدرة على الإبتعاد عن التصويري العاطفي، والإقتراب من التجريدي الكوني، لتمثيل فني ثلاثي الأبعاد في محتواه الحر، وتأثيره العميق في النفس، وفي الفكر الباحث عن الشمولية الهندسية في شكل الطبيعة البشرية التي يستمد منها مؤلفاته التشكيلية إن صح القول، مبتعداً بذلك عن التأثيرات الإنسانية مركزاً على مستقبل الأشكال التي تجعل للمستقبل وجوداً مختلفاً من خلال الفن، والقدرة على التقييم البصري للشكل وارتباطه التسلسلي، وكأنه يخطو خطوة إلى الأمام من خلال الريشة عبر زمن هو فيه بشكل تكراري مستمر من خلال رسوماته. ليثير المشاعر بشكل عقلاني دون أي تصوير. فالأشكال والألوان تعبر عن قوة حساسيته البصرية تجاه الجمال التخيلي بصرياً دون أن يتخلى عن الشكل الخالص كالأرابيسك والابتعاد عن القيود التي تجعل الفنان محدوداً. فهل من معنى بشري استبطاني في لوحات جبران طرزي؟ أم أنه تحدى المعتقدات الفنية من خلال الفن الراسخ في الأبعاد الكلاسيكية، والتي تتجه نحو الخوارزمية الحالية، لاستكشاف أنماط السلوك البشري من خلال تقلبات الأشكال وجغرافيتها الوهمية والتي تقتضي النظر بعمق للداخل لاستدراك الشكل الكامن في المعنى الحركي داخل اللوحة ؟
تواجه الأشكال في أعمال الفنان" جبران طرزي" التقييمات التوليدية بقوة حسابية، مرتبطة بنظام ينطلق منه طرزي في التشكيل القائم على حرفية هندسية في توزيع القياسات بين المعايير اللونية، لكي لا تتشابه رسوماته المكثفة حسابياً في لوحاته التي يوزع النقاط فيها تبعا للإحساس بالكونية، ومبدأ الحياة والموت والتجدد النمطي غير العشوائي، وإن بدت بعض العشوائية في لوحاته. إلا أنها دقيقة لخلق تأثيرات بصرية جذابة حتى في الكسور التي يعتمد عليها أثناء الرسم، لاستكمال المساحة القابلة للكثير من الأعداد الأخرى بمعنى من لا شىء إلى ما لا نهاية، وبذلك يمكن أن تكون التعديلات هي توليدات أخرى بنفس القياسات والمعايير، وبدمج يصغر أو يكبُر . إلا أنه يمثل جزءًا من كل، وكأنه يبحث عن ذاته المتجددة في الفن، وفي البعد الماورائي حيث تتكرر الخلايا البصرية وفق بروتوكولات يحددها بوضوح. لتكون كالقوانين الصارمة المعتمدة على التجدد وفق التأثيرات التنظيمية نسبياً، المتوافقة مع الأعداد بأبعادها، لضبط المعايير وفق ابتكارات تتفاوت انطباعاتها اللونية عبر تدرجات الألوان التي يعتمد عليها للتباين، ولمنح الأشكال أبعاداً تكنيكية تُشكل نوعاً من الارتكازات الناشطة بصرياً ما بين الفواتح والغوامق، والصغير والكبير، وحتى طبيعة التأثيرات بين الخطوط وانعكاساتها على الأنماط الداخلية والخارجية، والتشكيلات المحددة ما بين الأمام والخلف، بمعنى فروقات الخلفيات في الأشكال المتباعدة والمتقاربة في المكونات الفراغية، والممتلئة عبر تأويلات تشكيلية متعددة يمتلك حسابياتها في الرسم، كأنه يجعلها تتكاثر وفق قانونه الخوارزمي الخاص .
يلتقط الفنان طرزي النقاط التشكيلية المبنية على أسس هندسية تنبثق من أهمية الشكل الثابت، والقدرة على تغيراته بمعنى تطور الشكل، ليخرج من الثابت للمتحرك بصرياً، بمنطق حسابي تمثل كل نقطة فيه جغرافية معينة لمساحة بصرية هي نوعٌ من الرؤية المشرقية للفن . فكل خليه تشكيلية في أعماله تحيا منها عدة أشكال إيقاعية بتوليد لا نهائي وغير محدود، مما يعزز فكرة التجديد والابتكار في الأشكال التي تغذي البصر عبر مفهوم التضاد والتوافق، وحتى المتناقضات بأبعادها الحسّية وقيمتها الفنية من حيث الحركة ومتغيراتها بين الظل والضوء ولعبة الزوايا التي يمارسها وفق حساباته الخاصة في التشكيل الفني. فهل من لغة طرزية خاصة في رسوماته غير قابلة للتقليد؟ أم هي بصمة فنية تجعلنا نعيد النظر في هذا الفن القديم الحديث والقابل للتطور في عصر الخوارزميات؟
ونلفت الانتباه إلى أن أعمال "جبران طرزي" دخلت المتاحف منها "المتحف العربي للفن الحديث" في دولة قطر سنة 2015 بمجموعة متكاملة بالإضافة إلى متحف عالمي آخر شهير سنة 2023 إلى جانب مشاركته في أهم المعارض الفنية العربية وقد عرضت لوحاته في باريس سنة 2016 إلى جانب الفنان العالمي "فزارلي" تقديرا لمساهمة جبران طرزي الكبرى في الفن الحديث العربي وأصالته.
وفي سنة 2023 أنجز "متحف بيروت للفن" BeMA وهو مشروع فني ضخم قيد الإنشاء في قلب بيروت تحويل كامل أرشيف وانجازات "جبران طرزي" إلى أرشيف إلكتروني رقمي ستتاح للباحثين والمؤرخين في مجال الفن مطالعته ودراسته. كما أن في سنة 2024 أدخلت تجربة "جبران طرزي" في برنامج الدراسات العليا في "الجامعة اللبنانية" الرسمية تقديرا لدوره الابداعي والفني والأدبي الريادي في التاريخ الفني للبنان والبلاد العربية.
عطفا على ذلك، جبران طرزي هو أديب راسخ وروائي ماهر في الأدب الفرنسي صاحب رواية "معصرة الزيتون" Le Pressoir à Olives الصادرة في باريس سنة 1996 وهو يخدم الثقافة العربية انطلاقا من هويته المسيحية المشرقية ودورها التاريخي في العالم العربي وقد عاصر عدة حقبات وثقافات في المملكة المغربية الشريفة ودمشق وبيروت وقد انعكس كل ذلك على كتاباته وفنه.
الحديث عن جبران طرزي يطول وهو موثق بكتابين مصورين صادرين عن مسيرته الفنية أولهما كتاب “التنويعات الهندسية” Variations Géométriques من تأليف الفنان صدر سنة 2007 شرح فيه بقلمه نظرته ورؤيته الفلسفية الفنية بعنوان "رغبة الشرق"
من إصدار "دار الفنون الجميلة" في لبنان وكتاب “المواسم الاثنا عشر” Twelve Seasons الذي صدر في فرنسا عن جبران طرزي سنة 2017 من إصدار دار النشر "زمان".
***
ضحى عبد الرؤوف المُل