أقلام حرة
رافد القاضي: رسائل غير معلنة بين الصمت والصراخ
اسرار صراعات الزوجة اثناء زيارة اهلها في دار الزوجية.. قراءة نفسية واجتماعية
إن زيارة أهل الزوجة في بيت الزوج قد تتحول أحيانًا إلى لحظة توتر وصراع خاصة عندما تصر بعض الزوجات على الصياح وخلق المشاكل وافتعال المواضيع مع الزوج. هذه التصرفات ليست مجرد انفعال عابر، بل هي غالبًا نتيجة لتشابك عدة عوامل نفسية، اجتماعية، وثقافية. لفهم هذا السلوك، يجب النظر إلى الجوانب المختلفة التي تؤثر على المرأة أثناء هذه الزيارات، وكذلك على تفاعل الزوج معها.
أولًا: شعور الزوجة بالضغط النفسي والاجتماعي
زيارة أهل الزوجة في بيت الزوج غالبًا ما تحمل معها شعورًا بالرقابة والملاحظة وحتى إذا كانت العلاقة الزوجية مستقرة فإن وجودها في بيئة جديدة ومشاركة أفراد الأسرة في حياتها اليومية يثير توترًا داخليًا.
هذا التوتر يمكن أن يتحول إلى صراخ أو جدال أو افتعال مواضيع، كرد فعل نفسي للتنفيس عن الضغوط المكبوتة، أو لإظهار استقلاليتها وحدودها الشخصية في موقف تشعر فيه بأنها مراقبة أو مضطرة للتصرف بطريقة معينة أمام أهلها.
ثانيًا: الصراع بين الانتماء للأسرة والالتزام بالزوجية
الزوجة، عند استضافة أهلها في بيت زوجها، قد تعيش توترًا بين شعورها بالانتماء لأسرتها وواجباتها تجاه زوجها وهذا الصراع النفسي يظهر أحيانًا في صورة صياح وافتعال مواضيع، كوسيلة لتأكيد نفسها أمام الطرفين.
فعندما تشعر بأن الزوج أو أسرته لا يفهمون حاجاتها أو أن هناك ضغطًا من أحد الأطراف، قد تلجأ إلى خلق جدالات كوسيلة دفاعية، محاولةً بها إعادة توازن القوى العاطفية والاجتماعية في الموقف.
ثالثًا: التعبير عن احتياجات عاطفية مكبوتة
غالبًا ما يكون الصياح وخلق النزاعات رسالة غير مباشرة عن مشاعر مكبوتة أو احتياجات عاطفية لم تُلبَّ بعد.
المرأة قد تشعر بأن الزوج غير متجاوب بما يكفي عاطفيًا أو معنويًا، وتخرج هذه المشاعر في شكل صراع ظاهر عند وجود أفراد أسرتها وفي بعض الأحيان، يكون افتعال المواضيع مجرد تنبيه للزوج لضرورة الاهتمام والدعم النفسي، وليس رغبة حقيقية في خلق المشاكل.
رابعًا: الأنماط السلوكية المكتسبة
العديد من النساء يتعاملن مع الضغوط بأسلوب الصراخ والجدال نتيجة أنماط سلوكية مكتسبة منذ الطفولة أو من التجارب العائلية السابقة.
إذا كانت المرأة معتادة على حل المشكلات أو التعبير عن الغضب بالصياح، فإن أي موقف مماثل قد يثير هذه الأنماط تلقائيًا خصوصًا في وجود أهليها في بيت الزوج.
خامسًا: الدفاع عن الذات وإعادة ضبط الحدود
في بعض الأحيان، ترى الزوجة أن وجودها مع أهلها في بيت الزوج يهدد شعورها بالمساحة الشخصية أو استقلاليتها.
الصياح وافتعال المواضيع يصبح وسيلة لإعادة فرض الحدود وإظهار سيطرتها على الموقف، حتى لو بدا للزوج أنه تصرف سلبي أو مفتعل.
بالنسبة للزوجة، هذه الطريقة قد تكون وسيلة لحماية كرامتها واحترامها أمام أسرتها وزوجها في نفس الوقت.
آثار هذا السلوك على العلاقة الزوجية
1. زيادة التوتر والاحتكاك اليومي، ما قد يؤدي إلى صراعات أكبر في المستقبل.
2. ضعف التواصل العاطفي إذا لم يفهم الزوج طبيعة الرسائل الخفية وراء الصياح.
3. إحباط الطرفين إذا لم يتم التعامل مع السبب الجذري للسلوك.
4. تأثير سلبي على الأطفال أو الأقارب الحاضرين، حيث تتحول الزيارة إلى موقف متوتر بدلاً من مناسبة للتواصل والفرح.
كيفية التعامل مع هذا السلوك:
1. الفهم قبل الرد.
الزوج الحكيم يرى الصياح كـ إشارة لمشكلة أو شعور مكبوت، وليس مجرد تحدٍ شخصي.
2. التواصل الهادئ والمباشر.
التحدث عن المشاعر والتوقعات قبل الزيارة وبعدها، لتقليل سوء الفهم.
3. التحلي بالصبر والهدوء.
الانفعال المضاد يزيد الصراع، بينما الهدوء يقلل التوتر ويظهر الاحتواء العاطفي.
4. دعم احتياجات الزوجة العاطفية.
إظهار الاهتمام والتقدير يقلل شعورها بالإهمال ويدفعها لخفض حدة التصرفات.
5. وضع حدود واضحة أثناء الزيارات.
الاتفاق على سلوكيات مقبولة يخفف الاحتكاك ويجعل التفاعل أكثر توازنًا.
6. اللجوء للاستشارة الأسرية عند الحاجة.
وجود طرف محايد يساعد على فهم الأسباب الحقيقية للسلوك، ويقترح حلولًا عملية للحفاظ على العلاقة.
ان الصياح وافتعال النزاعات أثناء زيارة أهل الزوجة في بيت الزوج ليس هجومًا شخصيًا، ولا دليلًا على ضعف الحب أو العلاقة. بل هو غالبًا رسالة عن احتياجات غير مُلباة، ضغوط نفسية، وصراع داخلي بين الانتماء للأسرة والحفاظ على الحياة الزوجية.
الزوج الذي يفهم هذه الرسائل ويستجيب لها بحكمة وصبر، لا يحافظ على العلاقة فحسب، بل يبني أساسًا من الثقة، الطمأنينة، والتفاهم العميق، حيث تتحول الصراعات إلى فرص للتقارب، والجدالات إلى دروس في الصبر والتقدير.
في النهاية، الهدوء والحوار والتفهم، هي أدوات القوة الحقيقية التي تحول زيارة قد تحمل توترًا إلى تجربة إيجابية، تجعل العلاقة الزوجية مساحة أمان ودعم، بدل أن تكون ساحة صراع وتوتر.
***
د. رافد حميد فرج القاضي







