مقاربات فنية وحضارية
كاظم شمهود: بدايات الحكايات المصورة
يذكر بان نجاح اصحاب الحكايات المصورة كان في بعث الامال في القارئ واعطاءه حياة ايجابية متنورة. ويرجع ذلك الى سببين الاول هو نتيجة تجارب اجيال من الرسامين السابقين الذين وضعوا قواعد راسخة اصيلة لطرق الرسم وتقنياته وتعبيراته. وان الحديثين من الرسامين سيطروا على المادة المرسومة في رسم الفكاهة. والثاني هو ان الجمهور اخذ يتقبل الفكاهة بروح شفافة وذلك لغياب الرقابة ونشر النظم الديمقراطية.
وكان من اشهر رسامي الحكايات المصورة هو السويسري رودولفي توبفير Rodolfhe Topffer 1845. ويذكر انه مخترع القصة المرسومة. وقد رسم عدة روايات لكتاب معروفين. وكان توبفير ابن لرسام مختص برسم المناظر الطبيعية. ولكنه لم يتابع مسيرة والده , وقد اتجه الى الادب وكتابة الشعر. ولكنه لم يترك الرسم فاتجه الى الكرافيك والطباعة على الحجر وكان بارعا في رسم الوجوه.. وقد اتبع توبفير في رسم الحكايات المصورة طريقتين الاولى هي ان يكتب فصول القصة باسلوب الكلمات السردية. والثانية هي ان ترسم القصة على شكل صور متتابعة للحوادث بمعنى يترجم النص الى صور ويعلق عليها بالكلمات والجمل.
وقد حققت الحكايات المصورة نجاحا كبيرا بفعل العامل البصري حيث تشعر القارئ بالواقعية اكثر من القصة الادبية الخيالية المكتوبة. ولان في ذلك الوقت كانت الناس اولا الغالبية لا تقراء ولا تكتب. ثانيا ان الاطفال تنظر اكثر مما تقراء وهو ما يؤثر عليهم. لانهم في عالم شعور بالحس المادي اكثر من التفكير والاستيعاب. وبالتالي فان الرواية المصورة لاقت في ذلك الوقت نجاحا كبيرا لانها مختصرة ولانها تحمل الوضوح والحس المادي الملموس.
وكان توبفير يؤكد على الاهتمام برسم ملامح التعبيرات.. فيقول ان رسم وجه مبالغ فيه او مشوه نسبيا كان تكون العين قريبة من الانف قادرة على تحريك مشاعر المشاهد وايصال الحكاية اليه.. كما يذكر توبفير بانه من الممكن خلق اسلوب تصوير دون ان يكون الشخص قد درس الطبيعة مسبقا او تعلم الرسم في الاكاديمية. ان رسم الخط كما يقول هو شئ رمزي اصطلاحي لذلك من السهل فهمه من قبل الطفل. بالمقابل يصعب عليهم حل رموز اللوحات الفنية الواقعية او الحديثة. ولهذا فان الفنان الذي يستخدم تلك اللغة المختصرة من السهل ان يحكي رواية ويهز المشاهد والقارئ دون ان يشعره بنقص في العمل التصويري.. ويؤكد توبفير بان رسوم شخوصه قد ولدت من خلال لعب فرشاته بالخطوط والاشكال ليس الا.. وان كل ما يحتاجه الرسام هو مواد رسم ومثابرة على الرسم ثم القدرة على رسم ملامح الاشخاص. وهكذا فان لغة توبفير وتلاميذه يمكن بسهولة فهمها الى جانب الرواية المكتوبة.
لماذا كان وجه الانسان ضحية للمبالغة والتشويه؟
ان كلمة كاريكاتير لم تظهر في اوربا الا في القرن السادس عشر وكان الاخوان البولونيين كاراكثي carracci هما اول من بدا في رسم الكاريكاتير وكان لديهم تخوف من رسم الاشحاص وتشويهها لذلك كانا يعملا تجارب على رسم وجوه الحيوانات ويبالغون ويشوهون. وقد عثر على اقدم رسوم لهما عام 1600 م. وبالتالي كانت هناك مشكلة من الاقتراب من الانسان لان المجتمع يومذاك تتحكم فيه الجدية والاخلاق والتقاليد والدين وليس من الممكن الاستهزاء والضحك على الاخرين بتشويه اشكالهم. لان ذلك يولد كراهية ومشاكل. خاصة ان هناك كان قانون الانتقام بالمبارزة سائدا في ذلك المجتمع. كما ان الطبقة الاستقراطية ورجال الدين يسيطرون على المجتمع بقوة.
و يعتبر الرسم الكاريكاتيري الذي رسمه الفتان الفرنسي دومير Daumir والذي يمثل الملك لويس فيليب نوع من التحدي. حيث رسمه على شكل فاكهة الكمثري وقد رسمه بطريقة فنية تدريجية من الواقعية الى شكل الكمثري تحت عنوان – الرجل النهم – وقد نشر الرسم فيلبون صاحب جريدة جاريباري. وكانت النتيجة ان غرم صاحب الجريدة وسجن الرسام دومير.
وهذا يعطينا السر في قدرة الكاريكاتير على مسخ الشئ الاصلي بالتدريج الى شئ اخر.و كأن ذلك عملية سحرية. وكان كل اكتشافات الفنانين في ذلك الوقت لم تكن للشبه وانما للمعادلة يعني ذلك من ناحية نقدية مثلا ان هذا الشكل يعادل القرد يعني سلوكه او شكله هو قرد. وكذلك عندما نرى الكمثري تشبه الملك لويس. وهكذا يكون هناك رد فعل لكل شئ غريب خارج عن التقاليد ولازال بعض الاشخاص لحد اليوم يعتبر رسم كاريكاتير البوتريت اهانة وسخرية.
ويعتبر الفنان الفلسطيني ناجي العلي اعظم فنان كاريكتيري عربي. ولد في قرية الشجرة في فلسطين عام 1938 واعمل في عدة صحف عربية ونشر حوالي 40 الف رسم كاريكاتيري وعدة مجاميع كاريكاتيرية. وفي اخر حياته كان يرسم في جريدة القبس الكويتية ثم نقلوه الى لندن للعمل هناك بنفس الصحيفة ثم اغتالوه عام1987 في لندن. وقال عنه الشاعر الفلسطيني محمود درويش ان ناجي العلي هو القضية الفلسطينية.
***
د. كاظم شمهود